2- المؤسسات:
تتعدد المؤسسات التربوية بتعدُّد حلقات السلوك في الفرد، ومع تعدُّد الحاجات والتحديات التي يواجهها المجتمع خلال مسيرة التغير الإنساني، ولذلك يبقى عدد هذه المؤسسات وأنواعها ومسؤولياتها في تطوُّر مستمر طبقًا لحاجات كل عصر وتحدياته، ولكن يمكن تصنيف هذه المؤسسات بشكل عام إلى خمس مؤسسات هي:
1- مؤسسات التنشئة، ومحورها الأسرة.
2- مؤسسات التعليم، ويبدأ محورها من المدرسة وينتهي بالجامعة.
3- مؤسسات الإرشاد، ومحورها دور العبادة ومؤسسات الثقافة.
4- مؤسسات التوجيه، ومحورها مؤسسات الإعلام.
5- مؤسسات البيئة العامة، ومحورها مؤسسات الإدارة والأمن.
وكما لا يمكن الفصل بين حلقات السلوك؛ أي: حلقات الخاطرة، والفكرة، والإرادة، والتعبير، والممارسة، كذلك لا يمكن الفصل بين عمل المؤسسات المذكورة إلا ما يستدعي التنظيم مع المحافظة على التكامل والتفاعل؛ طبقًا لتخطيط علمي يحدد الأدوار وينظم قنوات التواصل.
وخطورة هذا الفصل أنه يقتل فاعلية هذه المؤسسات جميعها، ويدرج أعمالها كلها في قائمة (العلم الذي لا ينفع)، وهذا ما انتقده عدد كبير من علماء التربية والاجتماع من أمثال عالم الاجتماع الأمريكي أرنست بيكر، وثيودور روزاك، وروبرت بله، وإبراهام ماسلو، وجون باولز، ومارتن كارنوي، وعزوا إليه أزمة الانفصام القائمة بين التقدم التكنولوجي وبين الانحلال الأخلاقي، وانتفاء الأمن والاستقرار الاجتماعي[24].
أما في المجتمعات العربية، فإن خطورة عدم التكامل بين المؤسسات التربوية أدَّى إلى تمزيق شخصية الإنسان العربي وتقلبها؛ لأن كل مؤسسة تتعامل مع هذا الإنسان بشكل يختلف عن المؤسسات الأخرى، ابتداء من طفولته حتى شيخوخته.
فالأسرة تلزمه طفلاً بمنطلقات التقاليد المعتمدة على هيمنة الكبار على الصغار، وانتهاء دائرة الولاء عند حدود الأسرة، وعدم امتداده إلى دائرة الدولة والأمة، وتفضيل الذكور على الإناث، وما يرافق ذلك من وأْد اجتماعي للإناث، ونموٍّ سرطاني لشخصية الذكور[25].
والمؤسسة التعليمية تحقنه - تلميذًا وطالبًا - بمخلوطة من المعلومات، بعضها مفرط في المثالية يتعصب لتراث الآباء ويسبغ العصمة عليه، وبعضها يشايع المستورد من معاهد الغرباء ويسند الكمال إليه، علمًا بأن هذا المستورد يكون في الغالب مما مضى زمنه أو من تقاليد الشوارع وممارسات العامة السلبية، وليس فيه الكثير من قِيَم المؤسسات العلمية والإدارية والسياسية.
ومؤسسات الإعلام تحقنه - مواطنًا - بخليط مضطرب من الثقافة والفن الموزَّع بين المثالية والبوهيمية، والأخبار التي تعتمد على الإثارة والانفعال أكثر من العقلانية والعلم.
ودور العبادة في الغالب تؤنبه - مقصرًا - عن فضائل السلف الذين تقدمهم كنماذج ارتقت فوق رتبة البشر والتحقت بالملائكة.
ودوائر الشرطة والأمن في الغالب تعامله - مجرمًا - حيث تترصَّد أخطاءه ومساقطه؛ لتعامله من منطلقات وتطبيقات غسل الأدمغة والسلوك الاشتراطي المبني على نظريات أمثال بافلوف واشتراطية سكنر وطومسون.
