عدد الرسائل : 14822 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
موضوع: مبدأ التقاضي على درجتين في المادة الإداريــة الأحد 30 نوفمبر 2014 - 20:40
مبدأ التقاضي على درجتين في المادة الإداريــة
إعــداد الاستاذ : بوصيدة فيصل الخطة مقدمة المبحث الأول: مضمون مبدأ التقاضي على درجتين المبحث الثاني: آلية تطبيق المبدأ ( الاستئناف ) المبحث الثالث: مدى تكريس مبدأ التقاضي على درجتين في المادة الإدارية خاتمة
المراجع الهوامش
مقـدمــة إن العدالة كحقيقة قائمة بذاتها لا وجود لها بمعزل عن القاعدة القانونية، و هكذا فالمنتظر من أي قانون يصدر لاسيما إن كان متعلقا بالإجراءات المتخذة لحل المنازعات أن يحقق فكرة العدالة.
و لهذا الأمر، فمما يدعو إلى التثمين حقا في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد[1] هو نصه على أغلب المبادئ العامة التي تحكم عملية التقاضي مما اتفق عليه الفقه و القضاء[2] و تبنته أغلب التشريعات، فهذه المبادئ قد أصبحت بلا ريب تشكل أسسا للعدالة و النزاهة و المساواة، و ضمانات لا غنى عنها للمتقاضي.
من بين تلك المبادئ[3] نذكر: -مبدأ أو ضمانة المساواة أمام القضاء ( المادة 3 ق.إ.م.إ). -مبدأ أو ضمانة استقلال القضاء( المادة 138 من دستور 1996). -مبدأ أو ضمانة مجانية القضاء[4]. -مبدأ أو ضمانة علانية الجلسات ( المادة 7 ق.إ.م.إ ). -مبدأ أو ضمانة حرية الدفاع مع الوجاهية ( المادة 3/2 و 3 ق.إ.م.إ). -مبدأ أو ضمانة تدرج القضاء ( المادة 6 ق.إ.م.إ ).
و يمكن أن نشير بإيجاز إلى المقصود بهذه الضمانات كالآتي: -المساواة أمام القضاء: تتمثل المساواة في الحق في الالتجاء إلى القضاء مع عدم التمييز بين المتقاضيـن و منحهم جميعا فرصا متكافئة في ظل حياد تام للقاضي و عدم جواز جمعه بين صفات الخصم و الحكـم و لا أن يقضي بعلمه، و رفض ما يسمى بالمحاكم الخاصة.
- استقلال القضاء: يتمثل الاستقلال في أن القضاة لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون و هم غير قابلين للعزل إلا في إطار النظام التأديبي الخاص بهم، و خضوعهم لقواعد خاصة في تعيينهم و ترقيتهـم و نقلهم و إعارتهم و مرتباتهم، و أنه لا يجوز لأية سلطة التدخل في شؤون العدالة.
- مجانية القضاء: هو نتيجة حتمية لمبدإ المساواة، و مضمونه أن خزينة الدولة هي التي تتحمل مرتبات القضاة، أما الرسوم المفروضة على المتقاضين فهي إسهام بسيط لا يرقى لتحمل مصاريف ونفقات الجهاز القضائي و لها دور في تقليل الدعاوى الكيدية، و هي قابلة للإعفاء منها ( م 417 فقرة 2 ق.إ.م.إ).
-علانية الجلسات: أي فتح أبواب القضاء أمام الجمهور لحضور جلسات المحاكمة، والاستماع مباشرة لكل ما يجري أثناء نظر القضايا أو الفصل فيها و هو ما يخلق نوعاً من الرقابة الشعبية على أعمال القضاء، كما يولد الاطمئنان بعدالة ونزاهة القضاة ، وحتى إذا قررت المحكمة أن تكون الجلسات سرية في بعض الأحيان حيث يجيز القانون فإن النطق بالحكم يكون و لا بد في جلسة علنية (م272 ق.إ.م.إ) .
و من بين أهم المبادئ و التي جاء تكريسها صراحة في قانون الإجراءات المدنيـة و الإدارية الذي سيدخل حيز التنفيذ مبدأ التقاضي على درجتين حيث نصت المادة 06 على أن:" المبدأ أن التقاضي على درجتين، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " و يقصد به ذلك الحق الذي يخول لكل من انصرفت قناعته عن قبول الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية أن يرفع النزاع إلى أنظار محكمة أخرى بدرجة قضائية أعلى من تلك التي فصلت في الحكم المطعون فيه و هي درجة الاستئناف أو محاكم الدرجة الثانية، وبناء عليه يخول لهذه المحكمة إصدار الحكم الذي تراه صحيحا أو تصويب الحكم السابق أو تعديله أو تصحيحه أو تأييده.
و نستعرض فيما يلي بيان مضمون المبدأ و آلياته المتمثلة أساسا في وسيلة الاستئناف، و أخيرا تطبيقه من خلال قانون الإجراءات المنية و الإدارية الجديد.
المبحث الأول: مضمون المبدأ: 1- هل هو مبدأ دستوري: من مطالعة نصوص الدستور يتبين أنه لم ينص على هذا المبدأ مما يعني أنه لا يرقي في اعتبار المؤسس الدستوري إلى مستوى المبادئ الدستورية التي لا ينبغي للتشريع أن يصدر بخلافها، و يرى البعض أن هذا المبدأ يعد ضمانا أساسيا لمصالح المتقاضي و للمصلحة العليا للعدالة [5]، و قد استقر قضـاء محكمـة النقض و مجلس الدولة في فرنسا على أن قاعدة ازدواج درجة التقاضي تتعلق بالنظام العام و لا يجوز الخروج عنها إلا بنص تشريعي، و هكذا قضى مجلس الدولة الفرنسي بأنه لا يجوز لمرسوم أن يسلب حق الاستئناف اعتمادا على أن ازدواج درجة التقاضي يعد مبدأ عاما في الإجراءات و أن التشريع وحده يملك المساس بهذا الحق[6] غير أن المجلس الدستوري كان له رأي آخر حيث قرر بشأن مرسوم متعلق بالرســوم و الضرائب نص على عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة في هذا الشأن بأن قاعدة ازدواج التقاضي لا تعد ضمانا أساسيا في مجال المنازعات الضريبية، و عليه يمكن للمرسوم إلغاء الحق في الاستئناف.
بل إن مجلس الدولة الفرنسي في قرار له بتاريخ 19 نوفمبر 1975 قرر بأن تأخر المحكمة الإدارية في الفصل في الدعوى في خلال مدة الشهرين التي حددتها اللائحة يخرج الدعوى من حوزة هذه المحكمة لتدخل في اختصاص مجلس الدولة ليفصل فيها ابتدائيا[7].
