الإقرار و البينة يعتبران من الأدلة العامة في النسب وفي غيره ،وهي الأدلة التي تستعمل قضاء لإثبات حقوق ما ومنها النسب .فقد أباح القانون للشخص أن يثبت نسب شخص اخر منه ،كأم تدعي بنوة طفل معين أو أب يدعيها أو يقوم الإبن بادعاء أمومة امرأة معينة أو أبوة أب معينة ،كما أجاز له أن يدعي أخوة أو عمومة شخص اخر،وسمي ذلك اقرارا أو دعوى النسب في الفقه ،ويمكن أيضا إثبات النسب عن طريق البينة وهذا ما يجعل النسب يكشف بعد أن كان ناشئا .
هذا وقد تمت إظافة فقرة ثانية للمادة 40 من قانون الأسرة فهذا بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة وهذا التعديل يفيد أنع يمكن إثبات النسب بالطرق العلمية الحديثة حيث تنص المادة 40 في الفقرة 02 على أنه :
"ويجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب " ومنه أصبح يجوز للقاضي من اللجوء للطرق العلمية لإثبات النسب أو نفيه الأمر يصلح في كلتا الحالتين .وهذا يعتبر قفزة هامة قام بها المشرع الجزائري في هذا المجال تماشيا مع التطورات العلمية خاصة تلك المتعلقة بالمجال البيولوجي ،لكن هذه القفزة وهذا الإدماج ورغم أهميته لا يخلو من العيوب و السلبيات والتعقيدات التي اثارت جدالات عدة في الوسط الفقهي القانوني.
وأيضا تثير عدة مشاكل عند التطبيق في الواقع العملي وهو الأمر الذي سنتناوله بتفصيل أكثر
في المبحث المخصص لشرحها.
لكن يشترط للإقرار بالنسب أو إقامة البينة أو اللجوء للإثبات بواسطة الطرق العلمية أن تكون
المعاشرة بين الرجل و المرأة تستند إلى علاقة شرعية حيث إذا كانت المعاشرة غير شرعية وخارج إيطار عقد الزواج فإن الأقرار أو البينة والإثبات با لطرق العلمية لا قيمة له ولا يمكن إعتبارها كأدلة لإثبات النسب.
وتفصيلا لكل هذا ،نتعرض لكل من الإقرار والبينة في مبحث واحد ،ثم إلى الطرق العلمية الحديثة في مبحث مستقل ،كونه المسألة الأهم و الأمر المستجد في قانون الأسرة.
المبحث الأول : ثبوت النسب بالإقرار والبينة :
تنص المادة 40 من قانون الأسرة أنه :"يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أوبالبينة..."
المطلب الأول : ثبوت النسب بالإقرار :
الإقرار يعني الإعتراف ،فإعترف بالشيئ أي أقر به وهو إعلان الشخص صراحة أن شخصا معينا إبنه أو إبنته سواء كان المقر رجلا أو امرأة وسواء كان المقر له ذكر أو أنثى.
ثبوت النسب بالإقرار تضمنته المادتان 44 و 45 من قانون الأسرة الجزائري فقد نصت الأولى على أن : "يثبت النسب بالإقرار بالبنوة أو الأمومة ،لمجهول النسب ولو في مرض الموت متى صدقه العقل أو العادة."
ونصت الثانية على أن :" الإقرار بالنسب في غير البنوة و الأبوة ،والأمومة لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه "
و من تحليل هذين النصين نستخلص أنه يوجد نوعين من الإقرار وهما :
- الإقرار بالبنوة أو الابوة أو الأمومة.
- الإقرار في غير البنوة والأبوة والأمومة.
نتناولها في الفرع الأول :
الفرع الأول : أنواع الإقرار :
أولا : الإقرار بالبنوة أو الأمومة أو الأبوة :
و هو ما يعرف عند الفقهاء بالإقرار بنسب محمول على المقر نفسه ، هذا النوع من الإقرار يثبت به النسب متى توفر شرطين مهمين طبقا للمادة 44 المذكورة أعلاه :
-أ- أن يكون المقر له بالبنوة مجهول النسب من جهة الأب إذا كان الذي يدعيه رجلا ومن جهة الأم إذا كانت التي تقر به امرأة ، لأنه إذا كان المقر له معلوم النسب إلى أب معين لم يصح الإقرار ويصبح تبني،وتنطبق عليه أحكام المادة 46 من هذا القانون.
ويعتبر إبن الملاعن في حكم معلوم النسب فلا يجوز ادعاؤه أو الإقرار ببنوته لإحتمال تكذيب الملاعن نفسه أما الإقرار بالأبوة و الأمومة أن يكون المقر مجهول النسب من جهة الأب إن كان
يقر بالأبوة ومن جهة الام إن كانت تقر بالأمومة (1).
-ب- أن يصدقه العقل و العادة وهو ما يعرف عند الفقهاء أن يولد مثل المقر له بالنسب من مثل المقر ،يعني أن يكون من الممكن أن يولد مثل هذا الولد للمقر،فإذا لم يكن بينهما فارق في السن يسمح بأن يلد المقر مثل المقر له، بطل هذا الإقرار لإستحالة هذه الولادة ،فلا يثبت نسب(2).
مثلا : لا يعقل أن يكون سن المقر بالأبوة عشرين سنة بينما المقر له بالبنوة في العشر سنوات.