والإنسان العربي يتفاعل مع هذه البيئات المؤسسية المتناقضة، ويتقلب بين تحولاتها المفاجئة، ثم تكون المحصلة هي تقلب سلوكه وتناقضه.
3- الأساليب والوسائل:
تتحدد قيمة الأساليب والوسائل وفاعليتها بمقدار إسهامها في بَلْوَرة هوية الإنسان المتعلم، واستخراج قدراته وفضائله، وتمكينه من تسخير بيئته المحيطة، وإمداده بالوعي بتقسيمات الزمن الثلاثة: الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لتكون محصلة ذلك كله تسنُّمه المركز (الكريم) في درجة العوالم المحسوسة.
ولكن يؤخذ على أساليب التربية الحديثة أنها في الوقت الذي أسهمت إسهامًا كبيرًا في تقدُّم العلم والتكنولوجيا، فإنها انتقصت إنسانية الإنسان وركَّزت عملها على ترويضه وتأهيله لمكان العمل والإنتاج، وممن انتقد هذه الأساليب (أرنست بيكر) الذي كتب يقول: "يتطلع الغرب اليوم إلى تربية واضحة تُخْرِجه من هذه الغابة المظلمة والجهل المُوحِل إلى نور الفهم للوجود، ولا تستطيع التربية العلمية أن تقدِّم لنا هذا الفهم المنشود؛ لأنها تتعامل فقط مع الأشياء المحسوسة، ولا العلوم الاجتماعية التي عندنا؛ لأنها أيضًا أفكار ميتافيزيقية مدمِّرة أفرزت أمراضًا اجتماعية قاتلة، فنحن اليوم في حرب مع عقولنا، وعقولنا أصبحت غائمة مكدَّرة باعتقادات عمياء هامشية غير معقولة، ومجموعة من الأفكار المدمرة ورثناها عن القرن التاسع"[26].
"وإزاء هذه الثقافة السائدة المدمِّرة يتحدَّد دور التربية المرشحة للإنقاذ، ولا يكون هذا بالعودة إلى القِيَم المسيحية القديمة، وإنما بقدرتنا على فهم العالم الحاضر وقدرتنا على الاختبار، إن مشكلات التربية المعاصرة لا تحل بالتنظيم والإدارة وإنفاق المال - رغم أهمية هذه الأمور - وإنما تحل بنقد الأفكار المتمركزة في مركز التصور عن الكون كله، وإعادة المكانة العليا للإنسان[27].
4- إنسان التربية:
الإنسان الذي تتطلَّع نظريات التربية إلى إخراجه هو الذي يقوم بالعمل الصالح كاملاً، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تعمل التربية على إخراج الإنسان الصالح الذي يقوم بالعمل المشار إليه؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بُدَّ من أمرين: الأول: تعريف العمل، والثاني: كيف يتولد العمل؟
أما عن الأمر الأول فإن التربية الإسلامية تطلق اسم "العمل" على كل حركة مقرونة بهدف: (إنما الأعمال بالنيات)، ولما كان الهدف خاصًّا بالإنسان فقد أطلق على أعماله اسم (العمل)، أما الحركات غير الهادفة كحركة الشمس والقمر والرياح، فقد سماها جريانًا.
والعمل هو ثمرة عدد معين من العمليات التربوية التي تتكامل حسب نسَق معين يمكن أن نوجزه في المعادلات التالية:
العمل الصالح = القدرة التسخيرية + الإرادة العازمة.
القدرة التسخيرية = القدرات العقلية + الخبرات المربية.
الإرادة العازمة = القدرات العقلية + المثل الأعلى[28].
وفيما يلي تعريف موجز لكل من هذه المكونات للعمل:
القدرة التسخيرية: هي ثمرة تزاوج القدرات العقلية مع الخبرات المربية؛ أي: إن القدرة التسخيرية تتولد من خلال النظر العقلي السليم في تاريخ الأفكار والأشخاص والأشياء؛ بغية اكتشاف قوانينها، ثم الاستفادة من هذه القوانين لتسخيرها والانتفاع بها.
