HOUWIROU Admin
عدد الرسائل : 14822 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
| موضوع: الاستثمار الاجنبي المباشر الجمعة 16 مايو 2014 - 20:04 | |
|
خطـــة البحــــث: مقدمـــــــــة. الإشكاليـــــــة: مـا هـي مـحـددات و دوافـــع الإسـتـثـمـار الأجــنــبـــــي ؟ المبحث التمهيدي: مـا هـيــــــة الإسـتـثـمـــــار الأجـنـبــــــــــــــــــــي . * المطلب الأول: نـبــذة تـاريـخيـة و مـفـاهـيـم أسـاسـيــــــــــــــــــــــــــة . * المطلب الثاني: الجدوى من الإستثمارات الأجنبيــــــــــــــــــــــــــــــــة . المبحث الأول: نظرية عدم كمال السوق (MARKET IMPERFECTION) . * المطلب الأول: إفتراضات,خصائص و مميزات نظرية عدم كمال السوق . * المطلب الثاني: الإنتقادات الموجهة لنظرية عدم كمال السوق (روبوك و سيموندس) . المبحث الثاني: نظريــــــة الـــحـــمـــــــــــــــــــــايــــــــة . * المطلب الأول: مبادئ و خصائص نظرية الحمايــــــــة . * المطلب الثاني: الإنتقادات الموجهة لنظرية الحمايـــــة . المبحث الثالث: نظرية دورة حياة المنتج الدولي . (INTERNATIONAL PRODUCT LIFE CYCL) * المطلب الأول: إفتراضات و مبادئ نظرية دورة حياة المنتج الدولي . * المطلب الثاني: الإنتقادات الموجهة لنظرية دورة حياة المنتج الدولي . المبحث الرابع: نظرية الموقع (الخصائص المميزة للدولة المضيفة) (LOCATION / COUNTRY) . * المطلب الأول: المحددات و العوامل الموقعية أو البيئية . * المطلب الثاني: العوامل المؤثرة على قرار الإستثمارالأجنبي (حسب نظرية الموقع) . المبحث الخامس: نظرية الموقع الــمــعــدلــــــــــــة GEOBUSINESS THEORY) ( . * المطلب الأول: العوامل المؤثرة على قرار الإستثمار (روبوك و سيموندس) . * المطلب الثاني: مقارنة بين نظرية الموقع المعدلة و النظريات السابقة . خاتــــمــــــــــــــة: مدى تطبيق النظريات السابقة في الواقع, وإقتراح النموذج الأمثل لتحليل محددات الإستثمارات الأجنبيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة . المراجــــــــــــــــــع: * إقتصاديات الأعمال و الإستثمار الدولــــي (الدكتور: عبدالسلام أبوقحـــــــف). * الإقتصاد الدولـــــــي ( زينب حسين عوض الله ). * معجم المصطلحات الإقتصادية والتجارية ( مصطفى هـــنـــــي ). * ECONOMIE INTERNATIONAL« ECONOMICA»( PETER H.LINDERT & THOMAS A.PUGEL)
مــــــقدمـــــــــة
إنّ نجــــــــاح أي حـــــكومــــــة بـشـكــــل عـــــــام أو مـنـظـمـــــة أعـمــــال بـشـكـــل خــــــاصّ فـــــي حـــــــــلّ المــــشـكـــــــلات الاقتصــــــــاديــــــة، أو القــــدرة عـــلى تـحــقيـق هـــدف مــعيــن ، هــــــو بـــــــلا شـــــــكّ دالـــــــــة فـــي جــــودة قـــراراتــــها و رشـــد خططــــــها و سيــــاســـــاتها . فـــــتحـقيــق النّـفـــــــع الاقـتـصـــــــادي و الاجــتــمـــــاعــي لأفــراد المــجتــمــــــع لا يــنحصـر فـــي الـــــوصــول إلــى درجــــــــة مــعـيّـنــة مـن الاكـتـفــاء الذاتــي والرّفـــــاه الاجـتـمـــــــاعي الداخـلـي ، بــــــل يــأتـــــي أيـضــــــا مــن جــراء فــتـــــح الأبـــواب أمـــــام الاســتـثـمـــــــــارات الأجـــنـبـيـــة ، و هــــــذا مـــا يــتـطـلــــب مــن الـدولـــــــــــة وضــع قــرارات خـــاصّــة لاخـتـيـــــار و تــوجــيـــــــه هــــــتـــه الاسـتـثـمــــــــــارات ، و مـدى قـــدرة هـتــــه الأخــيــرة علـــى تــحــقـيـــــــــق الـمنـفــعـــــة الاقــتــصـــاديـــــــة و الاجــتــمــاعـيــــــــة ، بــالإضــافــة إلـــــى رســــم الســيــاســــــات المــلائـمــــة و تـهـيـئــة الـمـنــاخ الـمـنــاســب لــهــتـــه الاسـتـثـمـــــارات .
