عدد الرسائل : 14822 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
موضوع: معيقات القيادة التربوية السليمة الأربعاء 3 أكتوبر 2018 - 19:37
معيقات القيادة التربوية السليمة مقال كتبه : اسماعيل الزومي
يبدو أن مشاكل الإدارة التربوية المعيقة لحسن تدبير المؤسسات التعليمية تكاد تنشطر عن مشكل رئيس يكمن في سوء تمثل مفهوم القيادة التربوية و كأننا هنا نستدعي الأطر المرجعية لمترشح يريد شغل مهمة قائد تربوي بمؤسسة تعليمية (مدير) .
إن الحمولة الذهنية عن مفهوم هذه القيادة عند أغلب أطر الإدارة التربوية تكاد تتوحد في كونها ذهنية منسوخة عن طرائق قيادة جماعة القسم، حيث يبدو الأستاذ مثالا يحتذى في التفاني و الجدية في العمل ، و يتسم بامتلاكه معرفة تخول له ذاك " الاعتبار الذاتي" الذي يزيد إشعاعا بقيمة الإخلاص في العمل ، و قد يصل هذا الاعتبار الذاتي طورا تصبح فيه شخصية الأستاذ من منظور التحليل التربوي مكافئة لديكتاتور تربوي ، لا ترى جماعة القسم إلا ما يراه هو عبر نظارته المعرفية و الخلقية... غير أن نقل مفهوم قيادة جماعة القسم هذه بما يعتريها من علل و نقائص أحيانا ، إلى جماعة أكثر اتساعا و أقل انسجاما ، هي جماعة المدرسة ، يجعل الحقائق التربوية تتكشف آنا بعد آن ، و ينهدم البناء لبنة لبنة ، حتى نلفي في الأخير دوامة من مشاكل تعصف بأحلام المدبر التربوي ، و تجعل مشروعه الشخصي الطموح للارتقاء بجودة المؤسسة التعليمية و بتحسين تدبير الحياة المدرسية ، في مهب الريح ؛ ذلك أن " النيات وحدها لا تكفي" ، بل لابد من الاعتقاد الجازم أن النتائج تكون بحسب مقدماتها ، و ما دامت هذه النتائج مأساة تربوية ظاهرة للعيان ، فلابد من إعادة النظر في مرجعيات الإدارة التربوية كما هي في أذهان من يشغلها...لأن الخلل كل الخلل في مبادئها و منطلقاتها... هذا التمثل الخاطئ عن القيادة التربوية تظهر آثاره سريعا على سلوكات المدبر التربوي من خلال : أ ) تعطيل أسباب التواصل بينه و بين مكونات اللحمة التربوية التي يشاركها تفاصيل الحياة المدرسية ، فالمدبر التربوي لا يعمل جاهدا على إذابة جليد القطيعة الابستمولوجية التي فرضتها أدبيات التربية و التكوين في أوقات سابقة، بين المدبر ككيان له سلطة مادية تقربه من أداء مهمة " المخبر " و " رئيس مصلحة أشغال عمومية " ، و بين باقي مكونات العملية التربوية التي تتم في المدرسة ، و لعل أبرز هذه العناصر " الأستاذ " الذي بقي في الظل باعتباره المسؤول الأوحد عن انحدار المسار التعليمي في بلادنا ، و هو الشماعة التي تعلق عليها كل أنواع الفشل، حسب الأدبيات نفسها التي تعمل على تقليص صلاحياته، بما يروم تعطيله عن مهمته الأصيلة في التوعية و نشر القيم...عن قصد أو غير قصد . ب ) عدم المرونة قد تكون متأصلة في المدبر التربوي ، و قد تكون طارئة بفعل الأعباء الجديدة التي تفرض قيودا على صاحبها ، فتدفعه إلى اتخاذ قرارات خاطئة من الناحية الأدبية و العرفية ، و إن كانت صحيحة من حيث الشكل و المضمون القانوني و مساوقة للمساطر الإدارية....لأن القرار خرج خديجا و لم ينضج على نار الحوار الهادئ و النقاش المقنع . ج ) الانكفاء على الذات : يصبح مكتب المدبر التربوي مثل قاعة لإدارة الحروب ، و كأن القائد التربوي في معركة عسكرية ، يصدر التعليمات من القيادة العليا ، و لا يريد التشويش على قرارته لأنها مصيرية ، فلا يخالط أحدا إلا أربابه و زبانيته... بهذا السلوك يعتبر المدبر التربوي منكفئا على ذاته ، يعالج الأوراق في غفلة عن الحقل التربوي الذي يجب أن يغشاه في سيرورة غير متناهية . د ) عوز المهارة و الكفاءة إحدى مقاتل المدبر التربوي عدم استعداده الفطري للتدبير و القيادة ، و مع ذلك فإن له مساحة كبيرة للمناورة و تجاوز هذا العطل الجبلي ، و ذلك بتمهره في كثير من ميادين معرفية وإبداعية مختلفة ، إلا أن الشيء المعيب في حقه هو أنه لا يفعل ذلك ، و لا يبذل جهدا لتغطية هذه الهوة العميقة ، فيصبح تبعا لذلك وعاء خاويا يسمع طنينه عند أول نقاش أو حوار أو تسيير لجلسة ، فتحدث مشاكل لا تعد و لا تحصى ، بينه و بين الأستاذ الذي غالبا ما يبخسه من وجهة نظر تقليدية تواترت عنه و عن ممارساته اللاتربوية ، البعيدة عن المهنية الحاذقة ، و القريبة من التسلط و إدارة المقاولة العائلية ذات النفع المحدود . هـ ) عدم الإلمام بالقوانين و التنظيم الإداري الإلمام بالقوانين أعز ما يطلب بالنسبة للمدبر التربوي الفاشل بغية إرهاب الأستاذ ، لكن للأسف الشديد ، حتى هذا الأمر انحسر في فئة قليلة من المدراء ، مما ترك صدى مدويا في منظومتنا التربوية ، يقول : إن المدبر التربوي رجل أجوف ، دعته الضرورة المادية و تغيير أجواء القسم ، للجنوح نحو هذا المسلك الوظيفي الذي لم يكن عن قناعة مبدئية . تلكم في نظري أهم معيقات التدبير التربوي المثمر ، التي سنحاول تصحيحها من خلال مقال قادم يرصد ملامح شخصية المدبر التربوي الذي نحلم أن يغشى مؤسساتنا التربوية ليحيل غبشها إلى إصباح و حركتها العشواء إلى استقامة دائمة، كي تتحقق رسالتها التربوية التي تصحح أوضاع المجتمع .