و من المعلوم أن أحد أهم الاستثناءات التي أخذت بها التشريعات المختلفة على قاعدة تعدد درجات التقاضي هو عدم قابلية أحكام محاكم الجنايات للاستئناف، لذلك فمن الضروري أن نذكر في هذا الشأن أن المشرع الفرنسي و ابتداء من العام 2000 أصبح يجيز الطعن في أحكام محكمة الجنايات و هو ما يعد نظرة جديدة تعطي لقاعدة ازدواج درجة التقاضي مكانة كبيرة في سلم ضمانات التقاضي.
أما في مصر فإن المحكمة الدستورية العليا لها قرارات مهمة في هذا الشأن حيث قضت بتاريخ 07 ديسمبر 1991 أن ما ينص عليه المشرع من عدم جواز الطعن في بعض الأحكام لا مخالفة فيه لنصوص الدستور التي لا تحول دون قصر التقاضي على درجة واحدة في المسائل التي فصل الحكم فيها، و في قرار بتاريخ 4 فيفري 1995 قضت الدستورية العليا بأن" الأصل في الأحكام هو جواز استئنافها، إذ يعد النزاع على درجتين ضمانة أساسية للتقاضي(...) بما مؤداه أن الخروج عنها لا يفترض، و ذلك سواء نظر إلى الطعن استئنافيا(...) باعتباره طريقا محتوما لمراقبة سلامتها و تقويم اعوجاجها، أو نظر إليه كوسيلة لنقل النزاع برمته(...)إلى المحكمة الاستئنافية لتجيل بصرها فيه من جديد"[8].
و تجدر الإشارة إلى أن الاعتداء على حق الاستئناف يتصور عندما يمتنع قلم الكتاب التقرير بالطعن بحجة عدم جوازه، و هذا الامتناع هو عبارة عن قرار إداري قابل للطعن فيه بالإلغاء كما قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بتاريخ 23 أفريل 1987 بأن الامتناع عن قيد الدعوى ( وهو يسري على الطعون) يشكل قرارا إداريا ينطوي على عدوان صارخ على حق دستوري كفله الدستور لجميع المواطنين ألا و هو حق الالتجاء إلى القضاء[9].
من خلال ما سبق يتبين أن مبدأ التقاضي على درجتين يعتبر أحد المبادئ العامة للقانون[10]، و هي تلك المبادئ التي يقررها أو يكتشفها أو يستنبطها القضاء مستندا إلى الاتجاهات العامة في التشريــع أو إلى المبادئ الأساسيـــة التي بني عليها الدستور أو إلى مبادئ العدالة الطبيعية أو إلى مقتضيات النظام الاجتماعي و الاقتصادي في الدولة، و ذلك بناء على واجبه في الاجتهاد في مورد النص و حتى في حالة غياب النص، و من ثمة تكتسب هذه المبادئ قوة إلزامية أساسها المادة الأولى من القانون المدني الجزائري[11].
و يذهب رأي في الفقه إلى أن هذه المبادئ لها قوة القانون المكتوب و ليس أعلى منه لأن ذلك يتنافى مع سيادة القانون، بينما تعتبر أعلى من التشريع الفرعي، و على هذا الأساس يمكن للقانون فقط أن يمسها بالتعديل أو الإلغاء، و يذهب العميد "فيدل" إلى أن هذه المبادئ لها قوة مبادئ الدستور، بينما يفرق رأي آخر بين المبادئ المستوحاة من الدستور و التي يكون لها قوة المبادئ الدستورية نفسها و المبادئ المستمدة من الاتجاهات العامة في التشريع حيث يكون لها مرتبة أدنى من مرتبة التشريع، و هو رأي له وجاهته.
إن المبادئ العامة للقانون في الواقع تكون لها قيمة أعلى من قيمة التشريع الفرعي و يمكن للقانون أن يعدلها أو يلغيها، كما أن هذه المبادئ يستحسن أن يتبناها القانون أو الدستور إن كانت لها قيمة كبرى في تحقيق العدالة و المساواة، و هو ما قام به المشرع الجزائري حين نص صراحة على تبنيه لمبدإ التقاضي على درجتين في القانون الإجرائي الجديد مما يعني عدم إمكانية المساس بهذا المبدأ من قبل التشريع الفرعي، على أن القانون نفسه يمكن تعديل هذا المبدأ كما نصت المادة 6 ق.إ.م.إ ذاتها.
2-المبدأ في النظام القضائي الإسلامي: يبدو أن فقهاء المسلمين عن بكرة أبيهم يركزون في تناوله للقضاء الشرعي الإسلامي المستمد من نصوص الكتاب و السنة على تلك الصفا التي يتوجب توافرها في القاضي، فهم يعولون عليه أولا و أخيرا باعتباره المسؤول عن فصل الخصومات و قطع المنازعات[12] فقد حرصت الشريعة على تحقق شروط خاصة في القاضي تعينه على الوصول إلى الصواب و الحق و العدل و على رأسها سلامة النية و حسن العقيـــدة و مخافة الله عز و جل و حسن مراقبته و تحصيل العلم و الاطلاع الواسع مع القدرة على الاجتهاد و التفكير و الاعتماد على مشاورة أهل العلم و الاستئناس بهم، و عند عد تحصيل هذه المواصفات فلا تغني درجات التقاضي فتيلا[13] و ذلك أن وجود درجة أخرى للتقاضي هدفها تحقيق العدالة، و العدالة لا تتقرر بصورة واحدة، بل لا بد من جملة وسائل تساعد في الوصول إليه و منها الشروط المطلوبة فيمن يتولى منصب القضاء.
و ليس معنى ذلك أن الطعن في الأحكام غير متوفر، أو أن كل الأحكام التي تصدر من القضاة تقع مبرمة لا رجعة فيها، فالمتفحص لأقوال الفقهاء يلاحظ وجود أكثر من جهة يمكن لها نقض الأحكام التي تقع مخالفة للنصوص الشرعية نذكر منها على سبيل المثال:
1-القاضي ذاته يستطيع نقض حكم نفسه إذا ظهر له الحق و الصواب في غيره، كما قال سيدنا عمر لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في رسالته الشهيرة: "... لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت نفسك فيه اليوم فهديت لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ".
2-الإمام: له نقض أحكام القاضي و يحق له التفتيش على أعمال قضاته، و يحق لأطراف الخصومة رفع الشكوى إليه، و الإمام هو الأمام الأعظم أو إمام البلدة التي يقع فيها اختصاص القاضي.
3-قاضي القضاة: أو قاضي المسلمين، أو قاضي الأقضية أو قاضي الجماعة، فالخليفة يعين " قاضي القضاة " وهو بدوره يعين القضاة، فهو يعتبر أكبر القضاة منزلة و يكون متوليا في جميع الأحكــام و يتفقد أقضية القضاة.
4-مجموعة من القضاة: و هم مجموعة مشهود لهم بالكفاءة و العلمكما يروى عن الفقهاء السبعة بالمدينة الذين كانت تنتهي إليهم كل أحكام القضاة، فلا يحكم قاض حتى يتفقوا على الحكم فيها، سواء كان ذلك بصورة دائمة أو في قضايا معينة بحسب تكليف الإمام.
