مع آية: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء)
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة: 51، 52].
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى:
يرشد تعالى عباده المؤمنين حين بيَّن لهم أحوال اليهود والنصارى وصفاتهم غير الحسنة - ألا يتخذوهم أولياء؛ فإن ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾، يتناصرون فيما بينهم، ويكونون يدًا واحدة على مَن سواهم، فأنتم لا تتخذوهم أولياء؛ فإنهم هم الأعداء على الحقيقة، ولا يبالون بضركم، بل لا يدخرون من مجهودهم شيئًا على إضلالكم، فلا يتولاهم إلا من هو مِثلهم؛ ولهذا قال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾؛ لأن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يكون العبد منهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾؛ أي: الذين وَصْفُهم الظلم، وإليه يرجعون، وعليه يعولون، فلو جئتهم بكل آية ما تبعوك ولا انقادوا لك، ولما نهى الله المؤمنين عن توليهم، أخبر أن ممن يدعي الإيمان طائفة تواليهم، فقال: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾؛ أي: شك ونفاق وضعف إيمان، يقولون: تولينا إياهم للحاجة، فإننا ﴿ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾؛ أي: تكون الدائرة لليهود والنصارى، فإذا كانت الدائرة لهم، فتكون لنا عندهم يد يكافئوننا عنها، وهذا سوء ظن بالإسلام، قال تعالى رادًّا لظنهم السيئ: ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ﴾ الذي يعز به الله الإسلام على اليهود والنصارى، ويقهرهم المسلمون، ﴿ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ﴾ ييئس به المنافقون من ظفر الكافرين من اليهود وغيرهم، ﴿ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا ﴾؛ أي: ما أضمروا ﴿ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ على ما كان منهم وضرهم بلا نفع حصل لهم، فحصل الفتح الذى نصر الله به الإسلام وأذل به الكفر والكافرين، فندموا وحصل لهم من الغم ما الله به عليم، ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [المائدة: 53] متعجبين من حال هؤلاء الذين في قلوبهم مرض: ﴿ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ﴾ [المائدة: 53]؛ أي: حلفوا وأكدوا حلفهم وغلظوه بأنواع التأكيدات: إنهم لمعكم في الإيمان وما يلزمه من النصرة والمحبة والموالاة، ظهر ما أضمروه، وتبيَّن ما أسروه، وصار كيدهم الذي كادوه، وظنهم الذي ظنوه بالإسلام وأهله باطلاً، وبَطَل كيدهم، ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ [المائدة: 53] في الدنيا، ﴿ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 53] حيث فاتهم مقصودهم، وحضرهم الشقاء والعذاب[1].
ما ورد في سبب نزول الآية الكريمة:
ورد في سبب نزول هذه الآية أن عبادة بن الصامت الأنصاري وعبدالله بن أُبي كان لكل منهما حلفاء من يهود المدينة، ولما انتصر رسول الله والمؤمنون في بدر اغتاظ اليهود وأعلنوا سوء نياتهم، فتبرَّأ عبادة بن الصامت من حلفائه ورضي بموالاة رسول الله والمؤمنين، وأَبَى ابن أُبي ذلك، وقال بعض ما جاء في هذه الآيات[2].
المصدر / الالوكه