عدد الرسائل : 14673 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
موضوع: افة الطيرة والتشاؤم الإثنين 29 ديسمبر 2014 - 16:22
افة الطيرة والتشاؤم
كثيراً من الناس جانبوا الصواب في طريق الهداية، وسلكوا طريق الغواية والضلال، فلم يرعوا للنص سمعاً، وإن من طرق الغواية التي يعيشها كثير من البشر؛ الطيرة، "والطيرة اسم مصدر تطير وهي التشاؤم بمرئي أو مسموع، وقيل: التشاؤم بمعلوم مرئياً كان أو مسموعاً، زماناً كان أو مكاناً، وهذا أشمل، فيشمل ما لا يرى ولا يسمع كالتطير بالزمان، وأصل التطير: التشاؤم، لكن أضيفت إلى الطير؛ لأن غالب التشاؤم عند العرب بالطير، فعلقت به، وإلا فإن تعريفها العام: التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم، وكان العرب يتشاءمون بالطير وبالزمان، وبالمكان وبالأشخاص، وهذا من الشرك".
وكذا كانوا يتطيرون بصوت الغراب، وبمرور الظباء، فسموا الكل: تطيراً؛ لأن أصله الأول، ولم يكن التشاؤم حادثاً عند العرب في جاهليتهم فقط بل كان موجوداً في الأمم التي سبقتهم، فقوم صالح - عليه السلام - تشاءموا منه وقالوا: {اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} سورة النمل (47) ، وأصحاب القرية تشاءموا بالمرسلين إليهم: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة يس (18) ، وآل فرعون تشاءموا بموسى ومن معه كما أخبر الله - تعالى - عنهم بقوله: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} سورة الأعراف (131) ، وكفار مكة كانوا يتشاءمون من دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وينسبون إليها ما يصيبهم من شر كما قال الله عنهم: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} سورة النساء (78). .
وهناك الكثير ممن ابتعدوا عن توحيد ربهم، أو غاب عنهم اليقين بربهم؛ يتشاءمون من ساعات، أو أيام، أو أصوات، أو طيور، أو حيوانات، أو رؤية أقوام، أو أرقام، أو نحو ذلك، ومنهم ممن يتشاءم من البوم والغراب، أو رؤية الأعور والأعرج، وبعضهم يتشاءم من يوم الأربعاء، أو ساعة معينة منه، أو يتشاءمون بشهر صفر حيث كان ذلك موجوداً عند بعض الناس منذ القدم.
إن أوجب الواجبات على العبد معرفة توحيد الله - عز وجل -، وتحقيقه في الواقع، والحذر من الوقوع فيما يناقضه من الشرك والخرافات والبدع؛ لأن التوحيد هو القاعدة والأساس في دين الإسلام، فلا يقبل الله عملاً إلا به، وهو أصل الأصول الذي خلقنا لأجله، والأعمال كلها متوقف قبولها واعتبارها على تحقيق هذا الأصل العظيم، فالشياطين ما فتئت تترصد لبني آدم تجتالهم وتغويهم، وإن مما يضاد التوحيد في واقع المسلمين المعاصر اليوم ما يعتقده بعض من ابتعد عن الدين الحنيف في هذا الزمان من اعتقادات وبدع وإذا كان أهل الجاهلية يعتقدون في بعض الأشهر الاعتقادات الباطلة؛ فإن الناظر لحالهم قد يجد لهم عذراً وهو جهلهم وبعدهم عن الهدي الرباني السليم، وانتشار الجاهلية فيهم، أما أبناء المسلمين اليوم فما عذرهم في الوقوع قي هذا الوحل من البدع والخرافات، وما بال فئة من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ممن هم من أهل التوحيد، والهدي الرباني النبوي؛ أبت أنفسهم إلا التشبه بأهل الجاهلية، والحذو حذوهم في بعض بدعهم واعتقاداتهم، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ)) البخاري (5316)، ومسلم (4116). ، فقد وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - محارباً لهذه البدعة، ونهى عنها وتبرأ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الذين يتطيرون فعن عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ، أَوْ تُطِيَّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ، أَوْ تُكِهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ، أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً أَوْ قَالَ: مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -)) مسند البزار (2/30)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/97). ، و"في الحديث إشارة إلى براءة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ممن يفعل شيئاً من هذه الأفاعيل التي منها التطير، والسحر، ولا يتبرأ - صلى الله عليه وسلم - من فاعل فعل مباح".
بل عدَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الطيرة من الشرك بالله - عز وجل - فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الطيرة شرك، الطيرة شرك ثلاثاً، ولكن الله يذهبه بالتوكل)) الأدب المفرد (1/313 ، فهذا هو حكم الطيرة في الدين الإسلامي الحنيف فالزمان لا تأثير له في قضاء الله، فما أراده الله - عز وجل - كان، وما لم يرده لم يكن؛ وكل ذلك داخل تحت قدرته ومشيئته - تبارك وتعالى -، وتخصيص الشؤم بزمان كشهر أويوم أو عام أو نحوه غير صحيح إذ هو في الحقيقة معصية الله - تعالى -، وإنما الزمان كله لله، وهو خلق من خلق الله - تعالى -، وفيه تقع أعمال بني آدم وفق إرادة الله - تبارك وتعالى -.
وأهم علاج للتطير هو: التوكل على الله - تعالى -، والمضي فيما عزم عليه العبد، والبعد عن وساوس الشيطان وتلبيساته، وعدم الاستسلام لنزواته، واليقين الكامل الصادق بأن الأمور كلها بيد الله - سبحانه وتعالى -، وأن القدر مكتوب لا ترده الطيرة، وكذا اليقين الصادق الذي لا يتخلله شك، ولا تتطرق إليه شبهة؛ في أن ما قضاه الله وقدَّره هو الذي سيكون متى ما أراده الله، ووفق مشيئته - سبحانه -.
ألا فليتق الله - عز وجل - كل مسلم، وليراجع دينه، ويصحح عقيدته وفق ما جاء من عند الله - تبارك وتعالى -، ودلنا عليه رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن الفلاح كل الفلاح في اتباع شرع الله - عز وجل -، والخسارة كل الخسارة في البعد عنه، والابتداع فيه بما ليس منه، وليلتزم كل أحد بالنصوص القرءانية، والأحاديث النبوية الصحيحة للفوز برضوان الله - تبارك وتعالى - في الدارين.
اقتباس :
نسأل الله - عز وجل - أن يهدينا سواء السبيل، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.