zemmora
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

zemmora

منتدى متنوع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
HOUWIROU
Admin
Admin
HOUWIROU


عدد الرسائل : 14674
نقاط التميز :
تاريخ التسجيل : 02/04/2008

النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني    Empty
مُساهمةموضوع: النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني    النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني    Emptyالجمعة 20 نوفمبر 2020 - 10:33

النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني    208549345

أولاً: مفهوم النظرية التربوية وأهميتها:
تمثل النظرية التربوية النموذج الذي يرغب المجتمع القائم لأطفاله وناشئته أن يكونوا عليه، والمؤسسات التي تعدُّ هذا النشء، والمناهج التي تستعمل في إعدادهم، ومجتمع المستقبل الذي سيعيشون فيه، والنظرية التربوية تشمل كذلك شبكة العلاقات الاجتماعية التي يُرَغّب بها المجتمع لتنظيم سلوك البالغين فيه، والمؤسسات التي يعملون بها؛ بحيث يؤدي هذا التنظيم إلى تأهيلهم وتنسيق جهودهم ليقوموا متعاونين متكاملين بتلبية الحاجات ومواجهة التحديات؛ لذلك يختلف مفهوم النظرية التربوية من مجتمع إلى مجتمع، ومن حضارة إلى حضارة، ومن عصر إلى عصر.

وفي مطلع عصر النهضة الغربية الحديثة - التي حملت مفاهيمها إلى مختلف أرجاء العالم بتوسعها وانتشارها - بدا مفهوم النظرية التربوية بالتركيز على إعداد الفرد للاستمتاع بالحياة، واستغلال البيئة المحيطة والاهتمام بالتربية الجمالية والبدنية والسلوك.

وفي العصر الحديث استمدَّت النظرية التربوية محتواها من السعي لرفع مستوى المعيشة، والنظر إلى التربية وتطبيقاتها - السياسية، والإدارية، والاجتماعية، والثقافية، والعسكرية - كاستثمار اقتصادي ودعامة من دعائم التطور التكنولوجي والعلمي الصناعي"[1].

وفي العقد الأخير تعقد المؤتمرات في الأقطار المتقدمة، وتُعَدُّ الدراسات، وتُجْرَى الأبحاث؛ لإخراج الإنسان الذي يعيش في قرية الكرة الأرضية، وعصر البداوة التكنولوجية، التي يستعمل أهلها الطائرات بدل الجمال، والفنادق الفاخرة بدل الخيام، ويديرون الشركات المتنقِّلة عبر القارات، ويخاطبون سكَّان المعمورة عبر المحطات الفضائية، ويتكلمون مختلف اللغات، ويتفاعلون مع مختلف البيئات والثقافات"[2].

وفي المجتمعات الإسلامية لم يرَ المربُّون ضرورة بَلْوَرة نظرية تربوية طالما لديهم أصولها في القرآن الكريم، ولكن استخراج هذه النظرية هو أمرٌ لم يعطوه الجهد اللازم، حتى إذا حل التقليد محل الاجتهاد تجزأ هذا المفهوم القرآني للنظرية التربوية عند المذاهب، ولم يعد هناك مفهوم نظرية بالمعنى الشامل الراسخ المحيط، واستمر هذا الفراغ حتى العصور الحديثة، حيث برزت أهميتها والإحاطة بمحتوياتها وتطبيقاتها؛ لأن الناس - أفرادًا وجماعات - يتعرَّضون في كل لحظة إلى كميات هائلة من الخبرات والمعلومات التي يمطرهم بها التلفزيون والراديو والصور المتحركة، والكمبيوتر والإنترنت، ودور النشر والصحف والمجلات، والخطب والأحاديث والمناقشات، والملصقات والإعلانات، وغير ذلك.

وأمام هذا التدقيق المعرفي تجد المجتمعات العربية نفسها أمام موقفَين متناقضَين، لا مناص من الأخذ بأحدهما؛ فإما أن تقبل ببعض هذه المحتويات، وترفض البعض الآخر بطرق عشوائية غير محددة الأهداف ولا مدروسة النتائج، وإما أن تتعامل معها طبقًا لأهداف مدروسة تحدد نوع (المحتوى) الذي تقبله أو ترفضه، ثم تنظم هذا المحتوى في (تطبيقات) عملية تنفذها خبرات تخصصية، تهيِّئ للإنسان العربي أن يتفاعل مع بيئته المحيطة بحيث يسخِّرها ولا تسخره، ويسهم في تحقيق الأهداف المبتغاة، ثم تتبع ذلك بـ(التقويم) الذي ييسر التعرف على نسبة النجاح أو الفشل.

ولا شك أن ما تواجهه المجتمعات العربية والإسلامية من ضخامة التحدِّيات وتزاحم المشكلات سببه ما في النفوس من مفاهيم وتصورات، وقِيَم واتجاهات، ومناهج في التفكير؛ ولذلك كانت دراسة نُظُم التربية والثقافة التي تفرز هذه المحتويات النفسية وتوجِّه تطبيقاتها - أمرًا في غاية الأهمية؛ لأن في تغييرها تغيير لما في هذه المجتمعات من أحوال أسيفة، وهذا بعض ما يوجه إليه قوله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

ولكن التغيير المطلوب لا يكون بالانتقال من تقليد الغرباء، ولا بالعزلة والتوقُّع السلبي؛ فمند مطلع هذا القرن والمفكرون والسياسيون والإداريون في العالم العربي والإسلامي ينقسمون إلى فريقين من المقلدين: مقلدين للقديم الموروث، ومقلدين للجديد المستورد، وكلا الطرفين يشيد بما يدعو إليه، ويهاجم ويقدح ما ينفر منه، دون محاولة للدرس أو التحليل، يصدق عليهم قوله - تعالى -: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: 26]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((... وسيأتي على الناس زمان يقلّ علماؤه ويكثر خطباؤه))[3].

إن المشكلة ليست في الأفكار الموروثة وتطبيقاتها أو الأفكار المستوردة وتطبيقاتها، ولكنها مشكلة الأسلوب الذي نتعامل به مع الأفكار وتطبيقاتها العملية، فنحن نحقن عقولنا وعقول ناشئتنا بالأفكار، ولا نهضمها ولا ندربهم على هضمها، وتكون النتيجة هي قتل التفكير والابتكار، والفرق بين هضم الأفكار وحقنها كالفرق بين الحقن بالطعام وهضمه؛ فلو إن أنسانًا قال لنفسه: لماذا أتعب نفسي بغلي الحليب وشربه وملء معدتي به؟ دعني أصبَّه مباشرة في شراييني لينقله الدم إلى الأعضاء مباشرة ويغذيها به - لكانت النتيجة فساد تركيب الدم، وتسمُّم هذا الإنسان وقتله، أما حين نتناوله لتهضمه معدتنا فإنه يمرُّ في عمليات دقيقة من التحليل والتركيب والفرز، ثم يوزع ما كان صالحًا على الأعضاء، ويطرد ما هو غير صالح خارج الجسم.

وكذلك الفرق بين هضم الأفكار والحقن بها؛ هضم الأفكار يمررها أولاً على عقول الباحثين والعلماء المختصين؛ لتقوم بتحليلها وإعادة تركيبها وفرزها وتصنيفها بما يلائم حاجات الزمان والمكان، ثم يحوِّلها إلى تطبيقات عملية، ثم يوزِّعها على مؤسسات المجتمع التنفيذية بمختلف ميادينها ومسؤولياتها، ثم يتابعها بقياس النتائج الحاصلة وتقويمها، ثم يستعمل حصيلة التقويم لبدء دورة فكرية جديدة.

أما حقن الأفكار، فهو يترك للمؤسسات التنفيذية أن تتناول الأفكار رأسًا من مصادرها وجبات جاهزة، ثم يصبُّها في عقول الأفراد ويشيع تطبيقاتها في شبكة العلاقات؛ لتكون النتيجة إفساد أساليب التفكير، وتمزق حلقات السلوك، وتشويه الكيانات، وتشتيت الاتجاهات، وعقم الممارسات.

لذلك؛ فإن الحاجة جد ماسة لتطوير (نظرية تربوية) تتجسد في تطبيقاتها العملية لتستخرج (وسع) الأفراد وتنظم عمل المؤسسات؛ للتكامل في أعمالها وحمل مسؤولياتها.

ثانيًا: تعريف المصطلحات:
قبل الحديث عن مكونات النظرية التربوية وتطبيقاتها، يحسُن بنا أن نحدد بعض المصطلحات المتعلقة بهذه الدراسة، وهذه المصطلحات هي:
1- النظرية التربوية:
النظرية مشتقة من الفعل (نظر)، ومعناه: حاول فهمه وتقصِّي معناه وحقيقته بالفهم والتجريب والاختبار، وفي القرآن الكريم: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس: 101]، وتتكرر الدعوة إلى النظر في تركيب الإنسان والحيوان والنبات، وحال المجتمعات والحضارات في عشرات السور، ويقول ابن تيمية: "والنظر جنس تحته حق وباطل، محمود ومذموم"، ويضيف: "إن النظر لا يقتصر على البصر والإبصار بالعين، وإنما هو يشترك فيه العقل والحواس جميعًا"[4].

وفي العصر الحديث اتسع مفهوم النظرية التربوية لتعني التخطيط المسبق الشامل لما يراد أن يكون عليه إنسان العصر من معلومات، وما يتقنه من مهارات، وما يتصف به من قِيَم وعادات واتجاهات، ولما يراد أن تكون عليه شبكة العلاقات المنظمة لعمل المؤسسات وسلوك الجماعات المختلفة، مع مراعاة السنن النفسية وقوانين التعلُّم، ومراعاة الفاعلية التي تنتج أكبر كمية من (المُخْرَجات) مقابل أقل كمية من (المدخلات)[5].

2- التربية:
التربية - بمعناها الشامل -: تغيُّر في السلوك وتنميته إلى الدرجة التي تمكن الإنسان من الإسهام الفعَّال في تحقيق حاجات الحاضر، ومواجهة تحدِّيات المستقبل، وتسخير موارد البيئة وخبرات الماضي عبر رحلة النشأة والحياة والمصير.

3- السلوك:
قلنا: إن التربية تغيير في السلوك، ولكن معنى السلوك المتداول في الحياة اليومية انحصر في عقود المتحدثين والسامعين؛ ليُقصر على الممارسات الظاهرة التي تبرز على أعضاء الإنسان الخارجية.

غير أن المعنى الشامل للسلوك يعني: التفاعل بين الإنسان والبيئة المحيطة في لحظه معينة، ويتدرَّج هذا التفاعل عبر حلقات خمس، هي: حلقة الخاطرة، وحلقة الفكرة، وحلقة الإرادة، وحلقة التعبير، وحلقة الممارسة.

فنحن مثلاً في هذا البحث بدأنا بـ(خاطرة) شكَّلت الحلقة الأولى من السلوك، ثم تلقف التفكير هذه الخاطرة وأخذ في تشكيلها وتحويلها إلى عدد من (الأفكار)، أو الاختيارات والبدائل التي يراها موصلة إلى الهدف الذي أثارته الخاطرة، وهذا ما يشكِّل الحلقة الثانية من السلوك "حلقة الفكرة"، حتى إذا استقر الاختيار على أفكار معينة، تحركت (الإرادة) المحرِّكة، وهذه هي الحلقة الثالثة من العمل، وعندما بلغت حركة الإرادة إلى درجه العزم، تولدت منها حلقتان ظاهرتان: الأولى: حلقة الصياغة النظرية التي شكَّلت الحلقة الرابعة، والثانية: حلقة (الممارسة) العملية التي بدأت هذه اللحظة بكتابة مسوَّدة هذا البحث؛ لتشكل الحلقة الخامسة من العمل؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات))؛ أي: هي تبدأ بالنيات، وبالنيات تتحدد مساراتها ونهايتها، وإلى الحلقات الخمس يشير قوله - تعالى -: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3]، فالسر يشير إلى الحلقات الثلاث الأولى، والجهر يشير إلى الرابعة، والكسب يشير إلى الخامسة.

وحين نسترجع تعريف السلوك القائل بأن السلوك تفاعل بين الإنسان والبيئة، نتبين أهمية البيئة الحسنة التي تتكامل فيها المؤسسات، وتهيئ للإنسان أن يتفاعل معها؛ ليتولد في ضميره وثقافته الخواطر الخيرة والأفكار الصائبة، والإرادات العازمة والممارسات العادلة الصالحة، ونتبين كذلك خطورة (الثقافة الآثمة) و(البيئة الفاسدة) التي تضطرب فيها المؤسسات، وتتضافر وتضطر الإنسان لأن يتفاعل مع تياراتها؛ ليتولد في ضميره الخواطر الشريرة، والأفكار الضارة، والإرادات المضطربة، والممارسات السيئة.

والتفاعل الأول توفره النظريات التربوية المبصرة، بينما تفرز التفاعل الثاني نظريات التربية الجاهلة المدمرة.

ثالثًا: مكونات النظرية التربوية:
لما كان السلوك الشامل يولد مرتين: ولادة نظرية، وولادة عملية، فإن النظرية التربوية تتكوَّن من قسمين: قسم نظري، وقسم عملي، أما تفاصيل القسم النظري فهي كما يلي:
1- أصول النظرية التربوية:
التربة التي تنبت فيها أصول النظرية - أية نظرية تربوية - تتكون من عناصر ثلاثة، هي: الحاجات الحاضرة، والتحديات المستقبلية، والخبرات الماضية.

وتتعدد الأصول التربوية بتعدُّد مظاهر الحاجات والتحديات والخبرات، فهناك الأصول الإيمانية، ومحورها: بلورة (الغايات) التي يحيا وينشأ الإنسان المتعلم من أجلها.

والأصول النفسية، ومحورها: مساعدة المتعلم على اكتشاف ذاته وسنن حياته، وبلورة (هويته)، والسعي لأن يكون ما بوسعه أن يكون.
والأصول التاريخية، ومحورها: الوعي بتقسيمات الزمن إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل، واكتشاف القوانين والسنن التي توجِّه هذه الأقسام الثلاثة.
والأصول الاجتماعية، ومحورها: الوعي بقوانين صحة الأمم ومرضها وموتها.
والأصول العلمية، ومحورها: القدرة على تسخير الكون واكتشاف قوانينه والانتفاع بخزائنه.
والأصول الاقتصادية، ومحورها: تفجير طاقات العمل وتنمية مهاراته بالقدر الذي يتطلبه الإنتاج والاستهلاك في العصر القائم.
والأصول النفسية، ومحورها: الوعي بالنظام البيئي وتكامل عوالمه، والتعامل معها طبقًا للسنن التي أبدعها رب هذه العوالم.

ويبقى الباب مفتوحًا لإضافة أصول جديدة كلما دلفت حِقَب زمنية جديدة، وأفرزت حاجات جديدة وتحديات جديدة.

2- فلسفة التربية:
فلسفة التربية تعني: تحديد المكونات الرئيسة لشخصية الإنسان الذي تتطلَّع التربية إلى إخراجه، والمجتمع الذي تعمل على تنميته في ضوء علاقات كل منهما بالمنشأ والكون والحياة والإنسان والمصير، ولتجسيد هذه العلاقات في واقع تربوي ملموس تركز فلسفة التربية على أربعة ميادين رئيسة؛ هي: نظرية الوجود، ونظرية المعرفة، ونظرية القِيَم، وطبيعة الإنسان[6]، ويفترض في كل نظام تربوي أن تتكامل برامجه ونظمه ومؤسساته لإخراج متعلم يحمل تصورًا شاملاً مفصلاً عن هذه القضايا الأربع، ثم تكون لديه القدرة على ترجمة هذا التصور في سلوكه وشبكة علاقاته مع الكون والإنسان والحياة.

