لقد علق الله سبحانه وتعالى النجاة من النار والعزة في الدنيا والآخرة بالجهاد في سبيله، وما ذاك إلا لفضل الجهاد وعظمته في الدين، وفي هذه المادة يتحدث الشيخ رحمه الله عن أهمية الجهاد والحكمة من مشروعيته، متحدثاً عن أطوار تشريع الجهاد وفضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب والسنة، مع بيان أن الجهاد رحمة من الله سبحانه وتعالى على عباده.
الحكمة من مشروعية الجهاد : الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد:فلما كان الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال التي يتطوع بها المتطوعون، وكانت له بين الأعمال ميزة عظيمة في إعلاء كلمة الله، وفي حماية شريعة الله، وفي الذود عن حوزة المسلمين، وفي إخراج الناس من الظلمات إلى النور، رأى القائمون على الندوات والمحاضرات أن تكون مسألة الجهاد من جملة المحاضرات التي تلقى في هذا المكان المبارك ولا سيما في هذا العصر الذي قل فيه الجهاد الصادق في سبيل الله، وكثرت فيه النزاعات الجانبية لأغراض ومقاصد أخرى، وقلّ من يهتم بذلك من الدول الإسلامية، وقل من يناصر من ظُلم وابتلي من المسلمين بغزو الأعداء لبلادهم، فالمحاضرة اليوم موضوعها: “أهمية الجهاد في سبيل الله”.وسأتكلم إن شاء الله بما تيسر في هذا الموضوع من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية، وما بينه أهل العلم في هذا السبيل، فينبغي أن يعلم أن الجهاد من أهم الفرائض الإسلامية، وأن الله سبحانه شرعه لفوائد جمة ولحكم كثيرة منها: أن فيه إعلاء كلمة الله عز وجل.ومنها: أن فيه حماية حوزة المسلمين والذود عن ديارهم وبلادهم وثغورهم.ومنها: أن في ذلك دعوة الآخرين من غير المسلمين إلى الدخول في دين الله، وإيضاح ما لهم عند الله من الخير العظيم، وما يحصل لهم في الدنيا من الفضل والخير على أيدي المسلمين.ولم يشرع الله الجهاد لمجرد الدفاع فقط كما يظنه بعض الكتبة وبعض من ينتسب إلى العلم، بل شرع الله الجهاد للدفاع والذود عن حياض المسلمين، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولإعلاء كلمة الرب عز وجل، ولفسح الطريق وتمهيده للدعاة إلى الإسلام والذائدين عنه والموضحين لمقصوده ومحاسنه.وقد كان المسلمون في أول الإسلام مأمورين بالدعوة إلى الله عز وجل فقط، ولم يفرض عليهم الجهاد لضعفهم وقلتهم، وكانوا في مكة مضطهدين، وقد آذى المشركون رسول الله عليه الصلاة والسلام وآذوا أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، بل قتلوا بعضهم، ولم يزل عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله ويرشد الناس إلى ما خلقوا له من توحيد الله والإخلاص له، ويبين للناس بطلان الشرك وأن آلهتهم التي يعبدونها من دون الله باطلة، وأن الواجب عليهم توجيه القلوب إلى الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى.