الإرادة العازمة: تعرف الإرادة بأنها قوة التوجُّه نحو الهدف المراد، وهي ثمرة تزاوج القدرات العقلية مع المثَل الأعلى؛ أي: إن الإرادة تتولد من خلال النظر السليم في مستويات المثَل الأعلى، التي تتضمَّن نماذج الحاجات التي تجلب للإنسان النفع أو تدفع عنه الضرر.
القدرات العقلية: في الإنسان قدرات عقلية كامنة يستطيع من خلالها تدبير أمور معاشه، والتعرُّف على الكون المحيط بمكوناته والبيئة المحيطة بأحداثها، وتتفاوت القدرات العقلية قوة وضعفًا طبقًا لأنظمة التربية ومتغيرات البيئة، فقد تقوى حتى تخترق الكون الكبير، فتتعرف على مكوناته وعلى أسرار قوانينه، ثم تسخر هذه المكونات والقوانين حسب الأهداف والحاجات التي يتوجه إليها صاحب هذه القدرات، وقد تضعف هذه القدرات العقلية حتى يعجز الإنسان عن فهم ما يجري في بيئته البيتية والإقليمية المحدودة، فيسخره الكون وتتقاذفه الأحداث والأهواء، وقد تنطفئ هذه القدرات حتى لا يعود الإنسان يعرف من أمره شيئًا.
والتربية بمدلولها الواسع وبمؤسساتها المتكاملة هي المسؤولة عن دراسة هذه القدرات العقلية الهائلة وتنميتها، وتشير البحوث المعاصرة إلى أن كل ما أنتجه الإنسان من حضارات وعلوم إنما هو نتاج 10% من قدرات الإنسان العقلية، وأنه إذا أتيح له أن يستعمل 50% (خمسين بالمائة) من هذه القدرات، فسوف يستطيع المتعلم أن يتعلم (40) أربعين لغة، وأن يدرس في فصل واحد في عشرات الكليات"[29].
المثل الأعلى: يعرف بأنه نموذج الحياة المعنوية والمادية التي يراد للإنسان المتعلم أن يحياها، وللأمة أن تعيش طبقًا لها، في ضوء علاقات كل منهما بالمنشأ والكون والإنسان والحياة والمصير.
والمثل الأعلى يمدُّ الإنسان المتعلم بالأهداف التي يعيش من أجلها، ويمنح الأمة مبررات وجودها، وينقسم المثَل الأعلى إلى ثلاثة مستويات هي:
المستوى الأعلى: وهدفه الارتقاء بالنوع الإنساني.
والمستوى المتوسط: وهدفه بقاء النوع الإنساني.
والمستوى الأدنى: وهدفه تلبية حاجات الجسد البشري.
ويطلق القرآن الكريم على المثَل الأعلى المتضمن في آياته اسم "المثَل الأعلى"، وعلى ما تفرزه عقول غير المؤمنين اسم "المثل السوء"، ويتوعَّدهم بالفشل والعذاب.
الخبرات المربية: الخبرة هي عمل وأثر، ولا بُدَّ من تكامل الاثنين وحصولهما، فإذا حصل العمل ولم يترك أثرًا في نفس الإنسان وحياته لا يسمى خبرة، والأثر له مستويان: مستوى مادي، وهو ما يحدث في حياة الإنسان من تقدُّم حضاري في أدوات الحياة مثل خبرة نيوتن، ومستوى معنوي وهو ما يتكوَّن لدى الإنسان من وعْي بمقاصد الحياة وغاياتها، مثل خبرات الأنبياء والمصلحين"[30].
5- القياس والتقويم:
القياس والتقويم هما البحث العلمي أو الموضوعي في نتائج العملية التربوية في ضوء الأهداف التربوية المتبناة؛ للوقوف على درجة حصول التغييرات في السلوك أو الأوضاع، ثم تقييم هذه التغييرات استنادًا إلى قِيَم ممثلة في الأهداف التي تحققت.
