مفاهيم دستورية
تعريف الدولة:
تعرف الدولة في العصر الحديث بأنها "جماعة من الناس منظمة سياسيًا تبسط سيطرتها على إقليم محدد يتمتع
بالسيادة." (هادي العلوي - قاموس الدولة والاقتصاد) ويعرفها فقهاء القانون الدستوري بأنها شعب يستقر في أرض معينة ويخضع
لحكومة منظمة.
ومن التعريف يتضح أن للدولة أركان ثلاثة هي
: الشعب والأرض والحكومة. (ماجد الحلو - النظم السياسية والقانون الدستوري)
عناصر الدولة
الشعب
: يتكون الشعب من مجموع كبير من الناس تجمعهم الرغبة في العيش المشترك، وإن كان لا يمكن تحديد عدد مناسب أو حد
أدنى وحد أقصى لعدد الناس أو أفراد الشعب إلا أن كثرة عدد السكان لا شك تعتبر عام ً لا هامًا في ازدياد قدر الدولة وشأنها، وقد
يتطابق تعريف الشعب مع الأمة وقد يختلف عنها كما هو حال الأمة العربية المقسمة إلى دول.
الأرض
: يستقر الشعب على أرض معينة سواء كانت هذه الأرض ذات مساحة كبيرة أو صغيرة، وقد أصبحت الأرض كعنصر من
عناصر الدولة الثلاث تسمى بالإقليم الذي لا يشمل اليابسة فقط وإنما إلى جانبها المسطحات المائية التابعة لليابسة والفضاء الذي
يعلو الأرض والبحار الخاضعة للدولة وفقًا لقواعد السلوك الدولي.
الحكومة
: لا يكفي أن يكون هناك شعب يقيم على مساحة من الأرض لقيام الدولة بل لابد من وجود قوة أو سلطة أو حكومة لفرض
السلطة على الشعب في إطار الأرض وأن تعمل هذه الحكومة على تنظيم أمور الجماعة وتحقيق مصالحها والدفاع عن سيادتها،
وتستمد حكومة أية دولة شرعيتها من رضا شعبها بها وقبوله لها فإذا انتفى هذا الرضا والقبول فإن الحكومة تكون فعلية وليست
شرعية مهما فرضت نفوذها على المحكومين.
الشخصية المعنوية للدولة
إذا توافرت العناصر الثلاثة وهي الشعب والإقليم والحكومة واجتمعت، قامت الدولة ككيان قانوني يجمع العناصر ويمثلها وأصبحت
فردًا بين أفراد الدول التي تكون المجتمع الدولي، واكتسبت الشخصية المعنوية لتمييزها عن الشخصية الطبيعية الفردية أو
لمجموعة من الأفراد، ولابد لهذه الشخصية المعنوية المجردة من أن يمثلها فرد طبيعي أو مجموعة أفراد يسمى أو يسمون
(
أصحاب أو ذوا السلطة)، ولا تتأثر هذه الشخصية المعنوية (الدولة) بموت أو تغيير ممثليها (د. سليمان الطماوي - النظم السياسية
والقانون) فتبقى حقوق الدولة لها ومقيدة بالالتزامات التي تعهدت بها وتظل القوانين التي سنت فيها مطبقة حتى وإن تغير شكلها ما
لم يتم إلغائها صراحة أو ضمنًا، بالرغم من تبدل ممثلو تلك الدولة أو تغيير شكلها أو طريقة تعيين أو تسمية رأسها
العلاقة بين عناصر الدولة
مع تطور المجتمعات ومقتضيات إدارتها أبدع الفكر البشري عمومًا نظمًا سياسية مختلفة ومتنوعة، إلا أنها جميعًا تقوم على فكرة
تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين وذلك بتحديد اختصاصات الحاكم وحقوق المواطنين، وإقامة توازن بين سلطات الحكم
وحقوق وواجبات المحكومين بما يؤمن الاستقرار وعدم طغيان الحكام
.
فالحاكم عادة ما يميل إلى الاحتفاظ بصلاحيات مطلقة على حساب الشعب، في حين تناضل الشعوب من أجل تقييد صلاحيات
الحاكم وجعلها ضمن إطار التشريعات وبنصوص محكمة أصبحت يطلق عليها اسم الدستور تميزًا له عن التشريعات الأخرى التي
3
تنظم أمور جزئية في المجتمع بينما ينظم الدستور مبادئ وأسس المجتمع وفلسفته وحقوق الأفراد فيه وصلاحيات الهيئات الحاكمة
والعلاقة فيما بينها أو بينها والأفراد أو بين الأفراد أنفسهم والفصل في أية منازعات قد تنشأ في الدولة
.
مدلول كلمة
"الحكومة"
قد يقصد بالحكومة نظام الحكم في الدولة وهو بهذا المعنى وسيلة أعمال السلطة العامة أو قيام الدولة بوظيفتها في المحافظة على
سلامتها الداخلية والخارجية وحفظ السلام وتحقيق العدالة بين الشعب
.
وتستعمل كلمة الحكومة بمعنى الدولة أي مجموع الهيئات أو السلطات الحاكمة أو التي تديرها الدولة فيقصد بها هنا السلطات
الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، إلا أن الحكومة قد يقصد بها قصرًا وتحديدًا السلطة التنفيذية فقط، أي رأس الدولة والوزراء
ومساعديهم المباشرين، وقد يقصد بالحكومة فقط الوزارة فيقال أن الحكومة استقالت أي أن رئيس الوزراء والوزراء قدموا
استقالتهم إلى رأس الدولة
.
وأعتقد أنه في العصر الحديث وفي أغلب الدول فإن لفظ الحكومة أو الإدارة هو اللفظ الأقرب دلالة إلى السلطة التنفيذية لتميزها
عن السلطتين التشريعية والقضائية
. وقد عرفها هادي العلوي في قاموس الدولة والاقتصاد بأنها: (هيئة تتولى السلطة التنفيذية في
الدولة وتكون مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد، وتختلف الحكومة عن الدولة لأنها جزء والدولة كل تضم السلطات الثلاث التنفيذية
والتشريعية
والقضائية).
2
.نشأة الدساتير وتطورها التاريخي
مدلول كلمة "الدستور : "
في العالم المعاصر من النادر وجود دولة ليس لها دستور، وأصل كلمة دستور فارسي ومعناه الأساس أو
القاعدة، وقد كانت بعض الدول تستعمل لفظ القانون الأساسي أو القانون النظامي قبل استعمال مصطلح دستور، إلا أن كلمة دستور
بإيجازها ودلالتها وشيوع استعمالها قد اكتسبت الغلبة وأصبحت تتمتع بشيء من القدسية وهي الأكثر استعما ً لا في الدول العربية
الحديثة، أو مقابلها أو ترجمتها أو معناها في أغلب لغات العالم.
لقد عرفت بعض المدنيات القديمة الدساتير ومن ابرز الأمثلة على ذلك دستور المدينة اليونانية وعلى وجه التحديد دستور أثينا
.
وفي مرحلة العصور الوسطى لم يعد هنالك مجال للكلام عن دستور ولم يعد هناك كلام عن نظم سياسية تعترف بالحقوق
والحريات أو تعترف للإنسان بالمساهمة في الحياة السياسية
. وساد الجهل الذي شمل سائر مرافق الحياة وهو ما عرف بعصر
الإقطاع وكان هذا الواقع وهو واقع خاص بالدول الأوربية تسبب في نهضة فكرية شاملة تلتها نهضة صناعية كبيرة فظهرت
الفلسفات والأفكار السياسية التي نادت بالحقوق والحريات وفصل السلطة عن الأشخاص الذين يمارسونها ومن هنا بدأت مرحلة
تقييد الحكام بوثائق أطلق عليها فيما بعد بالدساتير وهي مرحلة يحددها الكثير من الكتاب في القرن التاسع عشر وفي مراحل تالية
لهذه الحقبة الزمنية أصبحت الشعوب صاحبة السيادة ومصدر السلطة وفق الاتجاهات الفكرية السائدة .
3
.مفهوم الدستور ودلالاته المختلفة
مفهوم الدستور
: تعددت تعريفات القانون الدستوري حسب وجهات نظر كل فقيه من فقهاء هذا العلم والملاحظ أن جميع هذه
التعريفات تدور حول فكرة الحكم وسوف نعرض لتلك التعريفات كما جاءت بكتب الفقه . فمن هذه التعريفات من يرى أن القانون
الدستوري.
يعرف الدستور
أو القانون الدستوري بأنه
1
. مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة وترسم قواعد الحكم فيها، وتضع الضمانات الأساسية لحقوق الأفراد،
وتنظم سلطاتها العامة مع بيان اختصاصات هذه السلطات.
2
. هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أمر الحكم في الدولة .
3
. ومنهم من يرى أن لا داعي لإدخال الدولة في التعريف حيث يرون أن قواعد القانون الدستوري تبين أمر الحكم في
جماعة سياسية في وقت معين حيث يرون أن الدولة اسبق في الوجود من الدستور .