أطوار تشريع الجهاد : كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتعلمون من نبيهم عليه الصلاة والسلام، ويسمعون منه ما يدعو إليه، ويذهبون ليرشدوا الناس إلى ما سمعوا من الخير سراً وجهراً، وإذا جهروا فقد يؤذى الكثير منهم لقلتهم وقلة أنصارهم.ثم إن الله جل وعلا شرع الهجرة لإظهار الإسلام، ولإقامة دولة الإسلام، ولنصر المسلمين وتأييدهم وإعلاء كلمة الله في أرضه، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فتم ذلك والحمد لله، فهاجر النبي عليه الصلاة والسلام وهاجر المسلمون إلى المدينة المنورة بعدما هاجر الكثير منهم إلى الحبشة بسبب الاضطهاد العظيم الذي نالهم في مكة ، فلما استقر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة واجتمع إليه من شاء الله من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم أُذن لهم بالجهاد، ونزل في هذا قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج:39-40] فأُذن لهم بالقتال مجرد إذن، ثم لما زادوا وكثروا وصارت عندهم قوة ومنعة أمروا بالقتال وأن يقاتلوا من قاتلهم، وأن يكفوا عمن كف عنهم، وهذا طور ثانٍ من أطوار الجهاد.الطور الأول: مجرد الإذن، والطور الثاني: طور الدفاع والقتال لمن قاتل والكف عمن كف؛ لأن المسلمين في أول الهجرة لم تكن عندهم قدرة كاملة على غزو الناس وابتدائهم بالقتال، فأُذن لهم أن يقاتلوا من قاتلهم وأن يكفوا عمن كف عنهم، كما قال الله عز وجل: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً [النساء:90-91] فأباح سبحانه وتعالى للأمة القتال لمن قاتل، وأمرهم بالكف عمن كف.وظن بعض الناس أن هذا هو أمر الجهاد، وأن الجهاد استقر على هذا، وأن الجهاد إنما شرع للدفاع فقط، فالإسلام على زعم هؤلاء يقاتل من قاتل ويدافع فقط، ولا ينهضوا لقتال المجرمين وإخراجهم من الظلمات إلى النور والصبر على ذلك، وهذا غلط على إطلاقه، وإنما الصواب أن أعلى دور من أدوار الجهاد وطور من أطوار القتال في وسط الأمر يقاتل المسلمون من قاتلهم ويجاهدون من جاهدهم ويكفون عمن كف عنهم، وهذا الحكم باقي إلى اليوم عند ضعف المسلمين وعند عدم قدرتهم على البدء بالقتال، ليس عليهم إلا أن يقاتلوا من قاتلهم، وأن يكفوا عمن كف عنهم، ثم إن الله جل وعلا فرض القتال فرضاً فقال سبحانه وتعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].فجعل الجهاد فرضاً علينا ولازماً لنا، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] (كتب) أي: فرض، فالجهاد فرض على الأمة الإسلامية فرضاً مع القدرة؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ففرض على المسلمين وجاءت الأوامر بالقتال والجهاد في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فصار بعد الإذن في القتال وبعد قتال من قاتل والكف عمن كف، صار بعد ذلك في طور ثالث وهو: فرض القتال والجهاد مطلقاً، لمن قاتلنا ولمن لم يقاتلنا؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتمكين الإسلام في الأرض، ولإنقاذ النساء والأطفال مما هم عليه من الباطل والكفر، ولفسح الطريق وتمهيد الطريق لانتشار الدعوة الإسلامية بين الناس في مشارق الأرض ومغاربها.واشترى الله سبحانه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فقال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] فاشترى سبحانه وتعالى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فدل ذلك على أن نفس المؤمن مبيعة وماله مبيع اشتراه المولى جل وعلا، وفرض على المسلم الجهاد في سبيل الله عز وجل، وجعل نفسه مبيعة لله وماله لله، هذا ولم يبق عذرٌ في التأخر عن القتال والجهاد، فالأنفس لله والمال لله، والجهاد في سبيل الله، والثمن الجنة والنجاة من النار.