ولقد كان التقويم في التربية الحديثة قبل القرن العشرين لا يأخذ في اعتباره النتائج العملية للتربية؛ لأن منهاج الدراسة كان يسبغ صفة الكمال على المادة الدراسية ولا يتناولها بالتحليل، وإنما يقتصر على امتحان قدرة الطالب على استظهارها، وإذا لم يستطع الطلبة هذا الاستظهار فإن اللوم يُوَجَّه إليهم وحدهم، وتعزى أسباب الفشل إلى أشخاصهم وأساليب دراستهم.
وفي الوقت الحاضر أخذ مفهوم التقويم يشمل كلَّ مكونات النظرية التربوية، ابتداء من الأصول التربوية، ومرورًا بالفلسفة والأهداف التربوية والمؤسسات والمناهج والأساليب، حتى ينتهي التقويم بالتقويم نفسه، وصار معيار النجاح مقدار ما تحقق من المعادلات العملية للأهداف، وليس مقدار ما استظهره الطالب من مادة دراسية.
خامسًا: تكامل المؤسسات التربوية والثقافية والإرشاد والإدارة والأمن:
ذكرنا فيما مضى أن مؤسسات المجتمع تتكامل في تحمُّل مسؤولية التربية وصناعة الإنسان المطلوب، وهذا يعني أن التربية والتعليم هي مسؤولية جماعية لا يمكن أن تترك إخراجه لوزارة أو لهيئة واحدة، وإن كانت هي الهيئة المختصَّة بالتربية، ولعل المثال التالي يقدم لنا إيضاحًا لأهمية التكامل الذي ذكرناه.
التكامل التربوي ودائرة التلفزيون:
التلفزيون وسيلة أرشد الله الإنسان لاكتشافها؛ لتتناسب وسائل التبليغ مع العالمية التي دلفت إليها المجتمعات البشرية، وهو منبر عالمي هدى الله الإنسان إليه رحمةً منه - سبحانه وتعالى - ولتحقيق التواصل الآمر بالخير والمعروف، والناهي عن المنكر، ونشر الإيمان بالله - تعالى - على مستوى الإنسانية في قرية الكرة الأرضية.
ولتحقيق هذه المهمة يحتاج العاملون في التلفزيون أن يحققوا قدرًا كبيرًا من الفاعلية؛ أي: يحصلوا على أفضل النتائج بأقلِّ التكاليف وأقصر الأزمان، طالما أننا في عصر السرعة والوثبات الحضارية والمعرفية، وهذا مطلب لن يتحقق إلا إذا تكامل التلفزيون مع غيره من المؤسسات التربوية والثقافية وغيرها.
وتجسيدًا لهذا المطلب ينطلق التلفزيون من مبادئ خمسة هي:
المبدأ الأول: من المقولات المتداولة في أيامنا أننا نعيش في "عصر التلفزيون"، وأن الأجيال الجديدة من أبنائنا هي أجيال تلفزيونية، والواقع أن الأسر من كافَّة الطبقات تجتمع يوميًّا صغارًا وكبارًا؛ كي تقضي أربع أو خمس ساعات أمام جهاز التلفزيون لمشاهدة برامجه وما تسجله شرائط الفيديو، أو يأتي من الخارج عبر الأقمار الصناعية، وهم في حالة من الاسترخاء والتلقي السلبي الذي لا يناقِش ولا يجادِل.
والمبدأ الثاني: أن الثقافة السائدة هي بالدرجة الأولى ثقافة تلفزيونية، يليها بقية وسائل الإعلام والاتصال، فإذا لم تنهل هذه الوسائل من المنابع الأصيلة للثقافة المتمثِّلة في العالم الجامعي، والباحث الأكاديمي، والفقيه الراسخ، والمجلة المتخصصة، والدوريات الجادة، فستظل ثقافة تلفزيونية سطحية عابثة لاهية؛ لذلك لا بُدَّ للمؤسسات المختلفة - ومنها التلفزيون نفسه - أن تقف وقفة حازمة في مواجهة ظاهرة السطحية واللهو والعبث، ويعمل على ترشيد هذه الثقافة؛ لكي تصبح قوة دافعة إلى الأمام في إطار خطة ثقافية تربوية متكاملة، هدفها مساعدة الإنسان العربي والمسلم على اكتشاف هويته وذاته؛ ليعيش عصره بملء طاقاته وقدراته.