وتحتل فلسفة التربية - أية فلسفة للتربية - مركز البذرة في شجرة العملية التربوية، ومن هذه الفلسفة تنبثق أهداف التربية العامة وأهدافها الخاصة العملية، ومؤسساتها، ومناهجها، وطرقها ووسائلها في التعليم والتقويم، ومن هذه الفلسفة تنبثق كذلك أنماط السلوك في واقع الإنسان المختلفة، وفي جميع النشاطات والممارسات.

فإذا كانت فلسفة التربية مثلاً ديمقراطية، فإنها تفرز السياسي الديمقراطي، والاقتصادي الديمقراطي، والعالم الديمقراطي، والمدرِّس الديمقراطي، والزوج الديمقراطي، والزوجة الديمقراطية... وهكذا، وإذا كانت فلسفة التربية إسلامية، فسوف تفرز السياسي الإسلامي، والاقتصادي الإسلامي، والعالم الإسلامي، والعسكري الإسلامي، والإداري الإسلامي، والفنان الإسلامي، والزوج الإسلامي، والزوجة المسلمة... وهكذا.

ومثله في موضوعات المعرفة، وفروع العلم، ومؤسسات الإدارة؛ حيث تسري فيها كلها اتجاهات فلسفة التربية الموجهة وتكسبها طابعًا مميزًا، ولذلك يدرس فلسفة التربية كلُّ مَن يجلس على مقعد الدرس وفي أيِّ تخصص كان، وكان يتم تمكين هذه الفلسفة التربوية واحتلالها مركز التوجيه من خلال ما يلي:
1- رسم سياسة تعليمية واضحة.
2- بَلْوَرة قواعد أخلاقية للعاملين في ميدان التربية بمختلف مواقعهم ومراكزهم. 
3- مجلس تربية وتوجيه يضم ممثِّلين عن عناصر القوة في الأمة، وهم: 
أ- رجال المعرفة.
ب- رجال التنفيذ والإدارة. 
ج- رجال المال. 
د- رجال التربية. 
هـ-  ممثلون عن الأسرة.  
و- ممثلون عن مؤسسات الإرشاد والتوجيه الإعلامي.

ويوجه نظمَ التربية الحديثة خمسُ فلسفات رئيسة هي: الفلسفة المثالية، والفلسفة الواقعية، والفلسفة البراجماتية، والفلسفة الوجودية، والفلسفة الماركسية[7].

ومنذ عام 1952م تعرضت هذه الفلسفات لحملة كبيرة من النقد؛ حيث ارتفعت الأصوات مطالبة إعادة النظر في أصول التربية التي بنيت على هذه الفلسفات ومشتقاتها، متهِمة إياها بأنها سبب الأزمات الاجتماعية والأخلاقية الجارية، وأنها سجنت الإنسان في سجن المادة وثقافة الإنتاج والاستهلاك والقِيَم المادية[8].

وفي السنوات الأخيرة من عقد التسعينيات تصاعدت المعارضة للفلسفات التربوية القائمة، وظهر مئات الكتب والأبحاث التي أصدرتها الجامعات ومراكز البحث التربوي في أمريكا، منادِية بالبحث عن بديل تربوي، كذلك شاركت الهيئات الشعبية في هذه المعارضة بطريقتها الخاصة؛ حيث توقف مقدار 35% من الشعب الأمريكي عن إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس العامة - وليس الخاصة - لأنها - حسب رأيهم - مؤسسات تدرِّب الناشئة على الجريمة والمخدرات وفوضى الجنس، وأنشؤوا بدلها ما يسمى بالتعليم البيتي[9].

وإزاء هذه الحملات المركَّزة المتتالية اضطرت الهيئات الرسمية في الولايات المتحدة إلى مراجعة فلسفاتها ونُظُمها التربوية، وشاركت في هذا النقد الموجَّه لها من ذلك البحث، الذي أصدرته (جمعية الإشراف التربوي وتطوير المناهج) في ولاية فرجينيا عام 1997م، ومما جاء في هذا البحث ما يلي:
لما كانت الحياة الحقيقية تدور حول المعتقدات والمقاصد والمعاني المؤثرة، فإن جواب السؤال القائل: ما هي مقاصد التربية؟ لم يعد أمرًا مسلَّمًا به، فهل هناك تعليم يتعدَّى تخريج العمال الذين جُلُّ وظيفتهم دعم الاستقرار الاقتصادي ونموه؟ وماذا نعلم أطفالنا إذا لم نرد جعلهم مجرد خدم لدنيا الأعمال؟ وكيف يمكننا أن نربط قِيَم الديمقراطية وأعمال شكسبير وأفلاطون، والشعر والأدب في قائمة تربية تقتصر على إدارة الأعمال؟ وماذا عن الحب والعاطفة والإبداع والفنون؟ ماذا عن مشاعر البهجة والتراحم بين عوالم الإنسان والحيوان والطبيعة؟ ماذا يحدث لنفوسنا كأفراد وأرواحنا كاملة؟

في قرن ما تم تنظيم الحياة حول العلوم المادية والإنتاج الصناعي، وأفرزنا الاعتقاد الذي يقول: إن الذي يستحق التقدير يقتصر على ما نلمسه ونحلله، وننتزعه ونثبته، وندفع ثمنه لله، فإلى أيِّ مدًى يصدق هذا الاعتقاد؟ إن الاعتقاد الذي يتركَّز حول الصناعة جعل كل ما هو غير محسوس ولا مادي قليل القيمة ويستحق الإهمال، فلماذا نقتصر في تعليم الناس على ما يمكن التحكم والتنبؤ به، في الوقت الذي يعيشون حياة مليئة بالغيب والمعنويات والاحتمالات؟

وإذا كان العلم المادي يعلمنا أن الكائن الذي يستحق التقدير هو الآلات وما تفرع عنها مما يحقق مزيدًا من المتع الحسية، فبماذا إذًا نجيب أبناءنا وناشئتنا حين يختارون تناول المخدرات التي تجعلهم يحسون بنشوة أكبر، ويتخيلون أنهم أجمل وأقوي؟"[10].

وكانت نتيجة هذا النقد المستمر للفلسفات التربوية أن ظهر اليوم فلسفتان تربويتان: الأولى هي (الفلسفة الشمولية) HOLISTIC EDUCATION  والثانية هي (فلسفة التربية الكونية) (GLOBAL EDUCATION).

وترفض الأولى - أي: الفلسفة الشمولية - التخصصات المبتورة، والتي قادت إلى القطيعة بين علوم الدين والإنسانيات والاجتماعيات - أي: علوم غايات الحياة - من ناحية وبين العلوم الطبيعية - أي: علوم وسائل الحياة - من ناحية أخرى؛ لأن الفصل بين القسمين أفرز فريقين من الناس: أناس يدعون إلى غايات الحياة دون أن يملكوا وسائل تحقيقيها، وأناس يملكون وسائل الحياة ويسيئون استعمالها[11].

أما الثانية - أي: فلسفه التربية الكونية - GLOBAL EDUCATION  فقد تطورت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وكان من أسبق المنادين بها المربي الأمريكي (جيمس بيكر) الذي بدأ كتاباته ببحث مشترك مع زميل له هو لي أندرسون بعنوان "ركاب على الأرض سواء"[12]، ثم أتبعه بكتيب عنوانه "تربيه لمجتمع عالمي"[13]، ثم بدأت المؤتمرات الخاصة بـ(التربية الدولية) أو العالمية[14]، التي قادتها - وما زالت تقودها - منظمة اليونسكو.