5-والي المظالم: و له سلطة ممتدة لكل صاحب سطوة و سلطان و منهم القضاة فهو يستمع إلى الشكاوى الواردة له بشأن أحكامهم و حتى أشخاصهم[14].
هذا هو الأصل في نقض الأحكام، و يتعلق الأمر بالأحكام الاجتهادية التي يحتمل وقوع الخطأ فيها، أما الاستئناف بالشكل الموجود في القانون الوضعي و الذي يتيح لكل طرف خسر دعواه استئناف الحكم و لو كان في أصله صحيحا فهذا ما لا يعرفه فقه الشريعة إلا في صورة وحيدة و يمكن تسميتها بالاستئناف الإجباري حيث يوعز الإمام إلى القاضي أن لا يقضي في بعض القضايا الخطيرة حتى يراجعه الحكم بنفسه أو بمن ينيبه كما روى ابن شيبة في مصنفه عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه نهى الولاة عن القتل إلا بإذنه، أما إعطاء حق الاستئناف لكل الناس على قدم المساواة كضمانة لمراجعة الحكم فهو يشكل في نظر البعض ممن درسوا النظام القضائي الإسلامي حالة عبثية لا تتفق مع روح الشريعة و مبادئها[15].
3-الأساس النظري لدرجات التقاضي: لقد كان نظام تعدد درجات التقاضي، و التي كانت تصل قبل الثورة الفرنسية إلى خمس درجات، مظهرا من مظاهر سيطرة الملك كأداة سياسية بغية إيجاد سيادة للمحاكم الملكية على المحاكم الإقطاعيـــة و الكنيسة ما دام أن الملك هو المصدر الوحيد للسيادة فقد انتصبت المجالس الملكية مؤلفة من قضاة مكلفين بالإشارة على الملك و هو سر بقاء تسمية "المستشارين"، فكان لمحكمة الملك إلغاء أي حكم تصدره محاكم المقاطعات تحقيقا لنفوذه و رعاية لأخصائه، و من ثمة كان هذا التعدد محلا لنقد شديد من قبل زعماء الثورة الفرنسية و استقر رأيهم في الجمعية الوطنية على وجوب تعديله، و رغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى هذا المبدأ قديما و حديثا فما زال هذا المبدأ يرتكز على أرض صلبة و لعل ذلك يرجع إلى وجود أسس قوية بني عليها تجعله ضمانة أكيدة للمتقاضين لا يمكنهم الاستغناء عنها.
لقد وجدت دراسة متكاملة للدكتور محمد زكي أبو عامر[16] في مصر حول " شائبة الخطأ في الحكم الجنائي" درس فيها الطعون الجنائية المختلفة كمنظمات إجرائية لضمان سلامة الحكم من الأخطاء، و ما توصل إليه في هذه الدراسة ينطبق في هذه الدراسة ينطبق على الطعون غير الجنائية أيضا.
إننا نسلم بأن الأحكام القضائية محتمل الخطأ فيها لصدورها من بشر، و التطبيق الصحيح للقانون هو المهمة الملقاة على الدولة ممثلة في جهاز القضاء، و من هنا فالطعون في الأحكام هي امتداد ضروري للتطبيق الصحيح للقانون.
و لا ينبغي الفهم أن طرق الطعن – على أهميتها – هي الضمانة المانعة لكل خطإ، فقد يستمر الخطأ حتى بعد استعمال الطعن، و هذا منتهى حيلة البشر، و هنا توجد وسائل أخرى تختلف من قانون لآخر و من تشريع لآخر لتدارك هذه الأخطاء[17] ( مثل إجراء العفو في المواد الجنائية خاصة حين يجيز القانون للقضاء أن يطلبه) و بالتالي يمكن القول أنه توجد قرينة على وجود الخطأ في كل حكم يصدر من محكمة ابتدائية، و هذه القرينة تتمثل في عدم وجود أي ضمانة أساسية من ضمانات سلامة الحكم، و هذا الخطأ بالتالي هو خطأ غير محدد يبيح للمتضرر التمسك بحقه في الاستئناف، و هذا التمسك من ناحية أخرى هو في ذاته قرينة على وجود الخطإ.
إن الخطأ في حالة الاستئناف ليس خطأ فعليا محددا يتمسك به، و إنما هو مجرد خطأ مفترض أو محتمل، و هو خطأ عام ينصرف إلى سائر جوانب الحكم الواقعية و القانونية و لا يصححه إلا إعادة النظر في الدعوى.
إن الانتقادات التي وجهت إلى مبدإ التقاضي على درجتين هي مبررات واهية مثل ذلك الانتقاد الذي يرى بأن الأحكام القضائية تصدر باسم الشعب و من ثم لا يجوز استئناف حكم صادر بهذه الصفة، أو ذلك الذي يرى أن الاستئناف حق يتمتع به الغني دون الفقير لأن الأول يتحمل نفقاته بغير عناء دون الآخر، و بقية الانتقادات التي يمكن أن توجه في هذا الصدد يسهل الرد عليها[18].
و لعل المبررات القوية التي استند إليها هذا المبدأ هي التي جعلت المناقشات التي سبقت إعداد قانون نابليون تنتهي بتثبيته و تقريره، فهو يحقق فوائد عديدة، فهو يبعث قضاة الدرجة الأولى على توخي العدالــة و النزاهة و الدقة في أحكامهم، و يمكن المتقاضين من تصحيح الأحكام الخاطئة، و كل ما يتطلبه الأمر في الحقيقة هو تقريب المحاكم الاستئنافية من المتقاضي حتى لا يتجشم أعباء إضافية عند الطعن بالاستئناف.
المبحث الثاني: آلية تطبيق المبدأ ( الاستئناف ): من بدائه الأمور أن الطعن بالنقض لا يعد درجة ثالثة من درجات التقاضي، و دليل ذلك أن نقض الحكم المطعون فيه لا يترتب عليه كقاعدة عامة الفصل في موضوع الدعوى، بل الواجب هو إحالة الدعوى إلى محكمتها ( المطعون في حكمها ) لتتولى إعادة الفصل فيها.
و من ثمة فمبدأ التقاضي على درجتين لا وجود له إلا في حالة وحيدة و هي قابلية الحكم للاستئناف، الذي هو وسيلة طعن عادية و وسيلـــة نموذجية[19] باعتباره يمكن من إعادة النظر في الدعوى واقعــــاً و قانوناً( المادة 339 ق.إ.م.إ)، و هو وسيلة أساسية لضمان عدالة الأحكام و ذلك من ناحيتين:
من ناحية فهو علاجي: لأن قضاة الدرجة الثانية سيكونون أكثر من ناحية العدد ( م 255 ق.إ.م.إ) أو ما يعرف بالقضاء المجلسي في مقابل القضاء الفردي، و هم كذلك أوسع خبرة – نظريا- مما سيمكنهم من تعديل حكم قضاة الدرجة الأولى و تصحيح أخطائه و نقائصه[20]، و هو ما لا ينطبق كلية على المحاكم الإدارية التي يجب لصحة أحكامها أن تتشكل من ثلاثة قضاة على الأقل من بينهم رئيس و مساعدان اثنان برتبة مستشار حسب المادة 3 من القانون رقم 98-02 المتعلق بالمحاكم الإدارية.