لذلك؛ سيكون هذا البحث حول التكامل التربوي بين المؤسسات بشمولها وجديتها ورسوخها رافدًا كبيرًا للأهداف التي يعمل التلفزيون من أجلها.
والمبدأ الثالث: هو أن القدرة التربوية التثقيفية للتلفزيون في وطننا العربي والإسلامي ليست مشروعًا خاصًّا يملكه المستثمرون، وإنما هي مسؤولية أمة ودولة تستهدف دعم الهوية الثقافية التربوية العربية والإسلامية، ولذلك تجيء ورقة التكامل لتوفر تكامل التلفزيون مع المؤسسات الثقافية والتربوية والإنمائية الأخرى، ونأمل أن يكون من نتائجها أن تتوفر للتلفزيون قنوات التواصل مع كل عالِم ومبدِع، ومؤهَّل ومدرَّب على رسالة التربية والثقافة، في عالم تشتد فيه المنافسة والصراع على السيطرة على عقول الشعوب واتجاهاتها وأخلاقها، ومواقفها وأنماط سلوكها.
والمبدأ الرابع: مبدأ ينطلق من الأهمية الكبيرة التي توليها التربية للأطفال والناشئة الذين سيعبرون القرن القادم - قرن العالمية وتفاعل الثقافات - ومَن لا يتسلح فيه بالحقيقة والعلم فسوف يقع ضحية التردد، والإيمان بالصباح بما كفر به في المساء، والكفر في المساء بما آمن به في الصباح، كما ورد في تشخيص الرسول الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم.
من هذا المبدأ نرى أن على التلفزيون أن يشارك المدارس والجامعة، والمسجد والدائرة الثقافية، وأندية الفتيات والفتيان - مهمة توجيه النشء الوجهة الصحيحة الراشدة؛ فيخصص في برامجه "ثقافة مرئية للطفل العربي والمسلم"، ثقافة تنبع من قِيَم الإسلام والعروبة بدوائرها الراحمة السمحة التي تتسع للإنسان أنَّى كان، ولا تغفل جانب المعاصرة وتركز على أمور أهمها:
أ- تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها.
ب- تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية النابعة من التكريم الإلهي للإنسان.
ج- تنمية احترام هوية الطفل الثقافية، واحترام لغته ودينه وقِيَمه الوطنية والإنسانية، واحترام حضارته وحسن التعايش مع حضارات الآخرين.
د- إعداد الناشئة من البنين والبنات ليستشعروا المسؤولية في مجتمع مسؤول، وتنمية روح التسامح والمساواة والاحترام بين الجنسين.
والمبدأ الخامس: هو أن إدارات التلفزيون يجب أن تؤمن إلى درجة اليقين أن عدم التكامل والتخطيط مع المؤسسات العلمية والدينية، والثقافية والاجتماعية، والأسرية والأمنية - يمكن أن يؤدي إلى عدد من الأخطار والمحاذير؛ فالتلفزيون غير الموجَّه الذي لا يسترشد بنظرية تربوية أصيلة يقدم عالمًا مزيفًا لا يمتُّ إلى الواقع إلا بأوهن الصلات، فالبرامج قد تضم ألوانًا من الإثارة والانحراف في السلوك والخروج على المألوف، والعنف والقسوة، بحيث لا تصلح هذه المشاهد أن تكون صورة للحياة الاجتماعية هنا أو هناك، مما قد يمدُّ الناس - خاصة الأطفال والشباب - بفهْم مشوَّه لطبيعة الحياة والعلاقات الاجتماعية، كذلك قد يمدُّ التلفزيون المشاهدين بمخلوطة ثقافية متنافرة الأفكار، والمعارف السطحية واللهو العابث، الأمر الذي يحيل التلفزيون إلى منبر ضرار لا منبر تقوى، وقُلْ مثل ذلك عن بقية المؤسسات القائمة.
