HOUWIROU Admin
عدد الرسائل : 14822 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
| موضوع: تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية . السبت 27 فبراير 2010 - 18:03 | |
| تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر الإنسانية . نص السؤال : هل للتاريخ مقعدا بين العلوم الأخرى ؟ إن العلوم الإنسانية هي مجموع الاختصاصات التي تهتم بدراسة مواقف الإنسان وأنماط سلوكه , وبذلك فهي تهتم بالإنسان , من حيث هو كائن ثقافي , حيث يهتم علم النفس بالبعد الفردي في الإنسان ويهتم علم الاجتماع بالبعد الاجتماعي , ويهتم التاريخ بالبعدين الفردي والاجتماعي معا لدى الإنسان , فالتاريخ هو بحث في أحوال البشر الماضية في وقائعهم وأحداثهم وظواهر حياتهم وقال عنه ابن خلدون : " انه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم , وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال " ... وبناء على هذا فإن الحادثة التاريخية تتميز بكونها ماضية ومن ثمة فالمعرفة التاريخية معرفة غير مباشرة لا تعتمد على الملاحظة ولا على التجربة الأمر الذي يجعل المؤرخ ليس في إمكانه الانتهاء إلى وضع قوانين عامة والعلم لا يقوم إلا على قوانين كلية وعلى هذا الأساس فهل هذه الصعوبات تمنع التاريخ من أن يأخذ مكانه بين مختلف العلوم الأخرى ؟ أو بمعنى آخر هل خصوصية الحادثة التاريخية تمثل عائقا أمام تطبيق الأساليب العلمية في دراستها ؟ أي هل الاعتراض على القول بان التاريخ علم له ما يبرره ؟ التاريخ ليس علما وحوادثه لا تقبل الدراسة العلمية : يذهب بعض المفكرين إلى أن الحوادث التاريخية لا تخضع للدراسة العلمية لأن الخصائص التي تقوم عليها الحادثة التاريخية تمثل عائقا أمام تطبيق الأساليب العلمية في دراستها , ومن هذه الخصائص أن الحادثة التاريخية حادثة إنسانية تخص الإنسان دون غيره من الكائنات , واجتماعية لأنها لا تحدث إلا في مجتمع إنساني فالمؤرخ لا يهتم بالأفراد إلا من حيث ارتباطهم وتأثير في حياة الجماعة , وهي حادثة فريدة من نوعها لا تتكرر , محدودة في الزمان والمكان ... وبناء على هذه العوائق التي تقف أمام تطبيق الدراسة العلمية في التاريخ قامت اعتراضات أساسية على القول أمام تطبيق الدراسة العلمية في التاريخ قامت اعتراضات أساسية على القول بأن التاريخ علم منها : انعدام الملاحظة المباشرة للحادثة التاريخية كون حوادثها ماضية وهذا على خلاف الحادث العلمي في الظواهر الطبيعية فإنه يقع تحت الملاحظة المباشرة , ثم استحالة إجراء التجارب في التاريخ وهو ما يجعل المؤرخ بعيدا عن إمكانية وضع قوانين عامة , فالعلم لا يقوم إلا على الأحكام الكلية كما يقول أرسطو : " لا علم إلا بالكليات " . هذا بالإضافة إلى تغلب الطابع الذاتي في المعرفة التاريخية لأن المؤرخ إنسان ينتمي إلى عصر معين ووطن معين ...الخ , وهذا يجعله يسقط ذاتيته بقيمها ومشاغلها على الماضي الذي يدرسه ثم إن كلمة علم تطلق على البحث الذي يمكن من التنبؤ في حين أن نفس الشروط لا تؤدي إلى نفس النتائج وبالتالي لا قدرة على التنبؤ بالمستقبل في التاريخ . إنه مما لا شك فيه أن هذه الاعتراضات لها ما يبررها من الناحية العلمية خاصة غير أنه ينبغي أن نؤكد بأن هذه الاعتراضات لا تستلزم الرفض القاطع لعملية التاريخ لأن كل علم له خصوصياته المتعلقة بالموضوع وبالتالي خصوصية المنهج المتبع في ذلك الموضوع فهناك بعض المؤرخين استطاعوا أن يكونوا موضوعيين إلى حد ما وان يتقيدوا بشروط الروح العلمية . التاريخ علم يتوخى الوسائل العلمية في دراسة الحوادث الماضية : يذهب بعض المفكرين إلى القول بأن الذين نفوا أن تكون الحوادث التاريخية موضوعا للعلم لم يركزوا إلا على الجوانب التي تعيق الدراسة العلمية لهذه الحوادث فالظاهرة التاريخية لها خصوصياتها فهي تختلف من حيث طبيعة موضوعها عن العلوم الأخرى , وبالتالي من الضروري أن يكون لها منهج يخصها . وهكذا أصبح المؤرخون يستعملون في بحوثهم منهجا خاصا بهم وهو يقترب من المنهج التجريبي ويقوم على خطوط كبرى هي كالآتي : أ- جمع المصادر والوثائق : فبعد اختيار الموضوع يبدأ المؤرخ بجمع الوثائق والآثار المتبقية عن الحادث فالوثائق هي السبيل الوحيد إلى معرفة الماضي وفي هذا يقول سنيويوس : " لا وجود للتاريخ دون وثائق , وكل عصر ضاعت وثائقه يظل مجهولا إلى الأبد " . ب- نقد المصادر والوثائق : فبعد الجمع تكون عملية الفحص والنظر و التثبت من خلو الوثائق من التحريف والتزوير , وهو ما يعرف بالتحليل التاريخي أو النقد التاريخي وهو نوعان : خارجي ويهتم بالأمور المادية كنوع الورق والخط .. وداخلي و �ه�م �المضمون كتفسير محتوب�ض�اص و تحديد م�ناه الحقيقي وهنا فإن المؤرخ مدعو لأن يعيش روح العصر الذي يدرسه . وفي هذا يقول ابن خلدون عن التاريخ : " فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبيت يفيضان بصاحبهما إلى الحق ... لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ... فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم و الحيد عن جادة الصدق ". ج- التركيب الخارجي : تنتهي عملية التحليل إلى نتائج جزئية مبعثرة يعمل المؤرخ على تركيبها في إطارها الزمكاني فيقوم بعملية التركيب مما قد يترتب عن ذلك ظهور فجوات تاريخية فيعمل على سدها بوضع فروض مستندا إلى الخيال والاستنباط ثم يربط نتائجه ببيان العلاقات التي توجد بينهما وهو ما يعرف بالتعليل التاريخي . وهكذا فإن المؤرخ في طلبه للحقيقة يتبع منهجا خاصا لأن الظاهرة التاريخية تختلف من حيث طبيعة موضوعها عن العلوم الأخرى وعليه فالتاريخ علم يتوخى الوسائل العلمية للتأكد من صحة حوادث الماضي . انه مما لا شك فيه أن علم التاريخ قد تجاوز الكثير من الصعوبات التي كانت تعوقه وتعطله ولكن رغم ذلك لا يجب أن نبالغ في اعتبار الظواهر التاريخية موضوعا لمعرفة علمية بحتة , كما لا يجب التسليم بأن الدراسات التاريخية قد بلغت مستوى العلوم الطبيعية بل الحادث التاريخي حادث إنساني لا يستوف كل شروط العلم . التاريخ علم من نوع خاص : إن للحادثة التاريخية خصائصها مثلما للظاهرة الحية أو الجامدة خصائصها وهذا يقتضي اختلافا في المنهج وهذا جعل من التاريخ علما من نوع خاص ليس علما استنتاجيا كالرياضيات وليس استقرائيا كالفيزياء و إنما هو علم يبحث عن الوسائل العلمية التي تمكنه من فهم الماضي وتفسيره وعلى هذا الأساس فإن القول بأن التاريخ لا يمكن أن يكون لها علما لأنه يدرس حوادث تفتقر إلى شروط العلم أمر مبالغ فيه , كما أن القول بإمكان التاريخ أن يصبح علما دقيقا أمر مبالغ فيه أيضا وعليه فإن الحوادث التاريخية ذات طبيعة خاصة , مما استوجب أن يكون لها منهجا خاصا بها . وبالتالي فالتاريخ علم يحدد موضوعه الخاص ويتبع في ذلك منهجا يتفق مع طبيعة الموضوع وهذا يؤهله لأن يكون جديرا بأن يعد من مجموع العلوم . إن العلوم أنواع مختلفة واعتبار التاريخ ليس مؤهلا لأن يكون علما صحيحا مثل الرياضيات والفيزياء لأن نتائجه ليست دقيقة وثابتة فهو علم يهتم بالحوادث الإنسانية ويتبع طرقا علمية في تحليلها ودراستها وإذا كانت العلوم الإنسانية لم تصب من التقدم ومن الدقة نصيبا يعادل ذلك الذي حققته الفيزياء مثلا فإن هذا الوضع الذي توجد عليه حاليا لا يمنع من السير نحو المزيد من التقدم والضبط . فالعلم طريقة في التفكير ونظام في العلاقات أكثر منه جملة من الحقائق . إذ يمكن للمؤرخ أن يقدم دراسة موضوعية فيكون التاريخ بذلك علما , فالعلمية في التاريخ تتوقف على مدى التزام المؤرخ بالشروط الأساسية للعلوم . وخاصة الموضوعية وعليه فإن مقعد التاريخ بين العلوم الأخرى يتوقف على مدى التزام المؤرخين بخصائص الروح العلمية والاقتراب من الموضوعية . الموضوع الثاني : نص السؤال : هل الاستبطان كاف لفهم سلوك الإنسان ؟ إن دراسة الظواهر الإنسانية بنفس الكيفية التي تدرس بها الظواهر الطبيعية طرحت على العلماء أكثر من مشكل , فالعوائق المطروحة في دراسة الحوادث التاريخية كانعدام الملاحظة المباشرة , وعدم تكرار الحادثة وتغلب الذاتية على الموضوعية تجعلنا نسلم بوجود صعوبة في قيام دراسة علمية , وهذه العوائق تطرح وبشكل آخر في مجال علم النفس , فعبارة علم النفس توهمنا بوجود علم يدرس طبيعة النفس البشرية التي هي في الأصل جوهر ميتافيزيقي يستحيل دراسته بطريقة علمية أو بكيفية تجريبية , إلا أن المحدثين من العلماء على غير القدماء يجردون علم النفس من كل طابع ميتافيزيقي ويعتبرونه بحثا في ظواهر النفس لا في جوهرها وهو ما يمكن من قيام علم النفس كعلم وضعي يعتمد على الملاحظة والتجربة كغيره من العلوم الأخرى , إلا أن طريقة البحث فيه تبقى مختلفة عن طريقة البحث في غيره لاعتمادها على الملاحظة الذاتية أو التأمل الباطني وهو ما يعرف في علم النفس بالاستبطان . فهل تفحص الذات لذاتها بصورة مباشرة كفيل بفهم النشاط الإنساني والوقوف على قوانينه ؟ وعلى هذا الأساس فهل الدراسات الاستبطانية ترفع السيكولوجيا إلى مراتب الدراسة العلمية ؟ فهم النشاط الإنساني يكون عن طريق الملاحظة الداخلية أي المنهج الاستنباطي : إن الحوادث النفسية حوادث باطنية , يعانيها الشخص ذاته من الداخل إذ لا يمكن للغير أن يطلع عليها ولهذا فهي تقتضي في معرفتها الإدراك المباشر , الذي يكون عن طريق التأمل الذاتي للأحوال النفسية وهذا هو الاستبطان وهو يقوم على ملاحظة الشخص لنفسه وأحوالها ثم تحليل حالاته النفسية ومحاولة تفسيرها وفهمها , والدراسة النفسية التي تتم بهذه الكيفية تسمى باطنية , وعلى هذا الأساس فإن الاستبطان يعتبر منهجا في علم النفس وهو لا يعني مجرد الشعور بالظاهرة أو الحالة النفسية بل هو ذلك التأمل العميق الذي تقوم به الذات وهي في حالة وعي ويقظة من أجل فهم الحالة النفسية المدروسة ومن ثمة تحديد أسبابها ووضع قوانين لها . ولقد كان لهذه الطريقة أهمية كبيرة عندما كان الشعور موضوع الدراسة في علم النفس . و تعتبر المدرسة الشعورية في علم النفس أهم من قال بالاستبطان , و هي تدعم هذا المنهج بدعوى وحدة الطبيعة البشرية .كما كان للاستبطان أنصارا منهم "مونتاني " الذي يقول : " لا أحد يعرف هل أنت جبان أو طاغية إلا أنت , فالآخرون لا يرونك أبدا " ... كما عبر عن أهمية هذه الطريقة " ريبو " الذي يقول : " إن الطريقة الباطنية طريقة أساسية في علم النفس وبدونها لا يمكن البدء بأية ملاحظة " . وهكذا فإن الحوادث النفسية ولما كانت تنطلق من باطن الإنسان فلابد للباحث في علم النفس أن يعتمد التأمل الذاتي في فهم الأحوال النفسية . لكن الاستبطان رغم النتائج الإيجابية التي حققها والخدمات الكثيرة التي قدمها لعلم النفس في الكشف مباشرة عن الأسباب الداخلية للحوادث النفسية فإنه لم يعد طريقة علمية وهذا لاتحاد ذات الملاحظ بموضوعها , فلا يستطيع الإنسان أن يطل من النافذة ليرى نفسه سائرا في الطريق . وهكذا فقد لقيت هذه الطريقة اعتراضات شديدة . تتجه إلى القول بأن المنهج العلمي يتطلب الملاحظة الخارجية . فهم النشاط الإنساني يكون عن طريق الملاحظة الخارجية أي المنهج السلوكي : إن المنهج الاستبطاني لم يكن منهجا علميا فقد كانت نتائجه ذاتية تأملية , وحتى يكون المنهج علميا لابد أن يكون موضوعيا وحتى يكون كذلك لابد أن تخضع فيه الظواهر إلى الملاحظة الخارجية أي ملاحظة السلوك . فكما أن للظاهرة النفسية باطن خفي لا يدركه إلا صاحبه فإن لها ظاهر مرئي يمكن ملاحظته في سلوك الإنسان الخارجي , فالغضب | |
|