عدد الرسائل : 14822 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
موضوع: الترغيب في الإكثار مِن الصيام في شهر شعبان الجمعة 5 مايو 2017 - 11:11
الترغيب في الإكثار مِن الصيام في شهر شعبان خطبة ألقاها: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي يعلم سِرَّ كل نفس ونجواها، وأحاط علمه بجميع أقوال وأفعال عباده وأحصاها، ويوم القيامة يجازيهم فيكرم مَن زكاها، ويعذب مَن دسَّاها، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المبعوث بأكمل الشرائع وأسناها، والبالغ أرقى الرُّتب وأعلاها، وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين عَضُّوا على سُنَّته بالنواجذ وتمسَّكوا بعُراها، وعنَّا معهم يا خالقنا ومولانا.
أما بعد، أيها المسلمون:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله – عزَّ وجلَّ -، فاتقوا الله في السِّر والعلن، وراقبوه مراقبة أصحاب القلوب الخاشية، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وإياكم والأمن مِن مكره، والقنوط مِن بِرِّه، وتعرَّضوا لأسباب رحمته ومغفرته، واعملوا كل سبب يُوصلكم إلى رضوانه وفضله العظيم، ويُقرِّبكم مِن جنَّته، ويباعدكم عن ناره، فإن رحمة الله قريب مِن المحسنين، وقد قال ربكم – جلَّ وعلا – آمرًا لكم بتقواه ومحاسبة نفوسكم ومحذرًا مِن نسيانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
واعلموا أن مِن أعظم ما تقرَّب به المتقربون إلى الله ربهم، وأوصلهم المنازل العالية، وهذَّب نفوسهم وأخلاقهم، ورقَّق قلوبهم وأصلحها، وأعفَّ عن الحرام فروجهم وألسنتهم، عبادة الصيام، تلك العبادة التى صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأنها: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: "إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي” )).
وثبت عن أبي أمامة – رضي الله عنه – أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مُرْنِي بِعَمَلٍ لِعَلِيِّ أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ وَلَا امْرَأَتُهُ وَلَا خَادِمُهُ إِلَّا صِيَامًا، فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ قِيلَ: اعْتَرَاهُمْضَيْفٌ )).
أيها المسلمون:
إنكم قد دخلتم في أوائل أيام شهر شعبان، وما أدراكم ما شهر شعبان؟ إنه شهر تُرفع فيه أعمال العباد إلى ربهم – عزَّ وجلَّ -، فهنيئًا لمن رُفعت أعماله الطيبة فيه وهو صائم، فقد ثبت عن أسامة بن زيد – رضي الله عنه – أنه قال: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَشَهْرِ رَمَضَانَ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ لِي عَمَلٌ إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ )) وصحَّ عن عائشة – رضي الله عنها – أنها سُئلت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (( وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا )) فبادروا – سدَّدكم الله وقوَّاكم – إلى الاقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم بالصيام في شهر شعبان، والإكثار منه، حتى إذا رُفعت أعمالكم إلى ربكم سبحانه، رُفعت وأنتم مِن الصائمين. أيها المسلمون: لقد تكاسل وتشاغل أكثرنا عن صيام التَّطوع رغم ما ورَد في شأنه مِن الأحاديث الكثيرة المبيِّنة لأنواعه، والمرغِّبة فيه، والمعدِّدة لثماره الجليلة، وما فيه مِن الحسنات الكثيرة، والأجور الكبيرة، والمكاسب الطيبة التي تنفع العبد في دنياه وأخراه. ولمَّا كانت النفوس تَتُوق وتتشوَّق لِما له فضائل، فدونكم – سلَّمكم الله – جملة مِن فضائل صيام التطوع، والتنفل بالصيام.