لذلك كله؛ فإن التكامل بين المؤسسات التي تحكمها نظرية تربوية تتَّصف بالأصالة والمعاصرة أمر في غاية الضرورة، ومن أجل ذلك يجب أن يفتح التلفزيون أبوابه لجميع الكفاءات والطاقات؛ لتسهم في البرامج والندوات والنشاطات، ولتشكِّل مجتمِعةً روافدَ نافعة في نهر الحياة الكريمة التي أرادها الله للإنسان وميَّزه بها.
هذه هي المبادئ التي ينطلق منها مفهوم الباحث للنظرية التربوية التي تهيِّئ الإنسان المسلم لحمْل رسالته والقيام بمسؤولياته، والأمل كبير أن يجد المسلمون في هذا البحث وفي ما كتبه الباحث في كتبه المختلفة ما يرشد إلى إقامة مؤسسات تربوية، تحقق المعاصرة والتجديد، وتكامل الجهود وبلوغ الأهداف.
سادسًا: الخلاصة:
هذه خطوط عريضة موجزة في معنى النظرية التربوية ومكوناتها وتطبيقاتها، التي تظهر بشكل واضح أن دخول القرن القادم يتطلَّب الوعي النظري والتكامُل العمليَّ عند كافَّة المؤسسات التربوية والتنفيذية، واعتبارها جميعها مؤسسات تربوية؛ لتصبح مؤهَّلة لتلبية الحاجات ومواجهة التحديات؛ لأن الحياة في القرن القادم سوف تقوم على الأسس التالية:
1- الحاجة الماسَّة إلى اعتماد العلم والأساليب العلمية على المستويين: الرسمي والشعبي، على حدٍّ سواء.
2- انتهاء دور العالِم الفرد، وضرورة بروز مؤسسات المتخصصين من العلماء.
3- عجْز مؤسسة العلماء المختصين المفردة ما لم تتكامل مع بقية المؤسسات العلمية في ميادين التخصصات الأخرى.
4- عدم فاعلية المؤسسات العلمية مجتمِعة ما لم تتكامل مع المؤسسات التطبيقية في مختلف ميادين الحياة، والعكس بالعكس.
5- عدم فاعلية المؤسسات العلمية والمؤسسات التطبيقية مجتمِعة، ما لم يوجه أنشطتها نظرية تربوية واعية تهيِّئ لجميع هذه المؤسسات أن تتكامل وتعمل في دائرة تتكامل فيها (علوم غايات الحياة)، التي توفرها العلوم الدينية والإنسانية والاجتماعية مع (علوم وسائل الحياة)، التي توفرها العلوم التطبيقية والتكنولوجيا.
والمجتمعات التي تعجز عن بَلْوَرة هذه الأسس الخمسة ووضْعها موضع التطبيق سوف تظلُّ حبيسة القلق والاضطراب، أمَّا المجتمعات التي تتجاهلها وتظلُّ متخلِّفة عنها، فسوف تخرج من مسار التاريخ الإنساني وتدفن في مدافنه وخرائب آثاره.
والله - سبحانه - يتولاَّنا بالتوفيق والرعاية.
ــــــــــــــــــــــــ
[1] - kandel '' Theories of education '' Encydopedia Americana ،(New York; American Corporation ،1966) pp.613-617.
[2] - Renate N. Caine and Geoffrey Caine ،Education on the Edge of possibility ،Alexandria ،VA ،ASCD ،1997 pp. 156-17.
[3] - "مسند أحمد"، ص1؛ تصنيف الساعاتي، ص 161، ص 39.
[4] - ابن تيمية، "الفتاوى الكبرى"، كتب السلوك، ج 1، ص 486.
[5] - راجع كتاب "التربية والتجديد"؛ للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 11.