ثم كانت الخطوة الثانية حين أخذ بعض الاقتصاديين فكرة العالمية، من ذلك ما نبه إليه بارنيه وموللر[15]، وكذلك ظهرت الدعوة إلى تطبيقها في ميدان الثقافة[16]، ثم بعد ذلك ظهر بها الرئيس الأمريكي جورج بوش في ميدان السياسة وأخذت الدوائر السياسية تفصل في تطبيقاتها[17]، ثم برزت المقاومة لتطبيقاتها السياسية والاقتصادية؛ مثل الحملة التي تقودها الاتحادات العمالية في أمريكا، وتتساءل: أهي قرية الكرة الأرضية أم إستراتيجية نهب الكرة الأرضية وتستنفر لمقاومة هذا النهب عمال العالم جميعهم؟[18].

والواقع أن فلسفة التربية الكونية تتصف بصفتين: الأولى: أنها تمتلك الإطار الواقعي الذي لا مجال لتجاهله وإنكاره، والثانية: أنها ما زالت تعاني من الافتقار إلى المحتوى الواضح الذي يمنع تفسيرها تفسيرات شتَّى، واستغلالها للأغراض المتباينة.

فالعالمية كإطارٍ حقيقة واقعة أفرزها التطور الهائل في وسائل الاتصال والمواصلات، التي أحالت الكرة الأرضية إلى قرية يتنقل الناس في حاراتها بساعات في أجسادهم، وثوانٍ أو دقائق في أصواتهم وصورهم.

لكن المشكلة في (المحتوى) الثقافي والاجتماعي لهذه العالمية؛ حيث تحاول القوى الكبرى - خاصة أوروبا وأمريكا - عولمة الكرة الأرضية بثقافتها وممارساتها، ومهما كانت المشكلة القائمة، فإن ثقافات العالم التي وجدت نفسها في إطار العالمية الكونية سوف يستمر تفاعلها واضطرابها إلى أن يفرز هذا التفاعل ثقافة عالمية تتغلب فيها الأفكار والتطبيقات النافعة للإنسانية كلها دون اعتبار للقوى الداعمة لهذه الثقافة أو تلك؛ لأن هذه الغلبة سنة حياتية وقانون كوني؛ قال - تعالى -: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17][19].

لذلك؛ لا داعي للوقوف من العولمة موقف الرفض السلبي؛ وإنما المطلوب - عربيًّا وإسلاميًّا - امتشاق أسلحة الفكر والتفكير الحر، وبَلْوَرة نظرية (تربوية - ثقافية) ثم النزول إلى ساحة المعركة الثقافية العالمية بكلِّ وسائلها وفي جميع ميادينها، مطمئنين إلى وعد الله في أن الثقافة التي تمكث في الأرض هي التي تنفع الناس، أما الزبد - الضجيج الإعلامي، والتجريح العقدي، وتُهَم الأصولية والإرهاب - فسوف يذهب كله جفاء، بعد أن يفتح الله بصائر الناس وعقولهم على محتويات الثقافة الإسلامية العالمية.

3- أهداف التربية:
الأهداف هي العنصر الثاني من عناصر النظرية التربوية، وهي تتولد بشكل مباشر من الفلسفة التربوية، وتقدم تفصيلات أدق وأكثر واقعية لما يرِد في هذه الفلسفة من أفكار وتصورات، وفي العادة تقسم الأهداف من حيث مكوناتها إلى: معلومات، ومهارات (عقلية وعملية)، واتجاهات، وعادات، وقِيَم، وشبكة علاقات اجتماعية.

أما من حيث مستوياتها، فتنقسم الأهداف إلى قسمين رئيسين: الأهداف الأغراض أو المقاصد العليا التي تعمل التربية لتحقيقها والأهداف الوسائل؛ أي: التي تشتمل على الوسائل والأدوات الفعالة لتحقيق الأهداف الأغراض، ولذلك يسميها البعض (المعادلات العلمية)؛ أي: الأعمال المعادلة للأفكار[20].

رابعًا: تطبيقات النظرية التربوية:
تشكل هذه التطبيقات القسم الثاني العملي من النظرية التربوية، وهي تتكون من العناصر التالية:
1- المنهاج:
المنهاج بمعناه البسيط هو: مجموع الخبرات المربية التي تهيئ المؤسسات التربوية لإنسانها التفاعل معها؛ لتحقيق المقاصد والأغراض التي تحددها الفلسفات والأهداف التربوية التي سبق استعراضها.

وينقسم المنهاج إلى قسمين رئيسين هما: (المنهاج الظاهر) الذي يشتمل على الخبرات الظاهرة المحسوسة، ويتألف من مواد دراسية وأساليب ووسائل تستعمل لتوصيلها أو تقويمها، و(منهاج مستتر) غير ظاهر للعيان، وتجسده النشاطات التعليمية، والممارسات الإدارية، والعلاقات الجارية المرافقة للمنهاج الظاهر.

وفي العقدين الأخيرين تركز الاهتمام بالمنهاج المستتر عند فريق من الباحثين التربويين، الذين ركزوا بحوثهم على فحص المعارف والعلاقات الجارية في المدارس والجامعات، وبرز نتيجة لذلك ما يعرف باسم (اجتماعيات التربية)، ولقد لفتت هذه الاجتماعيات التربوية الأنظار إلى أهمية ما أسمته بـ(المنهاج المستتر) (Hidden Curriculum)، الذي يشير إلى ظاهرة تعلُّم الطلبة من أجواء المدرسة، ومن الأنشطة والعلاقات الإدارية فيها، أكثر مما يتعلمونه من محتويات المنهاج الرسمي الظاهر.

ولقد عرّف هنري جيرو المنهاج المستتر بأنه: المعتقدات والقِيَم والعادات غير المدوَّنة التي يراد تسريبها إلى أشخاص الطلبة، من خلال القوانين والإجراءات التي تنظم عمل المدرسة والعلاقات الاجتماعية فيها.

فحين يتمُّ التشديد في المدرسة أو الجامعة على طاعة القوانين واللوائح دون نقاش، فإن ذلك يوحي للطلاب بالخضوع للسلطة المطلقة خضوعًا أعمى.

وحين يتمُّ تشديد مراقبة الامتحانات وصرامة تنفيذها، فإن ذلك يوحي للطلبة بأن الأصل في سلوك الإنسان أن يغشَّ ويخدع، ويصل إلى أهدافه بالسلوك الملتوي.

وحين يركِّز منهاج التاريخ على الحكَّام دون العلماء، أو الأغنياء دون الفقراء، أو على الرجال دون النساء، فإن ذلك يوحي للطلبة: مَن المهم الذي يبجلونه ويرهبونه.

والغاية من (المنهاج المستتر) هي ترويض الطلبة على مفاهيم وأنماط سلوك يراد أن يحيوها في المستقبل، وأن يتقبلوا المواقع الاجتماعية والأدوار المقررة لكل منهم، والمنهاج بهذا الشكل قد يكون نافعًا ينبه الطلبة ويدربهم لحياة اجتماعية أفضل، وقد يكون ضارًّا يكرِّس الخنوع والظلم وعدم المساواة.

و(المنهاج المستتر) في التربية الحديثة يكرِّس مفاهيم العمل الصناعي والتجاري، وقِيَم الاستهلاك وعاداتها، من حيث أداءُ العمل والانضباط، وطاعة الأوامر وغير ذلك، وهو يصنف المعرفة إلى درجات، ويغرس في نفوس التلاميذ تفوق المعارف التي تحقق المكاسب المادية على غيرها، ويعمل على تهيئة أبناء الفقراء الذين يدرسون في المدارس العامة للأعمال المهنية، وتهيئة أبناء الطبقة الوسطى الذين يدرسون في المدارس الخاصة للإدارة والوظائف العليا، كذلك يعمل (المنهاج المستتر) على تحديد مفهوم الطالب عن نفسه وذاته؛ حيث إن فشله في المنهاج الصعب أو غير المناسب يجعله يلقي اللوم عن نفسه، وتتكوَّن لديه صورة متدنية عن ذاته، وفي المقابل فإن مَن يسهل المنهاج نجاحه يكوِّن عن ذاته صورة متعالية تجعله ينسب النجاح لقدرات متميزة فيه؛ أي: إن المدارس في التربية الحديثة تطور عادة (لوم الضحية) و(مكافأة المستغل)[21].

ويرى (بولو فرير): أن المنهاج المستتر المصاحب للمنهاج التربوي الرسمي الظاهر في العالم الثالث كان من الأدوات الرئيسة لضمان (ثقافة الصمت) عند مَن لا يملكون، ولدمج الناشئة في النظام الاجتماعي القائم، وجعلهم يقبلون منطقه المأساوي، ويسهمون في المحافظة على استمراره[22].

ويؤخذ على المناهج المطبقة في غالب الأقطار العربية عدة أمور هي:
1- الفصل بين العلمي والأدبي؛ مما يفرز ثنائية اجتماعية متناقضة التفكير والولاء.
2- في فترة ما قبل العولمة التركيز على تاريخ الماضي وعلومه؛ مما يصرف عقول الطلبة عن الاهتمام بحاجات الحاضر وتحدِّياته، ويشغلهم بالجدال حول تفاضل الماضين ومفاخرهم أو نواقصهم، وفي فترة ما بعد العولمة يركز المنهاج على (اغتراب) الإنسان العربي والمسلم عن ثقافته وهويته، وتحويله إلى (عامل) لا ينتمي إلا لمكان العمل الذي يقدم له الغذاء والكساء والمتعة الجسدية.
3- التركيز على التلقين النظري أكثر من التطبيق العلمي؛ مما يغرس فيها عادة الرضا بالأقوال دون الأعمال.
4- التركيز على مهارات العمل كاستعمال الحاسوب، ويهمل علوم الاجتماع والدين.
5- الاكتفاء بالإلقاء النظري الجاف دون توفير البيئة والقدوة المفرِحة؛ مما يدرِّب الطلبة على الصبر على حياة الضنك، والرضا بالواقع المأساوي[23].

 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://zemmora.yoo7.com
HOUWIROU
Admin
Admin
HOUWIROU


عدد الرسائل : 14674
نقاط التميز :
تاريخ التسجيل : 02/04/2008

النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني    Empty
مُساهمةموضوع: رد: النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني    النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني    Emptyالجمعة 20 نوفمبر 2020 - 10:33


2- المؤسسات:
تتعدد المؤسسات التربوية بتعدُّد حلقات السلوك في الفرد، ومع تعدُّد الحاجات والتحديات التي يواجهها المجتمع خلال مسيرة التغير الإنساني، ولذلك يبقى عدد هذه المؤسسات وأنواعها ومسؤولياتها في تطوُّر مستمر طبقًا لحاجات كل عصر وتحدياته، ولكن يمكن تصنيف هذه المؤسسات بشكل عام إلى خمس مؤسسات هي:
1- مؤسسات التنشئة، ومحورها الأسرة.
2- مؤسسات التعليم، ويبدأ محورها من المدرسة وينتهي بالجامعة.
3- مؤسسات الإرشاد، ومحورها دور العبادة ومؤسسات الثقافة.
4- مؤسسات التوجيه، ومحورها مؤسسات الإعلام.
5- مؤسسات البيئة العامة، ومحورها مؤسسات الإدارة والأمن.

وكما لا يمكن الفصل بين حلقات السلوك؛ أي: حلقات الخاطرة، والفكرة، والإرادة، والتعبير، والممارسة، كذلك لا يمكن الفصل بين عمل المؤسسات المذكورة إلا ما يستدعي التنظيم مع المحافظة على التكامل والتفاعل؛ طبقًا لتخطيط علمي يحدد الأدوار وينظم قنوات التواصل.

وخطورة هذا الفصل أنه يقتل فاعلية هذه المؤسسات جميعها، ويدرج أعمالها كلها في قائمة (العلم الذي لا ينفع)، وهذا ما انتقده عدد كبير من علماء التربية والاجتماع من أمثال عالم الاجتماع الأمريكي أرنست بيكر، وثيودور روزاك، وروبرت بله، وإبراهام ماسلو، وجون باولز، ومارتن كارنوي، وعزوا إليه أزمة الانفصام القائمة بين التقدم التكنولوجي وبين الانحلال الأخلاقي، وانتفاء الأمن والاستقرار الاجتماعي[24].

أما في المجتمعات العربية، فإن خطورة عدم التكامل بين المؤسسات التربوية أدَّى إلى تمزيق شخصية الإنسان العربي وتقلبها؛ لأن كل مؤسسة تتعامل مع هذا الإنسان بشكل يختلف عن المؤسسات الأخرى، ابتداء من طفولته حتى شيخوخته.

فالأسرة تلزمه طفلاً بمنطلقات التقاليد المعتمدة على هيمنة الكبار على الصغار، وانتهاء دائرة الولاء عند حدود الأسرة، وعدم امتداده إلى دائرة الدولة والأمة، وتفضيل الذكور على الإناث، وما يرافق ذلك من وأْد اجتماعي للإناث، ونموٍّ سرطاني لشخصية الذكور[25].

والمؤسسة التعليمية تحقنه - تلميذًا وطالبًا - بمخلوطة من المعلومات، بعضها مفرط في المثالية يتعصب لتراث الآباء ويسبغ العصمة عليه، وبعضها يشايع المستورد من معاهد الغرباء ويسند الكمال إليه، علمًا بأن هذا المستورد يكون في الغالب مما مضى زمنه أو من تقاليد الشوارع وممارسات العامة السلبية، وليس فيه الكثير من قِيَم المؤسسات العلمية والإدارية والسياسية.

ومؤسسات الإعلام تحقنه - مواطنًا - بخليط مضطرب من الثقافة والفن الموزَّع بين المثالية والبوهيمية، والأخبار التي تعتمد على الإثارة والانفعال أكثر من العقلانية والعلم.

ودور العبادة في الغالب تؤنبه - مقصرًا - عن فضائل السلف الذين تقدمهم كنماذج ارتقت فوق رتبة البشر والتحقت بالملائكة.

ودوائر الشرطة والأمن في الغالب تعامله - مجرمًا - حيث تترصَّد أخطاءه ومساقطه؛ لتعامله من منطلقات وتطبيقات غسل الأدمغة والسلوك الاشتراطي المبني على نظريات أمثال بافلوف واشتراطية سكنر وطومسون.

والإنسان العربي يتفاعل مع هذه البيئات المؤسسية المتناقضة، ويتقلب بين تحولاتها المفاجئة، ثم تكون المحصلة هي تقلب سلوكه وتناقضه.

3- الأساليب والوسائل:
تتحدد قيمة الأساليب والوسائل وفاعليتها بمقدار إسهامها في بَلْوَرة هوية الإنسان المتعلم، واستخراج قدراته وفضائله، وتمكينه من تسخير بيئته المحيطة، وإمداده بالوعي بتقسيمات الزمن الثلاثة: الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لتكون محصلة ذلك كله تسنُّمه المركز (الكريم) في درجة العوالم المحسوسة.

ولكن يؤخذ على أساليب التربية الحديثة أنها في الوقت الذي أسهمت إسهامًا كبيرًا في تقدُّم العلم والتكنولوجيا، فإنها انتقصت إنسانية الإنسان وركَّزت عملها على ترويضه وتأهيله لمكان العمل والإنتاج، وممن انتقد هذه الأساليب (أرنست بيكر) الذي كتب يقول: "يتطلع الغرب اليوم إلى تربية واضحة تُخْرِجه من هذه الغابة المظلمة والجهل المُوحِل إلى نور الفهم للوجود، ولا تستطيع التربية العلمية أن تقدِّم لنا هذا الفهم المنشود؛ لأنها تتعامل فقط مع الأشياء المحسوسة، ولا العلوم الاجتماعية التي عندنا؛ لأنها أيضًا أفكار ميتافيزيقية مدمِّرة أفرزت أمراضًا اجتماعية قاتلة، فنحن اليوم في حرب مع عقولنا، وعقولنا أصبحت غائمة مكدَّرة باعتقادات عمياء هامشية غير معقولة، ومجموعة من الأفكار المدمرة ورثناها عن القرن التاسع"[26].

"وإزاء هذه الثقافة السائدة المدمِّرة يتحدَّد دور التربية المرشحة للإنقاذ، ولا يكون هذا بالعودة إلى القِيَم المسيحية القديمة، وإنما بقدرتنا على فهم العالم الحاضر وقدرتنا على الاختبار، إن مشكلات التربية المعاصرة لا تحل بالتنظيم والإدارة وإنفاق المال - رغم أهمية هذه الأمور - وإنما تحل بنقد الأفكار المتمركزة في مركز التصور عن الكون كله، وإعادة المكانة العليا للإنسان[27].

4- إنسان التربية:
الإنسان الذي تتطلَّع نظريات التربية إلى إخراجه هو الذي يقوم بالعمل الصالح كاملاً، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تعمل التربية على إخراج الإنسان الصالح الذي يقوم بالعمل المشار إليه؟

للإجابة عن هذا السؤال لا بُدَّ من أمرين: الأول: تعريف العمل، والثاني: كيف يتولد العمل؟

أما عن الأمر الأول فإن التربية الإسلامية تطلق اسم "العمل" على كل حركة مقرونة بهدف: (إنما الأعمال بالنيات)، ولما كان الهدف خاصًّا بالإنسان فقد أطلق على أعماله اسم (العمل)، أما الحركات غير الهادفة كحركة الشمس والقمر والرياح، فقد سماها جريانًا.

والعمل هو ثمرة عدد معين من العمليات التربوية التي تتكامل حسب نسَق معين يمكن أن نوجزه في المعادلات التالية:
العمل الصالح = القدرة التسخيرية + الإرادة العازمة.
القدرة التسخيرية = القدرات العقلية + الخبرات المربية.
الإرادة العازمة = القدرات العقلية + المثل الأعلى[28].

وفيما يلي تعريف موجز لكل من هذه المكونات للعمل:
Ÿ القدرة التسخيرية: هي ثمرة تزاوج القدرات العقلية مع الخبرات المربية؛ أي: إن القدرة التسخيرية تتولد من خلال النظر العقلي السليم في تاريخ الأفكار والأشخاص والأشياء؛ بغية اكتشاف قوانينها، ثم الاستفادة من هذه القوانين لتسخيرها والانتفاع بها.

Ÿ الإرادة العازمة: تعرف الإرادة بأنها قوة التوجُّه نحو الهدف المراد، وهي ثمرة تزاوج القدرات العقلية مع المثَل الأعلى؛ أي: إن الإرادة تتولد من خلال النظر السليم في مستويات المثَل الأعلى، التي تتضمَّن نماذج الحاجات التي تجلب للإنسان النفع أو تدفع عنه الضرر.

Ÿ القدرات العقلية: في الإنسان قدرات عقلية كامنة يستطيع من خلالها تدبير أمور معاشه، والتعرُّف على الكون المحيط بمكوناته والبيئة المحيطة بأحداثها، وتتفاوت القدرات العقلية قوة وضعفًا طبقًا لأنظمة التربية ومتغيرات البيئة، فقد تقوى حتى تخترق الكون الكبير، فتتعرف على مكوناته وعلى أسرار قوانينه، ثم تسخر هذه المكونات والقوانين حسب الأهداف والحاجات التي يتوجه إليها صاحب هذه القدرات، وقد تضعف هذه القدرات العقلية حتى يعجز الإنسان عن فهم ما يجري في بيئته البيتية والإقليمية المحدودة، فيسخره الكون وتتقاذفه الأحداث والأهواء، وقد تنطفئ هذه القدرات حتى لا يعود الإنسان يعرف من أمره شيئًا.

والتربية بمدلولها الواسع وبمؤسساتها المتكاملة هي المسؤولة عن دراسة هذه القدرات العقلية الهائلة وتنميتها، وتشير البحوث المعاصرة إلى أن كل ما أنتجه الإنسان من حضارات وعلوم إنما هو نتاج 10% من قدرات الإنسان العقلية، وأنه إذا أتيح له أن يستعمل 50% (خمسين بالمائة) من هذه القدرات، فسوف يستطيع المتعلم أن يتعلم (40) أربعين لغة، وأن يدرس في فصل واحد في عشرات الكليات"[29].

Ÿ المثل الأعلى: يعرف بأنه نموذج الحياة المعنوية والمادية التي يراد للإنسان المتعلم أن يحياها، وللأمة أن تعيش طبقًا لها، في ضوء علاقات كل منهما بالمنشأ والكون والإنسان والحياة والمصير.

والمثل الأعلى يمدُّ الإنسان المتعلم بالأهداف التي يعيش من أجلها، ويمنح الأمة مبررات وجودها، وينقسم المثَل الأعلى إلى ثلاثة مستويات هي: 
المستوى الأعلى: وهدفه الارتقاء بالنوع الإنساني.
والمستوى المتوسط: وهدفه بقاء النوع الإنساني.
والمستوى الأدنى: وهدفه تلبية حاجات الجسد البشري.

ويطلق القرآن الكريم على المثَل الأعلى المتضمن في آياته اسم "المثَل الأعلى"، وعلى ما تفرزه عقول غير المؤمنين اسم "المثل السوء"، ويتوعَّدهم بالفشل والعذاب.

Ÿ الخبرات المربية: الخبرة هي عمل وأثر، ولا بُدَّ من تكامل الاثنين وحصولهما، فإذا حصل العمل ولم يترك أثرًا في نفس الإنسان وحياته لا يسمى خبرة، والأثر له مستويان: مستوى مادي، وهو ما يحدث في حياة الإنسان من تقدُّم حضاري في أدوات الحياة مثل خبرة نيوتن، ومستوى معنوي وهو ما يتكوَّن لدى الإنسان من وعْي بمقاصد الحياة وغاياتها، مثل خبرات الأنبياء والمصلحين"[30].

5- القياس والتقويم:
القياس والتقويم هما البحث العلمي أو الموضوعي في نتائج العملية التربوية في ضوء الأهداف التربوية المتبناة؛ للوقوف على درجة حصول التغييرات في السلوك أو الأوضاع، ثم تقييم هذه التغييرات استنادًا إلى قِيَم ممثلة في الأهداف التي تحققت.

ولقد كان التقويم في التربية الحديثة قبل القرن العشرين لا يأخذ في اعتباره النتائج العملية للتربية؛ لأن منهاج الدراسة كان يسبغ صفة الكمال على المادة الدراسية ولا يتناولها بالتحليل، وإنما يقتصر على امتحان قدرة الطالب على استظهارها، وإذا لم يستطع الطلبة هذا الاستظهار فإن اللوم يُوَجَّه إليهم وحدهم، وتعزى أسباب الفشل إلى أشخاصهم وأساليب دراستهم.

وفي الوقت الحاضر أخذ مفهوم التقويم يشمل كلَّ مكونات النظرية التربوية، ابتداء من الأصول التربوية، ومرورًا بالفلسفة والأهداف التربوية والمؤسسات والمناهج والأساليب، حتى ينتهي التقويم بالتقويم نفسه، وصار معيار النجاح مقدار ما تحقق من المعادلات العملية للأهداف، وليس مقدار ما استظهره الطالب من مادة دراسية.

خامسًا: تكامل المؤسسات التربوية والثقافية والإرشاد والإدارة والأمن:
ذكرنا فيما مضى أن مؤسسات المجتمع تتكامل في تحمُّل مسؤولية التربية وصناعة الإنسان المطلوب، وهذا يعني أن التربية والتعليم هي مسؤولية جماعية لا يمكن أن تترك إخراجه لوزارة أو لهيئة واحدة، وإن كانت هي الهيئة المختصَّة بالتربية، ولعل المثال التالي يقدم لنا إيضاحًا لأهمية التكامل الذي ذكرناه.

التكامل التربوي ودائرة التلفزيون:
التلفزيون وسيلة أرشد الله الإنسان لاكتشافها؛ لتتناسب وسائل التبليغ مع العالمية التي دلفت إليها المجتمعات البشرية، وهو منبر عالمي هدى الله الإنسان إليه رحمةً منه - سبحانه وتعالى - ولتحقيق التواصل الآمر بالخير والمعروف، والناهي عن المنكر، ونشر الإيمان بالله - تعالى - على مستوى الإنسانية في قرية الكرة الأرضية.

ولتحقيق هذه المهمة يحتاج العاملون في التلفزيون أن يحققوا قدرًا كبيرًا من الفاعلية؛ أي: يحصلوا على أفضل النتائج بأقلِّ التكاليف وأقصر الأزمان، طالما أننا في عصر السرعة والوثبات الحضارية والمعرفية، وهذا مطلب لن يتحقق إلا إذا تكامل التلفزيون مع غيره من المؤسسات التربوية والثقافية وغيرها.

وتجسيدًا لهذا المطلب ينطلق التلفزيون من مبادئ خمسة هي:
المبدأ الأول: من المقولات المتداولة في أيامنا أننا نعيش في "عصر التلفزيون"، وأن الأجيال الجديدة من أبنائنا هي أجيال تلفزيونية، والواقع أن الأسر من كافَّة الطبقات تجتمع يوميًّا صغارًا وكبارًا؛ كي تقضي أربع أو خمس ساعات أمام جهاز التلفزيون لمشاهدة برامجه وما تسجله شرائط الفيديو، أو يأتي من الخارج عبر الأقمار الصناعية، وهم في حالة من الاسترخاء والتلقي السلبي الذي لا يناقِش ولا يجادِل.

والمبدأ الثاني: أن الثقافة السائدة هي بالدرجة الأولى ثقافة تلفزيونية، يليها بقية وسائل الإعلام والاتصال، فإذا لم تنهل هذه الوسائل من المنابع الأصيلة للثقافة المتمثِّلة في العالم الجامعي، والباحث الأكاديمي، والفقيه الراسخ، والمجلة المتخصصة، والدوريات الجادة، فستظل ثقافة تلفزيونية سطحية عابثة لاهية؛ لذلك لا بُدَّ للمؤسسات المختلفة - ومنها التلفزيون نفسه - أن تقف وقفة حازمة في مواجهة ظاهرة السطحية واللهو والعبث، ويعمل على ترشيد هذه الثقافة؛ لكي تصبح قوة دافعة إلى الأمام في إطار خطة ثقافية تربوية متكاملة، هدفها مساعدة الإنسان العربي والمسلم على اكتشاف هويته وذاته؛ ليعيش عصره بملء طاقاته وقدراته.

لذلك؛ سيكون هذا البحث حول التكامل التربوي بين المؤسسات بشمولها وجديتها ورسوخها رافدًا كبيرًا للأهداف التي يعمل التلفزيون من أجلها.

والمبدأ الثالث: هو أن القدرة التربوية التثقيفية للتلفزيون في وطننا العربي والإسلامي ليست مشروعًا خاصًّا يملكه المستثمرون، وإنما هي مسؤولية أمة ودولة تستهدف دعم الهوية الثقافية التربوية العربية والإسلامية، ولذلك تجيء ورقة التكامل لتوفر تكامل التلفزيون مع المؤسسات الثقافية والتربوية والإنمائية الأخرى، ونأمل أن يكون من نتائجها أن تتوفر للتلفزيون قنوات التواصل مع كل عالِم ومبدِع، ومؤهَّل ومدرَّب على رسالة التربية والثقافة، في عالم تشتد فيه المنافسة والصراع على السيطرة على عقول الشعوب واتجاهاتها وأخلاقها، ومواقفها وأنماط سلوكها.

والمبدأ الرابع: مبدأ ينطلق من الأهمية الكبيرة التي توليها التربية للأطفال والناشئة الذين سيعبرون القرن القادم - قرن العالمية وتفاعل الثقافات - ومَن لا يتسلح فيه بالحقيقة والعلم فسوف يقع ضحية التردد، والإيمان بالصباح بما كفر به في المساء، والكفر في المساء بما آمن به في الصباح، كما ورد في تشخيص الرسول الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم.

من هذا المبدأ نرى أن على التلفزيون أن يشارك المدارس والجامعة، والمسجد والدائرة الثقافية، وأندية الفتيات والفتيان - مهمة توجيه النشء الوجهة الصحيحة الراشدة؛ فيخصص في برامجه "ثقافة مرئية للطفل العربي والمسلم"، ثقافة تنبع من قِيَم الإسلام والعروبة بدوائرها الراحمة السمحة التي تتسع للإنسان أنَّى كان، ولا تغفل جانب المعاصرة وتركز على أمور أهمها:
أ- تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها.
ب- تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية النابعة من التكريم الإلهي للإنسان.
ج- تنمية احترام هوية الطفل الثقافية، واحترام لغته ودينه وقِيَمه الوطنية والإنسانية، واحترام حضارته وحسن التعايش مع حضارات الآخرين.
د- إعداد الناشئة من البنين والبنات ليستشعروا المسؤولية في مجتمع مسؤول، وتنمية روح التسامح والمساواة والاحترام بين الجنسين.

والمبدأ الخامس: هو أن إدارات التلفزيون يجب أن تؤمن إلى درجة اليقين أن عدم التكامل والتخطيط مع المؤسسات العلمية والدينية، والثقافية والاجتماعية، والأسرية والأمنية - يمكن أن يؤدي إلى عدد من الأخطار والمحاذير؛ فالتلفزيون غير الموجَّه الذي لا يسترشد بنظرية تربوية أصيلة يقدم عالمًا مزيفًا لا يمتُّ إلى الواقع إلا بأوهن الصلات، فالبرامج قد تضم ألوانًا من الإثارة والانحراف في السلوك والخروج على المألوف، والعنف والقسوة، بحيث لا تصلح هذه المشاهد أن تكون صورة للحياة الاجتماعية هنا أو هناك، مما قد يمدُّ الناس - خاصة الأطفال والشباب - بفهْم مشوَّه لطبيعة الحياة والعلاقات الاجتماعية، كذلك قد يمدُّ التلفزيون المشاهدين بمخلوطة ثقافية متنافرة الأفكار، والمعارف السطحية واللهو العابث، الأمر الذي يحيل التلفزيون إلى منبر ضرار لا منبر تقوى، وقُلْ مثل ذلك عن بقية المؤسسات القائمة.

لذلك كله؛ فإن التكامل بين المؤسسات التي تحكمها نظرية تربوية تتَّصف بالأصالة والمعاصرة أمر في غاية الضرورة، ومن أجل ذلك يجب أن يفتح التلفزيون أبوابه لجميع الكفاءات والطاقات؛ لتسهم في البرامج والندوات والنشاطات، ولتشكِّل مجتمِعةً روافدَ نافعة في نهر الحياة الكريمة التي أرادها الله للإنسان وميَّزه بها.

هذه هي المبادئ التي ينطلق منها مفهوم الباحث للنظرية التربوية التي تهيِّئ الإنسان المسلم لحمْل رسالته والقيام بمسؤولياته، والأمل كبير أن يجد المسلمون في هذا البحث وفي ما كتبه الباحث في كتبه المختلفة ما يرشد إلى إقامة مؤسسات تربوية، تحقق المعاصرة والتجديد، وتكامل الجهود وبلوغ الأهداف.

سادسًا: الخلاصة:
هذه خطوط عريضة موجزة في معنى النظرية التربوية ومكوناتها وتطبيقاتها، التي تظهر بشكل واضح أن دخول القرن القادم يتطلَّب الوعي النظري والتكامُل العمليَّ عند كافَّة المؤسسات التربوية والتنفيذية، واعتبارها جميعها مؤسسات تربوية؛ لتصبح مؤهَّلة لتلبية الحاجات ومواجهة التحديات؛ لأن الحياة في القرن القادم سوف تقوم على الأسس التالية:
1- الحاجة الماسَّة إلى اعتماد العلم والأساليب العلمية على المستويين: الرسمي والشعبي، على حدٍّ سواء.
2- انتهاء دور العالِم الفرد، وضرورة بروز مؤسسات المتخصصين من العلماء.
3- عجْز مؤسسة العلماء المختصين المفردة ما لم تتكامل مع بقية المؤسسات العلمية في ميادين التخصصات الأخرى.
4- عدم فاعلية المؤسسات العلمية مجتمِعة ما لم تتكامل مع المؤسسات التطبيقية في مختلف ميادين الحياة، والعكس بالعكس.
5- عدم فاعلية المؤسسات العلمية والمؤسسات التطبيقية مجتمِعة، ما لم يوجه أنشطتها نظرية تربوية واعية تهيِّئ لجميع هذه المؤسسات أن تتكامل وتعمل في دائرة تتكامل فيها (علوم غايات الحياة)، التي توفرها العلوم الدينية والإنسانية والاجتماعية مع (علوم وسائل الحياة)، التي توفرها العلوم التطبيقية والتكنولوجيا.

والمجتمعات التي تعجز عن بَلْوَرة هذه الأسس الخمسة ووضْعها موضع التطبيق سوف تظلُّ حبيسة القلق والاضطراب، أمَّا المجتمعات التي تتجاهلها وتظلُّ متخلِّفة عنها، فسوف تخرج من مسار التاريخ الإنساني وتدفن في مدافنه وخرائب آثاره.

والله - سبحانه - يتولاَّنا بالتوفيق والرعاية.

ــــــــــــــــــــــــ
[1] - kandel '' Theories of education '' Encydopedia Americana  ،(New York; American Corporation  ،1966) pp.613-617.
[2] - Renate N. Caine and Geoffrey Caine ،Education on the Edge of possibility ،Alexandria ،VA ،ASCD ،1997 pp. 156-17.
[3] - "مسند أحمد"، ص1؛ تصنيف الساعاتي، ص 161، ص 39.
[4] - ابن تيمية، "الفتاوى الكبرى"، كتب السلوك، ج 1، ص 486.
[5] - راجع كتاب "التربية والتجديد"؛ للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 11.
[6] - للوقوف على تفاصل هذه الموضوعات الأربعة راجع كتاب "فلسفة التربية الإسلامية"؛ للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ط 2009.
[7] - William G. Samuelson & Fred A. Markowitz  ، An Introdution In philosophy Of  Education ( New York  ،PHILOSOPHICAL Li brary Inc. 1987) pp. 11-13.
[8] - Joe park  ،selected Reading in The philosophy Of Education  ،( New York )
[9] - Renate Nummela Caine &Geoffrey Caine  ،Education On The Edge Of Possibility (Alexandria  ،Virginia :Association For Supervision And Curriculm Developent  ،1997 ) p. 16.
[10] - يجب أن لا يقعدنا هذا النقد للعلم وتطبيقاته عن البحث العلمي وتطبيقاته؛ لأنه إذا كان الغرب مصابًا بالإفراط والإسراف في تقديس العلم وإهمال القِيَم الدينية، فنحن مصابين بالتفريط وإهمال العلم، ولذلك فالمطلوب هو "فلسفة تربوية" تعالج الانشقاق القائم بين الدين والعلم وتحقق التكامل بين الاثنين.
[11] - Douglas Sloan  ،Toward The Recovery Of Wholeness :Kinowledge  ،Education And Human Values ( New York :Columbia University Teachers College Press 1984.
[12] - James Becker &Lee Anderson  ،riders On The Earth Together .1972.
[13] - James Becker  ،Education For AGlbal Society  ،.1973.
[14] - James Becker  ،( Ed) Schooling For A Global Age  ،1973.
[15] - Richard J.Barnet & Muliar  ،Global Reach  ،New York :Simon & Schuster 1974.  
[16] - Elise Boulding  ،Building AGlobal Culture  ،Syracuse Univ. press  ،1990. Rondald Robertson  ،Globlization :Social Theory & Global Gulture. Sage Pubns  ،1992.
[17] - Clyde Mitchell ( Ed)  ،The New Global Order  ،New York :Foreign Affairs 1993.
[18] - J.Brecher & T. Costeele  ،Global Village Or Global Pillage. South End Pr. 1994.
[19] - راجع كتاب – التربية والعولمة – للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، مركز الناقد، دمشق، 2008.
[20] - للوقوف على تفاصل النوعين من الأهداف؛ راجع كتاب "أهداف التربية الإسلامية"، للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 25-31.
[21] - Bennet & Lee Compte  ،How Schools Work  ،( New York :Longman Lnc. 1990) p. 188.  
[22] - Bennet & Lee Compte  ،Op. cit Pp. 188 – 191. Paulo Freire  ، Padagogy Of The Oppressed  ، (New Yuork : The Seabury Press  ، 1968 ) Pp 10-11.  - [23].
[24] - راجع كتاب مناهج التربية الإسلامية، للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 15 – 22.
[25] - راجع كتاب فلسفة التربية الإسلامية، ص 55-66. وكتاب مناهج التربية الإسلامية، ص 33-42، د. ماجد عرسان الكيلاني.
[26] - الشخصية السرطانية؛ أعني بها: شخصية تحاول النجاح والنمو على حساب الآخرين وجهودهم في البيت ومكان العمل ومكان الدراسة، وتكون النتيجة انتقال عدوى التمدد ونشوب الصراع والتآمر الذي ينتهي بفشل الجميع وانهيار المؤسسة، تمامًا كالخلايا السرطانية التي تتمدَّد على حساب الخلايا المجاورة، ثم تنتقل عدوى التمدُّد إلى بقية الخلايا، وتنتهي إلى تدمير بعضها بعضًا، ثم تكون المحصلة النهائية تدمير الجسد ووفاته.
[27] - Ernest Becker  ،   Beyond Alienation : Philosophy Of Education for the Crisis of Democracy  ،( New York : george Braziller  ،1975 ) Pp: 90 – 93.
[28] - جودت سعيد، "العمل قدرة وإرادة"، طبعات متعددة.
[29] - Ibid  ،   pp 100-101.
[30] - لمعرفة تفاصيل هذه المكونات الخمس راجع كتاب "أهداف التربية الإسلامية"؛ للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، ص 119- 137.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://zemmora.yoo7.com
 
النظرية التربوية: معناها ومكوناتها أ. د. ماجد عرسان الكيلاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  امتحان السداسي الثالث في النظرية التربوية سنة الثانية ل م د مستغانم 2019-2020
» الترخيص الإتفاقي باستغلال براءة الإختراع د. ماجد احمد المراشدة
» الصلاه على النبي{معناها،صيغها،أوقاتها ،فوائدها}
» النظرية والتجربة
» يصدر جهازك "bipرنات ولا تعرف معناها هنا المعنى لجميع الانواع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
zemmora :: شؤون التعليم :: علوم و تقنيات الانشطة اليدنية و الرياضية-
انتقل الى: