2-1-3-عدد المحكمين
يجوز للأطراف، في العقد المثبت لاتفاق التحكيم، تعيين عدد المحكمين الذين يروناه مناسبا. القانون يترك للمتعاقدين الحرية الكاملة لتعيين محكم أو عدة محكمين ولكن على شرط أن يكون العدد فرديا (م.1017 ق.إ.م.إ.). وعمليا، يعين عدد من المحكمين بمثل عدد الأطراف ذوي المصالح المتباينة. غالبا ما يقوم كل طرف على حدا بتعيين محكم، ولكن المحكم المعين بهذه الطريقة يخضع لاعتماد الطرف الٱخر، لأنه من الضروري أن يحوز المحكمين سلطاتهم من كل الأطراف.
3-1-3- قبول المحكم
يجب على الشخص الذي عينه المتعاقدين أن يقبل المهمة المكلف بها، إذ أنه غير ملزم بذلك. و حتى بعد قبوله للمهمة، يمكن للمحكم أن يتنحى (م.1021 ف.1 ق.إ.م.إ.).، أي أن يرفض بأن يكون محكما، على شرط أن لا يكون قد بدأ مهمته. فلو بدأ مهمته، لا يمكن طبعا إلزامه بمواصلتها، ولكن يكون من حق الأطراف أن يطلبوا منه التعويضات الناتجة عن الأضرار التي سببها لهم.
2-3- إنهاء مهام المحكمين بإرادة المتعاقدين
1-2-3- عزل المحكمين
يجوز للأطراف، باتفاق مشترك، عزل المحكمين الذين عينوهم، ولا يخضع هذا العزل لأي شكل. وقد يكون العزل صريحا أو ضمنيا، ولكن يجب أن ينتج عن اتفاق جميع الأطراف (م.1018 ف.3 ق.إ.م.إ.). ويكون ثمة عزل ضمني إذا رفع الأطراف النزاع أمام محكمة عادية، أو عينوا محكمين آخرين.
2-2-3- رد المحكمين
يجوز رد المحكمين، ولكن فقط إذا طرأ سبب من أسباب الرد بعد تعيينهم (م.1021 ف.1 ق.إ.م.إ.). إذا طرأ هذا السبب قبل اتفاق التحكيم، يعتبر أن الطرف قد تنازل عن التمسك به باشتراكه في تعيين المحكمين. خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم، فإن قانون الإجراءات المدنية والإدارية نص عن أسباب الرد. فحسب المادة 1016 يجوز رد المحكم في الحالات الآتية:
1)عندما لا تتوفر فيه المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف،
2)عندما يوجد سبب رد منصوص عليه في نظام التحكيم الموافق عليه من قبل الأطراف،
3) عندما تتبين من الظروف شبهة مشروعة في استقلاليته،لا سيما بسبب وجود مصلحة أو علاقة اقتصادية أو عائلية مع أحد الأطراف مباشرة أو عن طريق وسيط.
ولا يجوز طلب رد المحكم من الطرف الذي كان قد عينه، أو شارك في تعيينه، إلا لسبب علم به بعد التعيين (م.1016 ف.2 ق.إ.م.إ.). وإذا تم الرد فإنه يجب تبليغ محكمة التحكيم والطرف الٱخر بسبب الرد (م.1016 ف.3 ق.إ.م.إ.). قد يقع أن ينشأ نزاع حول رد المحكم، ففي هذه الحالة، إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسوية النزاع أو لم يسع الأطراف لتسوية إجراءات الرد، فإنه يرجع للقاضي الفصل في ذلك بأمر غير قابل لأي طعن بناء على طلب من يهمه التعجيل (م.1016 ف.4 و 5 ق.إ.م.إ.). وإذا علم المحكم أنه قابل للرد، يجب عليه إخبار الأطراف بذلك، ويمنع عليه القيام بالمهمة إلا بعد موافقتهم (م.1015 ف.2 ق.إ.م.إ.).
3-3- مجال تدخل قاضي الجهة القضائية الرسمية
1-3-3- الحالات التي يتدخل فيها القاضي
قد تطرأ إشكالات أو صعوبات سواء في مرحلة تشكيل محكمة التحكيم، أو أثناء التحكيم. فإذا لم يتفق الأطراف على حل هذه الإشكالات، فإنه يلجأ إلى القاضي ليتخذ قرارا بشأنها. قلنا أن شرط التحكيم يجب أن يتضمن تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفيات تعيينهم (م.1008ف.2 ق.إ.م.إ.). ولكن قد يقع أن يرفض أحد الأطراف، بعد نشوء النزاع، تعيين المحكم أو المحكمين، ففي هذه الحالة يرجع لرئيس المحكمة إجراء هذا التعيين. ونفس الإجراء يتبع إذا طرأ الإشكال بمناسبة تنفيذ إجراءات تعيين المحكم أو المحكمين (م.1009 ف.1 ق.إ.م.إ.). وإذا كان شرط التحكيم باطلا أو غير كاف لتشكيل محكمة التحكيم، فإن رئيس المحكمة يعاين ذلك ويصرح بألاوجه للتعيين (م.1009 ف.2 ق.إ.م.إ.).
هذه القواعد التي أقرتها المادة 1009 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وردت في الباب المتعلق بشرط التحكيم ولكن في نظرنا لا يمنع تمديدها لاتفاق التحكيم. يلجأ كذلك إلى رئيس المحكمة الذي يفصل في الصعوبة في حالة رفض المحكم المعين القيام بالمهمة المسندة إليه إذ
يمكنه حينئذ استبداله بغيره (م.1012 ف.3 ق.إ.م.إ.). في مجال رد المحكم، فإذا وقع نزاع أي إذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسويته، أو لم يسع الأطراف لتسوية إجراءات الرد، فإن القاضي هو الذي يفصل في هذا النزاع بناء على طلب من يهمه التعجيل (م.1016 ق.إ.م.إ.). يرجع كذلك لرئيس المحكمة تمديد الأجل المحدد لإنهاء اتفاق التحكيم في حالة عدم موافقة الأطراف على ذلك (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.).
2-3-3- القاضي المختص في تسوية العوارض والإجراءات
قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم ينص على قاعدة عامة تحدد من هو القاضي المختص نوعيا للفصل في الإشكالات والصعوبات التي قد تطرأ أثناء التحكيم، ولكنه تطرق لهذه المسألة في نصوص مبعثرة، غير أنها كلها تشير إلى اختصاص رئيس المحكمة (م.1009،1012،1017 ق.إ.م.إ.)، مع أنه ورد نصا فريدا يشير إلى اختصاص القاضي (م.1016 ف. 4 ق.إ.م.إ.). النص الذي يتكلم عن القاضي هو نصا منعزلا، ولذلك فإن رئيس المحكمة يكون هو المختص وحده للفصل في إشكالات التحكيم.
المادة 1009 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص عن اختصاصين إقليميين إذا تعلق الأمر بصعوبة تخص تشكيل محكمة التحكيم، أو تخص تنفيذ إجراءات تعيين المحكمين. في هذه الحالات، فإن رئيس المحكمة المختص هو رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه. هذه القاعدة وردت في القسم الأول الخاص بشرط التحكيم،فهل تمدد للصعوبات الناشئة عن اتفاق التحكيم؟ النصوص الأخرى التي تشير إلى تدخل رئيس المحكمة تنص فقط على أن الإشكال أو الصعوبة يرفع إلى رئيس المحكمة المختص، ومع ذلك نعتقد أن قاعدة المادة 1009 تطبق في كل الحالات سواء تعلق الأمر بإشكال ناتج عن شرط التحكيم أو عن اتفاق التحكيم.
القاضي المختص إذا لتسوية أي إشكال قد يطرأ أثناء التحكيم هو رئيس المحكمة. الأصل أن رئيس المحكمة يفصل في الطلبات المرفوعة إليه إما عن طريق أوامر على ذيل العريضة أي أوامر ولائية لا تستوجب حضور الخصم، وإما عن طريق أوامر استعجالية تستلزم تكليف الخصم بالحضور. فهل يرفع طلب تسوية الإشكال المتصل بإجراءات التحكيم إلى رئيس المحكمة عن طريق عريضة ليفصل فيه بأمر ولائي، أم يقدم له الطلب بصفته قاضي الأمور المستعجلة ؟ قانون الإجراءات المدنية القديم كان واضحا إذ أسند الاختصاص إلى رئيس الجهة القضائية الذي "يصدر أمره على عريضة تقدم له" أي بموجب أمر على العريضة وليس بأمر استعجالي (م.444 ف. 4 ق.إ.م.).
قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يفصل في المسألة بصفة قطعية ومع ذلك فإنه نص على أن القرار يتخذ من طرف رئيس المحكمة بموجب "أمر" (م.1012 ف. 3 ق.إ.م.إ.)، وأن القاضي يفصل "بأمر بناء على طلب من يهمه التعجيل" (م.1016 ف. 4 ق.إ.م.إ.). هذا وأن لمادة 1016 تنص كذلك أنه في حالة نزاع حول رد المحكم فإن الأمر الذي يصدره القاضي يكون غير قابلا لأي طعن.كل هذا يوحي بأن رئيس المحكمة يفصل في الإشكالات التي قد تطرأ أثناء التحكيم بموجب أمر على العريضة وليس عن طريق الاستعجال. يرفع الإشكال في تنفيذ إجراءات التحكيم إلى رئيس المحكمة من قبل الطرف الذي يهمه التعجيل، وهذا ما أكدته المادة 1016 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
المادة 1016 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تحدد أسباب وإجراءات رد المحكم تنص صراحة أن الأمر الصادر في النزاع حول إجراءات الرد يكون غير قابلا لأي طعن. هذا النص ورد في القسم الثالث المتعلق بالأحكام المشتركة، فهل يمدد لكل الأوامر التي يتخذها رئيس المحكمة في مجال التحكيم؟ نعتقد أن قاعدة المادة 1016 ليست قاعدة عامة تطبق على كل الأوامر، ولكنها تخص فقط النزاعات المتعلقة برد المحكم. أمام انعدام نص عام وصريح يمنع الطعن في الأوامر التي يصدرها رئيس المحكمة، فإنه يجب تطبيق القواعد المقررة للأوامر على العرائض في مجال الطعن والمنصوص عليها في المادة 312 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
3-3-3- عدم اختصاص المحكمة العادية في حالة وجود اتفاق التحكيم
إذا نشأ نزاع بين أطراف شرط التحكيم فقد تطرأ حالتين: الحالة الأولى هي الحالة التي يطلب فيها أحد طرفي شرط التحكيم من الطرف الٱخر تنفيذ شرط التحكيم، فهذا الأخير يرفض أو يثير إشكالا. في هذه الحالة فقد رأينا أنه يجب اللجوء إلى رئيس المحكمة الذي سيتخذ أمرا في ذلك.
الحالة الثانية وهي الحالة التي تهمنا تتمثل في لجوء أحد طرفي شرط الحكيم إلى طرح النزاع أمام المحكمة العادية خرقا للاتفاقية.فهل تكون المحكمة العادية مختصة للفصل في النزاع رغم شرط التحكيم؟ قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتضمن نصا صريحا حول المسألة ولكن لا شك أنه يجب على الجهة القضائية العادية التصريح بعدم اختصاصها إذا رفع إليها نزاع كان محل شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم. عدم الاختصاص هذا هو عدم اختصاص نسبي فقط لا يجب أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، بل يجب أن يثار من قبل أحد أطراف عقد التحكيم.
4- الخصومـة أمـام المحكميـن
1-4- سلطات المحكمين
مبدئيا، يتمتع المحكمين بنفس السلطات التي يتمتع بها قضاة المحاكم الرسمية، ولكن فقط في الحدود التي سطرها اتفاق التحكيم. فمثلا، لا يمكن للمحكمين وضع الصيغة التنفيذية على أحكامهم، كما لا يمكنهم تطبيق المادة 12 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المتعلق بضبط الجلسة.
يجب على المحكمين احترام حدود سلطاتهم كما تضمنها اتفاق التحكيم. لا يمكنهم الفصل في المسائل التي لم تعرض عليهم. فلو تجاوزوا سلطاتهم، يكون حكم التحكيم باطلا.
2-4- الإجراءات المتبعة أمام المحكمين
2-2-4- إجراءات الخصومة أمام المحكمين
قانون الإجراءات المدنية القديم كان ينص على أنه يفصل في التحكيم وفقا للقواعد القانونية، إلا إذا كان اتفاق التحكيم خول لهم سلطة حسم النزاع كمحكمين مفوضين في الصلح. من الآثار الهامة لهذه القاعدة أنه في حالة ما خول الأطراف المحكمين سلطة حسم النزاع كمحكمين مفوضين في الصلح، فإن المحكمين يكونون معفيين من اتباع القواعد الموضوعية والشكلية المقررة للخصومة القضائية ولهم حرية تنظيم الإجراءات التي يرونها مناسبة؛ يلزمون فقط باحترام القواعد الضرورية الجوهرية التي يخضع لها القضاة الرسميين كاحترام حق الدفاع. يمكنهم حينئذ الفصل في النزاع المعروض عليهم حسبما يرتضيه ضميرهم واقتناعهم الشخصي وحسب قواعد العدالة ودون التقيد بأحكام القانون. يمكنهم مثلا استبعاد الدفع بالتقادم المكسب المثار من أحد الأطراف، أو توزيع حصص عقار مشاع بين الورثة دون اللجوء إلى الاقتراع وحتى وإن كان يوجد قصر بين هؤلاء الورثة، كما يمكنهم سماع أشخاص على سبيل الاستدلال دون حضور الأطراف، أو كذلك سماع شهود تلقائيا.
قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يمدد هذه القاعدة فاكتفت المادة 1023 بالنص على أنه يفصل المحكمين وفقا لقواعد القانون مما يفهم منه أنه يجب على المحكمين تطبيق هذه القواعد في كل الأحوال. وعملا بالمادة 1019 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنه تطبق على الخصومة التحكيمية الأوضاع والآجال المقررة أمام الجهات القضائية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
ولكن قاعدة المادة 1019 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تطرأ عليها استثناءات يستنتج بعضها من القانون نفسه، والبعض الٱخر من الطابع الخاص للتحكيم. فالتكليف بالحضور غير ضروري إذا اتفق الأطراف على شكل ٱخر. يحضر الأطراف أمام المحكمين بأنفسهم أو بواسطة وكلائهم. ولا مجال هنا لقيد القضية، أو التحقيق والفصل فيها في جلسة علنية. بالنسبة لتقديم وسائل الدفاع والمستندات، قرر القانون نظاما خاصا (م.1022 ق.إ.م.إ.): يلزم كل طرف بأن يقدم دفاعه ومستنداته قبل انقضاء أجل التحكيم بخمسة عشرة يوما على الأقل، وإذا امتنع أحد الأطراف عن تقديم وسائل دفاعه ومستنداته، يجوز للمحكمين، حسب نفس المادة، إصدار حكمهم بناء على ما قدم إليهم خلال هذا الأجل. كما هو مقرر أمام الجهات القضائية الرسمية، يجوز للأطراف أن يمثلوا أمام هيئة التحكيم من طرف وكيل أو محام. في هذه الحالة يجب أن يتضمن حكم التحكيم الإشارة إلى اسم ولقب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف (م.1028-5 ق.إ.م.إ.).
يمكن للمحكمين مبدئيا الأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ولكن، إذا ادعي بالتزوير مدنيا في ورقة، أو إذا حصل عارض جنائي، يحيل المحكمين الأطراف إلى الجهة القضائية المختصة، ويستأنف سريان أجل التحكيم من تاريخ الحكم في المسألة العارضة (م.1021 ف. 2 ق.إ.م.إ.).أقر القانون هذه القاعدة نظرا لخطورة هذا الإجراء ولضرورة اطلاع النائب العام على القضية (م.260 ق.إ.م.إ.).
المادة 1021 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تمنع المحكمين النظر في الادعاء بالتزوير لا تشير إلى مضاهاة الخطوط. فهل يجوز إذا للمحكمين مضاهاة خطوط ورقة متنازع فيها؟ في اعتقادنا، لا يوجد أي مانع يحول دون ذلك. إن المحكمين حازوا سلطاتهم من إرادة الأطراف، ولهم مبدئيا كل السلطات لحل كل العوارض التي قد تطرأ أثناء نظرهم في النزاع، ولا يكون خلاف ذلك إلا في الحالات التي تستلزم فيها المصلحة العامة تدخل المحاكم الرسمية. فمضاهاة الخطوط لا تكتسي في تشريعنا خطورة خاصة كما هو الشأن بالنسبة للادعاء بالتزوير، فلا تستلزم تدخل النيابة العامة بقوة القانون.
بالنسبة لإجراءات التحقيق الأخرى، فإنه يقوم بها المحكمين جميعا إلا إذا كان اتفاق التحكيم قد خول لهم سلطة ندب أحدهم للقيام بها (م.1020 ق.إ.م.إ.) وكون القانون لم يخول المحكمين سلطة إلزام الأطراف بتنفيذ أحكامهم، لا يجوز تنفيذ الأحكام التحضيرية الصادرة منهم إلا بأمر يصدره رئيس الجهة القضائية (م.1035 ق.إ.م.إ.). يمكن إذا للمحكمين الأمر بسماع الشهود، أو الأمر بإجراء خبرة، أو الانتقال للمعاينة، أو توجيه اليمين.
قد تطرأ أمام المحكمين نفس العوارض التي تنشأ أمام المحاكم. يجوز مثلا للأطراف التمسك أمام المحكمين بالبطلان لعيب في الشكل، كما يمكن للمحكمين الفصل في اختصاصهم إذا أثيرت هذه المسألة أمامهم.و إما الدفع بتدخل الضامن، فإنه يكون مبدئيا غير مقبول، لأنه لا يمكن إلزام الضامن بقبول محكمين لم يشارك في تعيينهم.
بالنسبة للعوارض الموضوعية، يجوز بدون شك للمحكمين النظر في الطلبات الإضافية التي تكون بمثابة توابع طبيعية للطلب الأصلي، كالطلبات التي ترمي إلى الحصول على تعويضات أو طلب التنفيذ المعجل (م.1037 ق.إ.م.إ.). ولكن الطلبات الإضافية الأخرى تكون غير مقبولة لأنها أجنبية عن اتفاق التحكيم. ولنفس السبب، لا يجوز للمحكمين النظر في الطلبات المقابلة إلا إذا كانت بمثابة دفاعا في الدعوى الأصلية. أما التدخل، فلا يكون مقبولا إلا برضا كل الأطراف والمتدخل وكذا المحكمين، لأن من أثر التدخل تغيير شروط اتفاق التحكيم.
3-2-4- أجل اتفاق التحكيم
يلزم القانون المحكمين بإصدار حكمهم في أجل معين. يجب أن يحدد في اتفاق التحكيم الأجل الذي يلزم فيه المحكمين بالفصل في النزاع. فلو لم يشر إلى ذلك، يبقى اتفاق التحكيم صحيحا، ولكن القانون ألزم المحكمين بإتمام مهمتهم في ظرف أربعة أشهر من تاريخ تعيينهم، أو من تاريخإخطار محكمة التحكيم (م.1018 ف.1 ق.إ.م.إ.). و بعد انقضاء أجل الأربعة أشهر، ينتهي التحكيم وتنتهي مهمة المحكمين بقوة القانون؛ يرجع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها سابقا ويخضعون للمحاكم الرسمية دون سواها.
امتداد الأجل المذكور جائز باتفاق أطراف العقد (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.). يكون تمديد الأجل بمثابة اتفاق على تحكيم جديد، ويجب إثباته مبدئيا ضمن نفس الأشكال التي تسري على الاتفاق الأول، أي كتابيا. ولكن قد يمدد الأجل ضمنيا ومثال ذلك حضور الأطراف أمام المحكمين أو تقديمهم مستندات. في حالة عدم موافقة الأطراف على تمديد أجل إنهاء اتفاق التحكيم، فإنه يتم التمديد وفقا لنظام التحكيم، وفي غياب ذلك، يتم من طرف رئيس المحكمة المختصة (م.1018 ف.2 ق.إ.م.إ.). ولا يجوز عزل المحكمين خلال هذا الأجل إلا باتفاق جميع الأطراف (م.1018 ف.3 ق.إ.م.إ.). قد يتوقف أجل اتفاق التحكيم لأسباب عديدة تشكل حواجز قانونية. هذا ما يقع بالخصوص إذا قرر المحكمين إحالة بعض العوارض كالادعاء بالتزوير أمام القاضي العادي. ففي هذه الحالة يتوقف سريان أجل التحكيم ولا يستأنف إلا بعد صدور الحكم في المسألة العارضة (م.1021 ف.2 ق.إ.م.إ.).
II - حكـــم التحكيـــم
1- كيف يصدر حكم التحكيم
إذا عين محكم واحد لإفراغ اتفاق التحكيم، فلا داعي للمداولة ولا للتصويت. ولكن، إذا عين المتعاقدين عدة محكمين، فعلى هؤلاء المحكمين كلهم المشاركة في حكم التحكيم، وذلك تحت طائلة البطلان. ويتخذ حكم التحكيم بأغلبية الأصوات (م.1026 ق.إ.م.إ.). وتكون مداولة المحكمين سرية على غرار ما يجري أمام الجهات القضائية الرسمية (م.1025 ق.إ.م.إ.).
ويتضمن حكم التحكيم حسب المادة 1028 البيانات الآتية:
- اسم و لقب المحكم أو المحكمين،
- تاريخ صدور الحكم،
- مكان إصداره،
- أسماء وألقاب الأطراف وموطن كل منهم وتسمية الأشخاص المعنوية ومقرها الاجتماعي،
- أسماء وألقاب المحامين أو من مثل أو ساعد الأطراف، عند الاقتضاء.
يجب كذلك حسب المادة 1027 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن يتضمن حكم التحكيم عرضا موجزا لادعاءات الأطراف أوجه دفاعهم،كما يجب أن يكون الحكم مسببا. استعمال المادة 1027 لمصطلح "يجب" يوحي بأن هذه البيانات جوهرية يترتب على مخالفتها البطلان على غرار ما هو مقرر لبيانات أحكام المحاكم الرسمية.
ويجوز للمحكم الأمر بالنفاذ المعجل، فطبقا للمادة 1037 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "تطبق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل للأحكام على أحكام التحكيم المشمولة بالنفاذ المعجل".
2- تحرير حكم التحكيم
يجب على المحكمين لا فقط التحقيق في الدعوى حسب الأوضاع المقررة في الإجراءات، بل يكونوا ملزمين كذلك باتباع هذه الأوضاع أثناء الفصل في النزاع ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
يجب تحرير حكم التحكيم مبدئيا في الشكل الذي تحرر فيه أحكام المحاكم الرسمية، مع أنه يوقع حكم التحكيم من طرف كل المحكمين. وإذا وجد عدة محكمين، ورفضت الأقلية التوقيع، أشار أغلبية المحكمين إلى هذا الرفض في حكمهم، ويترتب على ذلك أن ينتج الحكم أثره وكأنه وقع من جميع المحكمين (م.1029 ق.إ.م.إ.). ويفهم من نص المادة 1029 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه في حالة عدم توقيع أحد المحكمين على حكم التحكيم، ولم يشر باقي المحكمين على هذا الرفض في حكم التحكيم فإن الحكم يكون باطلا.
3- طبيعة حكم التحكيم وٱثاره
يعتبر حكم التحكيم بمثابة حكم قضائي، وينتج كامل الآثار المترتبة عن هذا الطابع باستثناء القوة التنفيذية. بصدور حكم التحكيم، تخرج الخصومة من ولاية المحكمين، فلا يمكنهم تعديل حكمهم. ولكن يمكن للمحكم تفسير الحكم الذي أصدره، أو تصحيح الأخطاء الماديةوالاغفالات التي تشوبه، وذلك ضمن الشروط المقررة لتفسير وتصحيح أحكام المحاكم العادية والمنصوص عليها في المواد 285، 286 و 287 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية (م.1030 ق.إ.م.إ.). بعد صدوره، يحوز حكم التحكيم سلطة الشيء المقضى فيه، فلو رفع أحد المتعاقدين النزاع أمام جهة قضائية ما، جاز للطرف الٱخر الدفع بالشيء المقضي فيه حتى ولو لم يكن هذا الحكم ممهورا بأمر التنفيذ (م.1031 ق.إ.م.إ.).
ليس لحكم التحكيم النهائي أو الجزئي أو التحضيري قوة تنفيذية، ولكن تمنح له هذه القوة بموجب أمر يصدره رئيس المحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصها (م.1029 ف.1 ق.إ.م.إ.). عندما يقدم إلى رئيس المحكمة طلب إصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم، فإن القاضي لا ينظر في موضوع القضية ولكنه يراقب فقط ما إذا كان اتفاق التحكيم صحيحا وما إذا احترمت الإجراءات وكذا ما إذا احترم المحكم صلاحياته. إذا عاين رئيس المحكمة أن حكم التحكيم خالف شرط من الشروط الجوهرية المقررة لصحته، أو تضمن بطلانا من النظام العام كأن يكون حكم التحكيم غير موقع أو فصل في مادة يمنع فيها التحكيم، فإن رئيس المحكمة يرفض أمر التنفيذ. وفي هذه الحالة يمكن فقط لمن يهمه الأمر رفع استئناف في الأمر القاضي برفض التنفيذ (م.1035ق.إ.م.إ.) .
وحتى يتسنى إصدار أمر التنفيذ، فإن أصل حكم التحكيم يودع في أمانة ضبط المحكمة من الطرف الذي يهمه التعجيل (م.1035 ف. 1ق.إ.م.إ.)، ويتحمل الأطراف نفقات إيداع العرائض والوثائق وأصل حكم التحكيم (م.1035ف.2 ق.إ.م.إ.). يمكن للأطراف طبعا تنفيذ حكم التحكيم طوعا دون اللجوء إلى استصدار أمرا بتنفيذه من رئيس المحكمة. واستصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم يكون ضروريا فقط في حالة مباشرة التنفيذ الجبري ولكنه ليس شرطا لممارسة طرق الطعن. وبما أن حكم التحكيم مستقل عن أمر التنفيذ، يجوز حذف هذا الإجراء باتفاق الأطراف على شرط أن يعبروا عن ذلك صراحة. وحكم التحكيم الغير المودع بأمانة ضبط المحكمة يعد بمثابة عقد عرفي
III- طـرق الطعـن
قانون الإجراءات المدنية القديم أقر قواعد متميزة في مجال الطعن في حكم التحكيم إذ إلى جانب جوازه الاستئناف، فإنه أقر طريق خاص للطعن وهي المعارضة في أمر التنفيذ. هذا النظام، الذي كان يتميز بنوع من التعقيد والتداخل، وإن أجاز الاستئناف في حكم التحكيم، فإنه منعه في بعض الحالات (م.458 ف.1 ق.إ.م.). ونفس هذه الحالات التي منع فيها الاستئناف كانت تشكل أسباب للمعارضة في أمر التنفيذ (م.458 ف.2 ق.إ.م.). هذا وأن قانون الإجراءات المدنية القديم كان يمنح الاختصاص في استئناف حكم التحكيم إما للمحكمة وإما للمجلس القضائي تبعا لنوع القضية، أي حسب التمييز المقرر للاختصاص الابتدائي أو الاختصاص الابتدائي والنهائي للمحاكم.
قانون الإجراءات المدنية والإدارية أدخل إصلاحات في هذا المجال غرضها تبسيط إجراءات الطعن في أحكام التحكيم. النظام الجديد يرتكز على الاستئناف سواء كان موجها ضد حكم التحكيم أو ضد الأمر القاضي برفض تنفيذ حكم التحكيم. التشريع الجديد منع المعارضة في حكم التحكيم، كما أنه لا يجيز الطعن بالنقض إلا في القرارات الفاصلة في الاستئناف دون غيرها.
1- طرق الطعن في حكم التحكيم
1-1- المعارضة
يكون حكم التحكيم مبدئيا قابلا لطرق الطعن الجائزة ضد الأحكام العادية، ولكن المادة 1032 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تمنع المعارضة. عدم جواز المعارضة هو منطقي ويتماشى مع طبيعة التحكيم لأن التوقيع على اتفاق التحكيم من قبل كل الأطراف يعد بمثابة حضور. وحتى وإن رفض أحد الأطراف مباشرة إجراءات التحكيم، فإن الحكم الصادر لا يعتبر غيابيا. طريق الطعن العادي الوحيد الذي يجيزه قانون الإجراءات المدنية والإدارية هو الاستئناف.
2-1- الاستئناف
1-2-1-القاضي المختص
التشريع القديم كان يمنح الاختصاص للفصل في الاستئناف المرفوع ضد حكم التحكيم حسب الحالات إلى المحكمة أو إلى المجلس القضائي. المادة 455 من قانون الإجراءات المدنية القديم كانت تنص على ما يلي: "يرفع الاستئناف عن أحكام التحكيم إما إلى المحكمة أو إلى المجلس القضائي وذلك تبعا لنوع القضية وما إذا كانت تدخل في نطاق اختصاص أي من هتين الجهتين القضائيتين". هذه المادة التي وردت في صيغة غامضة كانت تميز في الواقع بين الاختصاص الابتدائي والاختصاص الابتدائي والنهائي للمحاكم. فإذا كانت المادة من اختصاص المحكمة ابتدائيا ونهائيا لو رفعت الدعوى أمامها، فإن استئناف حكم التحكيم يرفع أمام المحكمة. وأما إذا كانت المادة من اختصاص المحكمة ابتدائيا فقط، نظرا لقيمة النزاع، فإن استئناف حكم التحكيم يرفع إلى المجلس القضائي.
قانون الإجراءات المدنية والإدارية وحد قواعد الاختصاص إذ أن المجلس القضائي يكون هو المختص للنظر في استئناف حكم التحكيمبغض النظر عن نوع القضية وقيمة النزاع. والمجلس القضائي المختص إقليميا هو المجلس الذي صدر في دائرة اختصاصه حكم التحكيم (م.1033 ق.إ.م.إ.).
2-2-1-أشكال، مواعيد و آثار القرار الصادر في الاستئناف
يكون حكم التحكيم قابل للاستئناف فور صدوره، ويجب رفعه في أجل شهر واحد من تاريخ النطق به (م.1033 ق.إ.م.إ.). وطبقا للقواعد العامة فإن تنفيذ حكم التحكيم يتوقف خلال أجل الاستئناف كما يتوقف بسبب رفع الاستئناف (م.323 ف.1 ق.إ.م.إ.). ولكن يكون الأمر خلاف ذلك إذا أمر بالتنفيذ المعجل إذ في هذه الحالة لا يكون للاستئناف أثر موقف (م.1037 ق.إ.م.إ.).
المادة 1033 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تجيز استئناف حكم التحكيم: "ما لم يتنازل الأطراف عن حق الاستئناف في اتفاقية التحكيم". النص يتكلم عن "اتفاقية التحكيم" مما يفهم منه أن التنازل يقرره الأطراف إما في اتفاق التحكيم وإما في شرط التحكيم. المشرع إذا أجاز الأطراف التنازل عن الاستئناف حتى في شرط التحكيم، أي حتى وإن كان النزاع لم ينشأ بعد.
الملاحظ أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يضع ضوابط أو حدود لحرية الأطراف في التنازل عن الاستئناف في اتفاقية التحكيم. قد يقع أن يكون حكم التحكيم مشوبا ببطلان من النظام العامكأن يصدر دون اتفاق على التحكيم، أو خارج نطاق التحكيم، أو إذا كانت تشكيلة محكمة التحكيم غير صحيحة. ففي هذه الحالات هل يمنع الاستئناف في حكم التحكيم إذا تضمنت اتفاقية التحكيم تنازل الأطراف عن هذا الطعن؟ قانون الإجراءات المدنية القديم لم يتضمن نصا صريحا يجيز الأطراف التنازل عن الاستئناف، ومع ذلكفإنه أجاز الأطراف طلب بطلان حكم التحكيم "في جميع الأحوال"، أي حتى في حالة ما إذا تضمن اتفاقية التحكيم تنازل عن حق الاستئناف. حتى في غياب نص صريح في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإن الفقه والقضاء استقرا على أن التنازل عن استئناف حكم التحكيم لا يسري إذا كان العيب المتصل بالحكم هو عيب من النظام العام. ففي الأمثلة السالفة الذكر فإنه يجوز رفع استئناف حتى ولو سبق التنازل عنه في اتفاقية التحكيم. ويمكن كذلك في رأينا طلب إبطال حكم التحكيم رغم وجود شرط التنازل عن حق الاستئناف في اتفاقية التحكيم وذلك عن طريق الطعن في أمر رئيس المحكمة القاضي بتنفيذ حكم التحكيم (م.312 ق.إ.م.إ.).
يرفع الاستئناف ويفصل فيه حسب الإجراءات المطبقة أمام المجلس القضائي الفاصل في استئناف أحكام المحاكم العادية. يرفع الاستئناف إذا بموجب عريضة تودع بأمانة ضبط المجلس القضائي من طرف محام كون تمثيل الخصوم بمحام وجوبي أمام جهات الاستئناف (م.10 ق.إ.م.إ.). يجب طبعا أن تكون عريضة الاستئناف معللة أي تحتوي الأوجه التي أسس عليها الاستئناف. ويمكن في الخصومة أمام المجلس القضائي تقديم استئناف فرعي وهذا على غرار ما يجري في الحالات العادية.
لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية نصوصا خاصة توضح آثار القرار الذي يصدره المجلس القضائي إثر استئناف حكم التحكيم. إذا رفض الاستئناف في حكم التحكيم لعدم التأسيس، فإن الأثر الطبيعي لذلك هو منح حكم التحكيم القوة التنفيذية. ولكن إذا اعتبر المجلس القضائي أن المحكمين خالفوا القانون أو لم يطبقوه تطبيقا صحيحا، فإنه لا يكتفي بإلغاء حكم التحكيم ولكنه يتصدى ويفصل في الموضوع، وحينئذ فإن قرار المجلس يحل محل حكم التحكيم. ويجب طبعا على المجلس القضائي أن يبقى في حدود المهمة التي أسندها الأطراف للمحكمين .
3-1- اعتراض الغير الخارج عن الخصومة
تنص المادة 1038 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لا يحتج بأحكام التحكيم تجاه الغير. ولكن إذا اعتبر شخص لم يكن طرفا في التحكيم أن حكم التحكيم سبب له ضررا أو سيسبب له ضررا، جاز له الطعن عن طريق اعتراض الغير الخارج عن الخصومة (م.1032 ف.1 ق.إ.م.إ.). وخلافا لما هو مقرر في حالة استئناف حكم التحكيم، فإن اعتراض الغير الخارج عن الخصومة يرفع لا أمام المجلس القضائي ولكن أمام المحكمة. والمحكمة المختصة اقليميا هي المحكمة المختصة قبل عرض النزاع على التحكيم (م.1032 ف.2 ق.إ.م.إ.).
4-1- الطعن بالنقض
حسب المادة 1034 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، فإن القرارات الفاصلة في استئناف أحكام التحكيم تكون وحدها قابلة للطعن بالنقض. حكم التحكيم لا يكون إذا قابلا للطعن بالنقض، وهذا المنع منطقي لأن حكم التحكيم يكون دائما قابلا للاستئناف. ويكون الطعن بالنقض غير مقبول حتى في حالة ما إذا كان حكم التحكيم غير قابل للاستئناف بسبب تنازل الأطراف عن مباشرة هذا الطعن الأخير.
5-1- التماس إعادة النظر
قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم ينص على جواز الطعن بالتماس إعادة النظر في حكم التحكيم. فهل يعني هذا أن المشرع منع الطعن بالالتماس؟ نعتقد ذلك لأنه لو كانت نية المشرع جواز هذا الطعن لنص عليه صراحة كما فعل ذلك في قانون الإجراءات المدنية القديم في المواد من 456 إلى 458. منع التماس إعادة النظر في حكم التحكيم يتماشى مع طبيعة هذا الطعن لأنه يهدف إلى مراجعة الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه (م.390 ق.إ.م.إ.)، وإما أحكام التحكيم فإنها تكون دائما قابلة للاستئناف.
2- استئناف الأمر الفاصل في طلب تنفيذ حكم التحكيم
عرضنا فيما سبق نوع الطعون الجائزة ضد حكم التحكيم نفسه. ولكن إذا بادر الأطراف إلى طلب تنفيذ حكم التحكيم والتمسوا من رئيس المحكمة إصدار أمر بذلك، فإن القانونيجيز الطعن في هذا الأمر. ويجب هنا التمييز بين الحالة التييأمر فيها رئيس المحكمة بتنفيذ حكم التحكيم، والحالةالتي يرفض فيها ذلك.
إذا أصدر رئيس المحكمة أمرا يرفض بموجبه تنفيذ حكم التحكيم،فإنه يجوز للأطراف استئناف هذا الأمر. ويجب رفع هذا الاستئناف في أجل خمسة عشر يوما من تاريخ الرفض (م.1035 ف.3 ق.إ.م.إ.). إذا اعتبر المجلس القضائي أن رئيس المحكمة أخطأ حينما رفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإنه يتصدى ويقضي بالتنفيذ. وأما إذا اعتبر أن القاضي طبق صحيح القانون حينما رفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن المجلس القضائي يقضي بتأييد الأمر المستأنف فيه.
إذا أجاز قانون الإجراءات المدنية والإدارية الاستئناف في أمر رئيس المحكمة القاضي برفض تنفيذ حكم التحكيم، فإنه لم يتطرق للحالة التي يأمر فيها رئيس المحكمة بتنفيذ حكم التحكيم. فهل يعني ذلك أن أمر التنفيذ لا يكون قابلا للاستئناف ولا لأي طعن ٱخر؟ في غياب نص صريح، فإنه يصعب الإجابة عن هذا السؤال علما أن المشرع لم يمنعبنص صريح الطعن فيأمر التنفيذ كما فعل ذلك بالنسبة لأمر تنفيذ حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر (م. 1058 ف.2 ق.إ.م.إ.) ومع ذلك يجب الملاحظة أن أمر تنفيذ حكم التحكيم يصدره رئيس المحكمة بناء على عريضة يقدمها الطرف الذي له مصلحة في ذلك. ولكونه أمر على عريضة، فإن أمر تنفيذ حكم التحكيم قد يخضع لطرق الطعن المقررة للأوامر على العرائض والمنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا سيما يخضع للمادة 312 التي تنص أنه: "في حالة الاستجابة إلى الطلب فإنه يمكن الرجوع إلى القاضي الذي أصدر الأمر للتراجع عنه" علما أن القاضي المختص في هذه الحالة هو قاضي الأمور المستعجلة.
نظام الطعن في حكم التحكيم وفي أمر التنفيذ الذي أقره قانون الإجراءات المدنية والإدارية ترك مسائل أخرى دون حل. في افتراض أن رئيس المحكمة أصدر أمر بتنفيذ حكم التحكيم ثم استأنف هذا الحكمفي الأجل القانوني، فما هو أثر هذا الاستئناف على أمر التنفيذ؟ هل يلزم المجلس القضائي بالفصل في حدود الاستئناف المرفوع ضد حكم التحكيم أم أنه يجوز له الفصل في نفس الوقت في أمر التنفيذ الصادر عن رئيس المحكمة؟ لا شك أن استئناف حكم التحكيم يستتبع بالضرورة الطعن في أمر التنفيذ الصادر عن رئيس المحكمة وذلك لارتباطهما وهذا ما أقره صراحة المشرع بالنسبة لحكم التحكيم الدولي الصادر بالجزائر (م. 1058 ف.2 ق.إ.م.إ.). وإما إذا رفع استئناف في حكم التحكيم قبل صدور أمر تنفيذه، فإنه يرجع للمجلس القضائي الأمر عند الضرورة بالتنفيذ وذلك بفضل الأثر الناقل للاستئناف.
الاستاذ براهيمي محمد
محامي لدى المجلس