الأدلة من القرآن على وجوب الجهاد : بين الله في آيات كثيرات أمره بذلك، فقال سبحانه وتعالى: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41] وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:35] فجعل الفلاح معلقاً بالتقوى وقربة إلى الله بطاعته والجهاد في سبيله؛ فدل ذلك على وجوب التقوى، ووجوب التقرب إلى الله بطاعته، وعلى وجوب الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى كما كتب علينا؛ قال عز وجل: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190] أي: الذين من شأنهم القتال كما بين ذلك أهل العلم، بخلاف النساء والأطفال، فليس من شأنهم القتال وبخلاف الرهبان في الصوامع، وبخلاف المشايخ العاجزين، فإنهم ليسوا من أهل القتال؛ ولهذا قال بعد ذلك في نفس السورة: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] فعلم بذلك أن المراد هو قتال الكفرة الذين من شأنهم القتال لا قتال من شأنه العجز عن القتال من النساء والصبيان والعجزة من الشيوخ وأرباب الصوامع، فليسوا من أهل القتال. وقال في الآية الأخرى في سورة الأنفال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] فبين سبحانه وجوب قتالهم حتى تزول الفتنة وهي الشرك بالله عز وجل، ومن ذلك افتتان الناس في دينهم وصدهم عن سبيل الله، ويكون الدين كله لله، ليس فيه عبادة لغيره سبحانه وتعالى، بل يكون الدين كله لله وحده لا يعبد معه صنم ولا قبر، ولا جن ولا كوكب، ولا ملك ولا نبي ولا صالح ولا غير ذلك، بل تكون العبادة لله وحده سبحانه وتعالى قال عز وجل: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:36] فأمر أن نقاتلهم جميعاً، فدل ذلك على أن القتال مفروض علينا وأنه لجميع المشركين الذين من شأنهم القتال؛ حتى يدخلوا في دين الله، وحتى يكون الدين كله لله وحده سبحانه وتعالى.وقال جل وعلا في آية أخرى في سورة التوبة: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] فبين سبحانه أنهم يقاتلون حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويتوبوا من شركهم، فعند ذلك يخلى سبيلهم، ولم يقل: أو يكفوا عن القتال، قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] ولم يقل سبحانه: أو يكفوا عنكم أو كفوا عن قتالكم، فدل ذلك على أن الأمر استقر على جهادهم حتى يعبدوا الله وحده ويخلصوا من الشرك ويتوبوا إلى الله منه، وحتى يلتزموا بأحكام الإسلام من الصلاة والزكاة وغير ذلك.في الآية التي بعدها فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:14-15] فأمر بالقتال المطلق فدل ذلك على أن الدور الأخير هو القتال المطلق وهو جهاد أهل الشرك، وهذا مكتوب علينا كتابة، ومفروض فرضاً، وهو فرض كفاية عند أهل العلم إذا قام به من يكفي من المسلمين صار في حق الباقين سنة مؤكدة وفضلاً عظيماً، بل في حق أفراد الناس هو أفضل العمل المتطوع.
الأدلة من السنة على وجوب الجهاد : أخبر عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه أن الجهاد واجب على المسلمين، فقال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) وقال: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) فالجهاد أمره عظيم وشأنه كبير، وهو فرض على المسلمين مع القدرة وإذا تركوه أثموا جميعاً، فالواجب أن تقوم به طائفة من المسلمين من ذوي الكفاية تحصل بهم الكفاية، وتحصل بهم الفريضة من جهاد أهل الشرك بعد دعوتهم إلى الله، وبعد إيضاح السبيل لهم، وبعد إقامة الحجة عليهم.وبين عليه الصلاة والسلام أن الجهاد أفضل الأعمال، قالت عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال: لكنَّ أفضل الجهاد: حج مبرور) وأقرها على قولها: إنه أفضل الأعمال، ولما سألته: (هل على النساء جهاد؟ قال: نعم. جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) فدل ذلك على فضيلة الجهاد، وأنه في حق النساء الحج والعمرة، وأنهن لسن من أهل الجهاد للأعداء بالمال والنفس أو بالنفس فقط على خلاف، المهم أنهن لسن من أهل الجهاد بالنفس لأعداء الله؛ لأنهن عورة وفتنة، ولكن من شأنهن الجهاد بالحج والعمرة، والجهاد بالمال يعم الجميع أيضاً على ظاهر الآيات.
