_17ثانياً : الأحكام ذات الطبيعة المؤسسية :
1- طبيعة المحكمة :
كان الهاجس الكبير عند اعتماد مشروع النظام الأساسي لهذه المحكمة منصباً حول أن وجود محكمة تتحقق فيها صفة الديمومة والاستمرار كفيل بجعلها تتصرف بصورة أكثر تماسكاً والتحاماً بالأحداث تجنبا لأية إمكانية للحديث عن عدالة انتقائية محتملة، فباستحضار الانتقادات الموجهة إلى محاكمة نور مبرج وطوكيو باعتبارهما تحقيق لعدالة المنتصرين، وبحكم أن حركة المحاكم الخاصة قد تحدد ضمن حدود معينة لا يمكن تجاوزها، علاوة على التكاليف الباهضة التي تصاحب إقامة محاكم خاصة يمكن أن تضعف الإرادة السياسية بإقامة مثل هذه المحكمة، فقد روعي ضرورة تشييد محكمة جنائية دائمة،بحيث لا يكون إنشاؤها مؤقتاً أو لتحقيق غاية معينة.
على أن هذه الفكرة لم تكن واضحة تماماً عند البدء في مناقشة مشروع النظام الأساسي للمحكمة وحتى التقرير المنقح للفريق العامل المعني بوضع مشروع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية سنة1994، في الدورة السادسة والأربعين للجنة والمتضمن لمشروع النظام الأساسي، تمت الإشارة إلى أنه ينبغي أن"تكون المؤسسة مفتوحة للدول الأطراف في النظام الأساسي...وأن تعقد جلساتها عند الاقتضاء للنظر في قضية تعرض عليها (1) " .
ذلك أن كثير من التقارير السابقة وكذلك مختلف ردود وتعليقات الدول حول تلك المشاريع، كانت تذهب إلى ضرورة أن لا تكون المحكمة المنشأة في مرحلة عملها الأولى على الأقل هيئة دائمة متفرغة،بل ينبغي أن تعمل فقط عند الطلب وفقاً لآلية قانونية محددة حيث ستشكل في كل مناسبة يلزم فيها انعقادها،وكان تبرير ذلك في حجم العمل المحدود للمحكمة الذي قد تواجهه في سنوات عملها الأولى على الأقل والتكاليف التي قد تتكبدها الدول نتيجة لإنشاء محكمة جنائيًة متفرغة تضم مجموعة كاملة من القضاة المتفرغين وهيكلاً إداريا ًكاملا....، هذا علاوة على أن كون المحكمة أصلاًً مكملة للولايات القضائية الوطنية الأمر الذي سيجعل حجم العمل فيها أكثر محدودية. ومن ناحية ثانية لا يمكن التنبؤ بما سوف يكون عليه نشاط المحكمة، كما أن اشتراط ديمومتها قد يحرمها من المرونة اللازمة علاوة على مضاعفة التكاليف (1) . وعليه فقد اعتبر أن كون المحكمة مؤسسة دائمة لكنها لا تنعقد إلا عند الاقتضاء مسألة تعكس مزايا المرونة وتقليل التكاليف، حيث يتأكد من ناحية الطابع الدائم للولاية القضائية للمحكمة، ومن ناحية ثانية عمل المحكمة غير الدائم،باعتبار أن عمل المحكمة لا يتعارض مع العمل المتقطع لأجهزتها، وأن انعقاد المحكمة عند الاقتضاء للنظر في قضية معينة تعرض عليها لا يتنافى مع الاستقلال والاستقرار اللازمين للمحكمة (2) .
ومع ذلك فقد رأى البعض أن"القاعدة التي تقضي بأنه لا تنعقد المحكمة إلا عند الاقتضاء يتنافى مع ضرورة دوام محكمة جنائية دولية حقيقية وضرورة استقرارها واستقلالها (1) " .
كما أن جعل أجهزة المحكمة غير متفرغة سينتج عنه إثارة عدد من التساؤلات تتعلق باتساق أو عدم اتساق وظائف القاضي مع أي وظائف أخرى علاوة على كون ديمومة المحكمة واستمرارها سيسهل عملية التئامها عند الضرورة، فالحاجة إلى إنشاء هيئة قضائية دائمة قادرة على تحقيق التناسق و الاتساق في تطبيق القانون الدولي الجنائي وزيادة تطوره،بوصفها بديلاً عن المحاكم التي قد تنشأ لغرض معين،يتطلب أن تتوفر في بنية هذه الهيئة التفرغ التام وديمومة في العمل والإنجاز، ومن هنا فقد رؤي أن دوام المحكمة واستقلالها سيتعززان إذا جرى تعيين قضاة المحكمة والمدعي العام والمسجل على أساس التفرغ (2)، وهذه الفكرة الأخيرة كانت هي النهج الذي تم الموافقة عليه عند اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تأكدت الطبيعة الدائمة للمحكمة منذ الديباجة بوصفها"محكمة جنائية دولية دائمة ومستقلة"، تمارس اختصاصها على الأشخاص الطبيعيين إزاء"الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره"وأن المحكمة المنشأة ستكون مكملة للولايات القضائية الوطنية.
2- ميزانية المحكمة :
بما أن عدم توفر الموارد المالية قد يحول دون التماس تحقيق العدالة، وحتى لا يؤدي عدم الاستقلال المالي إلى عرقلة عمل المحكمة (1)، فقد تمت مناقشة عدة أفكار حول الكيفية التي سيتم بها تمويل المحكمة، ويمكن إجمال مختلف الاتجاهات السائدة طوال مراحل إعداد النظام الأساسي في ثلاثة اتجاهات
2)
- الاتجاه الأول : يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى ضرورة تمويل تكاليف المحكمة من الميزانية العامة للأمم المتحدة، وهذا الرأي في الواقع كان منسجماً مع الاقتراح الذي كان يقضي بأن تكون المحكمة مؤسسة في إطار منظمة الأمم المتحدة للاستفادة من طابعها العالمي.
وعليه ولإتصال عمل المحكمة كذلك بمسائل تتعلق بالسلم والأمن الدوليين، كان من الضروري أن تتمكن جميع الدول من تحريك الإجراءات أمام المحكمة دون أن تتحمل أعباء مالية، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إذا لم تساهم في تمويل المؤسسة سوى الدول الأطراف في نظامها الأساسي.
- الاتجاه الثاني: يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى ضرورة أن تتحمل تكاليف المحكمة الدول الأطراف في النظام الأساسي ويؤسسون وجهة نظرهم،على الأهمية التي ستعطى للمحكمة انطلاقاً من الأعمال الجليلة التي ستقوم بها، وهذا الاهتمام الكبير بالمحكمة من جانب الدول ستنجم عنه مشاركة كبيرة من قبلها في النظام الأساسي، وعليه سيكون هناك عدد كبير من الأطراف المساهمين في ميزانية المحكمة.
- الاتجاه الثالث: ويربط أصحاب هذا الرأي بين طبيعة الدور الذي ستلعبه المحكمة وتكاليفها بحيث يرى أن مناقشة مسألة الميزانية بالتفصيل أمر غير ممكن إلى حين اتضاح طبيعة المحكمة ودرجة ما تلقاه من تقبل عام وكيفية علاقتها بالأمم المتحدة.
هذه الفكرة الأخيرة في الواقع كانت أقرب إلى الموضوعية،فالسلطات والاختصاصات التي ستعطى للمحكمة وطبيعة المحكمة المنشأة وكيفية علاقتها بالأمم المتحدة،وحجم العمل والإطار القضائي والوظيفي.. كلها أمور سيكون لها أكبر الأثر على حجم الميزانية..
ومن هنا وبعد أن تم الاتفاق على طبيعة المحكمة واختصاصاتها، - عند اعتماد نظامها الأساسي- فقد تضمن هذا الأخير بخصوص الميزانية نظاماً يقوم على أن نفقات المحكمة ستغطى من الاشتراكات المقررة للدول الأطراف، وكذا من الأموال المقدمة من الأمم المتحدة رهناً بموافقة الجمعية العامة وخاصة فيما يتعلق بالنفقات المترتبة نتيجة للإحالات من قبل مجلس الأمن الدولي(1) .
وبجانب ذلك يجوز للمحكمة أن تتلقى وتستخدم التبرعات المقدمة من الحكومات والمنظمات الدولية والأفراد والشركات وأي كيانات أخرى كأموال إضافية، وذلك وفقاً للمعايير ذات الصلة التي تعتمدها جمعية الدول الأطراف وفقا للنظام الأساسي وللنظام المالي والقواعد المالية التي تعتمدها جمعية الدول الأطراف، التي تدفع جميع مصاريفها كذلك من أموال المحكمة.
أما الاشتراكات فإنها تقرر وفقا لجدول متفق عليه للأنصبة المقررة مستندا إلى الجدول الذي تعتمده الأمم المتحدة لميزانيتها العامة، وتعدل وفقا للمبادئ التي تستند عليها،كما تراجع حساباتها من قبل مراجع حسابات مستقل.
وأخيرا وفيما يتعلق بالتكاليف المرتبطة"بطلبات النقل"،فإذا كان الطلب موجهاً من قبل المحكمة إلى دولة، فلا تتحمل هذه الدولة سوى التكاليف العادية لتنفيذ الطلب في إقليمها،أما التكاليف المرتبطة بسفر الشهود والخبراء أو نقل الأشخاص قيد التحفظ وتكاليف الترجمة وسفر القضاة وموظفي المحكمة وأية تكاليف استثنائية تترتب على تنفيذ الطلب، تتحملها المحكمة من ميزانيتها الخاصة، أما إذا كان الطلب موجها من الدولة إلى المحكمة، فلا تتحمل المحكمة سوى التكاليف العادية لتنفيذ الطلب، بينما تتحمل ذات الدولة كل التكاليف الأخرى . (1)
3- جمعية الدول الأطراف :
وهي الهيئة المسؤولة عن المهام التي تتوقف بالضرورة على قرارات الدول الأطراف، مثل اختيار القضاة واختيار المدعي العام وتحديد الميزانية، وتكون بمثابة قناة اتصال بين المحكمة والدول الأعضاء في شأن المسائل ذات الطابع السياسي.