[6] - للوقوف على تفاصل هذه الموضوعات الأربعة راجع كتاب "فلسفة التربية الإسلامية"؛ للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ط 2009.
[7] - William G. Samuelson & Fred A. Markowitz ، An Introdution In philosophy Of Education ( New York ،PHILOSOPHICAL Li brary Inc. 1987) pp. 11-13.
[8] - Joe park ،selected Reading in The philosophy Of Education ،( New York )
[9] - Renate Nummela Caine &Geoffrey Caine ،Education On The Edge Of Possibility (Alexandria ،Virginia :Association For Supervision And Curriculm Developent ،1997 ) p. 16.
[10] - يجب أن لا يقعدنا هذا النقد للعلم وتطبيقاته عن البحث العلمي وتطبيقاته؛ لأنه إذا كان الغرب مصابًا بالإفراط والإسراف في تقديس العلم وإهمال القِيَم الدينية، فنحن مصابين بالتفريط وإهمال العلم، ولذلك فالمطلوب هو "فلسفة تربوية" تعالج الانشقاق القائم بين الدين والعلم وتحقق التكامل بين الاثنين.
[11] - Douglas Sloan ،Toward The Recovery Of Wholeness :Kinowledge ،Education And Human Values ( New York :Columbia University Teachers College Press 1984.
[12] - James Becker &Lee Anderson ،riders On The Earth Together .1972.
[13] - James Becker ،Education For AGlbal Society ،.1973.
[14] - James Becker ،( Ed) Schooling For A Global Age ،1973.
[15] - Richard J.Barnet & Muliar ،Global Reach ،New York :Simon & Schuster 1974.
[16] - Elise Boulding ،Building AGlobal Culture ،Syracuse Univ. press ،1990. Rondald Robertson ،Globlization :Social Theory & Global Gulture. Sage Pubns ،1992.
[17] - Clyde Mitchell ( Ed) ،The New Global Order ،New York :Foreign Affairs 1993.
[18] - J.Brecher & T. Costeele ،Global Village Or Global Pillage. South End Pr. 1994.
[19] - راجع كتاب – التربية والعولمة – للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، مركز الناقد، دمشق، 2008.
[20] - للوقوف على تفاصل النوعين من الأهداف؛ راجع كتاب "أهداف التربية الإسلامية"، للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 25-31.
[21] - Bennet & Lee Compte ،How Schools Work ،( New York :Longman Lnc. 1990) p. 188.
[22] - Bennet & Lee Compte ،Op. cit Pp. 188 – 191. Paulo Freire ، Padagogy Of The Oppressed ، (New Yuork : The Seabury Press ، 1968 ) Pp 10-11. - [23].
[24] - راجع كتاب مناهج التربية الإسلامية، للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 15 – 22.
[25] - راجع كتاب فلسفة التربية الإسلامية، ص 55-66. وكتاب مناهج التربية الإسلامية، ص 33-42، د. ماجد عرسان الكيلاني.
[26] - الشخصية السرطانية؛ أعني بها: شخصية تحاول النجاح والنمو على حساب الآخرين وجهودهم في البيت ومكان العمل ومكان الدراسة، وتكون النتيجة انتقال عدوى التمدد ونشوب الصراع والتآمر الذي ينتهي بفشل الجميع وانهيار المؤسسة، تمامًا كالخلايا السرطانية التي تتمدَّد على حساب الخلايا المجاورة، ثم تنتقل عدوى التمدُّد إلى بقية الخلايا، وتنتهي إلى تدمير بعضها بعضًا، ثم تكون المحصلة النهائية تدمير الجسد ووفاته.
[27] - Ernest Becker ، Beyond Alienation : Philosophy Of Education for the Crisis of Democracy ،( New York : george Braziller ،1975 ) Pp: 90 – 93.
[28] - جودت سعيد، "العمل قدرة وإرادة"، طبعات متعددة.
[29] - Ibid ، pp 100-101.
[30] - لمعرفة تفاصيل هذه المكونات الخمس راجع كتاب "أهداف التربية الإسلامية"؛ للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 119- 137.