والرد على ذلك أن الدولة إذا كانت اسبق في الوجود على الدستور فان الحكومة هي الأخرى تأخذ هذا الوضع لان الحكومة
ركن من أركان الدولة
. والإجماع الحاصل بين الفقهاء ألان أن قواعد القانون الدستوري تتعلق بشان كل ما يخص الحكم في
الدولة فهي تقيم المؤسسات الحاكمة تبين اختصاصاتها والعلاقة بين السلطات وترسم معالم وملامح النظام السياسي كشكل
الدولة وشكل الحكومة وحقوق وحريات الأفراد وما يقابلها من تكاليف وأعباء عامة
مدلولات الدستور
: هناك أربعة مدلولات للدستور نعرض لها
أ
. المدلول اللغوي : الأصل اللغوي لكلمة دستور هو فارسي الأصل حيث تفيد معنى الأساس أو القاعدة . وكانت الدساتير العربية
التي صدرت في العقد الثاني من القرن العشرين قد استعملت كلمة ( أساس) كما هو شأن الدستور العراقي الصادر سنة 1925
تحت عنوان القانون الأساسي
. كذلك الدستور المصري الصادر سنة 1923 ويرى الكثير من فقهاء القانون الدستوري أن المعنى
اللغوي لمصطلح الدستور يستغرق كافة فروع القانون باعتبار أن هذه الفروع قواعد تنظيمية وهو ما لا يتفق مع حقيقة دلالة
القواعد الدستورية .
ب
. المدلول التاريخي : ارتبط هذا المدلول لمصطلح الدستور بتاريخ فرنسا الدستوري في عهد (لويس فيليب الاورلياني )حيث قام
الفقيه (جيتروا) بتدريس الدستور الذي صدر في ذلك العهد والذي أقام النظام الديموقراطي الحر . وبطبيعة الحال مثل هذا المدلول
لا يتجاوز الدراسة التاريخية إلى الدراسة العلمية كما هو ثابت .
ج
. المدلول الشكلي : المقصود بالمدلول الشكلي للدستور هو أن كافة القواعد القانونية التي تنظمها وثيقة الدستور تعتبر قواعد
دستورية بصرف النظر عن كونها تتناول أمور الحكم أو تتناول موضوعات أخرى غير هذا المعني .
د
. المدلول الموضوعي : يقصد بالمدلول الموضعي للدستور هو أن القاعدة القانونية تعتبر قاعدة دستورية إذا تناولت بالتنظيم أمور
الحكم في الدولة ولا عبرة بمكان هذه القاعدة سواء اشتملت عليها وثيقة الدستور أم كانت خارج هذه الوثيقة
4
.مصادر القاعدة الدستورية وطرق إصدار الدساتير ،أساليب نشأة الدساتير و( أنواع الدساتير )
قد ينشأ الدستور جراء الأعراف التي اتبعت في إدارة شؤون الحكم والدولة دون تدوين تلك القواعد، ومازالت توجد دساتير عرفية
كما هو حال المملكة المتحدة، إلا أن أغلب الدساتير في دول العالم هي دساتير مكتوبة سواء كانت في وثيقة واحدة أو مجموعة
وثائق أو قوانين
.
وقد ظهرت الدساتير المكتوبة بالمفهوم الحديث بداية في دويلات أمريكا الشمالية ثم في الدستور الاتحادي الصادر سنة
1787 م
لتنتشر الدساتير المكتوبة في أغلب دول العالم، ومن خلال التجربة أصبح الفقه الدستوري يعدد أربعة أساليب لوضع الدساتير وفقًا
لما حدث تاريخيًا،
1
. فإما أن يتنازل الحاكم عن حكمه المطلق فيتكرم على شعبه بإصدار دستور.
2
. أو باتفاق إرادة الحاكم مع المحكومين مباشرة.
3
. أو من خلال جمعية تأسيسية.
4
. أو استفتاء على نص الدستور المراد إصداره، ويتقرر الأسلوب الذي يتم وضع الدستور به عادة وفق ظروف المجتمع
السياسية وتفاعلها مع التأثيرات الخارجية ومدى تطور الوعي السياسي والمطالبة الشعبية بالحقوق الدستورية.
من المعلوم أن مصادر القاعدة القانونية بوجه عام هي التشريع والفقه والقضاء والدين والعرف
…الخ .ألا أن الفقهاء عندما
يتناولون بالبحث مصادر القانون الدستوري يتكلمون عن المصادر المكتوبة والمصادر العرفية وتدخل المصادر المكتوبة في دائرة
التشريع أما المصادر العرفية فلا تعتبر كذلك باعتبارها مصادر مستقلة كما سنرى ذلك . ويرتب الفقهاء على هذا المنهج ويرتب
الفقهاء على هذا المنهج في البحث طرق إصدار الدساتير و أنواعها وسوف نتكلم عن طرق إصدار الدساتير .
6
أنواع الدساتير
:
فهي لا تخرج عن كونها دساتير مكتوبة ودساتير عرفية . وكذلك من هذه الأنواع دساتير جامدة ودساتير مرنة
كما سوف يبدوا لنا في ثنايا البحث
:
الدساتير المكتوبة
: تكون الدساتير مكتوبة عندما يتم تدوين القواعد القانونية في وثيقة خاصة سواء تعلقت هذه القواعد بأمر الحكم
أم أنها خارج هذا المعنى . المهم أن تكون هذه القواعد قد ثبتت في وثيقة الدستور واتخذت الإجراءات الخاصة الأشكال الخاصة
التي تختلف عن الإجراءات و الأشكال التي تصدر بها القوانين العادية .
الدساتير العرفية
: تكون الدساتير عرفية عندما تستند إلى العرف ولا تضمها وثيقة خاصة . والعرف كما هو معلوم تصرف مادي
وسلوك معين تقوم به مؤسسات الدولة أو بعض هذه المؤسسات ولا يحصل اعتراض على هذا السلوك بوصفها تتميز بوصف
قانوني . وهذا يعني إن للعرف ركنين : الركن المادي والمتمثل بالسلوك . والركن المعنوي المتمثل بحصول الرضا عن هذا
السلوك بوصفه قانونا ملزما . وتجدر الإشارة هنا إلى أن غالبية دساتير الدول هي دساتير مكتوبة ولعل من الدساتير العرفية هو
الدستور الإنجليزي .
وهذا لا يمنع بان تكون ثمة قواعد دستورية عرفية على هامش الدستور المكتوب وهو ما يسمى العرف الدستوري على خلاف
الدستور العرفي
.
والدساتير المكتوبة أو الدساتير العرفية هو ما يعتبر من أنواع الدساتير على حد تعبير الفقهاء
. كذلك يتكلم الفقهاء عن أنواع
الدساتير بعنوان الدساتير الجامدة والدساتير المرنة ويقصدون بالأولى تلك الدساتير التي تصدر عن هيئة خاصة و إجراءات
خاصة مطبوعة بطابع تمييزي عن طريقة وأشكال وإجراءات صدور القواعد القانونية العادية .وألان : نخص بالكلام طرق
صدور الدساتير على وجه الإيجاز
نتيجة لتطور وعي الشعوب وانتشار المبادئ الديموقراطية وبلورة فكرة سيادة الشعب حصل صدور الدساتير بشكل تدريجي وفقا
لتطور تلك المفاهيم وذلك على الوجه التالي :
1
.صدور الدساتير بطريقة المنحة( دستور المنحة) (
يتنازل الحاكم عن حكمه المطلق فيتكرم على شعبه بإصدار دستور)
يكون في حالة ما إذا استقل الحاكم بوضع الدستور دون مشاركة الشعب، ويكون عادة استنادًا على أن الحاكم هو صاحب السيادة
في الدولة وليس الشعب، والرأي الغالب في الفقه القانوني أنه لا يجوز للحاكم أن يسترد المنحة لأنها تعلقت بحق الغير
(الشعب)
فلا يجوز المساس بهذه الحقوق من المانح، والرأي الراجح في الفقه أن دستور المنحة لا يتم تعديله إلا بالطريقة المنصوص عليها
فيه ويمكن تعزيز التعديل باستفتاء شعبي على النصوص المعدلة
.
صدرت بعض الدساتير بطريقة المنحة باعتبار الملوك هم أصحاب السيادة وتحت ضغط الشعوب وخشية نتائج هذه الضغوط تم
تسامح الملوك بإصدار الدساتير بهذه الطريقة . وهذه الطريقة لا تقيد الاعتراف بسلطة الشعوب وحقهم في السيادة ، وقد صدر
الدستور المصري عام 1923 بهذه الطريقة .
مدلولات الدستور
: هناك أربعة مدلولات للدستور نعرض لها
أ
. المدلول اللغوي : الأصل اللغوي لكلمة دستور هو فارسي الأصل حيث تفيد معنى الأساس أو القاعدة . وكانت الدساتير العربية
التي صدرت في العقد الثاني من القرن العشرين قد استعملت كلمة ( أساس) كما هو شأن الدستور العراقي الصادر سنة 1925
تحت عنوان القانون الأساسي
. كذلك الدستور المصري الصادر سنة 1923 ويرى الكثير من فقهاء القانون الدستوري أن المعنى
اللغوي لمصطلح الدستور يستغرق كافة فروع القانون باعتبار أن هذه الفروع قواعد تنظيمية وهو ما لا يتفق مع حقيقة دلالة
القواعد الدستورية .
ب
. المدلول التاريخي : ارتبط هذا المدلول لمصطلح الدستور بتاريخ فرنسا الدستوري في عهد (لويس فيليب الاورلياني )حيث قام
الفقيه (جيتروا) بتدريس الدستور الذي صدر في ذلك العهد والذي أقام النظام الديموقراطي الحر . وبطبيعة الحال مثل هذا المدلول
لا يتجاوز الدراسة التاريخية إلى الدراسة العلمية كما هو ثابت .
ج
. المدلول الشكلي : المقصود بالمدلول الشكلي للدستور هو أن كافة القواعد القانونية التي تنظمها وثيقة الدستور تعتبر قواعد
دستورية بصرف النظر عن كونها تتناول أمور الحكم أو تتناول موضوعات أخرى غير هذا المعني .
د
. المدلول الموضوعي : يقصد بالمدلول الموضعي للدستور هو أن القاعدة القانونية تعتبر قاعدة دستورية إذا تناولت بالتنظيم أمور
الحكم في الدولة ولا عبرة بمكان هذه القاعدة سواء اشتملت عليها وثيقة الدستور أم كانت خارج هذه الوثيقة
4
.مصادر القاعدة الدستورية وطرق إصدار الدساتير ،أساليب نشأة الدساتير و( أنواع الدساتير )
قد ينشأ الدستور جراء الأعراف التي اتبعت في إدارة شؤون الحكم والدولة دون تدوين تلك القواعد، ومازالت توجد دساتير عرفية
كما هو حال المملكة المتحدة، إلا أن أغلب الدساتير في دول العالم هي دساتير مكتوبة سواء كانت في وثيقة واحدة أو مجموعة
وثائق أو قوانين
.
وقد ظهرت الدساتير المكتوبة بالمفهوم الحديث بداية في دويلات أمريكا الشمالية ثم في الدستور الاتحادي الصادر سنة
1787 م
لتنتشر الدساتير المكتوبة في أغلب دول العالم، ومن خلال التجربة أصبح الفقه الدستوري يعدد أربعة أساليب لوضع الدساتير وفقًا
لما حدث تاريخيًا،
1
. فإما أن يتنازل الحاكم عن حكمه المطلق فيتكرم على شعبه بإصدار دستور.
2
. أو باتفاق إرادة الحاكم مع المحكومين مباشرة.
3
. أو من خلال جمعية تأسيسية.
4
. أو استفتاء على نص الدستور المراد إصداره، ويتقرر الأسلوب الذي يتم وضع الدستور به عادة وفق ظروف المجتمع
السياسية وتفاعلها مع التأثيرات الخارجية ومدى تطور الوعي السياسي والمطالبة الشعبية بالحقوق الدستورية.
من المعلوم أن مصادر القاعدة القانونية بوجه عام هي التشريع والفقه والقضاء والدين والعرف
…الخ .ألا أن الفقهاء عندما
يتناولون بالبحث مصادر القانون الدستوري يتكلمون عن المصادر المكتوبة والمصادر العرفية وتدخل المصادر المكتوبة في دائرة
التشريع أما المصادر العرفية فلا تعتبر كذلك باعتبارها مصادر مستقلة كما سنرى ذلك . ويرتب الفقهاء على هذا المنهج ويرتب
الفقهاء على هذا المنهج في البحث طرق إصدار الدساتير و أنواعها وسوف نتكلم عن طرق إصدار الدساتير .
6
أنواع الدساتير
:
فهي لا تخرج عن كونها دساتير مكتوبة ودساتير عرفية . وكذلك من هذه الأنواع دساتير جامدة ودساتير مرنة
كما سوف يبدوا لنا في ثنايا البحث
:
الدساتير المكتوبة
: تكون الدساتير مكتوبة عندما يتم تدوين القواعد القانونية في وثيقة خاصة سواء تعلقت هذه القواعد بأمر الحكم
أم أنها خارج هذا المعنى . المهم أن تكون هذه القواعد قد ثبتت في وثيقة الدستور واتخذت الإجراءات الخاصة الأشكال الخاصة
التي تختلف عن الإجراءات و الأشكال التي تصدر بها القوانين العادية .
الدساتير العرفية
: تكون الدساتير عرفية عندما تستند إلى العرف ولا تضمها وثيقة خاصة . والعرف كما هو معلوم تصرف مادي
وسلوك معين تقوم به مؤسسات الدولة أو بعض هذه المؤسسات ولا يحصل اعتراض على هذا السلوك بوصفها تتميز بوصف
قانوني . وهذا يعني إن للعرف ركنين : الركن المادي والمتمثل بالسلوك . والركن المعنوي المتمثل بحصول الرضا عن هذا
السلوك بوصفه قانونا ملزما . وتجدر الإشارة هنا إلى أن غالبية دساتير الدول هي دساتير مكتوبة ولعل من الدساتير العرفية هو
الدستور الإنجليزي .
وهذا لا يمنع بان تكون ثمة قواعد دستورية عرفية على هامش الدستور المكتوب وهو ما يسمى العرف الدستوري على خلاف
الدستور العرفي
.
والدساتير المكتوبة أو الدساتير العرفية هو ما يعتبر من أنواع الدساتير على حد تعبير الفقهاء
. كذلك يتكلم الفقهاء عن أنواع
الدساتير بعنوان الدساتير الجامدة والدساتير المرنة ويقصدون بالأولى تلك الدساتير التي تصدر عن هيئة خاصة و إجراءات
خاصة مطبوعة بطابع تمييزي عن طريقة وأشكال وإجراءات صدور القواعد القانونية العادية .وألان : نخص بالكلام طرق
صدور الدساتير على وجه الإيجاز
نتيجة لتطور وعي الشعوب وانتشار المبادئ الديموقراطية وبلورة فكرة سيادة الشعب حصل صدور الدساتير بشكل تدريجي وفقا
لتطور تلك المفاهيم وذلك على الوجه التالي :
1
.صدور الدساتير بطريقة المنحة( دستور المنحة) (
يتنازل الحاكم عن حكمه المطلق فيتكرم على شعبه بإصدار دستور)
يكون في حالة ما إذا استقل الحاكم بوضع الدستور دون مشاركة الشعب، ويكون عادة استنادًا على أن الحاكم هو صاحب السيادة
في الدولة وليس الشعب، والرأي الغالب في الفقه القانوني أنه لا يجوز للحاكم أن يسترد المنحة لأنها تعلقت بحق الغير
(الشعب)
فلا يجوز المساس بهذه الحقوق من المانح، والرأي الراجح في الفقه أن دستور المنحة لا يتم تعديله إلا بالطريقة المنصوص عليها
فيه ويمكن تعزيز التعديل باستفتاء شعبي على النصوص المعدلة
.
صدرت بعض الدساتير بطريقة المنحة باعتبار الملوك هم أصحاب السيادة وتحت ضغط الشعوب وخشية نتائج هذه الضغوط تم
تسامح الملوك بإصدار الدساتير بهذه الطريقة . وهذه الطريقة لا تقيد الاعتراف بسلطة الشعوب وحقهم في السيادة ، وقد صدر
الدستور المصري عام 1923 بهذه الطريقة .
7
2
. طريقة العقد (دستور العقد)
(باتفاق إرادة الحاكم مع المحكومين مباشرة).
وهو الذي يتم باتفاق بين إرادتين هما إرادة الحاكم وإرادة المحكومين وبالطبع ما دمنا نتحدث عن عقد فلا يجوز المساس بالعقد
بإرادة منفردة من أحد طرفيه سواء بالتعديل أو الإلغاء حيث يتوجب أتفاق الطرفين، وقد تم في البحرين إتباع هذه الطريقة لإصدار
دستور
1973 م. والمستقر عليه فقهًا أنه لا يجوز للحاكم أن يخرج على أحكام الدستور أو تعديلها بإرادته المنفردة، بل لابد من
موافقة الشعب وهو الطرف الثاني في العقد.
في هذه الطريقة اعترف الحكام بمشاركة الشعوب في السيادة وكأن السيادة أصبحت شركة بين الملوك والشعوب فصدرت بعض
الدساتير بناء على هذا الاعتبار وهو ما يعبر عن تنامي الوعي الشعبي والخشية من الشعوب
. وقد صدر الدستور العراقي عام
1925
بهذه الطريقة .
3
. طريقة الجمعية التأسيسية (دستور الجمعية التأسيسية)
الأصل أن الأسلوب الديمقراطي في إعداد الدساتير هو قيام الشعب مباشرة بوضعها، إلا أن الاعتبارات العملية والواقعية أدت إلى
تعذر أو استحالة ذلك خاصة وأن أحكام الدستور تعتبر من المسائل الفنية الدقيقة التي تستعصي على أفراد الشعب، لما تحتاجه من
دراسة ومناقشة عميقة، فض ً لا عن استحالة اللجوء إلى الشعب كله في ظروف الدولة العصرية التي تتميز بكثرة مواطنيها، لذا فقد
أبدع الفكر البشري فكرة اختيار الشعب ممثلين له لتولي مهمة إعداد الدستور باسم الشعب ونيابة عنه وتسمى عادة بالجمعية
التأسيسية أو المجلس التأسيسي، إذا كان كله منتخبًا
. تعتبر هذه الطريقة من الطرق الديموقراطية باعتبار الشعوب صاحبة السلطة
حيث يختار الشعب جماعة معينة لوضع الدستور .وفقا لأهدافه وطموحاته .
4
. طريقة الاستفتاء الدستوري ( دستور الاستفتاء الدستوري)
بهذا الأسلوب يتم انتخاب جمعية تأسيسية أو تشكيل لجنة فنية لوضع مشروع الدستور، إلا أن هذا الدستور لا يصبح نافذًا إلا إذا تم
طرحه في استفتاء على الشعب ليقول كلمته بشأنه أما بالموافقة أو بالرفض، ويتم اللجوء لهذا الأسلوب أي الاستفتاء فيما يتعلق
بتعديل الدستور إذا كان الاستفتاء مقررًا بنص الدستور ذاته وفي هذه الحالة يتم طرح نصوص التعديل ذاتها للتصويت عليه وليس
على مبدأ التعديل فقط
. في هذه الطريقة يتم اختيار جماعة معينة من الأشخاص لوضع الدستور وقد يكون هذا الاختيار من قبل
الشعب أو من قبل القوى السياسية الفاعلة أو الجهة الحاكمة ولا يتخذ الدستور الصفة الرسمية ألا بعد عرضه على الشعب في
استفتاء عام . وهو ما يعبر عن التطبيق الفعلي للديموقراطية وذلك بالاعتراف بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة .
آلية إقرار الدساتير وإصدارها
باستثناء دستور المنحة الذي يصدره الحاكم بمطلق إرادته دون إقرار نصوص الدستور من قبل الشعب أو نوابه المنتخبين فإن من
أركان مشروعية صدور الدستور وكذلك تعديل أي حكم من أحكامه، إقرار نصوص الدستور أو إقرار نص التعديل من قبل نواب
الشعب أو الشعب ذاته في حالة الاستفتاء الدستوري كخطوة لازمة وواجبة ليتسنى لرأس الدولة التصديق على الدستور وإصداره
وإصدار التعديل ونفاذهما، فإذا لم تراع خطوة الإقرار أو هذا الركن، فإن ركنًا من الأركان الضرورية اللازمة لمشروعية
التصديق والإصدار يكون ناقصًا ويصبح مثل هذا الدستور أو التعديل فاقدًا للمشروعية الديمقراطية في طريقة وضعه وللمشروعية
الدستورية وفقًا لأحكام الدستور النافذ
.
8
5
. مكانة الدستور في النظام القانوني ( سمو الدستور)
تبين لنا فيما تقدم من الكلام أن الدستور بقواعده القانونية ينشئ المؤسسات ويحدد الاختصاصات وبوجه عام يقيم النظام السياسي
في الدولة ، ومن المعلوم أن النظام القانوني في الدولة يتكون من مجموعة من القواعد القانونية تندرج حسب مكانة الجهة التي
أصدرتها وحسب طبيعة الإجراءات والأشكال التي صدرت بها ، وحيث أن الدستور هو الذي ينشئ النظام القانوني فأن قواعده
تحتل المكانة العليا في هذا النظام ولا يجوز مخالفة هذه القواعد سواء أكان ذلك بعمل قانوني أو عمل مادي
.
وتتدرج القواعد القانونية حيث تأتي
أ
. القوانين العادية بالمرتبة الثانية بعد الدستور .
ب
. وتليها القرارات التنظيمية ( اللوائح ) .
ت
. ثم القرارات الإدارية الفردية إلى المنشورات والتعليمات التي تصورها الوحدات الإدارية الصغرى .
وهذه المكانة لقواعد الدستور هو ما اصطلح عليه الفقهاء
( بالسمو) ، وقد يكون هذا السمو شكليا أو موضوعيا فالسمو الشكلي
تتمتع به كافة القواعد التي أشتمل عليها الدستور . أما السمو الموضوعي فيأتي من كون القاعدة القانونية ذات طابع دستوري
أي من كونها تتناول موضوع الحكم في الدولة . ولما كانت القواعد الدستورية تتمتع بميزة السمو هذه فأن ذلك لا يعني عدم
إمكانية تعديلها . فليس هناك دستور يبقى جامدا دون تعديل إلى ما لا نهاية ، ألا أن التعديل يلزم أن يكون وضعه الأصول
الدستورية التي ينص عليها الدستور نفسه ، وذلك في الأحوال والظروف العادية أما في الظروف غير العادية كحالة التوارث
والانقلابات فالوضع مختلف حيث ستكون أمام وضع سياسي جديد يترتب عليه دستور جديد حسب توجيهات وأفكار الجهة التي
أحدثت التغيير .
وكلامنا هنا بصدد الظروف العادية ، فقد يكون اقتراح التعديل من قبل السلطة التنفيذية أو التشريعية أو اشتراك السلطتين أو أن
يكون التعديل باقتراح الشعب ، وإذا كان الدستور ينص على الجهة التي يحق لها اقتراح التعديل فليس ثمة مشكلة بناء على
ضرورة الالتزام بحكم الدستور
. أما إذا لم يوجد نص مثل هذا سوف يحصل الخلاف حول الجهة التي يحق لها اقتراح التعديل ،
وحتما لهذا الخلاف لا بد أن يكون للشعب دوره في هذا الأجراء ويعتبر ذلك بعتي عدم الاهتمام بإرادة الشعب وينتهي الأمر إلى
مشاكل سياسية تضع النظام السياسي في حالة من عدم الاستقرار
6
. الرقابة على دستوريه القوانين
قواعد القانون الدستوري على الوجه الذي تقدم بيانه لا تجوز مخالفتها من أية جهة ولأي إجراء لكن ما هي ضمانا ت ذلك ؟ وهنا
تكلم فقهاء القانون عن نوعين من الرقابة
:
أ
. الرقابة السياسية : تتمثل هذه الرقابة في هيئة مشكلة تشكيلا سياسيا وهي رقابة سابقة على إصدار القانون محل الرقابة وهذه
الرقابة ميزتها أنها وقائية ومعنى ذلك أن القانون المراد تشريعه إذا كان مخالفا للدستور سوف لن يتم إصداره آلا انه يأخذ على
هذه أن أعضاء هيئة الرقابة قد لا يكونون مكونين تكوينا قانونيا يتناسب مع خطورة وأهمية هذه الرقابة ومن جهة أخرى أن الطابع
السياسي لتشكيل هذه الهيئة قد لا يمنعها من التأثر بالاتجاهات السياسية وهو ما لا يتفق مع الهدف من هذه الرقابة .
ب
. الرقابة القضائية : من المعلوم أن وظيفة القضاء تتمثل في الفصل في الخصومات التي تحصل بين الأفراد والدولة أو بين
الأفراد أنفسهم وهي وظيفة على درجة كبيرة من الأهمية حيث يتعلق الأمر بدماء الأفراد و أموالهم وحرياتهم .. الخ ومن جهة
9
أخرى يفترض في القضاء قدر كبير من التكوين القانوني والحياد والنزاهة والاستقلالية وهذه الأمور مجتمعة تشكل ضمانة فاعلة
لرقابة دستورية القوانين
.
وهنا تفرعت الرقابة إلى صورتين
أ
.الصورة الأولى : الرقابة الأصلية : وتتمثل هذه الرقابة في تشكيل محكمة خاصة تحت اسم المحكمة الدستورية العليا أو تناط
مهمة الرقابة بأعلى محكمة في البلاد . ومن ميزات هذه الرقابة أن قرارها يلغي القانون المخالف للدستور وان لهذا الحكم حجية
مطلقة أي انه ملزم لسائر المحاكم والجهات التي تطبق القانون كذلك من ميزات هذه الرقابة أن أي فرد يرى في قانون معين
مخالفة للدستور يستطيع أن يتقدم لهذه المحكمة طالبا إلغاء هذا القانون .
ب
. الصورة الثانية : الرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية : هذه الرقابة تعتبر رقابة فرعية ولا يحق لأي مواطن الطعن بعدك
دستورية القوانين بصورة أصلية بمعنى آخر إذا رأى المواطن أن قانونا ما يخالف الدستور فلا يحق له أن يتقدم للمحكمة للطعن
بهذا القانون بل ينتظر إلى أن يكون في موقف محل دعوى قضائية يطبق عليه القانون فيها وعند ذاك يبادر في الطعن في القانون
.
وفي هذه الحالة على القاضي النظر في صحة هذا الطعن فإذا تبين له صحته يتوقف عن تطبيق القانون فحسب ويكون قرار
الحكم هنا خاصا بالقضية المعروضة فقط لذلك قيل بأن هذا الحكم حجيته نسبية أو قاصرة . ومعنى ذلك أن المحاكم الأخرى بل
المحكمة نفسها غير ملزمة بالحكم الصادر في هذه القضية ويتضح أن هذا الحكم يعتبر مجرد امتناع عن تطبيق القانون باعتبار
قانونا غير دستوري على عكس حكم المحكمة الدستورية العليا الذي يقرر إلغاء القانون
7
2
[right]