ولجمعية الدول الأطراف دوراً مركزياً في كل أمور المحكمة، فهي التي توفر الرقابة الإدارية على هيئة الرئاسة والمدعي العام والمسجل فيما يتعلق بإدارة المحكمة، ولها كذلك النظر في ميزانية المحكمة والبث فيها، وتقرير ما إذا كان ينبغي تعديل عدد القضاة والنظر في أي مسألة تتعلق بعدم قيام الدول الأطراف بالتعاون مع المحكمة وتقديم المساعدة اللازمة، والنظر في التعديلات المقترحة واعتماد التعديلات على الأحكام ذات الطابع المؤسسي واستعراض النظام الأساسي، وغير ذلك من المهام المتعلقة بتنحية أو عزل القضاة والمدعي العام، وكذلك الأمور التي تتوقف بالضرورة على قرارات الدول الأطراف ، وكقناة اتصال بين المحكمة والدول بشأن المسائل ذات الطابع السياسي وغيره (1) . ويكون لكل دولة طرف في النظام الأساسي عضو واحد فيها يجوز أن يرافقه مندوبون ومستشارون، ويكون لهذه الجمعية مكتب، يتألف من رئيس ونائبين للرئيس و18 عضوا تنتخبهم الجمعية لمدة ثلاث سنوات، ولهذا المكتب صفة تنفيذية، ويراعى عند تشكيله بصفة خاصة التوزيع الجغرافي العادل والتمثيل المناسب للنظم القانونية الرئيسية في العالم، ويجتمع المكتب كلما كان ضروريا، على أن لا يقل عدد اجتماعات المكتب عن مرة واحدة في السنة، ويعمل المكتب على مساعدة الجمعية في الاضطلاع بمسئوليتها، ويجوز لرئيس المحكمة والمدعي العام والمسجل أو لممثليهم المشاركة حسب المناسبة في اجتماعات الجمعية والمكتب.
وتعقد اجتماعات الجمعية في مقر المحكمة أو في مقر الأمم المتحدة مرة واحدة في السنة أو بحسب الظروف الاستثنائية بمبادرة من المكتب أومن ثلث الدول الأطراف.
ولأهمية وحيوية الدور الذي تلعبه جمعية الدول الأطراف في تنظيم وسير عمل المحكمة نص النظام الأساسي على ضرورة التوصل عند اتخاذ القرارات الأساسية إلى توافق الآراء، أما إذا تعذر اتخاذ أي قرار بتوافق الآراء داخل الجمعية وجب اتخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل الموضوعية، بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المصوتين، أما في حالة المسائل الإجرائية فيتم اتخاذ القرارات بالأغلبية البسيطة للدول الأطراف الحاضرة والمصوتة.
على أنه لا يجوز لدولة طرف متأخرة عن سداد اشتراكاتها المالية في تكاليف المحكمة حق التصويت في الجمعية أو في المكتب، شريطة أن تكون المتأخرات مساوية لقيمة الاشتراكات المستحقة في السنتين السابقتين، أو زيادة عنها، ومع ذلك للجمعية النظر في ما إذا كان التأخير ناتج عن أسباب لا قبل لهذه الدولة الطرف بها وعندها يمكن أن تسمح لهذه الدولة بالتصويت.
وأخيرا تضطلع جمعية الدول الأطراف بدور مهم في عملية تفسير النظام الأساسي للمحكمة، ذلك أنه في حالة حدوث أي نزاع بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذا النظام يحال الخلاف إلى الجمعية، ويجوز للجمعية أن تعمل على تسوية النزاع بنفسها أو أن تتخذ توصيات بشأن أية وسائل أخرى لتسوية النزاع بما في ذلك إحالته إلى محكمة العدل الدولية وفقا لنظامها الأساسي(1) .
4-حصانات وامتيازات القضاة والمدعي العام والمسجل :
أشارت المادة 48 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى جملة من الامتيازات والحصانات التي ينبغي أن يتمتع بها قضاة المحكمة، وهذه الامتيازات من صنف الامتيازات التي تمنح لرؤساء الهيئات الدبلوماسية بموجب القانون الدولي العام. إلا أنه نظر لأهمية ما يقومون به فإنهم يظلون يتمتعون بكل الامتيازات حتى بعد نهاية فترة عملهم، ودلك فيما يتعلق بما كان قد صدر منهم من أقوال أو كتابات بصفتهم الرسمية، ليظلوا بعيدين عن أي ضغوطات أو تأثيرات. وبجانب هده الحصانات والامتيازات الممنوحة للقضاة وبغية إبعادهم كذلك عن أي ضغوطات قد تؤثر على عملهم عالجت المادة 40 مسألة استقلال القضاة والمدعي العام، فاعتبرت أنهم مستقلين في تأدية وظائفهم ولا يزاولون أي نشاط يحتمل أنه يتعارض مع وظائفهم أو يؤثر على استقلالهم، كما لا يزاولون أي عمل ذا طابع مهني.
وبالمقابل فقد تضمن النظام الأساسي الإشارة إلى مجموعة التزامات على القضاة كما فرض جملة من العقوبات تتراوح بين الإجراءات التأديبية العادية في حالة ارتكابهم مخالفة لا تشكل سلوكاً جسيماً، انتهاء باتخاذ قرارا بعزل القاضي أو المدعي العام أو المسجل إذا أتى سلوكاً جسيماً أو أثبت عدم قدرته على أداء مهامه المطلوبة بموجب هدا النظام الأساسي(2) .
المبحث الثاني : اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية طبقاً لنظامها الأساسي
كان التحديد الملائم لاختصاصات المحكمة الجنائية الدولية من أهم الأمور الأساسية بالنسبة لمستقبل المحكمة، ولذلك لا غرابة في أن يشكل الباب المتعلق بالاختصاص والمقبولية جوهر نظامها الأساسي لكونه لب عمل المحكمة، ولاتصاله المباشر بمسألة الاختصاص الجنائي الداخلي للدول.
وإذا كان تخلي الدول عن اختصاصها الجنائي المرتبط أوثق الارتباط بمبدأ السيادة من أهم الأمور التي عرقلت إنشاء المحكمة لوقت طويل، فإن التوصل إلى تحديد الجرائم الدولية التي تبلغ من الخطورة إلى الحد الذي ترتضي الدول أن تدمج ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية كان من أهم الخطوات التي ستعجل باعتماد النظام الأساسي وإنشاء المحكمة.
لقد ظلت النقاشات مستمرة للإجابة عن التساؤل حول الكيفية التي سيتم بموجبها إسناد الاختصاص إلى المحكمة عن هذه الجرائم، طالما تعثر التوصل إلى اتفاق حول مدونة الجرائم المخلة بأمن وسلامة البشرية؟ وبالتالي ما هي الجرائم التي تبلغ من الخطورة درجة توجب إدراجها ضمن اختصاصات المحكمة؟ .
كما كان الحرص واضحاً عند اعتماد النظام الأساسي للمحكمة أن لا يدخل في نطاق اختصاصها إلا أشد الجرائم خطورة... وذلك تحقيق لغايتين اثنتين : (1)
- أن لا يتسع اختصاص المحكمة على نحو لا يتفق ولا يتمشى مع الإمكانات المتاحة لها في بداية عملها.
- أن يتحقق مبدأ التكامل بين اختصاص المحكمة واختصاص القضاء الوطني.
المطلب الأول :كيفية إسناد الاختصاص إلى المحكمة في الجرائم الدولية
فكرة المحكمة الجنائية الدولية انبثقت أساسا كمحفل لمقاضاة جرائم الحرب والإبادة التي ترعاها الدول والتي تبقى مع ذلك دون عقاب لولا قيام المحكمة، هذه الملاحظة كانت حاضرة طوال مراحل إنجاز الفريق العامل المعني بوضع مشروع للنظام الأساسي لمحكمة جنائية دولية لهذا المشروع.
بيد أن مختلف التقارير والمشاريع المقدمة كانت توسع من نطاق ذلك الاختصاص ليشمل جميع الجرائم ذات الطابع الدولي(1) ، بحيث سلكت النهج الذي بموجبه يتم إسناد اختصاص المحكمة من حيث الموضوع إلى معاهدات دولية قائمة ومحددة منشئة لجرائم دولية الطابع..، بما في ذلك مدونة الجرائم المخلة بسلم وأمن الإنسانية بعد اعتمادها ودخولها حيز التنفيذ، وذلك عبر اختيار الجرائم ذات الطبيعة الدولية التي تنشئها هذه المعاهدات ويمكن للمحكمة ممارسة ولايتها عليها وإدماجها بالتالي في النظام الأساسي للمحكمة . (1)
أولاً : إسناد الاختصاص إلى المحكمة بموجب معاهدات قائمة :
بناء على أساس إسناد الاختصاص للمحكمة من حيث الموضوع إلى اتفاقيات دولية قائمة ومنشئة لجرائم ذات طابع دولي كان المشروع المقترح والمقدم من قبل لجنة القانون الدولي في الدورة السادسة والأربعين والذي أعدته اللجنة بناء على توصية الجمعية العامة رقم 47/36/1992 متضمناً وجود إطارين من الاختصاص يرتكزان بالأساس على إسناد اختصاص المحكمة من حيث الموضوع إلى معاهدات دولية وذلك على النحو التالي:
1-إسناد الاختصاص إلى المحكمة بموجب معاهدات تعرف الجنايات باعتبارها جرائم دولية :
ويشمل المعاهدات الدولية التي تعرف الجنايات باعتبارها جنايات دولية،بموجب القانون الدولي العام وهذه الجنايات تدخل ضمن اختصاص المحكمة دون الحاجة للتوصل إلى اتفاق بشأن القائمة الدقيقة لمعاهدات القانون الدولي الجنائي، وتشمل تلك المعاهدات جرائم الحرب الجسيمة..، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري..
وما إلى ذلك من الجرائم التي تضمنتها المادة الثانية والعشرون من المشروع المقترح(1) .
وقد اعتبر الفريق العامل أن المعيارين الأساسيين الذين أديا إلى اعتبار الجنايات التي أوردتها المادة الثانية والعشرون من المشروع المعد جنايات دولية بموجب القانون الدولي هما: (1)
أولا: كون الجنايات المتضمنة في المادة المذكورة معرفة تعريفاً دقيقاً بحد ذاتها في المعاهدات على نحو يمكن به لمحكمة جنائية دولية أن تطبق قانوناً دولياً اتفاقياً أساسياً فيما يتعلق بالجناية المتناولة في المعاهدة.
ثانيا: كون المعاهدة نفسها قد أوجدت فيما يتعلق بالجناية المعرفة فيها، إما نظاماً للاختصاص العالمي يقوم على مبدأ تسليم المتهم أو محاكمته وطنياً، أو إمكانية لأن تحاكمه محكمة جنائية دولية أوكلا الأمرين معاً.
2- إسناد الاختصاص بموجب معاهدات لا تنص إلا على قمع أوجه سلوك غير مرغوب فيه :
ويشمل المعاهدات التي لا تنص إلا على قمع أوجه سلوك غير مرغوب فيه، وتعتبر جناية بموجب القانون الوطني، وهذه الجرائم المتضمنة في هذه المعاهدات لا تدخل مباشرة ضمن اختصاص المحكمة، ولكي تصبح كذلك يتطلب الأمر من الدولة المضيفة قبولاً خاصاً عبر إبلاغ المحكمة بهذا القبول كتابة.
والدول التي يتطلب قبولها قبولاً خاصاً هي الدول التي حدثت تلك الجريمة أو الجرائم موضوع التحقيق في إقليمها، سواء بالفعل أو بالامتناع.
أما بالنسبة للجرائم التي تدخل ضمن هذا الإطار، فبالإضافة إلى الجرائم بموجب القانون الوطني كجريمة المخدرات التي تحمل نصوصاً في معاهدة متعددة الأطراف وكإتفاقية الأمم المتحدة 1988م والتي تشكل بالنظر إلى نصوص تلك الاتفاقية جنايات جسيمة بصورة استثنائية، هناك أيضا كل جناية دولية أخرى وفقاً لقاعدة من قواعد القانون الدولي يقبلها المجتمع الدولي ويسلم بأنها أساسية إلى درجة أن ارتكابها يرتب المسؤولية الجنائية للأفراد(1) .
3- تفنيد هذه الفكرة :
يمكن تفنيد هذا النهج القائم على إسناد أساس اختصاص المحكمة إلى المعاهدات الدولية من عدة نواح وذلك على النحو التالي:
1- بالنسبة للمعاهدات التي ستشكل أساساً للولاية القضائية للمحكمة، فإن هذه المعاهدات لم تتضمن أية إشارة إلى إعطاء الدول الأطراف الخيار في تقديم قضايا إلى المحكمة من هذا النوع إذا ما استثنينا اتفاقية إبادة الأجناس في مادتها السادسة والتي تتضمن إمكانية إحالة قضايا إلى محكمة دولية. أما باقي المعاهدات فهي تسند بشكل واضح معاقبة تلك الجنايات إلى الولاية الوطنية، وبالتالي فإن نهجاً مثل هذا النهج لم يراع هذه المسألة الأساسية.
2- يثار تساؤل حول ما إذا كانت هناك دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة إلا أنها ليست عضواً في كل المعاهدات التي ستشكل أساس ولاية المحكمة. فهل سيتم حسم المسألة بقبول الدولة الطرف في النظام الأساسي اختصاص المحكمة فقط بالنظر في المسائل المتعلقة بالمعاهدات التي هي طرف فيها كذلك؟ وهل يحق لمثل هذه الدول أن تتقدم بشكاوى متصلة بحالات ارتكاب الجرائم التي ستؤسسها معاهدات ليست هي أطرافاً فيها؟.
3- بالنسبة لاعتبار مشروع مدونة الجرائم المخلة بأمن وسلام الإنسانية، بجانب المعاهدات الدولية ضمن أسس ولاية المحكمة أمراً يكتنفه الكثير من الصعوبات والعراقيل، إذ علاوة على كون المدونة قد تتضمن جرائم تخضع لولاية المحكمة، فإن الكثير من تعاريف الجرائم الدولية الواردة في المدونة تتداخل مع تعاريف الجرائم التي تتناولها المعاهدات القائمة بالفعل...، حيث تحذف عناصر من جريمة معينة قائمة أو تضيق نطاقها، مما يشكل اضطراباً كبيرًا في سير عمل المحكمة، وسيضاعف الصعوبات التي قد تواجهها، ناهيك عن رفض الكثير من الدول اعتماد المدونة أساساً لولاية المحكمة(1) .
4- فيما يتعلق ببعض الجرائم التي تم استبعادها من مشروع المادة 22 المتضمنة قائمة بالمعاهدات الدولية التي تشكل أساساً لولاية المحكمة (الإطار الأول من اختصاصات المحكمة) والتي تم تضمينها ضمن (الإطار الثاني) من اختصاصات المحكمة والتي تتطلب قبولاً خاصاً من قبل الدول لكي تمارس المحكمة ولايتها إزاءها، كالتي وردت في المادة السادسة والعشرون مثل جريمة المخدرات مثلا التي ينطبق عليها نفس المعايير التي تم الاعتماد عليها في تقرير الفريق العامل بهدف إعطاء المحكمة الولاية إزاءها من دون قبول الدول قبولاً خاصاً، يمكن معادلتها بالاتفاقيات المشار إليها في المادة الثانية والعشرين وذلك من عدة نواح (2) .
1- باعتبار الجريمة جنائية بموجب القانون الدولي وذلك بالإستناد إلى اتفاقية1988م لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية.
2- النصوص الرامية إلى جعل الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون الداخلي .
3- النصوص المتعلقة باختصاص دولة غير الدول التي ارتكبت فيها الجريمة بالنظر في تلك الجريمة.
4- النصوص التي تقضي بملاحقة ومحاكمة الجاني الموجود في إقليم الدولة التي رفضت محاكمة أو تسليم الجاني.
5- النصوص المتعلقة بمبدأ تسليم المجرمين وبالمساعدة القانونية المتبادلة.
ومع هذا فقد تم التعليق على ما سبق خاصة هذه النقطة الأخيرة بالذات بأنه لا يمكن إدراج مثل هذه الجرائم حتى وإن توفرت فيها الشروط الخمسة السابقة، وذلك فقط لكون تلك الجرائم ليست معرفة تعريفاً كافياً في الاتفاقية لتشكل أساسا قانونياً كافياً يتعين على هيئة القضاء تطبيقه مباشرة دون الرجوع للقانون الوطني هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن الالتزام بمحاكمة وتسليم المتهمين كما في اتفاقية 1988م بشأن مكافحة المخدرات لا تسري إلا على الدول التي جعلت الجناية معاقبا عليها بموجب قوانينها الداخلية وليس على أساس تنفيذ أحكام المعاهدة.
ومن هنا وبالإضافة إلى كل الاعتبارات السابقة وبالنظر إلى عدم كفاية تعريف الجرائم في الاتفاقيات القائمة بما في ذلك عدم الإشارة إلى أوجه الدفاع وعوامل التبرئة والإدانة والعقوبات، ولأنه ينبغي تعريف عناصر الجرائم تعريفاً دقيقاً بحيث يسهل إثبات أن سلوك الشخص المتهم يشمل عناصر جريمة بعينها (1) فإن لجنة القانون الدولي قد لاحظت أنه يلزم فيما يتعلق ببعض المعاهدات تضييق نطاق الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصات المحكمة..، وأن يحدد بجلاء في النظام الأساسي فقط الجرائم الأشد خطورة ومدى خطورتها وكونها ذات طابع دولي حقيقي، بما يبرر إدماجها ضمن اختصاص المحكمة.
لكن ظل التساؤل حول كيف سيتم تحديد تلك الجرائم الأشد خطورة ؟ وما هي المعايير التي ينبغي مراعاتها لتحديد أن جريمة ما ذات طابع دولي حقيقي وخطير إلى حد يسوغ إدراجها ضمن اختصاصات المحكمة؟
ترددت في الواقع ثلاثة معايير أساسية تمت مراعاتها عند وضع الصيغة النهائية للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وهذه المعايير هي : (2)
1- أن تلحق الجريمة المعنية الضرر لا بمصالح دولة أو دول معينة فحسب ، وإنما بمصير البشرية بأسرها أو المجتمع الدولي بأكمله.
2- أن تعتبر الأفعال المعنية جرائم بموجب مبادئ القانون الجنائي المعترف بها دولياً، وأن تقر هذه الطبيعة جميع الأطراف المعنية .
3- أن ينطوي مكافحة هذه الجرائم في أقل تقدير على التعاون بين الدول مما يفضي إلى محاكمة مرتكبها أمام محكمة جنائية دولية.
وانسجاماً مع روح النظام الأساسي وفلسفته العامة النابعة عن توجه المجتمع الدولي نحو تحديد نطاق عمل المحكمة بالجرائم الأشد خطورة ..، لم يعد ممكناً قبول معيار وجود معاهدة دولية تعرف الجريمة أو حتى كون المعاهدة قد أوجدت فيما يخص الجناية المعنية نظاماً للاختصاص العالمي بالمحاكمة. وعليه كان من الضروري التوصل إلى اتفاق حول ضرورة خلق نطاق معين من الاختصاص الدولي المشترك، على أساسه يتم إسناد الاختصاص في جرائم محددة بدقة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ثانياً : خلق نطاق معين من الاختصاص الدولي المشترك :
إن أي جناية بمقتضى القانون الدولي العام يقبلها المجتمع الدولي ككل، ويسلم بأنها أساسية إلى درجة أن انتهاكها يرتب المسؤولية الجنائية للأفراد، تعتبر جرائم جسيمة وأشد خطورة مما يوجب إدماجها ضمن اختصاصات المحكمة كما ذهب إلى ذلك الفريق العامل المعني بوضع مشروع النظام الأساسي لمحكمة جنائية دولية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك جريمة العدوان مثلاً الذي ليس معرفاً في معاهدة محددة، وكذلك جريمة الإبادة الجماعية في حالة الدول الغير الأطراف في اتفاقية قمع جريمة الإبادة، وكذلك الجنايات المرتكبة ضد الإنسانية والغير مشمولة باتفاقية جنيف 1949، وهي جرائم من الأهمية بحيث أنه من غير المعقول في هذه المرحلة الأساسية من تطوير القانون الدولي في اتجاه إنشاء محكمة جنائية دولية أن لا يتم إدخال هذه الجنايات ضمن اختصاص المحكمة(1) كونها جرائم خطيرة وذات طابع دولي حقيقي. لكن هل يكفي نعت جريمة بأنها ذات طابع دولي حقيقي وخطير لإدراجها ضمن اختصاصات المحكمة؟! إن جرائم متنوعة ومحددة في معاهدات دولية ومن بينها جريمة الإرهاب والتعذيب والمخدرات والفصل العنصري هي أيضاً جرائم خطيرة وذات أهمية دولية مما يستوجب إدماجها ضمن اختصاصات المحكمة ومع ذلك لم يتم إدماجها!، وهي مسألة لاحظتها العديد من تعليقات الدول.
أ-قصر اختصاص المحكمة في عدة جرائم يتوفر حولها إجماع دولي :
تمشياً مع الرأي السائد عند إعداد الصيغة النهائية للنظام الأساسي، والتوجه الدولي العام نحو قصر اختصاص المحكمة على جرائم بعينها، تم اختيارها باعتبارها الأشد خطورة لإرتباطها بمصير البشرية كلها ولكونها تحظى بإجماع عالمي وبأهمية بالغة كونها من الجسامة بحيث تصدم وجدان المجتمع الدولي وتزعزع أمنه واستقراره ، وتهدد نظامه القانوني.
معيار خطورة هذه الجرائم في الواقع لم يكن ممكناً أن يتضمنها النظام الأساسي للمحكمة، لكن كثيراً من الرؤى التي أبديت داخل اللجنة المختصة لإنشاء محكمة جنائية دولية، وكذا تعليقات عديد من الدول ركزت على ضرورة الاسترشاد فيما يتعلق بهذه النقطة بفقرات المواد 2-5 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة وكذلك المواد 2-4 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا(1)، المهم وكما لاحظت (ببلاروس) في تعليقاتها " أن يتم إدراج أخطر الجرائم وأكثرها عنفاً باعتراف دولي إلى الحد الذي يكون من المستحيل أن ترفض أي دولة اختصاص المحكمة فيما يتعلق بهذه الجرائم، وأن تصبح مع ذلك طرفاً في النظام الأساسي"(2) ويبدو أن هذه الفكرة الأخيرة هي التي تحكمت في إقرار الصيغة النهائية المتعلقة بنقطة جوهرية في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وبناء على ما سبق وباستقراء الكثير من تعليقات الدول وللنقاشات التي دارت حول مواد النظام الأساسي المتعلقة بهذه المسألة، يمكن القول أن قصر اختصاص المحكمة على عدد قليل من الجرائم الدولية التي يتوفر إجماع دولي على خطورتها نقطة مهمة يترتب عليها عدة أمور إيجابية بالنسبة لمستقبل المحكمة من أهمها:
1- تيسير النظر في مسائل أخرى ذات أهمية كذلك في عملية إنشاء المحكمة .
2- تبني نهج موحد ومنسق إزاء مختلف متطلبات الاختصاص بما في ذلك متطلبات موافقة الدول والتزاماتها بالتعاون مع المحكمة وتقديم المساعدة القضائية .
3- حتى يتم تشجيع أكبر عدد ممكن من الدول على قبول المحكمة مما يعزز مصداقيتها وفعاليتها .
4- تجنب إثقال كاهل المحكمة بقضايا يمكن أن تتناولها المحاكم الوطنية على النحو المناسب وكذلك التخفيف من العبء المالي الملقى على المجتمع الدولي..
5- العمل على خلق نطاق معين من الاختصاص المشترك فيما يتعلق بجميع الدول الأطراف وتوسيع نطاق هذا الاختصاص تدريجيا مع الزمن(1) .
لكل هذه الاعتبارات جاء التشديد في النظام الأساسي للمحكمة منذ الديباجة على "ضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ومستقلة وذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة والتي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره"(1) .
ولأهمية المسألة أعيد هذا التأكيد مرة ثانية في المادة الأولى من النظام الأساسي عندما نصت على"...ويكون لها السلطة لممارسة اختصاصاتها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي".
ب-العمل على توسيع نطاق اختصاص المحكمة مستقبلاً.
بما أن الهدف ليس فقط إنشاء المحكمة في حد ذاتها، وإنما التطوير التدريجي للممارسة القانونية، وسن القوانين على الصعيد الدولي، كان لابد من العمل على خلق نطاق معين من الاختصاص المشترك بين جميع الدول وتوسيع نطاقه تدريجياً. لذلك كان هناك حرص شديد على إيجاد آلية مناسبة لتمكين الدول الأطراف في النظام الأساسي من النظر في إضافة جرائم أخرى في مرحلة لاحقة وهي مسألة ما انفكت مختلف الرؤى تشدد على أهميتها(2) .
ولذا فقد تم تضمين النظام الأساسي للمحكمة الإشارة إلى تلك الآلية عندما نصت المادة 123 منه على أنه بعد انقضاء سبع سنوات على بدء نفاد هذا النظام، يعقد الأمين العام للأمم المتحدة مؤتمراً استعراضياً للدول الأطراف للنظر في أية تعديلات على محتويات هذا النظام، ويجوز أن يشمل الاستعراض قائمة الجرائم المدرجة ضمن اختصاصات المحكمة..
وهي الجرائم الدولية الأشد خطورة والتي أصبحت لا تستمد طابعها الإجرامي بموجب القانون الدولي فحسب وإنما تستمده كذلك من التنصيص على تلك الطبيعة في النظام الأساسي نفسه كونها تشكل نظاما مشتركا من الاختصاص فيما يتعلق بجميع الدول الأطراف، من هنا وحتى في حالة عدم وجود تعريف لأي من تلك الجرائم في صكوك دولية سابقة ينبغي أن يتضمن النظام الأساسي نفسه مثل هذا التعريف وأن يبت في هذه المسألة انطلاقا منه.
فما هي الجرائم الدولية الأشد خطورة والتي أدرجت ضمن اختصاص المحكمة الجنائية؟ وكيف تمت معالجة إشكالية عدم وجود تعاريف واضحة ومحددة لأي من هذه الجرائم؟ .
المطلب الثاني : الجرائم الدولية المدرجة ضمن اختصاصات المحكمة
انصرفت نية المجتمع الدولي بالإجماع في إطار المحكمة الجنائية الدولية إلى خلق نطاق معين من الإختصاص المشترك فيما يتعلق بجميع الدول الأعضاء، يشمل أربع جرائم أساسية اعتبرت أشد الجرائم الدولية خطورة، وأكثرها تهديداً لبنية وقيم النظام القانوني الدولي.
وهذه الجرائم الأربع كما حددتها المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة هي : (1)
1- جريمة الإبادة الجماعية .
2- الجرائم ضد الإنسانية .
3- جرائم الحرب .
4- جريمة العدوان .
