القلب وأهميته في الأعمال أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
كاتب الموضوع
رسالة
HOUWIROU Admin
عدد الرسائل : 14793 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
موضوع: القلب وأهميته في الأعمال أ. د. عبدالله بن محمد الطيار الجمعة 5 مايو 2017 - 11:22
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ رواه البخاري.
والله - سبحانه وتعالى - لم يخلق الخلق سدًى، ولم يتركهم هملاً، بل جعلهم موردًا للتكليف، ومحلاًّ للأمر والنهي، وأعطاهم ما يميزون به ويعقلون؛ السمع والأبصار والأفئدة، وذلك منه - سبحانه - نعمة ومنَّة وتفضُّلاً.
فمن استعمل هذه الجوارح في طاعته وسلك بها طريق الهدى، ولم يسلك بها طريقًا عوجًا، فقد قام بشكرها، ومن ابتغى وراء ذلك، فقد خسر وسيحاسب يوم العرض على الله، وصدق الباري - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
وكل عضو في الإنسان خلق لفعل خاص، يتحقق به الخير والسعادة؛ إذا وُظِّف فيما خُلِق له، والقلب هو مَلِكُ هذه الأعضاء، وهي جنوده تصدر كلها عن أمره، فكلها تحت سلطانه، يوجهها فيما يشاء، ومنه تكتسب الاستقامة والزيغ، ولا يمكن أن تقوم بشيء إلا عن قصد القلب ونيته، وهو المسؤول عنها كلها؛ لأن كل راع مسؤول عن رعيته.
لقد خلق الله القلب؛ ليعلم الإنسان به الأشياء، وخلق العين ليرى بها الأشياء، والأذن ليسمع بها، والرِّجل للسعي، واليد للبطش، واللسان للنطق، والفم للذوق، والأنف للشم، والجلد للمس، فإذا كان القلب مشغولاً بالله، عاقلاً للحق، مفكِّرًا في العلم، فقد وضع، كما أن العين إذا صرفت إلى النظر في الأشياء، فقد وضعت في موضعها، وإذا صرف القلب عن الله، فقد نسي ربَّه، وهنا يسرح ويمرح في الباطل، وسيبقى يتقلَّب في أودية الأفكار، وأقطار الأماني التي لا نهاية لها، وبهذا ينشغل فيما يضره، ويبعده عن الله، ويبقى في ظلمة الأفكار، وكثيرًا ما يكون ذلك عن كبر يمنعه من أن يطلب الحق، وصدق الله العظيم: ﴿ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل : 22].
وقد يعرض له الهوى بعد أن عرف، فيجحده ويعرض عنه؛ كما قال – تعالى -: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾ [الأعراف: 146].
هذه حال الجوارح، وحال ملكها وقائدها، وملكها القلب؛ فهل فكرنا في تدبُّر أمورنا اليوميَّة في حياتنا التي نعيشها؟
إن المسلم في يومه وليلته يؤدِّي أعمالاً كثيرة من الفرائض والنوافل، وأعمال البيت والوظيفة، ومتابعة الأهل والأولاد، ولكن ما نصيب النية الحسنة؟ ما نصيب توظيف القلب في هذه الأعمال؟
لا بد لنا من وقفة نراجع بها حساباتنا، إن العمل الواحد يعمله الرجلان، يفوز أحدهما بالثواب الجزيل، ويُحْرَمُ الآخر الأجر بسبب النية، أرأيتم كيف يذهب شخصان إلى الدوام؛ أحدهما قبل خروجه من منزله ينوي أنه يؤدي الواجب الذي أنيط به، وينوي أنه يأخذ رزقًا حلالاً ينفق منه على نفسه وأهل بيته، والآخر يقوم من فراشه وقد بال الشيطان على أنفه، ويذهب متبرِّمًا يريد إنهاء ساعات العمل بأي شكل من الأشكال، حتى ولو كان ذلك بالكذب والتحايل، والخروج والجلوس في مكان آخر، والتهرب من العمل، إلى غير ذلك من الحِيَل الشيطانية التي لا تنفعه يوم الحساب، فالأول مأجور؛ لأنه فرَّغ قلبه للعمل المكلَّف به، والثاني مأزور؛ لأنه أخل بالواجب، وفرَّط فيما كُلِّف به، وهكذا كل أعمالنا اليومية.
فالمدرسون والمدرسات صبيحة كل يوم وهم يدخلون قاعات الدرس - تتفاوت نيَّاتهم وأجرهم، دونما شكٍّ على حسب نيَّاتهم، وهكذا الأطباء والفلاحون، والتجار وأصحاب المحلات، كل هؤلاء ينبغي أن يستصحبوا النيَّة الحسنة في أعمالهم؛ لأنهم سيؤدون هذه الأعمال؛ فإما أن تكون عادات أو عبادات.
والفرق دقيق بينهما: وهو النية الحسنة، وصدق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))؛ رواه البخاري.
ويقول الله - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].
نسأل الله - جل وعلا - أن يحفظ علينا أمننا وطمأنينتنا، وأن يحفظ ولاة أمرنا، ويوفقهم لكل خير.
((أ. د. عبدالله بن محمد الطيار))
أخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن مدار الأعمال على القلوب، متى صلحت، صلحت الأعمال كلها، ومتى فسدت، فسدت الأعمال كلها التي تصدر من سائر الجوارح.
فحياة المسلم كلها عبادة إذا استصحبتِ النية الصالحة، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام : 162 - 163].
بل إن اللقمة التي يضعها في فيِّ امرأته صدقة يؤجر عليها، بل تجاوز ديننا هذا الأمر، وجعل الشهوة يأتيها المسلم بنية حسنة، فإنه يؤجر عليها، وصدق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فكذلك إذا وضعها في الحلال))؛ رواه أحمد.
وهذا الأمر يتميز به شرعنا المطهر؛ فنحمد الله الذي هدانا للإسلام، ونسأله - سبحانه - أن يثبتنا عليه إلى أن نلقاه.
فالنية رأس الأمر وعموده وأساسه، وأصله الذي عليه ينبني، فإنها روح العمل وقائده وسائقه، والعمل تابع لها ينبني عليها بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة.
يقول العلامة ابن القيم:
وقد جرت عادة الله التي لا تبدَّل وسنته التي لا تحوَّل أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه - ما هو بحسب إخلاصه ونيته، ومعاملته لربِّه، ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة - ما هو اللائق به، فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء.
وقد شرط الله لقبول العبادات وصحتها - أن تكون خالصة له - سبحانه - وأن ينوي بها العبد التقرُّب إلى الله، وإلا كانت عادة وليس عبادة.
يقول الله - تعالى -: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، وثبت في الصحيحين وغيرهما: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))؛ رواه البخاري، ومسلم.
وفساد النية في الغالب مرجعه إلى الشبهات والشهوات، فإذا كثرة الشكوك والشبهات سبب ذلك الانحراف، وكذلك إذا كثر ورود شهوات على القلب، أُشْرِب حبها، وأخذ يسعى في تحقيقها، وصدق الله العظيم: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود : 15 - 16].
((أ. د. عبدالله بن محمد الطيار))
أن مرت الأيام ولم تروني فهذه مواضيعي فتذكروني وأن غبت يوما ولم تجدوني ففي قلبي حبكم فلاتنسوني وأن طال غيابي عنكـــــــم دون عودة فأكون وقتهـــا بحاجة للدعاء فأدعو لي
القلب وأهميته في الأعمال أ. د. عبدالله بن محمد الطيار