بالإضافة إلى الشروط التالية :
-ج- أن لا يصرح المقر أثناء إقراره بأن إبنه من زنا ،كون الزنا جريمة لا تصلح للنسب.
وبهذا جاء قرار المحكمة العليا :"إن العلاقة التي كانت تربط بين الطرفين علاقة غير شرعية إذ كلاهما اعترف ،بأنه كان يعاشرها حبه جنسيا فإن قضاة الإستئناف بإعطائهم إشهادا للمستأنف على إعترافه بالزواج وتصحيحه وإلحاق الولد بأبيه (...) خرقو بذلك أحكام الشريعة الإسلامية."(3)
-د- لا حاجة لتصديق المقر له بالبنوة سواء كان مميزا أو غير مميز لعدم إشتراط القانون ذلك وهذا ما نصت عليه المادة 45 من قانون الأسرة على أن الإقرار بالنسب في غير البنوة والأبوة والأمومة لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه ،فيكون قد إستثنى الإقرار بالبنوة من
التصديق (4).
أما فيما يخص الإقرار بالبنوة والأمومة أن يصدق الرجل الذي أقر له الأبوة أو المرأة التي أقر
لها بالأمومة وهو شرط لا يمكن تخلفه لإمكان التصديق من المقر له.
المشرع الجزائري في عدم إشتراطه هذا الشرط ،يكون قد اقتضى بما عليه فقهاء المذهب المالكي فهم لا يأخذون بهذا الشرط إذ يعتبرون أن النسب حق للولد على الأب ،فيثبت بإقرار الولد دون أن يتوقف ذلك على تصديق من الولد ،ما لم يثبت كذبه و أخيرا الإثبات بالبنوة أو الأبوة أو الأمومة ،فإنها متى حصلت وفقا للشرطين السابقين قامت العلاقة النسبية بين الشخصين وتترتب عليها الاثار القانونية من توارث و نفقة ....إلخ.
[rtl] [/rtl]
(1) د/ سعد فضيل ،المرجع السابق ،ص 219-220.
(2) أحمد محمود الشافعي ،المرجع السابق،ص 155.
(3) أحمد عمراني ،أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي و التلقيح الإصطناعي رسالة ماجيستسر في القانون الخاص سنة 2000 ص 57.
(4) د/ فضيل سعد ، المرجع السابق ،نفس الصفحة.
[rtl] ثانيا- الإقرار في غير البنوة أو الأبوة أو الأمومة : [/rtl]
وهو ما يعرف عند الفقهاء بالإقرار نسب المحمول على الغير ،هذا النوع من الإقرار يتم بين شخصين كلاهما ليس أهلا للاخر ولا فرع له وإنماقريبه قرابة الحواشي ،أي لهما أصل مشترك هو أبوهما ، إن كان الإقرار بالأخوة ،وجد المقر و أب المقر له إن كان الإقرار بالعمومة .
لصحة هذا الإقرار فإن الشروط السالفة الذكر وهي شرطين أن يكون الشخص الاخر مجهول النسب و أن يصدقه العقل و العادة ،المشرع الجزائري أضاف شرطا ثالثا إليهما وهو أن يوافق المحمول عليه بالنسب على هذا الإقرار.
ففي حالة الأخوة إن قال هذا أخي نشأت بينه وبين ذلك الشخص قرابة أخوة ولكن نسب الشخص من أبيه لا ينشأ إلا إذا إعترف بها الأب نفسه وقال "صحيح قوله" أو "صدق".
[rtl]فثبوت الإقرار بالأخوة معلق على تصديق المحمول عليه ( أي الأب ) على هذا الإقرار ،وبالتالي
إن لم يصادق المحمول عليه فيبقى للمقر ،إن أصر على إقراره أن يرفع دعوى أمام القضاء يدعمها بالبينة لتثبيت النسب ،وباللجوء للخبرة بواسطة الطرق العلمية المستحدثة كطريقة من طرق إثبات النسب في المادة 40 من قانون الأسرة وهذا بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 25 فبراير 2005 وتسمى هنا بإثبات النسب بالدعوى. [/rtl]
وفي حالة العمومة إن قال هذا عمي فإن العمومة تنشأ بينه كمقر بها وبين المقر له ،ولكن لا تلزم الجد إلا إذا وافق على هذا الإدعاء ولم يكذبه ،وأن يقيم المقر البينة على إقراره ، وهذا ما نصت عليه المادة45 من قانون الأسرة "الإقرار بالنسب في غير البنوة والأبوة والأمومة ،لا يسري على غي المقر إلا بتصديقه".فاثار ثبوت النسب بالإقرار بالبنوة وبالأخوة والعمومة فيهاحالتين :
الحالة الأولى :عندما يقع التصديق من الأب أو الجد تنتج اثار قانونية من توارث ونفقة...إلخ.
الحالة الثانية :عندما لا يقع التصديق من الأب أو الجد في إقراره فالنسب من الأب عند الأخوة ومن الجد عند العمومة لا يلزم من أنكر منهما وكذبه وإنما يلزم فقط من أقر بالأخوة والعمومة ،وهو أيضا موقف الفقه الإسلامي بلا خلاف وعليه فلو مات أب المقر عن طفلين مثلا أخذ أحدهما وهو الذي لم يقر نصف التركة ويأخذ الإبن المقر ثلث التركة ويأخذ المقر بالأخوة سدس التركة وهذا رأي الإمام مالك وأحمد في
حين أن الإمام الحنفي قال أنه يقاسمه نصيبه (1). وهنا الإقرار حجة قاصرة لا تتعدى اثارها المقر والمقر له ،أما المقر عليه وهو الأب أو الجد فلا تلزمه إلا بالتصديق على الإقرار .
وفي مجال إثبات النسب بواسطة الإقرار جاء عن المحكمة العليا :"من المقرر شرعا أنه يثبت النسب بالإقرار لقول خليل في باب بيان أحكام الإقرار ،ولزم الإقرار لحمل في بطن امرأة..."
كما أن إثبات النسب يقع التسامح فيه ما أمكن لأنه من حقوق الله فيثبت حتى مع الشك وفي الأنكحة الفاسدة طبقا لقاعدة إحياء الولد.
ومتى تبين في قضية الحال- أن المطعون ضده أقر بحمل الطاعنة بشهادة جماعة أمام الموثق
بتاريخ 06/04/1997 فإن هذه الشهادة لا تعتبر صلحا بل هي توثيق لشهادة جماعة عن إقرار المطعون ضده بحمل الطاعنة ،كما أن المادتين 341 و 461 من القانون المدني لا تنطبق على قضية الحال التي هي من قضايا الحالة التي يحكمها قانون الأسرة.
كما أنه لا يمكن الجمع بين الإقرار بالحمل وبالدفع بالمادة 41 من ق.أ التي تحدد مدة الحمل ،لأن الإقرار في حالة ثبوته يغنى عن أي دليل اخر ولا يحق للمقر أن يثير أي دفع لإبطال مفعول هذا القرار" (2)
الفرع الثاني : دعاوي النسب الثابتة من الإقرار :
هي نوعان : - دعاوى ليس فيها النسب على الغير.
- دعاوى فيها تحميل النسب على الغير.
أولا- دعاوى النسب التي ليس فيها النسب على الغير :
مثالها : أن يرفع الإبن دعوى ضد الأب طالبا الحكم بثبوت نسبه منه مجردا عن طلب اخر ،هذه الدعوى مقبولة أن المدعى عليه في الدعوى حي وهو الملزم مباشرة بها.
فدعاوى النسب تقبل مجردة إذا كان كلاهما على قيد الحياة أي في حالة البنوة أو الأخوة فهي
(1) د/ سعد فضيل ،المرجع السابق ،ص 221،222.
(2) المحكمة العليا غ أ ش 15/12/1998 ،رقم الملف 202430 المحلية القضائية عدد خاص 2001 ص77
[rtl] تقبل مباشرة إذا رفعت من الأب لإثبات بنوة الإبن أو العكس الإبن لإثبات أبوته بأن يقر الولد [/rtl]
بأن فلانا أبوه لأنها تخصه شخصيا،ولكن في حالة وفاة المدعي عليه أي الأب أو الأم أو الإبن ، حسب الحالات ،فهذه الدعوى لا تقبل إلا إذا اقترنت بعقد اخر ،كون المدعي منه النسب غائب ،والدعوى على الغائب لا تقبل إلى ضمن دعوى أخر على حاضر....(1).
ثانيا- دعاوى النسب التي فيها تحميل على الغير :
مثالها :أن يرفع المدعي دعوى بطلب الميراث ،فينكر المدعى عليه صفته التي يستند عليها في الميراث ،فعلى المدعي أن يثبت دعواه و لأن يثبت نسبه من المتوفي الذي يريد حصته في تركته ، هذا كون المقصود الأصلي من الدعوى هو الحق المترتب على ثبوت النسب إذا أن الأنتساب إلى الميت ليس هو الهدف ،بل يبقى مجرد وسيلة لإثبات الحق المتنازع فيه والخصم ليس من حمل عليه النسب وإنما هو كل من له أو عليه حق في التركة كالورثة أو قد يكون الوصي أو الموصي له ،وقد يكون الدائن.
فبوفاة من يدعي الإنتساب إليه لا تسمع الدعوى،إلا إذا كانت ضمن حق اخر على شخص حاضر.(2)
الفرع الثالث : تمييز نظامي التبني واللقيط عن النسب الثابت بالإقرار
لقد أبطل الإسلام نظام التبني وأمر من تبنى أحدا ألا ينسبه إلى نفسه ،وإنما ينسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف ،فإن جهل أبوه دعي أخا في الدين ،وفي ذات الوقت فتح الإسلام للناس باب الإحسان والمعروف على مصراعيه ،فللإنسان مطلق الحرية في أن يربي وأن يعلم من يشاء من
الأطفال اليتامى ،ويدخل في اليتامى اللقطاء وأبناء الزنا، وعلى دربه سار المشرع الجزائري في
في أحكامه لكن مانلاحظه أن الكثيرين لا يميزون بين كل من نظام التبني ونظام الإقرار بالنسب
،ويجعلانهما نظاما واحدا ،إلا أن الأمر خلاف ذلك تماما فالإقرار بالنسب هو إقرار نسب
صحيح شاءت ظروف خاصة بالأبوين عدم تثبيته في وقته، فالإقرار عبارة عن كشف واقعة
(1) د/ سعد فضيل ،المرجع السابق ،ص 221،222.
(2) المحكمة العليا غ أ ش 15/12/1998 ،رقم الملف 202430 المحلية القضائية عدد خاص 2001 ص77
شرعية صحيحة وليست إثبات واقعة جديدة ويشترط فيه أساسا :- أن يكون المقر له مجهول النسب وألا يكون من نتاج علاقة زنا ،وبالتالي فالنسب الثابت بالدعوة نسب حقيقي ،وهو يختلف عن التبني الذي يشجعه البعض لحل أزمة اللقطاء و الأولاد غير الشرعيين في البلاد.
أما التبني فهو عقد ينشئ بين شخصين علاقات صورية ومدنية محضة لأبوة أو بنوة مفترضة، وقد ورد في الايتين الكريمتين 4و5 من سورة الأحزاب قوله تعالى :"وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم ،والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ،أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ،فإن لم تعلموا آبائهم ،فإخوانكم في الدين ومواليكم."
وتأييدا لهذا المعنى ورد النص في المادة 46 من قانون الأسرة على أنه "يمنع التبني شرعا و قانونا".
وهذا ما جاء في قرار للمحكمة العليا الصادر في 21/11/2000 ملف رقم 246924 (1) ،حيث جاء فيه أنه "يمنع التبني شرعا وقانونا..." فمن خلال هذا القرار قرر قضاة المحكمة العليا كل ما ذكر انفا وميزوا بين التبني والنسب الصحيح سواء قد تم إثباته بالإقرار ،أو بأية وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في المادة 40 من قانون الأسرة ،فيثبت من الآيتين السالفتين الذكر والنص القانوني أنها إتفاقا على أن التبني الذي يهدف إلى إدعاء البنوة ولو معروف النسب أو مجهول النسب أمر محرم شرعا وقانونا فنجد في قرار للمحكمة العليا :
"من المقرر أنه يمنع التبني شرعا وقانونا ،ومتى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده لم يكن إبنا شرعيا للمتبني ، فإن للمدعية الحق في إخراجه من الميراث لأن التبني ممنوع شرعا وقانونا...."(2)
ومنه لا يجوز لأي مسلم جزائري أن ينسب فلانا إليه ويسجله تحت لقبه وإسمه في سجلات الحالة المدنية، لا مباشرة أمام ضابط الحالة المدنية ،ولا بموجب حكم قضائي ،وكل تصرف مخالف لذلك يمكن أن يعرض فاعله إلى إتهامه بالتزوير ومعاقبته بمقتضى قانون العقوبات.(3) ،ومن هنا أصبح التبني لا يثبت به نسب من المتبني ولا يترتب عليه أي حق من الحقوق الثابتة بين الآباء والأبناء.
(1) مجلة قضائية، العدد الثاني سنة 2001 - ص 297
(2). المحكمة العليا غ أ ش قرار في 28/06/94 ملف رقم 129761 المجلة القضائية عدد خاص 2001 ص 155.
(3) د/عبد العزيز سعد ،المرجع السابق ،ص220
لكن المشرع الجزائري منع نظام التبني ،إلا أنه أقر نظام الكفالة والذي نص عليه في قانون الأسرة من المادة 116 إلى المادة 125، والكفالة إلتزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية و رعاية قيام الأب بإبنه وتتم بعقد شرعي (المادة116 ).
نصت المادة 119 : "الولد المكفول إما أن يكون مجهول النسب أو معلوم النسب " أما المادة 120 :"يجب أن يحتفظ الولد المكفول بنسبه الأصلي إن كان معلوم النسب ،و إن كان مجهول النسب تطبق عليه المادة 64 من قانون الحالة المدنية." (1)
وبالرغم من هذه النصوص التشريعية الصريحة في منع التبني ، فإن المرسوم التنفيذي رقم
92-24 الصادر في 13 جانفي 1992 والمتعلق بتغيير اللقب ،يجيز التبني بطريقة غير مباشرة حيث أنه يمكن قانونا للشخص الذي كفل في إيطار كفالة ولدا قاصرا مجهول النسب أن يتقدم بطلب بتغيير اللقب بإسم الولد ولفائدته ،وذلك قصد مطابقة لقب الولد المكفول بلقب الوصي (2) وبهذا يكون قد أجاز الشيء الممنوع قانونا و المحرم شرعا ??
كما تضيف المادة 121 معلى أنه تحول الكفالة الكافل الولاية القانونية وجميع المنح العائلية و الدراسية التي يتمتع بها الولد الأصلي ، كما أنه يجوز للكافل أن يتبرع للمكفول بماله في حدود الثلث وإن أوصى أو تبرع بأكثر من ذلك بطل ما زاد عن الثلث إلا إذا أجازه الورثة (المادة 123).
- أما عن اللقيط :
هو المنبود ، سواء كان مازال رضيعا أن تجاوز هذه الفترة إلا أنه لا يستطيع الإستقلال بنفسه ، المشرع الجزائري لم ينظم هذه الحالة –اللقيط- في أية مادة من مواد القانون ، ولكنه منع التبني ليدخل تحت حكم التبني إلتقاط اللقيط طالما أن إدعاء نسبه غير متوفر لمن يريد ذلك (3).
والنظام المتبع في الجزائر هو أنه من وجد لقيطا يسلمه إلى رجال الشرطة الذين بدورهم يسلمونه إلى إحدى دور الرعاية الإجتماعية المعدة لإستقبال اللقطاء.
.
(1) المادة 64 من قانون الحالة المدنية ،الصادر بأمر رقم 70-20 تنص على أنه :"يعطي ضابط الحالة المدنية نفسه الأسماء إلى الأطفال اللقطاء و الأطفال المولودين من أبوين مجهولين و الذين لم ينسب لهم المصرح أية أسماء بعين الطفل بمجموعة من الأسماء تأخذ اخرها كلقب عائلي"
(2) د/ بلحاج العربي ،المجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ،الزواج والطلاق ،ص 203
[rtl](3) د/ سعد فضيل ،المرجع السابق ،ص 277 [/rtl]
جاء في نص المادة 67/1 من قانون الحالة المدنية "يتعين على كل شخص وجد مولودا حديثا أن يصرح به إلى ضابط الحالة المدنية التابع لمكان العثور عليه " أما المادة442/3 من قانون العقوبات الجزائري يعاقب بالحبس من عشرة أيام إلى شهرين و بغرامة من 100 إلى 1000 دج أو بإحداهما على عدم الإبلاغ عن طفل حديث الولادة لم يجده ولا يسلمه لضابط الحالة المدنية.
[rtl]
كما وتنص المادة 07 من قانون الجنسية أن يعتبر من الجنسية بالولادة في الجزائر : - الولد المولود في الجزائرمن أبوين مجهولين ويلاحظ أخيرا أن التبني و الإلتقاط لا أثر لهما على الإطلاق في إثبات النسب وما يترتب عليه من اثار قانونية ،كالتوريث و التحريم إلا أنه يمكن حل قضية تبني و الإلتقاط بالإقرار و بالبنوة أو البينة والتي ستكون موضوع مطلبنا الموالي. [/rtl]
المطلب الثاني:ثبوت النسب بالبينة :
البينة مأخوذة من البيان و الوضوح، و استبان الصبح وضح، و هو على بينة من أمره أي على
وضوح و عدم خفاء، و كأن صاحب الحق إذا قدم بينة يثبت بها حقها إنما يزيل ما كان حوله من لبس و خفاء ليتضح أمام الجميع.
و لقد جاء في نص المادة 40 من قانون الأسرة على أنه:" يثبت النسب بالزواج الصحيح أو
بالأقرار أو بالبينة ...." فالمراد بالبينة هي الدلائل و الحجج التي تؤكد وجود واقعة مادية وجودا حقيقيا بواسطة السمع أو البصر أو غيرهما من وسائل الاثبات الواردة في قوانين الإجراءات(1). و لكلمة البينة معنيان(2) :
- معنى عام : وهو الدليل أيا كان نوعه ، كتابة، قرائن،اعتراف، شهود.
- معنى خاص: و هو شهادة الشهود دون غيرها .
لذلك علينا أن نوضح أولا مفهوم البينة الوارد في نص المادة 40 من قانون الأسرة نظرا
للتساؤلات التي طرحها هذا الممصطلح عند العمل به قضائيا .
الفرع الأول : تحديد مدلول البينة الوارد في نص المادة 40 من قانون الأسرة :
إن المشرع الجزائري في المادة 40 من قانون الأسرة استعمل في النص العربي مصطلح "البينة" وفي النص الفرنسي مصطلح :
" فهذا المصطلح بشموله يفهم منه أن مقصود البينة هو المعنى العام (3)PREUVE "
لكن المقصود من البينة في مجال اثبات النسب هو الشهادة دون غيرها من الأدلة و دليلنا في ذالك هما مسألتين اثنتين :
(1) د/بلحاج العربي ،الوجيز في شرح قانون الأسرة ،الزواج و الطلاق ،ص199.
(2) أحمد عمراني ،أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي والتلقيح الاصطناعي ،رسالة ماجستير في القانون الخاص ،سنة 2000 ،ص63.
(3) مجلة المحاماة ،التعليق على قرار المحكمة العليا الصادر في 15/06/99. من إعداد :د/لحلو غنيمة،ص51.
أولا : ما هو معمول به قضائيا : حيث نجد قرار المحكمة العليا الصادر في 15/ 06/ 1999، أين أثارت فيه المحكمة العليا تلقائيا الوجه المأخوذ من تجاوز السلطة و الذي جاء فيه فالقرار المنتقذ القاضي بتاييد الحكم المستأنف القاضي بتعيين خبير طبي قصد تحليل الدم للوصول الى تحديد نسب الولدين بأن ينسبا للطاعن أم لا
وحيث أن اثبات النسب قد حددته المادة40 و ما بعدها من قانون الأسرة الذي جعل له قواعد اثبات مسطرة و ضوابط محددة تفي بكل الحالات التي يمكن أن تحدث و لم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم الذي ذهب اليه قضاة الموضوع قد دل ذالك على أنهم تجاوزوا سلطتهم الحاكمية الى التشريعية الذي يتعين معه نقض القرار المطعون فيه و احالته لنفس المجلس (1).
فالمحكمة العليا في هذا القرار رفضت فحص الدم من طرف خبير طبي و اعتماده كدليل مثبت
للنسب مؤسسة قولها هذا على أن اثبات النسب حددت له المادة40 من قانون الأسرة قواعد اثبات مسطرة و ضوابط محددة و بالتالي فلو كان المقصود بالبينة المعنى العام لما تم رفض في هذا القرار استعمال البينة العلمية لاثبات النسب .
ثانيا: الأمر 05- 02 المؤرخ في 27 فبراير2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة الذي استحدث الطرق العلمية كوسيلة من وسائل اثبات النسب بصورة تنزع أي اشكال في تأويل معنى البينة الوارد في نص المادة 40 .
و بالتالي نتطرق الى البينة في معناها الوارد في نص المادة و هي شهادة الشهود.
(1) قرار صادر في 15/06/1999 ملف رقم 222674 ، الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية-عدد خاص-ص 88.
الفرع الثاني : البينة الشرعية لأثبات النسب ( شهادة الشهود) :
ان النصاب القانوني للشهادة يكون عن طريق رجلين عدلين أو رجل وا مرأتين (1). البينة هي أقوى من الأقرار من حيث ثبوت النسب لذلك لو كان هناك ولد نبذه أهله ولم يعرف له أب
فأخذه رجل وأقر بنسبه ثبت النسب بناء على ما يدعيه كان أدق نسبه من الأول ،لأن النسب وإن كان قد ثبت بالإقرار فهو غير مؤكد يحتمل البطلان بالبينة لأنها أقوى منه (2).
وتمتاز البينة عن الإقرار بأنها حجة متعدية لا يقتصر الحكم الثابت بها على المدعي عليه وحده
،بل قد تثبت في حقه وحق غيره ،أما الإقرار وهو حجة قاصرة على المقر لا تتعداه إلى غيره.
وعليه إذا ادعى إنسان على الآخر بنوة أو أبوة أو أخوة أو عمومة أو أي نوع من القرابة ،وأنكر المدعي عليه دعواه فللمدعي أن يثبت دعواه بالبينة ،وحينئذ يثبت النسب ملزما لكل من الطرفين بما عليه من حقوق للطرف الآخر.
قد تكون دعوى البنوة أو الأبوة في حياة المدعي عليه دعواه فتسمع مجردة ،ويرد الإثبات فيها على . النسب قصدا ،وإذا كان المدعي عليه ميتا وجب سماع الدعوى مصحوبة بحق آخر كالميراث أو الدين أو النفقة ،لأن الدعوى على الميت هي دعوى على غائب فلا تسمع (3). (المادة 85 من قانون الإجراءات المدنية) ،إذن الدعوى لا تسمع مجردة على أن تكون في ضمن حق أخر ،بل لا بد أن تدعي حقا وتأتي الدعوى في ضمنه ،كالمطالبة بحق في الميراث ،سواء كان المقر عليه حيا أو ميتا ،فيجب على المدعي أن يعيد إلى الحق الذي يقصده من أول الأمر ،تجيء دعوى النسب ضمنا.
كما أنه إذا ادعت امرأة أنها حملت من زوجها وولدت في غيابه أو في حضوره وأنكر الزوج واقعة الولادة في ذاتها أو اعترف بالولادة كواقعة مادية وأنكر أن يكون الولد الذي بين يديها هو نفسه الذي ولدته ،فإنه بالإمكان شرعا وقانونا إثبات واقعة الولادة عن طريق شهادة النساء اللاتي حضرن عملية الولادة،أو طبيب أو ممرضات إذا وضعت حملها في المستشفى.
- وهنا محل الخلاف فهل شهادة النساء تكفي لإثبات النسب فيما لا يطلع عليه الرجال عادة كالولادة?
(1) د/ سعدة فضيل المرجع السابق ، ص222
(2) د/ أحمد محمود الشافعي ،المرجع السابق ، ص 157-158.
(3) د/ بلحاج العربي ،الوجيز في شرح قانون الأسرة ،الزواج و الطلاق، ص 199.
وفي هذا الخصوص (1) : فإن الله تعالى لما ذكر الشهادة في الحقوق قال:
"رجل و إمارتان" وكذلك "ممن ترضون من الشهداء" (الآية 282 سورة البقرة)،فجمع في هذه الآية رد شهادة غير العدول وشهادة النساء وإن كثرت.
وقال الرسول (ص) في حديث :"وشهادة امرأتين بعدل شهادة رجل" وقوله (ص) أيضا :"شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه" .
يرى علماء المالكية أن البينة تكون شهادة امرأتين ،غير أن الأحناف يشترطون في إثبات النسب بالبينة شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين .
وبالنظر إلى اتساع المجتمعات أصبح القاضي لا يعرف أشخاص الشهود ولا يعلم شيئا عن مقدار اتصافهم بالصدق والأمانة لذا فقد اشترطت القوانين شروط يجب توفرها لقبول الشهادة (2).
كما أحاط المشرع الجزائري البينة بكثير من الضمانات ومنها فرض عقوبات مشددة لجريمة شهادة الزور(3).
وما يمكن ملاحظته هو أن إثبات النسب بالبينة لا يمكن تصوره إلا بناءا على زواج صحيح أو فاسد ،فلا يمكن إثبات نسب ولد نتج عن علاقة غير شرعية ولا قانونية بأية بينة باستثناء نسبه إلى والدته.
المبحث الثاني : ثبوت النسب بالطرق العلمية الحديثة :
لقد اتضح تأثر المشرع الجزائري إثر التعديل الذي طرأ على قانون الأسرة بموجب الأمر 05-02
المؤرخ في 07/02/2005 بالثورة الهائلة التي كان سببها التطور البيولوجي مسايرا في ذلك التطور التكنولوجي الذي نتج عنه استحداث تقنيات في المعرفة العلمية في السنوات الأخيرة ،حيث فتح المجال واسعا لقضايا لم تشهدها البشرية من قبل ذات صلة مباشرة بحياتنا اليومية والشخصية ،ويتعلق الأمر بالطرق العلمية لإثبات النسب التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 40 (ويجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب).
(1) أحمد أحمد/المرجع السابق ص 148 إلى 154.
(2) المواد من 61 إلى 75 من قانون الإجراءات المدنية.
(3) المادة 235 من قانون العقوبات نصت على أنه :" كل من شهد زورا في المواد المدنية أو الإيدارية يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة منم 500 إلى 2000 دج "
إلا أن ذلك لا يفهم على إطلاقه بأن النص لا يطرح أي إشكال يذكر ،لأن إطلاق العنان للقاضي في
إثبات النسب بهذه الطرق دون حصرها أو توضيح لمجال تطبيقها وحجيتها ،فتح الباب على مصراعيه لاختلاف فقهي حول هذه الطبيعة وتحديدا مسألة سلطة القاضي في تقدير هذه الطرق العلمية ،فعلى سبيل المثال استند الباحثون أنه لا مانع شرعي في اعتماد البصمة الوراثية في إثبات النسب نظرا لقيمتها القانونية الحتمية.
وهو ما جعل من الضرورة بما كان التساؤل عن هذه الإشكالية التي سيتم الإجابة عنها في مطلبين :
المطلب الأول : تكريس الطرق العلمية لإثبات النسب. المطلب الثاني :حجية الطرق العلمية وسلطة القاضي في تقديرها.
[rtl]
المطلب الأول : تكريس الطرق العلمية لإثبات النسب : [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]لقد كان المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سباقا للاعتداد بالطرق العلمية [/rtl]
[rtl]
كوسيلة لإثبات النسب في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة (1). [/rtl]
[rtl]
إلا أن هذا الطرح لم يجد صداه لدى المشرع الجزائري في القانون رقم 84-11 المؤرخ في 09 يونيو 1984 المتضمن قانون الأسرة الذي لم ينص على الطرق العلمية كوسيلة من وسائل إثبات النسب مكتفيا في ذلك بالطرق المقررة شرعا والمنظمة في المادة 40 الفقرة الأولى من قانون الأسرة ، بالإضافة إلى الجدل القائم حول قيمة الأخذ بهذه الطرق وعدم حصر المشرع لها ،مع العلم بأنها تختلف بين التي يمكن نفي النسب بها فقط دون أن تكون وسيلة للإثبات وهو ما سيتم معالجته في الفروع التالية: [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]
الفرع الأول : إشكالية إدماج الطرق العلمية لإثبات النسب. [/rtl]
[rtl]
الفرع الثاني : أنواع الطرق العلمية لإثبات النسب . [/rtl]
[rtl]
الفرع الثالث : عوائق تطبيق الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب. [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] (1) المشار إليه في "البصمة الوراثية ومدى حجيتها في الإثبات " ،مذكرة تخرج نيل إجازة المدرسة العليا للقضاء ،الدفعة 13 لسنة 2005،ص 82 [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]
الفرع الأول : إشكالية إدماج الطرق العلمية لإثبات النسب : [/rtl]
[rtl]لقد كانت مسألة إثبات النسب بالطرق العلمية في البداية محل جدل فقهي ،وقف فيه بعض جمهور [/rtl]
[rtl]
الفقه موقف المرتاب والرافض للطرق العلمية كوسيلة لإثبات النسب فنظروا على أن اللعان مثلا يعتبر الوسيلة الوحيدة لنفي النسب اعتمادا على قوله تعالى :"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعة شهادات بالله..."(1) ، فالآية ذكرت إذ أن الزوج لا يملك لا يملك إلا شهادة نفسه فيلجأ للعان و أي اعتماد على طرق علمية دون ذلك فهو تزيد على كتاب الله وأن الرسول (ص) قال : "الولد للفراش وللعاهر الحجر" ،فأهدر بذلك الشبه البين وهو الذي يعتمد على البصمات الوراثية ،كما أن الأستاذ الفقيه الجزائري محمد شريف قاهر عضو المجلس الإسلامي الأعلى ،ذكر أن العلم حقيقة نسبية بينما القران الكريم كلام إلاهي لخلق الكون لأنه حقيقة مطلقة صالحة لكل زمان و مكان وهو الذي فصل في مسألة إثبات أو نفي النسب معللا رأيه أن النص القراني صريح وواضح وبالتالي يقتضي العمل [/rtl]
[rtl]
بالقاعدة الفقهية "لا إجتهاد مع وجود النص"..(2) . [/rtl]
[rtl]وإنطلاقا من كل ذلك تبنى المجلس الإسلامي الأعلى موقفا صريحا في مسألة النسب بالطرق العلمية [/rtl]
[rtl]
رغم عدم إصداره لأي فتوى توضيحية لذلك مستظهرا وضوح القواعد الفقهية التي لمة تسمح بإستعمال أي طريقة غير شرعية قد تثبت أو تنفي النسب (3). [/rtl]
[rtl]
واعتمادا على كل ذلك قرر هذا الاتجاه عدم جواز الطرق العلمية في مسألة إثبات النسب لما في [/rtl]
[rtl]
ذلك من خروج عن القواعد الفقهية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية بأغراضها الأساسية في حفظ الكليات الخمس من عقل ونفس ،ونسل ودين ومال. كما أنه لا لم تسمح بإستعمال هذه الطرق حماية لحياة الإنسان وحفاظا لتعريض النسل وإنتمائه لأي خطر كان فيه قد يكثر عديمي النسب واللقطاء. [/rtl]
[rtl]
ولقد كان المشرع الجزائري متأثرا فيما سبق ذكره أثناء سنه لقانون الأسرة في 1984 ، إذ لم يعتمد سوى بالطرق الشرعية لإثبات النسب الواردة في المادة 40 فقرة 01 من نفس القانون رافضا إستعمال الطرق العلمية كوسيلة لذلك ،وهو ما كان قد كرسه القضاء الجزائري فعلا مكتفيا بجمود النص القانوني الذي لا يقبل أي تأويل أو إجتهاد. [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]
(1) الآية من 6 إلى 8 من سورة النور [/rtl]
[rtl]
(2) محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة الدفعة 14 لسنة 2003-2004 للدكتور محمد شريف قاهر،أستاذ بالمدرسة العليا للقضاء. [/rtl]
[rtl]
(3) محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة الدفعة 14 لسنة 2003-2004 للدكتور الغوتي بالملحة أستاذ بالمدرسة العليا للقضاء. [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] ومن ذلك قرار المحكمة العليا الصادر في 15 جوان 1999 الذي جاء فيه " حيث أن إثبات النسب [/rtl]
[rtl]
قد حددته المادة 40 وما بعدها من قانون الأسرة الذي جعلت له قواعد إثبات مسطرة وضوابط محددة تفي بكل الحالات التي يمكن أن تحدث ولم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم كطريقة علمية التي ذهب إليها قضاة الموضوع ،مما دل ذلك على أنهم قد تجاوزوا سلطتهم الحكمية إلى التشريعية ،الأمر الذي يتعين معه نقص القرار المطعون فيه وإحالته لنفس المجلس"(1). [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وقد أضاف قضاة المحكمة العليا في قرارهم الصادر في 14/02/94 : "من المقرر قانونا أيضا أنه [/rtl]
[rtl]
يثبت النسب بالزواج الصحيح وبالإقرار والبينة وبنكاح الشبهة وبكا نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32-33-34 من قانون الأسرة". [/rtl]
[rtl]
يتضح من كل ما سبق أن قضاة المحكمة العليا بصفتهم قضاة قانون طبقوا النص الحرفي للمادة 40 [/rtl]
[rtl]
لقانون الأسرة التي تحدد طرق إثبات النسب قبل تعديلها وكانت تعتبر لجوء القاضي لأي خبرة علمية تستهدف إثبات أو نفي النسب بأي طريقة من الطرق العلمية تجاوزا للسلطة لأنها كانت تعتبر ذلك تشريعا في حد ذاته. [/rtl]
[rtl]
لم يكن الرأي المذكور أعلاه والرافض للطرق العلمية لإثبات النسب جامعا بين فقهاء القانون ، [/rtl]
[rtl]
ذلك أن اتجاها اخرا رأى في إستعمال هذه الطرق وسيلة علمية حتمية بنتائج ملموسة .فرأو أن الاية التي استدل بها الفريق الأول، إنما تتعلق بالعذاب الذي يوقع على المرأة أو درأه عنها.(2) [/rtl]
[rtl]
و إعتبارا لكل ذلك ومحاولة من المشرع الجزائري الإستجابة للتطورات العلمية الحديثة فإنه قد أدرج الطرق العلمية ضمن وسائل إثبات النسب أثناء تعديل قانون الأسرة بموجب الأمر 05-02 في الفقرة الثانية من المادة 40 السالفة الذكر. [/rtl]
[rtl]
غير أن هذه المادة إكتفت بالإشارة إلى هذه الطرق العلمية دون تحديد المقصود منها أو حصر لصورها علما ان البحوث العلمية والتوصيات المقدمة في هذا المجال أثبتت وجود نوعين من الطرق العلمية يتصف الأول منها بكونه قطعي الإثبات و الثاني لا يرقى إلى ذلك على أساس أنه ضني الثبوت يعطينا مجرد إحتمالات بل و أحيانا نتائج يتحدد مجالها في نفي النسب فقط . [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]
(1) المحكمة العليا غ أ ش ، ملف رقم 22267 ،قرار بتاريخ 15-06-199 مجلة الإجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية عدد خاص ص 2002 ص 88. [/rtl]
[rtl]
(2) من بين هؤلاء الفقهاء المعاصرين ،الدكتور يوسف القرضاوي ومحمد المختار السلامي ،وعبد الله محمد عبد الله و إبن القيم الجوزية. [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
الفرع الثاني : أنواع الطرق العلمية لإثبات النسب :
من بين الإشكاليات التي أثارتها المادة 40 فقرة 02 من الأمر 05-02 أنها فتحت المجال للقاضي في إستنباط إستعمال الطرق العلمية في مسألة إثبات النسب نتيجة عدم تحديد وحصر المشرع لهل ،لذلك تطلب الأمر الإستعانة إلى ما توصلت إليه البحوث الطبية و الدراسات العلمية من خلال التقسيم الذي تبنته هذه الأخيرة من طرق علمية قطعية الدلالة و أخرى لا ترقى بالشك إلى اليقين كونها ظنية .
لهذا ستكون دراستنا علمية بحتة .
أولا : الطرق العلمية القطعية :
ADN والذي يتصلHLA ونظام الوراثية توصل العلماء إلى إعتبار كل من البصمة
بالمناعة طرقا علمية لإثبات النسب بصفة قطعية لأن دقة ثبوتها تصل حسب الخبراء و الأطباء إلى نسبة الخطأ فيها :
01/ 2.000.000 مرة (1).
: ADN أولا- نظام البصمة الوراثية
لقد رأى العديد من العلماء