و من ناحية أخرى فهو وقائي: و ذلك أن قضاة الدرجة الأولى سيبذلون جهودا مضاعفة لتفادي الأخطاء القضائية.
و يعرّف الاستئناف بأنه الطريق العادي للطعن في حكم محكمة أول درجة أمام محكمة أعلى درجة، فيقصد به تجديد النزاع أمامها و التوصل بذلك إلى إلغاء الحكم المطعون فيه أو تعديله( المادة 332 ق.إ.م.إ)، فهو يهدف إلى إتاحة الفرصة للطرف المتضرر من حكم محكمة الدرجة الأولى إعادة طرح النزاع بكافة عناصره الواقعية و القانونية مرّة ثانية أمام محكمة الدرجة الثانية و ذلك بهدف مراجعته و فحصه مرّة ثانية بواسطة قضاة أكثر خبرة و تجربة ومن ثمة القيام بإصلاحه إن كان ذلك الحكم معيبا في إجراءاته أو مخطئا فيما قام به من تقدير للوقائع أو تطبيق للقانون .
و يلاحظ في هذا الشأن أن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أقر إمكانية التنازل عن الاستئناف كما يستشف من الفقرة الثالثة للمادة 337 منه ( و انظر المادة 235 ق.إ.م.إ)، و هذا لا يشكل إهدارا للمبدإ نظرا لكون تجويز التنازل يؤدي إلى تبسيط الإجراءات، و هناك ضمانات عديدة لتأكيد فاعليته خصوصا من حيث:
1- الأحكام القابلة للاستئناف: حسب مقتضيات المادة 333 ق.إ.م.إ تعتبر الأحكام الصادرة في جميع المواد قابلة للاستئناف عندما تفصل في الموضوع أو في دفع شكلي أو في دفع بعدم القبول أو في أي دفع عارض آخر ينهي الخصومة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، إن الطعن موجه ضد الأحكام التي تصدر ابتدائيا سواء كانت صادرة عن المحاكم (العادية أو الإدارية) أو المجالس القضائية أو مجلس الدولة.
و إثارة الاستئناف هي حق مقرر لكل من: - جميع الأشخاص الذين كانوا خصوما على مستوى الدرجة الأولى و لذوي حقوقهم ( م 335 ق.إ.م.إ). - للأشخاص الذي زال سبب نقص أهليتهم بعدما كانوا ممثلين في الدرجة الأول ( الفقرة الثانية م 335). - المتدخل الأصلي أو المدخل في الخصام في الدرجة الأولى ( الفقرة الثالثة 335). - المستأنف عليه يجوز له رفع الاستئناف الفرعي إذا كان الاستئناف الأصلي مقبولا ( م 337). -الأشخاص الذين لم تكن لهم صفة الخصم أو لم يكونوا ممثلين في الخصومة على مستوى الدرجة الأولى يجوز لهم التدخل في الاستئناف إذا توفر فيهم شرط المصلحة (م 233). - و في المادة الإدارية يجوز لكل طرف حضر الخصومة أو استدعي بصفة قانونية، و لو لم يقدم أي دفاع، أن يرفع استئناف ضد الحكم أو الأمر الصادر من المحكمة الإدارية، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (949 ق.إ.م.إ ).
و في كل الأحوال يجب أن تتوفر في الطاعن شروط القيام بالدعوى لاسيما المصلحة ( م 335 فقر 4).
لا يبدو من خلال ما سبق أن هناك حرمانا من الحق في الاستئناف لأي شخص قرر الاستئناف لمصلحته و بالتالي يعد هذا الاعتراف بحق الاستئناف لكل هؤلاء الأشخاص ضمانة مهمة لفعاليته كآلية لمراجعة الأحكام و التقاضي على درجتين.
أما بخصوص المادة الإدارية فنشير إلى أن المادة 10 من القانون العضوي رقم 98-01 نصت على ما يلي: " يفصل مجلس الدولة في استئناف القرارات الصادرة ابتدائيا من قبل المحاكم الإدارية في جميع الحالات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك" لذلك فمن المهم و نحن نبحث في مدى تكريس مبدأ التقاضي على درجتين في المادة الإدارية أن نعرف ما هي الحالات الاستثنائية التي تقبل فيها أحكام المحاكم الإدارية الاستئناف.
إن الاستثناء هنا متضمن في المادة نفسها، و بالتحديد في عبارة " ما لم ينص القانون على خلاف ذلك" و بالتالي يمكن أن يصدر قانون ما في مجال معين لا يسمح بالطعن بالاستئناف في أحكام المحاكم الإدارية [21]، و لكن لا يسمح أن يصدر هذا الاستثناء من خلال مرسوم أو أي عمل تنظيمي آخر نظرا لوضوح النص الذي قصر ذلك على القانون (الصادر عن البرلمان ).
أما قانون الإجراءات المدنية و الإدارية فلم تتضمن أحكامه مثل هذا الاستثناء، حيث نصت المادة 800 منه على أن المحاكم الإدارية " تختص بالفصل في أول درجة بحكم قابل للاستئناف، في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها "، أما الاستثناء الوحيد هنا فيتمثل في أن دعاوى إلغاء و تفسير و تقدير شرعية القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية يختص بنظرها ابتدائيا و نهائيا مجلس الدولة حسب المادة 901 من ذات القانون.
نلمح من خلال هذا التفصيل أن الدعاوى الرامية إلى إلغاء أو تفسير أو تقدير شرعية القرارات الصادرة عن الهيئات العمومية الوطنية و المنظمات المهنية الوطنية هي بحكم المادة 9 من القانون العضوي 98-01 هي من اختصاص مجلس الدولة، لكنها بحكم قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لا يمكن أن تؤول إلا إلى اختصاص المحاكم الإدارية، و مثل هذا التناقض الذي حصل، و الذي لم يكن ينبغي أن يحصل، يستدعي المقارنة بين النصين لترجيح أحدهما.
يستخلص من الفقرة الثانية من المادة 901 المذكورة أن مجلس الدولة يختص أيضا بالفصل في القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة، و من بينها في رأيي الشخصي نص القانون العضوي المتعلق باختصاص مجلس الدولة الذي هو أولى من غيره للتطبيق في هذا المجال، و الذي يجعله مختصا بالفصل في تلك القرارات- محل التعليق- ابتدائيا و نهائيا و ليس باستئناف أحكام المحاكم الإدارية الفاصلة فيها ابتدائيا.
- إن الاستئناف يتعلق أخيرا بأحكام المحاكم الإدارية أي قراراتها و أحكامها القضائية الصادرة بمناسبة فصلها في الدعاوى الإدارية ( الإلغاء و التفسير و تقدير الشرعية و القضاء الكامل)، و ليس أعمالها ذات الطبيعة الإدارية أي بمناسبة تسييرها الإداري[22]؛ و التي تكون صادرة ابتدائيا و من هنا يجب تفصيل الشأن بالنسبة للأحكام التحضيرية و التمهيدية:
- الحكم التحضيري: و يقصد به الحكم الذي تصدره المحكمة أثناء سير الدعوى بإجراء معين دون أن تكشف عن وجهة نظرها في النزاع أي أنه لا يحمل دلالة على اتجاه و قناعة المحكمة لأنه لا يمس بحقوق الأطراف المتخاصمة ولا يفصل في جانب من جوانب النزاع[23] و مثاله الحكم الآمر بالخبرة.
-الحكم التمهيدي: هو الحكم الذي يصدر أثناء سير الدعوى لغرض القيام بما من شأنه أن ينور المحكمة من التدابير و الإجراءات، و لكنه يستشف منه ما ستقضي به المحكمة، و يتعرض لمصير النزاع، فضلا عن كونه ينبئ عن وجهة نظر معينة بالنسبة للمحكمة، و مثاله الحكم بتعيين خبير لتقدير عجز الضحية [24]، مما يدل على اقتناع المحكمة بمسؤولية محدث الضرر.
و قد نصت المادة 145 ق.إ.م.إ في هذا الشأن على أنه: "لا يجوز استئناف الحكم الآمر بالخبرة... إلا مع الحكم الفاصل في موضوع النـــزاع"، كما نصت المادة 81 ق.إ.م.إ على أنه لا يقبل استئنـاف الأوامر و الأحكام و القرارات التي تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق إلا مع الحكم الفاصل في موضوع الدعــوى. و نصت المادة 334 ق.إ.م.إ على القاعدة العامة في هذا الشأن فجاء نصها:" الأحكام الفاصلة في جزء من موضوع النزاع أو التي تأمر بالقيام بإجراء من إجراءات التحقيق أو تدبير مؤقت، لا تقبل الاستئناف إلا مع الحكم الفاصل في أصل الدعوى برمتها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك"، و هو ما أكدته المادة 952 ق.إ.م.إ فيما يخص المواد الإدارية، فيستخلص من ذلك أنه لا توجد هناك تفرقة بين الحكم التمهيدي و الحكم التحضيري في القانون الإجرائي الجديد فيما يخص القابلية للاستئناف حيث تخضع كلها للقاعدة المذكورة.
ثانيا: بالنسبة للآجال: إن الآجال لها مكانة مهمة في الإجراءات، فهي تعد بمثابة الطقوس الواجب على المتقاضين مراعاتها تحت طائلة تضييع حقوقهم، و لذلك فقد انتقد طائفة من الفقهاء المغالاة في التمسك بها على أساس أنه لا يجب أن تتعارض القاعدة الإجرائية مع الحق وتصبح سبباً في هدره ، لكن الفقه مجمع على ضرورة هذه الآجال فلا يعقل أن تبقى آجال الطعن مفتوحة، و من جهة أخرى فلا راد لإرادة المشرع حيث بين جزاء الإخلال بتلك المواعيد فلا يعذر أحد بعد ذلك ( و هي مسألة متعلقة بالنظام العام حسب المادة 69 ق.إ.م.إ ، و انظر كذلك المادة 322 ق.إ.م.إ ).
لقد نظم المشرع الجزائري آجال الطعن بالاستئناف[25] بالمادة 336 ق.إ.م.حيث: -حدد أجل الطعن بالاستئناف بشهر واحد ابتداء من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم إلى الشخص ذاته، بينما يمدد الأجل إلى شهرين إذا كان التبليغ الرسمي في الموطن الحقيقي أو المختار.
- أما بالنسبة للأوامر الاستعجالية الصادرة في أول درجة فقد نظمها بالمادة 304 ق.إ.م.إ حيث تكون قابلة للاستئناف خلال خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ الرسمي، وهو الشأن بالنسبة للأوامر على العرائض ( 15 يوما من تاريخ أمر الرفض م 312 فقرة 3 ق.إ.م.إ).
- بينما لا تقبل أوامر الأداء الطعن بالاستئناف و إنما تقبل الاعتراض بطريق الاستعجال أمام القاضي الذي أصدره في أجل 15 يوما من تاريخ التبليغ الرسمي م 308 فقرة 3 ق.إ.م.إ).
-و حسب نص المادة 404 ق.إ.م.إ فإن آجال الاستئناف تمدد لمدة شهرين للأشخاص المقيمين خارج التراب الوطني.
أما في المواد التي تختص بها الجهات القضائية الإدارية خاصة: - يحدد أجل استئناف الأحكام بشهرين و يخفض هذا الأجل إلى 15 يوما بالنسبة للأوامر الاستعجالية تحتسب من تاريخ تبليغ الحكم أو الأمر، ما لم توجد نصوص خاصة ( م 950 ق.إ.م.إ).
-الأمر الصادر من المحكمة الإدارية و القاضي بوقف تنفيذ القرار الإداري المتنازع فيه يكون قابلا للاستئناف أمام مجلس الدولة خلال مدة خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ ( 873 ق.إ.م.إ ).
إن الآجال تحتسب كاملة، أي شهر بشهر مهما كان عدد أيام الشهر، فلا يحتسب يوم التبليغ ( العلم اليقيني) أو التبليغ الرسمي، و يوم انقضاء الأجل، أما إذا صادف آخر يوم يوم عطلة ( عيد رسمي أو يوم الراحة الأسبوعي) فيمدد الأجل إلى أول يوم عمل موالٍ، وهو ما نصت عليه المادة 405 ق.إ.م.إ.
كما يشار في هذا الصدد إلى أن الخطأ في الجهة الاستئنافية يؤدي إلى قطع الميعاد، و ذلك طيلة المدة التي يستغرقها السير في الاستئناف الخاطئ، شريطة أن يرفع هذا الاستئناف الخاطئ خلال الأجل القانوني كما كرسته الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قرارها بتاريخ 23-11-1985 ( قرار رقم 44026) وأكده مجلس الدولة[26] في قراره بتاريخ 17-02-2002، و يعد هذا القضاء مكسبا مهما يندرج ضمن تأكيد مبدأ التقاضي على درجتين كضمانة هامة للمتقاضي و للعدالة، و لذلك فقد كرس كقاعدة عامة ضمن حالات قطع الميعاد في المواد الإدارية بالمادة 832 ق.إ.م.إ في فقرتها الأولى.
يشار في هذا الصدد إلى أن تبليغ في الأحكام و الأوامر في المواد الإدارية لم يعد كما في السابق يتم عن طريق كتابة الضبط، بل أصبح الأصل هو أن يتم التبليغ عن طريق المحضر القضائي كما في المواد المدنية (م 894 ق.إ.م.إ) ، و الاستثناء هو أن يأمر رئيس المحكمة الإدارية – بصفة استثنائية- بتبليغ الحكم أو الأمر إلى الخصوم عن طريق أمانة الضبط ( م 895 ق.إ.م.إ )[27].
ثالثا: آثار الاستئناف: يترتب على الاستئناف أثران هامان: الأثر الموقف و الأثر الناقل.
1- الأثر الموقف للاستئناف: يقصد بالأثر الموقف للاستئناف في المواد المدنية تعطيل تنفيذ الأحكام المطعون ضدها إلى غاية الفصل في الاستئناف، تلك هي القاعدة العامة المقررة بموجب نص المادة 323 ق.إ.م.إ التي جاء فيها:" يوقف تنفيذ الحكم خلال أجل الطعن العادي كما يوقف بسبب ممارسته "، كما أن هناك حالات يكون فيها الحكم واجب التنفيذ بقوة القانون رغم وجود الطعن العادي ( الاستئناف)، و حالات أخرى أخرى يخول فيها للقاضي إصدار أحكام مشمولة بالنفاذ المعجل بناء على طلب أحد الأطراف ( الفقرة 2 من المادة 323 المذكورة)، و قد وجدت بعض الاستثناءات على هذه القاعدة كما هو الشأن على سبيل المثال ما يخص الدعاوى الاجتماعية حيث نصت المادة 507 ق.إ.م.إ على أن الأوامر الصادرة عن رئيس القسم الاجتماعي قابلة للاستئناف، و أنه ليس للاستئناف أثر موقف.
إن هذه القاعدة هي قاعدة منطقية تجد أساسها في مبدإ التقاضي على درجتين فهي ضمان لاستقرار الحقوق، و تأكيد لفعالية الاستئناف.
غير أن خصوصيات الدعوى الإدارية كونها تتعلق بنزاع تكون الإدارة طرفا فيه، أفضى إلى عدم الأخذ بهذه القاعدة حيث قررت المادة 908 ق.إ.م.إ أن الاستئناف أمــام مجلس الدولة ليس له أثر موقف، و هنا توجد فرضيات عديدة للأطراف الذين يتضررون من هذه القاعدة، و عليهم بالتالي المبادرة إلى الاستئناف مع طلب وقف تنفيذ القرار الإداري (إذا رفض طلب الإلغاء) أو المطالبة بإلغاء حكم المحكمة الإدارية الذي حكم بالإلغاء و هو ما نصت عليه المواد: 911-912-913-914 ق.إ.م.إ.إن فعالية الاستئناف كوسيلة للتقاضي على درجتين مكرسة هنا و لو أنها تتوقف على مبادرة الأطراف.
2-الأثر الناقل للاستئناف: يترتب على الاستئناف نقل النزاع الذي طرح أمام محكمة الدرجة الأولى إلى محكمة أعلى درجة لإعـادة النظــر فيه وهو ما أوضحه الفقيه أحمد أبو الوفاء في تعريفه لمفهوم الأثر الناقل للاستئناف بقوله :" يترتب على رفع الاستئناف طرح النزاع المرفوع عنه الاستئناف على محكمة الدرجة الثانية لتفصل فيه من جديد ولها كل ما لمحكمة الدرجة الأولى من سلطة في هذا الصدد فهي تبحث وقائع الدعوى وتقوم باتخاذ ما تراه من إجراءات الإثبات وتعيد تقدير الوقائع من واقع ما قدم إليها من مستندات ومن واقع دفاع الخصوم ثم هي أخيرا تطبق القاعدة القانونية التي تراها صحيحة على وقائع الدعوى[28].
ويخضع الأثر الناقل إلى عدة قيود : أولها: عدم قبول الطلبات الجديدة في الاستئناف ما عدا حالات محددة منصوص عليها في المادة 341 ق.إ.م.إ ، وأساس هذا القيد هو أن هدف التقاضي على درجتين يكمن في التجريح في الحكم الابتدائي فلا يتصور تبعا لذلك ارتكاب المحكمة الابتدائية لخطأ في أمر لم يعرض عليها أو عرض عليها ولم تفصل فيه لسبب ما، فيقوم هذا القيد على حماية مبدإ التقاضي على درجتين لما يترتب عن تقديم طلبات جديدة من تفويت لدرجة من درجات التقاضي على الخصم الآخر.
وثانيها: ضرورة التقيد بما يشير إليه الاستئناف صراحة، أما ما سكت عنه من مقتضيات فلا يجوز لجهة الاستئناف أن تنظر فيه إذ يعتبر الطاعن بسكوته عنها مسلما بها فتحوز قوة الأمر المقضي به، و هذا ما يستنتج من نص المادة 340 ق.إ.م.إ.
وثالثها: ضرورة التقيد بأطراف خصومة الاستئناف، فلا يستفيد منه إلا من رفعه دون باقي الأطراف الذين لم يشاركوا في هذه المرحلة، و بالتالي يتعين في حالة كون الحكم الابتدائي صادرا في موضوع غير قابل للتجزئة أن يجازى الاستئناف ضد أحد الخصوم بعدم القبول إلا إذا تم استدعاء بقية الخصوم لحضور الجلسة ( م 338 ق.إ.م.إ)، ففي هذا القيد الأخير تكريس للتقاضي على درجتين بصفة عادلة.
من ناحية أخيرة، لا يجوز للقاضي الذي فصل في الدرجة الأولى المشاركة في الهيئة التي تفصل في الاستئناف.
المبحث الثالث: مدى تكريس مبدأ التقاضي على درجتين في المادة الإدارية:
نتعرض فيما يلي إلى الوصف العام للأحكام القابلة للاستئناف في المواد الإدارية و النقائص المسجلة فيما يخص درجات التقاضي ثم أخيرا المنحى الواجب اتخاذه من أجل استكمال درجات التقاضي.
1-وصف عام: مبدئيا إن الأحكام القابلة للاستئناف هي أحكام و أوامر المحاكم الإدارية دون غيرها ( م 800 فقرة 2 ق.إ.م.إ)، بمعنى أن أحكام و أوامر مجلس الدولة لا تتوفر على الدرجة الثانية للتقاضي بشأنها، و من ثمة فهي لا تقبل الاستئناف و لا النقض أيضا.
أما أنواع الدعاوى التي تختص المحاكم الإدارية بالفصل فيها في الدرجة الأولى حسب المادة 801 ق.إ.م.إ فهي كل الدعاوى التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها ( و هي الأساس دعاوى التعويض) و التي لا تكون من اختصاص مجلس الدولة ، بالإضافة إلى الدعاوى التالية:
أ- دعاوى الإلغاء و الدعاوى التفسيرية و دعاوى فحص المشروعية للقرارات الصادرة عن: -الولاية و المصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية، -البلدية و المصالح الإدارية الأخرى للبلدية، -المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية.