الجهاد فرض كفاية : والمقصود أن نعلم أن الجهاد هو أفضل الأعمال المتطوع بها، وهو فرض على المسلمين فرض كفاية مكتوب عليهم إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وأن الواجب على الدول الإسلامية وعلى المسلمين جميعاً أن يجاهدوا بأنفسهم وبأموالهم وبألسنتهم، وأن يتقوا الله في ذلك، وأن يرحموا عباد الله ويجتمعوا على الحق والهدى، وأن يتركوا أسباب الذل والهوان، ويوحدوا كلمتهم وصفوفهم ضد الباطل وأهل الباطل، هذا هو الواجب عليهم، ونسأل الله أن يهديهم ويوفقهم لذلك وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمدهم بفضله وإحسانه وحوله وتوفيقه، ويبصرهم بدينهم ويفقههم فيه، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله صدقاً في قلوبهم وصدقاً في أعمالهم، وأن يعيذنا وإياهم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.لا بد أن نفكر في هذا الأمر بجد وإخلاص وصدق ليعرفوا عدل الإسلام ويعرفوا إحسان الإسلام وفضل الجهاد، وأنه سواء قاتل مدافعاً أو قاتل بادئاً فهو في الأمرين محسن ليس بمسيء ولا ظالم.الإسلام في جهاده ابتداءً للدعوة والإخراج من الظلمات إلى النور، والإحسان إلى الناس، ولإنقاذ النساء والذرية والشيوخ والعباد الجهال؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، إلى الإسلام والعدل والنور، لا شك أنه دين الحق ودين الهدى، وهو دين الإحسان، وهو دين القوة، وهو دين السلام لا دين سفك الدماء ولا دين الظلم والعدوان، وإنما يأتي سفك الدماء عند الحاجة وعند الضرورة وإلا فهو يبدأ بالدعوة، يرشد الناس ويؤلفهم ويقيم عليهم الحجة ولا يقاتلهم إلا عند الامتناع والتعذر، وعند عدم قبول الحق وعدم إعطاء الجزية من أهلها، فحينئذ المسلمون مضطرون إلى أن يجاهدوا؛ لحماية حوزتهم ولتكثير سوداهم، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولتنفيذ أمر الله وتنفيذ أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وللرحمة والإحسان إلى الضعفاء والمساكين من النساء والأطفال الذين إن عاشوا بين أحضان الكفرة عاشوا بين الكفر والضلال وصاروا إلى النار بعد ذلك.وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد ذروة سنام الإسلام، فقال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) فما قيمة بعير قد ذهب سنامه، فالإسلام بدون جهاد قد ذهب سنامه، وذهبت قوته، وبقي ضعيفاً ذليلاً بين الناس فلا بد من قيام الجهاد حتى ترفع راية الإسلام وحتى يقوم أولياؤه وأهله بالجهاد الصادق في سبيل الله عز وجل، وبالدعوة والجهاد الصادق لأنفسهم وغيرهم، يبدءون بأنفسهم ويجاهدونها لله حتى يتركوا محارم الله، وحتى يستقيموا على فرائض الله، وحتى يقفوا عند حدود الله صدقاً من قلوبهم وأعمالهم.هكذا المؤمنون يبدءون بأنفسهم، فإن الذنوب شرٌ على الإنسان، الذنوب جندٌ عليك مع عدوك ومن أسباب هزيمتك أمام عدوك، فلابد من أن تبدأ -أيها المسلم- بجهاد نفسك وأن تجاهدها لله حتى تستقيم على الصراط المستقيم، وتدع محارم الله، وتكون صالحاً للتقدم بين يدي الله للجهاد في سبيله والدعوة إلى سبيله.رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومنّ على المسلمين في كل مكان بالاستقامة والهداية، والجهاد بالنفس الجهاد الصادق، والجهاد للأعداء جهاداً صادقاً بإخلاص لله ورغبة فيما عنده سبحانه، كما نسأله سبحانه أن ينصر المجاهدين المسلمين في كل مكان، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يرزقهم الإخلاص والفقه في دينه، وأن يعيذهم من مكائد أعدائهم، وأن يهزم ويذل أعداءهم وينصرهم عليهم، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه والدعاة إلى سبيله على بصيرة؛ إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
من محاضرة (أهمية الجهاد في سبيل الله ) لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .