عدد الرسائل : 14822 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
موضوع: لتعليق على قرار بلانكو الشهير. السبت 1 أكتوبر 2011 - 13:04
مقدمة: إنّ الحذر الذي راود كثيرا من رجال الفقه و الإدارة في فرنسا لم يكن من القضاء العادي فقط، بل التخوف كان مركزا أكثر على القواعد القانون الخاص. لذا فان تخصيص قضاء مستقل للإدارة كان الهدف منه إحداث نواة لقانون متميز يحكم نشاطها. وكانت مهمته هذه في غاية من الصعوبة خاصة من ناحية تعليل عدم صلاحية قواعد القانون الخاص لأن تحكم بعض صور نشاط الإدارة. ولعلّ النقلة النوعية و القرار التاريخي تجسد في قرار بلانكو الشهير. ونظرا لأهميته نسوق وقائعه ومنطوقه: تعرضت بنت صغيرة تدعى ايجنز بلانكو لحادث تسببت فيه عربة تابعة لوكالة التبغ الّتي كانت تنقل إنتاج هذه الوكالة من المصنع إلى المستودع. قام ولي البنت برفع دعوى لتعويض الضرر المادي الذي حصل لأبنته أمام المحكمة العدلية أو القضاء العادي على أساس أحكام القانون المدني الفرنسي. إلاّ أنّ وكالة التبغ اعتبرت أنّ النزاع يهم الإدارة وأنّ مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص لذلك طالبت بإيقاف النظر في الدعوى حتى تبت محكمة تنازع الاختصاص في هذا الإشكال. هل يمثل المرفق العام أساس سليم للقانون الإداري ؟
العرض: المبحث الأول: أهمية تحديد أساس القانون الإداري. المطلب الأول: الجهة القضائية. إنَّ معيار أعمال السلطة وأعمال الإدارة يقوم على أساس تقسيم أعمال الإدارة إلى صنفين أعمال سلطة Acte d’autorite وهي الأعمال التي تظهر فيها الإدارة بمظهر السلطة العامة وتتمتع بحق الأمر والنهي وهذا النوع من الأعمال تحكمه قواعد القانون الإداري ويخضع لاختصاص القضاء الإداري . وأعمال الإدارة العادية Actte de gestion وهي الأعمال التي تباشرها الإدارة بذات الأساليب التي يلجأ إليها الأفراد وفي نفس ظروفهم , وتحكمها قواعد القانون الخاص ويختص بها القضاء العادي لأنها لا تتصف بطابع السلطة . وقد سادت هذه النظرية حتى نهاية القرن التاسع عشر وكان من أنصارها الفقيه لافيرير Laferrlere وبارتلمي Berthelemy ، واعتمد القضاء الفرنسي عليها فترة من الزمن أساساً وحيداً للقانون الإداري . إلا أن القضاء الإداري لم يلبث أن هجر هذا المعيار بفعل الانتقادات الموجه إليه ، وكان النقد الأساسي يتمثل في أنه ضيق إلى حد كبير من نطاق القانون الإداري ومن اختصاصات القضاء الإداري ، فطبقاً لهذه النظرية تقتصر أعمال السلطة على القرارات الإدارية والأوامر التي تصدرها سلطات الضبط الإداري لحفظ النظام العام ، وتستبعد من نطاق تطبيقها جميع الأعمال الأخرى من قبيل العقود الإدارية وأعمال الإدارة المادية . المطلب الثاني: القانون واجب التطويق. و هكذا يتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أنّ هذا القرار أحدث هزة لا مثيل لها بخصوص إثبات ذاتية القانون الإداري على اعتبار أنّه مجموعة قواعد تحكم الإدارة العامة وتتضمن أحكاما استثنائية غير مألوفة في مجال روابط القانون الخاص. وإذا نحن أمعنا النظر في حيثيات هذا القرار ومنطوقه نستنج ما يأتي: أنّ هذا القرار أعلن عن وجود قواعد خاصة تحكم نشاط الإدارة بقوله: "حيث أنّ المسؤولية التي يمكن أن تتحمّلها الدولة لا يمكن أن تخضع لقواعد القانون المدني..."، ومنها (أي الحيثية) يفهم أنّ قواعد القانون المدني لم تعد تواكب نشاط الإدارة ولا تليق بطبيعة عملها. لذا وجب استبعادها لعدم صلاحيتها وقصر تطبيقها فقط على الأفراد بحسب ما أشير إليه صراحة.
المبحث الثاني: المرفق العام كأساس للقانون. المطلب الأول: مفهوم المرفق العام. - أفصح هذا القرار عن المعيار المعتمد لمعرفة طبيعة المنازعة وهل يختص بالفصل فيها القضاء الإداري أم القضاء العادي وهذا المعيار أصطلح على تسميته بمعيار المرفق العام كأساس القانون. فهو الّذي فرض مثل هذه القواعد الغير مألوفة في مجال روابط القانون الخاص. - أقرّت محكمة التنازع الفرنسية صراحة أنّ القواعد التي يخضع لها المرفق العام غير مستقرة وثابتة بل إنها تتغير كلما فرضت مصلحة المرفق ذلك فهي إذن في حركة مستمرة. و إزالة لكل خوف لدى الأفراد المتعاملين مع الإدارة أعلنت محكمة التنازع إن هذه القواعد الغير مألوفة ينبغي أن يراعي فيها التوفيق بين مصلحة الإدارة وحقوق الأفراد. المطلب الثاني:أزمــة المرفق العام. - إنّ هذا القرار التاريخي اعترف للقاضي الإداري بتطبيق قواعد القانون الإداري. ولقد كان لهذا القرار بصمة واضحة ليس من ناحية إقرار مسؤولية الدولة فحسب بل من ناحية تعريف القانون الإداري و تحديد أسسه ورسم نطاقه وولايته كما سنرى ذلك لاحقا. وحيث أصبحت بالتالي السلطة الإدارية وحدها المختصة بالنظر في هذا النزاع وهو ما يجعل قرار رئيس المقاطعة في رفع القضية أمام المحكمة قرار صائبا يستوجب إقراره ".
الخــــــــــــــــــــــــــــاتمة : ومن ذلك كله نستنتج أنّ الازدواج القضائي أدى إلى الازدواج القانوني، أي وجود نوعين من القواعد القانونية. أحدها قواعد القانون الخاص التي تحكم كأصل عام منازعات أشخاص القانون الخاص. وثانيهما قواعد القانون العام التي تحكم المنازعات الإدارية و تستمد كأساس مصدرها من القضاء نفسه. ذلك أنّ قواعد القانون الإداري لم تنشأ بتدخل من المشرّع، ولم يصدرها في شكل منظومة مقننة كالقانون المدني أو التجاري أو الجنائي، وإنما نشأت هذه القواعد تباعا وعلى مدى مراحل طويلة على يد القضاء الفرنسي خاصة. أنّ فكرة المرفق العام لا تمثل أساس سليم للقانون الإداري لذلك يعتمد القضاء على المعيار المختلط.
الــــمراجـــــــــــع - البشير التكاري، مؤسسات إدارية وقانون إداري، كلية الحقوق جامعة تونس، 1995. - الدكتور لعشب محفوظ، المسؤولية في القانون الإداري، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية 1994. - الدكتور عوابدي عمار، دروس في القانون الإداري، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1990. - الدكتور محمد سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري، ص 30. - ليلى زروقي، دور القاضي الإداري في مراقبة مدى احترام الإدارة للإجراءات االمتعلقة بنزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة، مجلة مجلس الدولة، العدد 3، 2003، ص 13 وما بعدها.