فمِن هذه الفضائل:
أنه مِن أسباب تكفير الذنوب والخطايا. حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ )). ومِن هذه الفضائل: أنه مِن أسباب البُعد والعِفَّة عن الحرام. حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ](( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ))[ ومِن هذه الفضائل: أنه يُسَدُّ به يوم القيامة النقص والخلل الذي وقع مِن صاحبه في صيام الفريضة. حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نحو ذَلِكَ )). ومِن هذه الفضائل: أنه مِن أسباب نيل العبد محبَّة ربه – جلَّ وعلا – له، وتسديده له في أقواله وأفعاله، وإجابة دعوته. حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).[
هذا وأسأل الله أن يعينني وإياكم على الإكثار مِن صيام شعبان، إنه سميع الدعاء.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة لعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد، أيها المسلمون: فلقد قال الإمام الحافظ ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: ونظير هذا رفْع الأعمال وعرْضها على الله تعالى، فإن عمل العام يُرفع في شعبان، كما أخبر به الصادق المصدُوق، أنه: (( شَهْر تُرْفَع فِيهِ الْأَعْمَالُ، فَأُحِبّ أَنْ يُرْفَع عَمَلِي وَأَنَا صَائِم ))، ويُعرض عمل الأُسبوع يوم الاثنين والخميس، كما ثبت ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم في "صحيح مسلم”، ويُعرض عمل اليوم في آخره، والليلة في آخرها، كما في حديث أبى موسى الذى رواه مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ))، [ ثم إذا انقضى الأجل رُفع العمل كله، وعُرض على الله، وطُويت الصحف، وهذا عرض آخر .اهـ أيها المسلمون: مَن كان منكم أو مِن أهليكم قد بقيت عليه أيام مِن شهر رمضان الماضي لم يصمها فليبادر إلى قضائها قبل أن يدخل عليه شهر رمضان الجديد. ومَن فرَّط فأخَّر القضاء بعد تمكنه منه حتى دخل عليه رمضان آخر، فإنه آثمٌ وعليه مع القضاء فدية وكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم أخَّرَه. وقد جاء في كتاب "الإقناع في مسائل الإجماع” لابن القطان الفاسي المالكي – رحمه الله -: ومَن أمكنه القضاء فلم يقض حتى دخل رمضان آخَر فقد عصى بتأخير القضاء إلى هذا الوقت، ومَن أخَّرَ القضاء عن وقته فإنه يصوم رمضان الذي حصل فيه باتفاق، فإذا خرج قضى ما كان عليه، وعليه الفدية عن كل يوم، وبه قال عديد أهل العلم، وهو عندنا إجماع الصحابة.اهـ
وصحَّ عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: (( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ )).
هذا وأسأل الله الكريم أنْ يُجنبني وإياكم الشرك والبدع، اللهم ارزقنا لزوم التوحيد والسُّنة والاستقامة عليهما إلى الممات، وطهِّر أقوالنا وأسماعنا وجوارحنا عن كل ما يغضبك، واشرح صدورنا بالسُّنة والاتباع، وآمنا في مراكبنا ومساكننا ومساجدنا وأعمالنا وأسفارنا، وأصلح ولاتنا وأهلينا وأولادنا، وثبتنا في الحياة على طاعتك، وعند الممات على قول لا إله إلا الله، وفي القبور عند سؤال منكر ونكير، اللهم ليِّن قلوبنا قبل أن يُليِّنها الموت، واجعلها خاشعة لذكرك وما نزَل مِن الحق، اللهم ارفع الضر عن المتضررين مِن المسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والاقتتال، وأزل ما بهم مِن خوف وجوع، وقهم الأمراض والأوبئة، وأعذهم مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم قاتل النصيريين والحوثيين والخوارج ومَن عاونهم وساندهم، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يُرَد عن القوم المجرمين، ومزِّقهم في الأرض كل مُمزَّق، واخذلهم في العالمين، إنك سميع الدعاء.
أن مرت الأيام ولم تروني فهذه مواضيعي فتذكروني وأن غبت يوما ولم تجدوني ففي قلبي حبكم فلاتنسوني وأن طال غيابي عنكـــــــم دون عودة فأكون وقتهـــا بحاجة للدعاء فأدعو لي