ب-دعاوى القضاء الكامل،
ج-القضايا المخولة لها بموجب نصوص خاصة.
يمكن القول بإمعان النظر في النص أن المحاكم الإدارية تختص في جميع الدعاوى الإدارية- باعتبارها صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية ما عدا استثناءين:
1-الدعاوى العائدة لاختصاص مجلس الدولة[29]. 2-الدعاوى العائدة لاختصاص القضاء العادي بفعل المادة 802 ق.إ.م.إ و هي: -مخالفات الطرق، -المنازعات الخاصة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية الرامية إلى طلب تعويض الأضرار الناجمة عن مركبة تابعة للدولة، أو إحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية.[30] و هكذا عاد المشرع إلى ما جاء به إصلاح سنة 1990 ( المترتب عن قانون 90-23 مؤرخ في 18 أوت 1990) حيث أصبحت دعاوى الإلغاء و التفسير و تقدير المشروعية الخاصة بقرارات السلطة الإدارية المركزية فقط من اختصاص الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا ( مجلس الدولة الآن) بينما قرارات السلطات الأخرى ( المحلية) فهي من اختصاص الغرف ( المحاكم الإدارية الآن) مع الاختصاص الحصري للغرف الإدارية المحلية ( المحاكم الإدارية الآن) بدعاوى التعويض.
إن مجلس الدولة يختص فقط حسب المادة 901 حسب المادة 801 ق.إ.م.إ بدعاوى الإلغــاء و التفسير و تقدير المشروعية ضد القرارات الإدارية الصادرة عن السلطة الإدارية المركزية، و القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة لاسيما ما ينص عليه القانون العضوي رقم 98-01 و يتعلق الأمر أساسا بدعاوى الإلغاء و التفسير و تقدير المشروعية ضد القرارات الإدارية الصادرة عن الهيئات العمومية الوطنية و المنظمات المهنية الوطنية[31].
ما عدا ذلك فهو من اختصاص المحاكم الإدارية، تفصل فيه بحكم قابل للاستئناف دائما و دون استثناء أمام مجلس الدولة، و هو أمر منطقي ما دام أنه لا توجد جهة قضائية إدارية ثالثة حيث تم إلغاء الغرف الإدارية الجهوية و ذلك بضم اختصاصاتها إلى المحاكم الإدارية ( التي لم تنصب).
2-النقائص المسجلة: يمكن تلخيصها في الآتي: -عكس ما كان منتظرا، و عكس ما كان يؤمل الفقه الإداري[32] من تحويل الغرف الإدارية الجهوية إلى محاكم استئنافية على غرار ما حدث في فرنسا عن طريق إصلاح سنة 1987، فقد فضل المشرع إلغاء هذه الغرف التي لم تستند في وجودها أصلا إلى مبرر منطقي، حيث أريد بها استبعاد تأثير الولاة حين تنازع قراراتهم أمام الغرف الإدارية المحلية[33]، غير أن هذا الإلغاء من شأنه أن يثقل كاهل المحاكم الإدارية التي ستزداد اختصاصاتها بفعل إعادة المنازعات التي كانت ترجع إلى اختصاص المحاكم و المحاكم المنعقدة في مقار المجالس أولا ثم تحويل المنازعات في قرارات الولايات إليها ثانيا.
-فضلا عن زيادة الاختصاصات هذه، فإن درجات التقاضي رغم أنها ستكون مضمونة بوجود الاستئناف أمام مجلس الدولة، فإن هذا الأخير و الذي سيتقاسم معها بعض دعاوى الإلغاء و كدرجة أولى و أخيرة لن تكون هناك درجة ثانية للتقاضي، و المفروض أن لا تكون هناك درجة النقض أيضا سواء بالنسبة لما فصل فيه المجلس ابتدائيا و نهائيا أو كدرجة استئناف[34]، فتبقى درجة النقض في المنازعات الإدارية و بحق كما ذكر الأستاذ مسعود شيهوب رمزية[35]، و من هنا فالدور الذي أناطه الدستور بهذه الهيئة حين قرر المؤسس الدستوري إنشاءها كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية ( التي هي المحاكم الإدارية لا غير) ما زال بعيد المنال، و تغدوا الوظيفة الأولى لمجلس الدولة في ظل هذا الوضع هي قضاء الاستئناف و ليس قضاء النقض[36] عكس ما هو مقرر له في الدستور.
-على صعيد آخر، من المشروع جدا التساؤل عن دواعي استبعاد المشرع لترقية الغرف الإدارية الجهوية إلى محاكم استئنافية؟ يبدو أن السبب يرجع إلى عدم توافر الإمكانيات المادية، فإذا كانت المحاكم الإدارية التي مر على إعلان تأسيسها 13 سنة كاملة أي منذ دستور 1996 لم تنصب بعد، فبالتالي لا يراهن على إنشاء جهات قضائية أخرى، و بالمقابل يراهن المشرع على ما يطلق عليه الأقطاب المتخصصة[37] ( المادة 32 ق.إ.م.إ)، و هي أيضا تتطلب إمكانيات مادية ضخمة لا سيما من حيث تكوين القضاة. و بالرجوع إلى دواعي إنشاء المشرع الفرنسي للمحاكم الاستئنافية ( الذي كان بقانون و لم يكن عن طريق القواعد الدستورية) نجد أن الفقه الفرنسي يرجع ذلك إلى غرض تخفيف العبء عن مجلس الدولة، بينما يذهب الدكتور مسعود شيهوب إلى أن الدافع الحقيقي هو ضمان درجات التقاضي[38]، و نعتقد أن مثل هذا الدافع لا ينقص المشرع الجزائري ليستكمل بناء درجات التقاضي على غرار ما هو مكرس في القضاء العادي.
-من الواضح حتى الآن، و بالرغم من صيرورة الازدواجية القضائية أمرا واقعا لا رجعة فيه أن ما يميز القضاء العادي عن القضاء الإداري هو احترام الأول لدرجات التقاضي، بينما يسير الثاني بشكل أعرج رغم المدة الطويلة التي تعايش فيها هذان القضاءان، و كأن قدر القضاء الإداري هو دائما عدم الوصول إلى نفس مستوى القضاء العادي رغم وجود كافة المبررات للاستمرار في تكريس الازدواجية التي تبناها دستور سنة 1996 .
-تجدر الإشارة إلى أن المتقاضي الذي لا يستفيد من ازدواج درجات التقاضي حين يتقاضى لأول مرة أمام مجلس الدولة مطالب كذلك بتوفير الدفاع الإجباري أي لزوم تمثيله بمحام أمام المحاكم الإدارية طبقا للمادة 815 ق.إ.م.إ، و قد لاقى هذا الأمر ترحيبا من قبل المحامين الجزائريين نظرا لضعف ثقافة التقاضي عند عموم المتقاضين[39] ، و هو ما تزداد حدته بالنسبة للمنازعات الإدارية، رغم ما يؤدي إليه مثل هذا الإلزام إلى جعل هذه الأخيرة أكثر تكلفة.
3-المنحى الواجب اتخاذه من أجل تكريس ازدواج درجات التقاضي: -من الواضح أن المسعى الذي أراد المشرع تكريسه سنة 1996 هو النموذج الفرنسي مع بعض الاختلافات الطفيفة، و رغم ذلك لم يتم فعليا تجسيده لأسباب عديدة لعل في مقدمتها الأسباب الماديـة، و عوائق تتعلق بالتكوين و ربما بالإرادة السياسية، فعلى سبيل المثال ينص القانون العضوي 98-01 المتعلق بصلاحيات مجلس الدولة وتنظيمه وسير عمله على تعيين مستشاري دولة في مهمة استثنائية بغرض استكمال التشكيلات الاستشارية بيد أنه ولغاية اليوم لم يتم تفعيل هذا الحكم كما جاء في موقع مجلس الدولة[40]، بينما تبقى المحاكم الإدارية دون وظيفة استشارية أصلا، ثم مع وجود هذا الاختصار في الصلاحيات لا توجد درجات التقاضي.
-في الحقيقة إن النقض الذي لا يعد درجة للتقاضي هو الصلاحية المنقوصة أكثر، نظرا لعدم وجود درجة قضائية أعلى من مجلس الدولة، إذ أن النقض يتمتع بقيمة قانونية أهم من ازدواج درجات التقاضي في حد ذاتها، و ليس أدل على ذلك من أن الحكم الذي يصدر في النقض يتمتع بحجية لا تتوفر لغيره من الأحكام، و أن القضاء الإداري (مجلس الدولة) في فرنسا يذهب إلى قبول الطعن بالنقض في القرارات الصادرة عن الجهات القضائية الإدارية حتى و لو كانت النصوص تقضي بأنها غير قابلة لأي طعن[41]، إلا أن تعزيز وظيفة النقض لا يتم إلا بتكريس درجة الاستئناف على النحو الذي ذكرناه من قبل.
-إن مزايا النظام القضائي المزدوج لا تتحقق إلا بتخصص القضاة من جهة، و وجود إجراءات إدارية متميزة[42]، أما ضمان درجات التقاضي فهو أمر منطقي لأن اعتبارات وجود درجات التقاضي في النظام العادي هي نفسها في النظام الإداري، و بالتالي فالمنحى الواجب تكريسه من قبل المشـــرع و الذي يفرض نفسه هو استكمال درجات التقاضي في النظام القضائي الإداري، بإنشاء محاكم إدارية جهوية استئنافية على غرار ما قام به المشرع الفرنسي في 1989 م، و تزداد أهمية هذه المحاكم في تحقيق درجات التقاضي كلما كان عددها كبيرا بما يجعلها أقرب من المتقاضي، كما يمكن أيضا ضم اختصاص مجلس الدولة الاستئنافي نهائيا إلى هذه المحاكم الاستئنافية.
خــاتــمـــة: نخلص في ختام هذه المداخلة إلى أن المشرع الجزائري الذي قضى وقتا طويلا نسبيا لإعداد قانون إجراءات مدنية و إدارية، حيث تفرض الازدواجية القضائية التي تبناها دستور 1996 مبدئيا وجود إجراءات إدارية تختلف عن الإجراءات المدنية، إلا أنه في خضم هذا الهدف قام بإعادة توزيع المنازعات الإدارية بين المحاكم الإدارية و مجلس الدولة مستبعدا مرة أخرى استكمال درجات التقاضي في المواد الإدارية التي لم تكتمل منذ بداية الإصلاحات الأولى إلى اليوم. إن المشرع الفرنسي انتظر ثلاثين سنة ( 1959-1989) لينشئ المحاكم الإدارية الاستئنافية، نظرا لأهمية هذه المحاكم في تحقيق درجات التقاضي و تخفيف العبء على مجلس الدولة، فهل ننتظر مثل هذا الوقت للقيام بهذا الاستكمال أو بالأحرى الاستدراك؟
إن الوضع مختلف بالنسبة للجزائر فالازدواجية القضائية عندنا مكرسة في الدستور، و بناء عليه يتوجب على المشرع تكريس هذه الازدواجية من خلال النصوص التي يسنها، و هو ما زال يقوم به لحد الآن باحتشام، و تبقى المادة 152 من الدستور في انتظار التجسيد الذي لا يمكن أن يتم إلا بإنقاص صلاحيات مجلس الدولة لصالح محاكم استئنافية لتتوسع صلاحياته كقاضي نقض و التي هي وظيفته الأساسية بدلا من وظيفة ثانوية كما هو الحال الآن. لقد أضاع المشرع الجزائري فرصة تكريس درجات التقاضي، و تجسيد المادة 152 من الدستــور، و هو الأمر الذي يدعونا إلى توجيه نظره إلى ضرورة القيام بهذه الخطوة المهمة، و بالتالي دفع الإصلاح إلى نهايته كما كان الفقه يدعو دائما.
قائمة المراجع أولا: النصوص القانونية: 1-الدستور 2-قانون رقم 08-09 مؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 يتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، ج. ر عدد 21 مؤرخ في 17 ربيع الثاني عام 1429 هـ الموافق 23 أبريل سنة 2008 م. 3-القانون العضوي رقم 98-01 مؤرخ في 04 صفر عام 1419 الموافق 30 مايو 1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة و تنظيمه و عمله. 4-القانون العضوي رقم 98-01 مؤرخ في 04 صفر عام 1419 الموافق 30 مايو 1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية.
ثانيا: المؤلفات: 1-أحمد أبو الوفا، أصول المحاكمات المدنية، الدار الجامعية، 1989. 2-أحمد الشوبكي، القضاء الإداري، دراسة مقارنة، مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان، 2001. 3-أحمد فتحي سرور، القانون الجنائي الدستوري، دار الشروق، القاهرة،2002. 4-أسامة علي مصطفى الفقير الربابعة، أصول المحاكمات الشرعية الجزائية، دار النفائس للنشــر و التوزيع، الأردن، 2005. 5-آمال الفزايري، ضمانات التقاضي، دراسة تحليلية مقارنة بين النظام القضائي الإسلامي- السعودي – المصري – الفرنسي، منشأة المعارف، الإسكندرية،1990. 6-بلغيث عمارة، الوجيز في الإجراءات المدنية، دار العلوم، عنابة، 2005. 7-جورج قوديل و بيار دلقولقيه، القانون الإداري، ترجمة: منصور القاضي، ج2، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، 2001. 8-علي الدين زيدان و محمد السيد، الموسوعة الشاملة في شرح القضاء الإداري، ج1، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، د ت. 9-لعشب محفوظ، المبادئ العامة للقانون المدني الجزائري