والإشــــــكــــالــيـــــــــة الّـتـــــي تـتـبـــــــادر إلـــى أذهـــانــنـــــــــا فــــــــي هــــذا الـصــــدد هـــــي¬¬¬¬ : '' مـــــــــا هـــــــــــي مــــحـــــددات الاســــتـــثـــــمـــــــــار الأجـــــنـــــبـــــــــــــي؟ "
أو بــــــصـــيــــــــغـــة أخـــــــرى " مـــــــــــا هـــي دوافـــــــع الشـــــــركـــــــــات الأجـــنـــــبـــيــــة أو الـشــــــــركـــــات الــمـتـعـــددة الـجـنـــــــسـيـات وراء الاستـــــثـمـار فـي الـدول الـمـضـــيـفــة ؟ "
المطلب الأول : نبذة تاريخية و مفاهيم أساسية
* نــــبـــذة تـــاريــــخــيـــة *
إنّ البـــــاحث فــي تــــاريــخ الحضــــارات القــديــمــة كالحضــــارة المصــريــة والإغريــقـــيــــة والإســـلامــيــــة فــي مراحـلـها المــخـتلـفــة يـجــد الكـثيـــر مـن أوجــه ومـجـالات النشـاط التـي تـمــت عــلـى الـمـسـتــوى الـدولــي أي خـارج حـدود الدولــة. لـكــن ظــهــــور الاسـتـثـــمـار الأجـنـبــي بـمـفـهـومـه الحـديـث كــان خـلال القـرن العشـريــــــن ، أيـــن عـــرف ازدهــــارا مـــلـحوظــــا ، حـيـث أنــــّه ارتـــفـع بــنـسبـة مـعـتــبـرة جــدّا بـعـد الحــــرب الـعالـمـيـة الثـــانـيــة ، مــا بــيــن الـحـرب الـكــــوريــــة La Guerre de Corée( 1950- 1953 ) ، و الأزمـــة الــبــتــرولـيــــة الأولـــــى Le Premier Choc Pétrolier( 1973-1974). ولقـد كــــــانــت الاســتـثـمـــــارات الأمـريكيــــة هــــي الحـــائزة عـلـى أكبـــر نسبـة ، حـيـث أنّ مـعظـم اســتــثــمــــاراتــهــا الخــــارجــيـــة كـــانـت مبـاشرة عكس الدول الأخرى كبريطــانيـا وفرنـســــا اّلتــي كـانــت تهتـم خاصّـة باستثمـارات أجنبيــة غيــر مبــاشــرة . بــيـنـمــا كـــان اليـــابـان يـحـتـــل مـوقعا وسطا ، حيث أنّ استثماراته في السبعينات أخذت طابعا مباشر ، أمّــا فــي الثمانينــات اتّجه خـاصّة إلـى الاستثمـارات الأجنبية الغير مبــاشرة . فـــي نهايــة السبعـيـنـــات وبدايــة الثمانينــات ، عــرف الاستثمـــار الأجنـبـي المـبــاشـر تطـوّرا بطيئـا ، وهـــذا نــظـــرا للانـحيـــاز الـذي ظـهـر نـحـــو الاسـتـثمــار الأجنبـي الغيـر مباشـر ، وهذا راجع لتزايـد الـقروض المـعـطــاة لـلـدول النــامـيــة مــا بـيـن 1974-1982 . لـكـن ســرعة تـطــوّر الاستثمــــــارات ارتـفـعــت ابـتـداء مـن مـنـتـصــف الثـمــانـيـنــات، وهـذا راجـع إلى أنّ اليـابـان والدول الأوروبيـة زادت فــي مــقـدار اسـتـثـمـــاراتــها الأجــنـبـيــــة . ونـجـد أنـّه فـي سـنـة 1970 ، كـان ربـــع الاسـتـثـمــــارات الأجـنـبـيــــة مـخـصّص لقطــــــاع المنـاجم والصـّنــاعـــات الاستخــراجيـة ، وربـــع آخــر لـقطــاع الخدمــات ، أمــّا النـصــف فـكـــان مـخـصّصــا لـلقـطــــاع الصـنــاعـــي . فـــي السّنـــوات التــالـيــة ، انـخـفـضـت الاسـتـثـمـارات فــي مـيـدان المـنـاجم ، وهذا راجع لتأميـم الكثير من الشركات في الدول الناميـة . كمــا أنّ الاهتمــام بالاستثمـار في قطاع الخدمـات قد ارتفـع ، والاهتمـام بــالصـنــاعـات أخـذ صــبـغـــة خــاصّـة ، حـيـث تــوجــه الاســتــثــمــار الأجـنـبــي نـحـو الصـنــاعــات الصـيدلـيـــــة ، الكيمــاويـــة ، الالكترونيــــة والغـذائيـــة ، إضــافــة إلـى صناعــة السيــارات . أمـــّا صـنـــاعـــات الأقـمـشـــــة و الــورق ، فـــقــد كــــان الاسـتـثـمــار فـيـها يعرف انخفاضا ملحوظا .
* مفــاهـيــم أســـاسـيــة *
• إن تـعـريـف الاسـتـثـمـار الأجـنـبـي يـتـضـح جـلـيـا مـن خـلال إعـطـاء مـفـهوم لكل شكل أو نوع مــن أنــواعــه .
فـمـفـهـوم الاسـتـثـمـار الأجـنـبـي المـبـاشر Foreign Direct Ivestment ينطوي على تملك المستثمر الأجنـبــي لـجـزء مـن أوكـل الاسـتـثـمـارات فـي المـشـروع المـعـين ، هذا بالإضافة إلى قيامه بالمشاركة فــي إدارة المـشـروع مـع المـسـتـثـمـر الوطـني فـي حـالـة الاسـتـثـمـار الـمـشـتـرك Joint Venture ، أو سـيـطـــرتـه الكـامـلـــة عـلــى الإدارة و الـتـنـظـيـــم في حــالة ملكيتــه المطلقــة لمشـروع الاستثمــار Wholly-owned Ivestment Project . فـضـلا عـن قـيـام الاسـتـثـمـار الأجـنـبـي بـتـحـويل كمية من الموارد المالية والتكنولوجية و الخبرة الفنية في جميع المجالات إلى الدول المضيفة .
أمـا مـفـهــوم الاســتثمــار غير المـبـاشـر Foreign Indirect Ivestment أو الاسـتـثـمار في الأوراق المــالـيـة ، فـهـو يـنـطـوي عـلى تـمـلـك الأفـراد أو الهيـئات أو الشركات على بعض الأوراق المـالية دون ممارسة أي نوع من الرقابة أو المشاركة في تنظيم و إدارة المشروع الاستثماري . ويـعـتـبـر الاسـتـثـمـار فـي الأوراق المالية اسـتـثـمـار قصير الأجل بالمقارنة بالاستثمار الأجنبي المباشر.
• الشـركــة مـتـعـددة الـجـنـسـيـات Multinational Corporationsهــي كــل شـركــة تـمـلـــك و تـراقـب عـدّة شـركـات فـي مـخـتـلـف دول العــالـم . فــي الشـركــة مـتـعـددة الـجـنـسـيــات ، المؤسسة الأم توجد بالبلد الأصلي أو الأم Native Country ، و المؤسسة الأم لديها عدة فروع تتواجد بالدول المضيفة Host Country .
• تتناول نظريات التدويل تحليلا لمحددات الاستثمار الأجنبي و دوافع الشركات متعددة الجنسيات . وتتمثل هته النظريات فيما يلي : - 1 - نظرية عدم كمال السوق Market Imperfection - 2 - نظرية الحماية - 3 - نظرية دورة حياة المنتج الدولي Iternational Product Life Cycle Approach - 4 - نظرية الموقع Locationa Approach ( الخصائص المميزة للدول المضيفة Country Specific Factors ) - 5 - المدخل الإداري Business Administration Approach - 6 - تحليل الخصائص المميزة للشركة Firm Specific Factors - 7 - نظرية الموقع المعدلةGeobusiness Theory وهــنــا تـجـدر الإشــارة إلـى أن الاقـتـصـار عـلى عرض بعض النظريات دون الأخرى يرجع في أساسه إلى مدى توافر الأدلة و البراهين العملية الخاصّة بكل نظرية . كما أن تناول كل النظريات يعتبر ضربا من ضروب الإسهاب أو التكرار ، هذا لأن التحليل الدقيق لجوهر كـل نـظـريـة يـظـهـر وجـود عـوامـل مشتركة بين معظم الكتاب حول بعض المحددات و الدوافع الخاصة بالاستثمارات الأجنبية سواء في الدول النامية أو المتطورة على حد سواء .
المطلب الثاني : جدوى الاستثمارات الأجنبية
إن الجـدوى مــن الاسـتـثـمـارات الأجـنـبـيـة تـعـتـبـر مـحـورا هـامـا ، و فـيـما يلي نعرض بعض وجهات النّـظــر فـي هـذا الـخـصـوص .
* النـظريـة الكـلاسيـكيـة *
يـفـتـرض الـكـلاسـيـك أن الاسـتـثـمـارات الأجـنـبـيـة المـبـاشـرة تـنـطـــوي علـى الكثيــر مــن المنــافع ، غـيـر أن هـذه المـنـافـع تـعـود فـي مـعـظـمـها عـلـى الـشـركـات مـتـعـددة الجـنـسـيـات . و الاسـتـثـمـارات الأجـنـبـيـة مـن وجـهـة نـظـرهـم هـي بـمـثـابـة مـبـاراة من طرف واحد حيث أن الفائز بنتيجتها الشركات متعددة الجنسيات وليست الدول المضيفة . وتـستـنـد وجـهــة نـظـر الكـلاســيـك فـي هـذا الشـأن إلـى عـدد مـن المـبـررات يـمكن تلخيصها فيما يلي : - 1 - صغر حجم رؤوس الأموال الأجنبية المتدفقة إلى الدول المضيفة بدرجة لا تبرز فتح البــاب لـهـــذا النوع من الاستثمارات . - 2 - تميل الشركات متعددة الجنسيات إلى تحويل أكبر قدر ممكن من الأرباح المتولـــدة من عـمـليـاتــها إلى الدولة الأم بدلا من إعادة استثمارها في الدول المضيفة . - 3 - قيام الشركات متعددة الجنسيات بنقل التكنولوجيا التي لا تـتـواءم مستويــاتــــها مـــع مـتـطـلـبـــات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بالدول المضيفة . - 4 - إن ما تنتجه الشركات متعددة الجنسيات قد يؤدي إلى خلق أنماط جـديــدة للاسـتـــهـلاك فــي الدول المضيفة لا تتلاءم ومتطلبات التنمية الشاملة في هذه الدول . - 5 - قد يترتب على وجود الشركات متعددة الجنسيات اتساع الفجوة بين أفراد المجتمــــع في ما يختص بهيكل توزيع الدخول ، و ذلك من خلال ما تقدمه من أجور مرتفعة للعــاملين فيها بالمقارنة بنظائرها مــن الشركات الوطنية ويترتب على هذا خلق الطبقية الاجتماعية . - 6 - إن وجود الشركات الأجنبية قد يؤثر بصورة مباشرة على سيادة الدولـــة المضيفـــة واستقلالــــــها من خلال : • اعتماد التقدم التكنولوجي ففي الدول المضيفة على دولة أجنبية . • خلق التبعية الاقتصادية أو الاعتماد على الدولة الأم للشركات الأجنبية . • قد تمارس الشركات متعددة الجنسيات الكثير من الضغوط على الأحزاب السيــاسـيـة فـي الـدول المضيفة و هذا ما يخلق التبعية السياسية .
* النظرية الحديثة *
تقوم هذه النظرية على افتراض أساسي مؤداه أن كلا من طرفي الاستثمار أي الشركات متعددة الجنسيات و الدولة المضيفة يربطهم علاقة المصلحة المشتركة . فكل منهما يعتمد أو يستفيد من الآخر لتحقيق هــدف أو مـجـمـوعــة مـن الأهـداف المـحـددة . و بـمعنى آخر أنــــه لا يوجد مباراة من طرف واحد كما افترض الكلاسيك . ولـكـنـهـا مـبـاراة ذات طـابـع خــاص يـحـصـل كـل طـرف فـيـهـا عـلى الـكـثـيـر من العوائد . غير أن حــجم وعــدد ونــوع العوائد التـي يتحصل عليها كل طرف تتوقف إلى حد كبير عــلــى سـيـاسات واستراتيجيات و مـمـارســات الطرف الآخر بشأن الاستثمار الذي يمثل أساس وجوهـر العلاقـة بـيـنهما .
ويرى أصحاب هذه النظرية أن الاستثمــار الأجنبــي المبــاشر فــي الــدول المضيفة يســاعد في تحقيــــق الآتي :
- 1 - الاستغلال و الاستفادة من الموارد المادية و البشرية المحلية المتاحة و المتوفرة لدى هذه الدول .
- 2 - المساهمة فيخلق علاقات اقتصادية بين قطاعات الإنتاج و الخدمــات داخــل الدولـــة المـعـنـية مما يساعد في تحقيق التكامل الاقتصادي بها . - 3 - خلق أسواق جديدة للتصدير و بالتّالي خلق و تنمية علاقات اقتصادية بدول أخرى أجنبية . - 4 - تقليل الواردات . - 5 - تحسين ميزان المدفوعات للدول المضيفة . - 6 - تدفق رؤوس الأموال الأجنبية . - 7 - المساهمة في تدريب القوى العاملة المحليّة . - 8 - نقل التقنيات التكنولوجية في مجالات الإنتاج و التسويق و ممارسة الأنشطة و الوظائف الإداريـة و غيرها . - 9 - أنّ تحقيق التقدم الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي في الدول المضيفة يتوقف إلى حد كـبـير على المنافع السابقة .
وجدير بالذكر أن وجهة نظر رواد النظرية الحديثة يـؤيـدهـا الـكـثـيـر مـن الأدلـة و البـراهـيـن الـعـمـلـية . فمن ناحية نجد أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى الدول النامية ( من دول المـجـمـوعــة الأوروبية وحدها ) بلغ حتّى عام 1981 حوالي 14640 بليون دولار . ومن ناحية أخرى ، فان تنافس الدول النامية لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى أراضيـهـا أصـبـح حـقـيـقــة يفرضها واقع ما تقدمه هذه الدول من ضمانات متعددة و امتيازات و تسهيلات مختلفة للشركات الأجـنـبـية و متعددة القوميات . صحيح يجب الاعتراف بوجود تعارض أو عدم تطابق بين أهداف الشركات متعددة الجنسيــات و الـــدول المضيفة و لكن الجدل حول عدم جدوى العلاقة بين هذين الطرفين قد يجانبه الـكـثـيـر مـن أوجـه الصواب و الموضوعية . وفـي هـذا الشـأن يـشـيـر كـل مـن زيـنـوف و نـيـجـاندي و باليجا Zenoff et Negandhi et Baliga إلى الأتي : - 1 - إن الــدول المـضـيفـة لـكـي تـحـقـق أكـبـر قـدر مـمـكـن مـن المـنافع أو لكي تعظم عوائدها ، فإنها تحاول فرض شروط معينة على الشركات متعددة الجنسيات لكي تزيد من فرص التوظيف ، و المســاهمة في تنمية الموارد البشرية ، و القيام بسلسلة من البحوث و التطوير في مجالات البيع و الإنتاج ، و تشجيــع المشاركة الوطنية في الاستثمار ، و تنمية الــموارد المــحليــــــة و استغلالها ، و تحسين المنتجات وزيادة الصادرات ، والحد من الواردات . - 2 - في نفس الوقت نجد أن الشركات متعددة الجنسيات تطلب من الدول المضيفة الحد مـن الإجراءات البيروقراطية ، و توفير كافة الخدمات المرتبطة بالبنية الأساسية ، و تحسين الشـروط و القـوانـين الخاصّة بالعمل ، و تخفيض الرقابة على النشاط التسويقي و الإنتاجي و غيرها من الأنشطة . هذا بـالإضـافـة إلــى السماح بالتملك المطلق لمشروعات الاستثمار .
وإذا نظرنا الى المتطلبات أو الشروط السابقة باعتبارها أنماطا مختلفة لتوقعات كل طرف من الآخر ، فان ضيق أو اتساع فجوة عدم تطابق توقعات الدولة المضيفة و الشركات مـتـعـددة الجـنـسـيـات يتوقف الى حد كبير ليس فقط على نوع و طبيعة أهداف كل طرف ولكن أيضا على درجة الفهم المتبادل لطبيعة المصلحة المشتركة بينهما.
المطلب الأوّل: افتراضات ،خصائص و مميّزات نـظـريـة عـدم كـمـال السّـــــوق
من المعلوم والمتفق عليه أنّ المنافسة تعتبر من أهمّ العوامل الّتي تقوم عليها الشركات ، فإذا كانت الشركة غير قادرة على المنافسة في السوق ، فهذا يؤدّي بها إلى الزوال ، وعلى هذا الأساس تـقـوم هـذه النظرية . حيث نفترض غياب المنافسة الكاملة في أسواق الدول النامية أو المضيفة ، بالإضافة إلى النقص الكبير في عرض السلع . كما أنّ الشركات الوطنية في البلدان المضيفة ليس لها القدرة على المـنـافـسـة الأجـنـبية في مجالات الأنشطة الاقتصادية أو الإنتاجية المختلفة ، أو حتّى فيما يختص بمتـطـلبـات ممـارسـة أي نـشــاط وظيفي آخر لمنظمات الأعمال ، أي توفر بعض القدرات أو جوانب القوّة لدى الشـركـة مـتـعدّدة الجنسيات مثل الموارد المالية ،التكنولوجيا ، والمهارات الإدارية ...الخ ، بالمقارنة بالشـركـات الـوطـنـيـة فـي الدول المضيفة يعتبر أحد العوامل الرئيسية التّي تدفع هذه الشركات نحو الاستثمارات الأجنبية . أو بمـعـنى آخـر أن يقين هذه الشركات بعدم قدرة الشركات الوطنية بالدول المضيفة على منافستها تـكـنـولـوجـيـا أو إنتاجيا أو مالـيـا أو إداريـا ...الـخ سـيـكون أحد المحفزات و الدوافع الأساسية التي تكمن وراء قرار هذه الشركات الخاص بالاستثمار أو ممارسة أي أنشطة إنتاجية أو تسويقية في الدول النامية . كما يفترض هذا النموذج النظرة الشمولية لمجـالات الاسـتـثـمـار الأجـنـبـي فـضـلا على أنّ التملك المطلق لمشروعات الاستثمار هي الشكل المفضل لاستغلال جوانب القوّة لدى الشركات متعددة الجنسيات . وفي هذا الشأن يرى "هود و يونج" " Hood et Young" أنّه في حالة سيادة المنافسة الكاملة في أحد الأسواق الأجنبية ، فانّ هذا يعني انخفاض قدرة الشركة المتعددة الجنسيات عـلـى التـأثـيـر أو التـحـكـم فـي السوق ، وبالتّالي ضمان مكانة دائمة وفعالة في هذه السوق . حيث توجد الحـريـة الكـامـلة أمام أي مستثمر للدخـول فـي السـوق ، كـمـا أن السـلـع والخـدمـات المـقـدمة و كذلك مدخلات و مكونات و عناصر الإنتاج المستخدمة تتصف بالتجانس ، ومن ثمّ فانّه قد لا توجد مزايا تـنافسية للشـركـة مـتـعـددة الـجـنـسـيـات أمـام نظيرتها في الدول المضيفة في مثل هذا النوع من الأسواق . و يتفق مع هــود و يـونـــــج Hood et Young كـلّ مـن بـــاري و كـيـفـزParry et Caves في هذا الخصوص ، فالاستثمارات الأجنبية المباشرة ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى توافر بعض الـمـزايـا أو امـتـلاك بعـض الخصائص والموارد المتميّزة أو المطلقة لدى الشركة متعددة الجنسيات بالمقارنة بنظيرتها الوطنية في الدول المضيفة ، وهذا يعني أنّ الدافع وراء قـرار الاسـتـثـمـار هــو المـيـزة الاحـتكارية الّتي تتمتع بها الشركات المتعددة الجنسيات والّتي تستطيع الاستفادة منها في الدول المضيفة . ومن هذا المنطلق ، يمكن أن نقول بأنّ رحيل أو هروب الشركات المتعددة الجنسيات من المنافسة الكـامـلة في الأسواق الوطنية بالدول الأم و اتجاهها للاستثمار أو نقل بعض أنشطتها لأسواق الدول النامية يمكن أن يحدث في كلّ أو بعض الحالات الآتية على سبيل المثال : - 1- حالة وجود فروق و اختلافات جوهرية في منتجات الشــركــة الـمـتـعـددة الـجـنـسـيـات بـالمقارنة بالشـــركــات الــوطـنـيـة أو الأجـنـبـيـة الأخـرى بـالـدول الـمـضـيـفـة مـثـل الـشـكل والمذاق بالنسبة للسـلـع الاسـتـهـلاكـيــة . - 2- حـالـة تـوافر مهارات إدارية و تسويقية و إنتاجية ... الخ متميّزة لدى الشركات المتعددة الجنسيات على نظيرتها في الدول المضيفة . - 3- كبر حجم الشركات المتعددة الجنسيات و قدرتها على الإنتاج بأحجام كبيرة حيث تستطيع في هذه الحالة تحقيق وفرات الحجم الكبير . - 4- تفوق الشركات المتعددة الجنسيات تكنولوجيا .
- 5- تشدّد إجــراءات و سـيـاسـات الـحـمـايـــة الجـمـركـيـة فـي الـدول الـمـضـيفة و الّذي قد ينشأ عنها صعوبة التصدير لهذه الدول ، ومن ثمّ تصبح الاسـتـثـمــارات الأجنبية المباشرة أو غير المباشرة فـي شكل تراخيص الإنتاج مثلا ، الأسلوب المتاح أو الأفضل لغزو مثل هذه الأسواق . - 6- قيام حكومات الدول المضيفة بمنح امتيازات و تسهيلات جمركية و ضريبية و مـالـيـة للشـركات متعددة الجنسيات كوسيلة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية . - 7- الخصائص الاحتكارية المختلفة للشركات المتعددة الجنسيات و الّتــي تـرتـبـط بـحالات عدم كمال السوق في الدول المضيفة ، ويمكن تلخيصها فيما يلي : 1. الخصــائص التكنــولـوجــيــــة : وتـتـمـثـل فـي قـدرة الشركات على ابتكار أنواع جديدة من السلع و المنتجات و تنويعها و إجراء بعض التحسينات أو التفسيرات فـي المـنـتـجـات القديمة على حسب تطوّر رغبات المستهلكين مثل التغليف ، الشكل و اللون ... الخ . بـالإضـافـة إلـى كون هذه الشركات تتميّز بالقدرة على تـخـصـيـص مـبـالغ ضخمة في البحوث و التطوير في كافة المجالات و الأنشطة الإنتاجية و التـسـويـقـيـة و إدارة المـوارد الـبشرية . و كذلك توافر المعرفة و الخبرات الإدارية و كافة أساليب الإدارة الحديثة . 2. الخصــائص الـتـمـــويـليــــــة : وتشـمـل عـلـى الاسـتـخـدام المكثف للتجهيزات الرأسمالية و الآلات ، توافر رؤوس الأموال اللاّزمة للاسـتـثـمـارات الإضـافـيـة والتـوسـعـات و إجراء الـبـحـوث و تـوفـيـر كـافـة التـسـهـيـلات الإنتاجية و التسويقية اللازمة ، و القدرة على تحمل و مواجهة الأخطار التجارية عن طريق تنويع الاستثمارات . 3. الخصائص التنظيمية و الإدارية : وتتمثل ليس فقط في توافر الخبرات و المهارات لتنظيمية و الإدارية في كافة المجالات ، و يمكن أن تتمثل أيضا في إمـكـانـيـة هـذه الـشـركات في نقل المعرفة و الخبرات في هذه المجالات إلى الدول الـمـضـيفـة ، بـالإضـافـة إلـى عـقـد بـرامـج التدريب اللازمة لتنمية الموارد البشرية في الدول المضيفة و غيرها . 4. الخصــــائص التـكــامـليـــة : و تكمن في مجالات الأنشطة الوظيفية للشركات بصفة عامة . و هنا تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الشركات تستطيع مثلا الحصول على المواد الخام و المــواد الأولـيـة خاصّـة فـي مجـال الصـناعـات الاسـتـخـراجـيـة كـالبترول نظرا للامكانبات البحثية و الاستكشافية الفنية و البشرية المتوافرة لدى هذه الشركات . إن توافر المواد الخام قد تكون في الأصل من خصائص الدول النامية المضيفة ، غـيـر أنـّه بـمـجـرد دخـول هـذه الشـركات في هذه الدول ، فانّ هذه الخاصية تتحول لصالح الشركات العاملة إما عن طريق تحكمها فـي إنتاج هذه المواد ، أو إنشاء مصانع جديدة لتصنيعها و تسويقها .
المطلب الثاني : الانتقادات الموجهة لنظرية عـدم كـمـال الـســـــــــوق
بخصــوص الانـتـقــــــادات المــوجـهـة لـنـظـريـة عـدم كـمـــال الســـوق ، يـرى روبــوك و سـيـمـوندس Robock et Simmonds ما يلي : - 1 - أنّ هذه النظرية تفترض إدراك و وعي الشركة متعددة الجنسيات بجميع فرص الاستثمار الأجنبي في الخارج . وهذا غير واقعي من الناحية العملية . - 2- أنّ هذه النظرية لم تقدم أي تفسير مقبول حول تفضيلات الشركــات مـتـعـددة الجـنـسـيـات للتــمـلـك المطلق لمشروعات الاستثمار الإنتاجية كوسيلة لاستغلال جوانب القـوّة أو المـزايـــا الاحـتـــــكــارية لهذه الشركات في الوقت الذي يمكنها تحقيق ذلك من خلال أشكال أخرى للاستثمار أو العـمـــلـيـات الخـارجـيـة كالتصدير أو عقود التراخيص الخاصّة بالإنتاج أو التسويق .
فضلا عمّا سبق يمكن القول بأنّ مدى إمكانية أو واقعية نظرية عدم كمال الســوق فــي تـحـقـيــق أهـــداف الشركات متعددة الجنسيات سواء كانت هذه الأهداف ترتبط الاستثمار المباشر أو غـيــر الـمبـاشر مشروط بمدى مرونة و تعدد الشروط و الإجراءات الجمركية و الضوابط التي تضعها حــكـومـات الـدول المضيفة النامية أو المتقدمة و الخاصّة بتنظيم مثل هذه الأنشطة أو العمليات الإنتاجية التجارية . و مـن ثمّ فانّ قدرة الشركة على استغلال جوانب القوّة فيها أو المزايا الاحتكارية التي تـمـيـّزها عـن غـيـرهـا مـن الشـركــات الوطنية سوف تتأثّر هي الأخرى نتيجة لنفس السبب .
المطلب الأول: مـــــبــــادئ و خــصــائــــــــص نــظــريـــــــة الــحــمـــــايــــــة
ظهرت هذه النظرية نتيجة للخلل الذي شاب الافتراضات التي قامت عليها نظرية عدم كــمــــال الســــوق. فمن ناحية، إن ضمان الاستغلال الأمثل لفرص التجارة و الاستثمار الدولي بما يتوائم و أهداف الشركـات متعددة الجنسيات لا يتحقق لمجرد عدم تكافؤ المنافسة بين هذه الشــركــات و الشركات الوطنية أو العاملة بالدول المضيفة . و من ناحية أخرى إن نجاح الشركات متعددة الجنسيات في تحقيق أهدافها إنــما يـتـوقف على مدى ما تمارسه الدول النامية من رقابة أو ما تفرضه من شروط و قوانين تؤثر على حريـة التــجـارة و الإستثمار و ممارسة الأنشطة المرتبطة بهما بصفة عامة .
و من ثم ظهرت نظرية الحماية, و يقصد بالحماية هـنــا الـمـمـارسـات الوقـائـيـة مـن قبل الشركات متعددة الجنسيات لضمان عدم تسرب الابتكارات الحديثة في مجالات الإنتاج أو التسـويـق أو الإدارة عـمـومـا إلى أســواق الـدول المـضـيفـة مـن خـلال قـنـوات أخـرى غـيـر الاسـتـثـمـــار المـبـاشـر أو عـقود التراخيص و الإنتاج ... الخ . أو أي شكل آخر و ذلك لأطــول فـتـرة مـمـكـنـة هـذا مـــن ناحـيـة و مـن ناحية أخرى لكي تستطيع هذه الشركات كسر حدة الرقابة و الإجراءات الحكومية بالدول النامية المــضـيفة و إجـبــارها على فتح قنوات للاستثمار المباشر للشركات متعددة الجنسيات داخل أراضيها.
و بصفة عامة تقوم نظرية الحماية على أساس أن الشركة متعددة الجنسيات تستطيع تــعـظـيـم عـوائدها إذا استطاعت حماية الكثير من الأنشطة الخاصة مثلا بالبحوث و التطوير و الابتكارات و أي عمليات إنتاجـية أو تسويقية أخرى جديدة. و لكي تحقق الشركة هذا الـهـدف, فـإن هـذا يـسـتـلـزم قـيـامـها بممارسة أو تنفيذ الأنشطة المشار إليها داخل الشركة أو بين المركز الرئيسي و الفروع في الأسواق أو بالدول المضيفة بـدلا من ممارستها في الأسواق بصورة مباشرة. وفي هذا الشأن يرى " هــود و يـنـــج" ضرورة احـتـفــاض الشركة متعددة الجنسيات بأحد الأصول ( المعرفة أو الخبرة, الاختراعات ... الخ) التي تحقق لـها الـتـميز المطلق بدلا من تصديره أو بيعه للشركات الأخرى في الـدول المـضـيفـة لـكـي تـحـقـق الحـمـاية المطلوبة لاستثمارها و من ثم الأهداف التي ترغب في بلوغها من وراء تدويل أنشطتها و عــمـلـيـاتـهـا الإنـتـاجـيــة أو الاستثمارية أو التسويقية ... الخ .
المطلب الثاني: الانـتـقــادات الــمــوجــــهـــــــة لــنــظــريـــة الــحــمـايــــــــــة
- 1 - إن ممارسات الحماية من الممكن أن يتحقق بأساليب بديلة متاحة الآن قد تكون أكثر فعالية من تلك التي تستخدمها الشركات متعددة الجنسيات , على سبيل المثال يوجد الآن ضوابط لحماية براءات الاختراع بمختلف أنواعها على مستوى العالم, تضمنها مواثيق متفق عليها و يقوم بتنفيذها منظمات دولية بعضها تابع لهيئة الأمم المتحدة, أم الآخر فيمثل منظمات دولية مستقلة, و من ثم يمكن القول بأنه لا يوجد مبرر عملي لما تقوم به بعض الشركات متعددة الجنسيات لحماية براءات الاختراع في أي نشاط اقتصادي يتم ممارسته.
- 2 - إن نظرية الحماية تتركز بصورة مباشرة على دوافع الحماية للشركات متعددة الجنسـيـــات و ضرورة أن تكون عملية اتخاذ القرارات داخل الشركة الأم و من ثم فهي تعطي اهتماما أقل إلى الإجراءات أو الضوابط و السياسات الحكومية الخاصة بالدول المضيفة الخاصة بالاستثمارات الأجنبية و الممارسات الفعلية الحالية أو المرتقبة للشركات الأجنبية,هذه الإجراءات و السياسات الحكومية قد تؤدي إلى تقليل جدوى ممارسات و إجراءات الحماية التي تمارسها الشركة متعددة الجنسيات و كذلك على مدى تحقيقها للأهداف التي تسعى لبلوغها.
المطلب الأول: افتراضـــــات و مــبـــادئ نــظــريـة دورة حــيــاة الـمــنـتـج الدولـــــــي
تعتبر نظرية دورة حياة المنتج الدولي من أهم تفسيرات و أسباب انتشار ظاهرة الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية بصفة خاصة و الدول المتقدمة بصفة عامة كما أنها تــلقـــي الضوء على دوافع الشركـــــات المتعددة الجنسيات (القوميات) من وراء الاستثمارات الأجنبية من ناحية , و من أخرى فإنها توضح كيفية أو أسباب انتشار الابتكارات و الاختراعات الجديدة خارج حدود الدولة الأم و بصفة عامة تــنـطـوي دورة حــيـاة المـنـتـج الـدولـي أربـعـة مراحـل أساسية يمكن توضيحها بالاستعانة بالشكل التالي الذي يبين المنتج و مراحله في الولايات المتحدة الأمريكية:
الـمــرحـــلـة الأولـــــــى: مرحــلـة الـبحوث و الابتكارات بالبلد المخترع ( الولايات المتحدة الأمريكية). الـمــرحـــلـة الثانيـــــــة: مرحـلــة تـقـديــــم السـلـعـة بـالسـوق الداخـلـي ( الولايات المتحدة الأمريكية). الـمــرحـــلـة الثالثـــــــة: مرحـلــة النمو في الإنتاج و التسويق المحلي و الدولي . الـمــرحـــلـة الرابعــــــة: مرحـلــة بداية التشبع في السوق المحلي و بدأ إنتاج السلعة في الدول المتقدمة الأخرى. الـمــرحـــلـة الخامســـة: مرحـلــة بدأ إنتاج السلعة في الدول النامية و تدهور السلعة بالسوق الأمريكي بسبب المنافسة السعرية أو الجودة.
إن الواقع العملي و الشواهد أو الممارسات الحالية لكثير من الشركات متعددة الجنسيات تؤيد الافتراضات التي تقوم عليها نظرية دورة حياة المنتج الدولي , و على سبيل المثال نجد أن الصناعات الإلكترونية مــثل الحاسبات الآلية بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية قبل انتشار إنتاجها في الـمـمـلكـة المـتـحـدة و فـرنـسا و ألـمـانــيــا الغـربـيـة و اليـابـــان, ثم بعد ذلك امتد إنتاج هذا النـوع مــن الصناعات في دولة نامية أخرى مثل تايوان و كوريا الجنوبية و هونج كونج ...... الخ.
المطلب الثانــي: الانـتــقــادات المـوجــهــة لـنـظـريــة دورة حــيــاة الـمـنـتـج الـدولــــي
بالرغم من نجاح هذه النظرية و إمكانية تطبيقها على بعض المنتوجات إلا أن هناك أنواعا أخرى من هــذه السلع أو المتوجات قد يصعب تطبيق النظرية بفروضها السابقة عليها , و من أمثلة ذلك السلع التي يطلـــق عليها " سلع التفاخــر" (PRESTIGIOUS-GOODS) مثل سيارات الرولــز رويــس أو السـلع التي يصعب على دول أخرى ( غير الدول صاحبة الاختراع) تقليدها أو إنتاجها بسهولة .
و هناك إنتقاد آخر و هو أن نظرية دورة حياة المنتج الدولي لم تقدم تفسيرا واضحا لأسباب قيام الشركــات المتعددة الجنسيات بالاستثمار المباشر بدلا من عقود التراخيص في الدول المضيفة .
كما أن هذه النظرية تقدم فقط تـفـسيـرا للسلوك الاحتكاري للركة و اتجاهها إلى الإنـتـاج فـي دول أجـنـبية للاستفادة و التمتع بفروق تكاليف الإنتاج أو الأسعار أو استغلال التسهيلات الممنوحة من قبل الدول المضيفة و كسر حدة إجراءات الحماية الجمركية التي تفرضها هذه الدول على الإستراد .
المطلب الأول: الــمــحــددات و الـــعــــــوامـــــل الـمــوقـعـيــة أو الـبيئيــــــــــــة
* يــعـــود الــفــضـل فــــي تــطــويــر هـذه النظرية إلى العالمين الاقتصاديين " باري" و " دننج" .
ترتكز نظرية الموقع على ما ينطوي عليه قرار الإستثمار الأجنبي الخاص بأي شركة متــعـددة الجنسيات و الذي يـتـحـدد بــالعــديــد مـن الـعـوامـل , بـعـضـها دولي أما الآخر فيمثل عوامل على الصعيد المحلي ( على مستوى الدولة الأم) ، و في هذا الشأن نجد أن محور اهتمام نظرية الموقع يرتبط بقضية اخــتـيــار الدولة المضيفة التي ستكون مقرا للاستثمار أو ممارسة الأنشطة الإنتاجية أو التـسـويــقـيـــة الـخـــــاصـة بالشركات المتعددة الجنسيات أو بمعنى آخر أنها ترتكز على المحددات و العـــــوامل الموقعيـة أو الـبـيـئية المؤثرة علـى قرارات استثمار الشركة المتعددة الجنسيات في الدول المضيفة . و كما يــرى " باري" إن هذه النظرية تهتم بالمتغيرات البيئية في الدول المضيفة التي ترتبط بالعرض و الطلب. تـلــك العـوامل التي تؤثر على الأنشطة الإنتاجية أو التسويقية و البحوث و التطوير و نظم الإدارة و غيرها .
كما أن هذه النظرية تهتم بكل العوامل المرتبطة بتكاليف الإنتاج و التسويق و الإدارة ... الخ , بالإضافة إلى العوامل المرتبطة بالسوق أو العوامل التسويقية, و هذا ما جاء به الاقتصادي " دننج " .
المطلب الثاني: الـعـــوامــــل الـمـؤثـرة عـلـى قرار الإستثمار الأجنبي ( حسب نظرية الموقع)
إن العوامل الموقعية التي تؤثر على كل من قرار الشركة المتعددة الجنسيات للاستثمار المباشر في إحدى الدول المضيفة و كذلك على قرارها الخاص بالمفاضلة بين هذا النوع من الإستثمار و بين التصدير لهذه الدولة أو غيرها من الدول الأخرى المضيفة و تتمثل هذه العوامل في الآتي:
- 1 - العوامل التسويقية و الســـوق: مثل درجة المنافسة, منافذ التوزيع, وكالات الإعلان، حجم السوق, معدل نمو السوق , درجة التقدم التكنولوجي, الرغبة في المحافضة على العملاء السابقين, احتمالات التصدير لدول أخرى ... الخ.
- 2 - العوامل المرتبطة بالتكاليــف: مثل القرب من المواد الخام و المواد الأولية, مــدى تـــوافـــر الأيدي العاملة, انخفاض مستويات الأجور , مدى توافر رؤوس الأموال , مدى انخفاض تكاليــــف نقل المواد الخام و السلع الوسيطة, و التسهيلات الإنتاجية الأخرى ... الخ .
- 3 - الإجراءات الحمائية ( ضوابط التجارة الخارجية): مثل التعريفة الجمركية, نظام الحصـص, القيود الأخرى المفروضة علـــــــــــى التصديـــــــــــــر و الإستـــــــــــراد.
- 4 - العوامل المرتبطة بمناخ الإستثمار الأجنبي (INVESTMENT-CLIMATE) : مــثــل الاتجاه العام نحو قبول الاستثمارات الأجنبية أو الوجود الأجنبي, الاستقرار السيــــاســــي, القــيود المفروضة على ملكية الأجانب الكاملة لمشروعات الإستثمار, إجراء تــحويـــل الـعـمـلات الأجنبية و التعامل فيها, مدى ثبات أسعار الصرف, نظام الضرائب, و مدى التكيف مع بيئة الدولــة المضيفة بصفة عامة .
- 5 - الحوافز و الإمتيــــــازات: مثل التسهيلات التي تمنحها الحكومة المضيفة لـلـمـسـتـثـمـريــــن الأجانب.
- 6 - عوامــــــل أخـــــرى: مثل الأرباح المتوقعة, المبيعات المتوقعة, الموقع الـجـغــرافـي, مدى توافر الثروات الطبيعية و القيود المفروضة على تحويل الأرباح و رؤوس الأمـــــوال للـخـــارج, إمكانية التهرب الضريبي .
المطلب الأول: الـــعـــوامــل المـؤثــرة عـلـى قــرار الاستثمار الأجـنـبـــــــي(روبوك و سيموندس)
الــمــــصـــطـلـــــح الأصـــلــــــي لــهـذه الـنـظـريــة هــو (GEOBUSNESS) و هو اختصار للعبارة (GEOGRAPHY-BUSNESS) و هي تعني: " النــشـــــاط الجـغـرافــي" أي النشاط الذي له علاقة بالموقع (موقع الدولة المضيفة ). تعتبر هذه النظرية امتداد لنظرية الموقع السالف ذكرها , إذ تحتوي على العديد من المحددات الإضــافـيــة فيما يخص الاستثمارات الأجنبية. يـــعـــود الـفـضــل فـــي تـطـويــــــر هـذه الـنـظـريــة إلــــــــى الاقـتـصـاديين " روبـوك و سـيـمـوندس" (S.H.ROBOCK and K.SIMMONDS) أفكار " روبوك و سيموندس" تمحورت حول أن الأعمال و النشاطات الدولية تتأثر بثلاث مجموعات من العوامل و هي:
/1عوامــــــــــل شرطيــــــــــــــــة. /2 عوامـــــــــــل دافعـــــــــــــــــــة. /3 عوامـــــــــــل حاكمـة (ضابطة).
1/ عوامـــــل شرطيـــــة:
*خصائص المنتج (السلعة) :(PRODUCT-SPECIFIC) نوع السلعة, استخدامات السلعة, جدة السلعة, متطلبات الإنتاج للسلعة(الـفـنـيـة, المـالـيـة و الـبـشـريـة), خصائص العملية الإنتاجية.
*الخصائص المميزة للدولة المضيفة (COUNTRY-SPECIFIC) : 1 - طلب السوق المحلـــــي: علــى الشـــركــة المــتعـددة الجنسيات أن تتنبأ بطلب السـوق المـحــلي عـلى منتوجاتها قبل اتخاذ القرار, فمثلاً نجد طلب متزايد في السوق الجــزائــري عـلــى أجـهـزة الهواتف النقالة و هذا ما يفسر التنافس الشديد بين الشركات الأجنبية. 2 - نمط توزيع الدخـــــــــل: أي مستوى القدرة الشرائية, لأنها إحدى محددات المـــيل للاستــــهلاك و بالتالي الطلب الفعال. 3 - مدى توافر الموارد البشرية و الطبيعية. 4 - مدى التقدم الحضاري (TECH-CULTURAL) .
* العلاقات الدولية للدولة المضيفة مع الدول الأخـــــــرى: 1 - نظم و وسائل النقل و كذا الاتصالات بين الدولة المضيفة و الدول الأخرى.
2 - الاتفاقات الاقتصادية و السياسية التي تساعد على سهولة التجارة الدولية أي حرية انتقال رؤوس الأموال و المعلومات و البضائع والأفراد, حتى يمكن للاستثمار الأجنبي أن يكمل بكفاءة عالية و يـــحــقق أعلى معدل للعائد من الربحية يجب أن يسود البلد المضيف قوانين اقتصاد الـسـوق و مـعـنى ذلك أن تتوفر حرية دخول و خروج رؤوس الأموال بحرية كاملة و أن تخضع الأسعار لقانون العرض و الطلـــــــــــب.
/2 عــوامـــــل دافــعــــــة:
* الخصائص المميزة للشركـــــــة(FIRM-SPECIFIC) : 1ـ مدى توافر الموارد المالية و البشرية و الفنية و التكنولوجية . 2ـ حجم الشركـــــــــــــة: يـمـكـن قـيـاس حـجـم الشـركـة وفـقـاً لـعـدة مـقاييس من بينها رقم الأعمال, عدد العمال و نوعية التكنولوجيا المستعملــــــــــــة.
* المركـــــــز التنافســـــــــــــــي: المقدرة النسبية للشركة على المنافسة و مواجهة التـهـديـدات و الأخـطـار التـجـاريـة, إذ يـجـب على الشركة أن تحتوي على جميع الوسائل الضرورية و اللازمة لمنافسة جميع الشركات الأخرى سواء كان ذلك محلياً(الدول المضيفة) أو دولياً(الدول الأخرى).
/3 عوامــــل حاكمـــــة(ضابطة):
* الخصائص المميزة للدولة المضيفــــــة: 1ـ القوانين و اللوائح الإدارية. 2ـ نظم الإدارة و التوظيف. 3ـ سياسات الاستثمار. 4ـ الحوافـــز الخاصة بالاستثمارات الأجنبية: و هي من أهم الخصائص المميزة للدولة المضيفة , فـعلى سبيل المثال نذكر بعض الحوافـــــــــــــــــــــــــــز: الإعفاءات الضريبية عند بدأ نشاط الاستثمار. ضــمـان تـحـويــل الأربـــاح و رأس المـــال. عدم التدخل في التسعير و ترك ذلك لقوى العرض و الطلب. تــوفـيـر القـروض و الـتـسـهـيـلات الائـتـمـانـيـة الداخـلـيــة.
* الخصائص المميزة للدولة الأم: 1ـ المنافســـــــــة: إن الشركات تتهرب من المنافسة الشديدة في الدول الأم فتلجأ إلى الإستثمار في دول أخرى لا توجد بها منافســــــــة . 2ـ تكاليف الإنتـــــاج: بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية و غلاء اليد العاملة, بينما في الدول النامية (المضيفة) تكون أثمان كل من المواد الأولية و اليد العاملة رخيصة و منخفضة. 3ـ القوانين و اللوائح و السياسات الخاصة بتشجيع تصدير رؤوس الأموال : نجد من أهم السياسات التي تشجع تصدير رؤوس الأموال " ضمان التأمين الذي يعوض المنشأة إذا لــحـقـهــا ضـرر مادي (خسارة ) بسبب أي تصرف للحكومة المضيفة " مثل هذا البرنامج التأميني يوفر حافزا للاستثمار الأجنبي حيث أن برنامج التأمين المماثلة لا يمكن أن يقدمها قطاع التأمين الخاص.
المطـب الثانـي: مـــقـارنـة بـيـــن نــظـريـة الموقـع المعـدلـة و النـظـريـات الـسـابـقـــــة
إذا نظرنا إلى جوهر النظرية فإننا نستخلص ما يلي :
* إن الـكـثـيــر مـن مـحـدـدات الاستثمار الأجـنـبـي مـن واقع هذه النظرية قد أشارت إليها أو تناولتها النظريات السابقة.
* إن هذه النظرية قدمت العديد من العوامل التي قد تعوق أو تدفع الشركات المتعددة الـجـنـسـيات إلى القيام بالمشروعات الاستثمارية أو ممارسة أنشطة إنتاجية و تسويقية في الدول المضيفة .
* تتميز هذه النظرية عن غيرها من النظريات السابقة بإشارتها إلى العوامـــل الدافعـــة للاستثمارات الأجنبية التي ترجع إلى الدولة الأم مثل الضمانات و الحوافز التي تـقـدمـهــا الـحـكومة الأم لتشجيع شركاتها الوطنية المحلية لإقامة مشروعات استثمارية أو ممارسة أنشطة إنتاجية و تسويقية خارج حدودها و العوامل البيئية الأخرى مثل زيادة حدة المنافسة في الأسواق المحلية بالدولة الأم أو زيادة نفوذ إتـحـادات العمال و النقابات و ارتفاع تكاليف العمالـــــــــــــــــــــة ......الخ .
خــــــــــاتــمــــــــة
مـــــن خـــــلال الـتـطـرق إلـى الـنـظـريـات الـسـابـقـة ، يـتـبـادر إلـى أذهـانــنـا الـتـسـاؤل الـتـالـــــــــي : مــا هــــي الـنـظـريـة أو الـنـمـوذج الأمـثـل لتـحـديـــد قـرارات الاسـتـثـمـــــار ؟ يـقـــول الاقـتــصــاديــون فـي هـــذا الـمـجــال أنـــــّه مــن الـصـعـب الإجـابــة عـــــلى هـذا الـســــؤال ، لأنّ الإجـــــابــة عـلــيــــه تـتـطـــلـــب درجة عـالـيـة مـن الـتــحــفــــظ والـحــذر لـتــجـنـب الــوقـــــــوع فـــي خــطــأ الـتـعـمـيـــــم . وكـــــــذا تــعـــدد الـمـتـغـيـــرات الـمــؤثــرة عــلى قــرار الاسـتـثـمـــــــــار الأجــنـبــــي ، ســواء الـمـتـعـــلـــقـــة بـالـشـــركـــة مــتــعـددة الـجــنــســـيــــات أو بــــالــــدولــــــة الأم أو بــالـدولــة الـمــضــيفــــة ، وصـعـــوبــــة تـطـبـيـق كـل مـا هو نظري في الواقع (الجانب التطبيقي ) . ومــن هــذا يـقـول الـعـلـمـاء الاقـتـصـــاديـــون أن أي مـحــاولــة لاقـتـراح مـدخــل معين لتحليل محددات و دوافع الاستثمارات الأجنبية تتصف إمّا بعدم الشمول أو عدم القابلية للقياس أو التطبيق العملي . ويـــمكــن عـلـى سـبـيـل الاخـتــصــار أن نـقـــــول أن مـحـددات و دوافـــع الاسـتـثـمــار الأجـنـبـي تتمثل في محصلت إسهامات النظريات السابقة مجتمعة . و يمكن تلخيص هذه المحددات في ما يلي : * الــعـوامــل المـرتـبـطــة بــــعـــدم كـــمــــال الـســوق فــي الـــدول الـنـامية . * رغبة الشركات المتعددة الجنسيات في التغلب على القيود المرتبطة بالتجارة . * رغبة الشركات المتعددة الجنسيات في غزو أحد أســـــواق الـدول المـضيـفـة .
| |
|