ولأن المحكمة أنشئت خصيصاً كمحفل لمقاضاة تلك الجرائم، نعتقد أن من الأهمية بمكان الإلمام بمفهوم تلك الجرائم وتعديد عناصرها وفقاً لما بينته مواد النظام الأساسي، والاستفادة عند الاقتضاء بالتحديد الذي بينته أية اتفاقيات أو صكوك دولية سابقة تناولت هذه الجرائم، باعتبار أن النظام الأساسي نفسه كان مستنداً في تحديده لتلك الجرائم الدولية على كثير من المعاهدات الدولية الكاشفة عنها، وعلى التعاريف الواردة في تلك المعاهدات دون أن يكون ممكناً تضمينه لتلك المعاهدات وبالتالي صور وأركان الجرائم التي كشفت عنها(1) .
أولاً : الإبادة الجماعية : (2)
عرفت المادة السادسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة الإبادة الجماعية أنها تعني لغرض هذا النظام. أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً :
1- قتل أفراد الجماعة .
2- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة .
3- إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا .
4- فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة .
5- نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى .
وتنصرف عبارة " إهلاك جماعة... إهلاكاً كلياً أو جزئياً " كما تم توضيح ذلك أثناء مناقشة هذه الجريمة داخل اللجنة المعنية بإعداد نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى القصد المحدد لإهلاك ما هو أكثر من عدد صغير من الأفراد الأعضاء في جماعة ما .." كما أن الإشارة إلى الأذى العقلي تعني ما هو أكثر من التعطيل البسيط أو المؤقت للقدرات العقلية. (1) "
وبالرجوع إلى الأفعال التي حددتها المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة نلحظ أنها نفس الأفعال التي كانت حددتها المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الجنس التي وقع عليها في 9 ديسمبر 1948م، ودخلت حيز النفاذ 2 يناير 1951م .
وجوهر هذه الجريمة كما خلصت إلى ذلك الجمعية العامة في مشروع قرارها للاتفاقية السابقة والذي أصدرته سنة 1946 يتمثل في " إنكار حق البقاء لمجموعة بشرية بأجمعها" نظراً لما ينطوي عليه من خطر على الضمير العام وإصابة البشرية كلها بأضرار بالغة من كل النواحي التي تساهم بها هذه المجموعات فضلا عن منافاتها للأخلاق ولمقاصد الأمم المتحدة...
ولما كانت قد وجدت أمثلة كثيرة لجرائم إبادة الجنس... ، ولما كانت مسألة معاقبة جريمة إبادة الجنس مسألة ذات اختصاص دولي، لذلك تؤكد الجمعية العامة أنها جريمة في نظر القانون الدولي ويدينها العالم المتمدن ويعاقب مرتكبوها سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء، بصرف النظر عن صفاتهم حكاماً أو أفرادا عاديين، سواء قاموا بارتكابها على أسس تتعلق بالدين أو السياسة أو الجنس أو أي أساس آخر... ، وتدعو الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى سن ما يلزم من قوانين لمنع وعقاب هذه الجريمة وتوصي بتنظيم التعاون الدولي لتسهيل التجريم العادل لهذه الجريمة والعقاب عليها (1) ".
وعليه فإضفاء صفة التجريم هنا نابعة من طبيعة المصلحة الجوهرية المعتدى عليها لذا فعند مناقشة مشروع النظام الأساسي طوال مراحل إعداده، انصرفت الآراء وكذا ردود الدول إلى ما يشبه الإجماع حول ضرورة إدماج هذه الجريمة ضمن أولويات اختصاص المحكمة المنشأة، بل ولأكثر من ذلك أن الحديث عن فكرة القضاء الدولي الجنائي المنظم وبداية الجهود الحقيقية في إطار منظمة الأمم المتحدة نحو إنشاء محكمة جنائية دولية ارتبط بمناسبة التوقيع على اتفاقية قمع ومعاقبة جريمة الإبادة.
فعلاوة على التعريف الواضح للجريمة في الاتفاقية المذكورة وتحديد عناصرها وصورها، فإن الاتفاقية نفسها قد تضمنت شروط الملاحقة الدولية ضد مرتكبي هذه الجريمة، بل شددت كذلك على أن مسألة الاختصاص الدولي بالمحاكمة عن هذه الجريمة يمثل الضمانة الأساسية للحيلولة دون إفلات مرتكبها من العقاب لذلك سارعت الجمعية العامة إزاء هذا التطور الإيجابي على إصدار توصية مهمة تضمنت ثلاث مسائل أساسية كانت بمثابة اللبنة الأولى لجهود الأمم المتحدة نحو إنشاء المحكمة الجنائية الدولية كما أشرنا إلى ذلك، وهذه الأمور الثلاثة هي: (1)
1- الاعتراف بأنه في مجال تطور المجتمع الدولي سوف تزداد الحاجة إلى وجود قضاء دولي جنائي يختص بالنظر ببعض الجرائم التي تستمد صفتها الدولية من خلال القانون الدولي العام.
2- دعوة لجنة القانون الدولي لدراسة ما إذا كان ممكناً إنشاء هيئة قضائية دولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جريمة إبادة الجنس أو الجرائم الأخرى التي تصبح من اختصاص هذه الهيئة وذلك بموجب الاتفاقيات الدولية المعقودة.
3- مطالبة لجنة القانون الدولي التي سوف تضطلع بهذا العمل أن تراعي مدى إمكانية إنشاء دائرة جنائية ضمن دوائر محكمة العدل الدولية.
والواقع أن اتفاقية 9 ديسمبر 1948 رغم أنها أتت خالية من الإشارة إلى العقاب، وهو الشق الثاني لمبدأ الشرعية، كما أنها أغفلت كذلك الإشارة إلى الجماعات الاجتماعية والسياسية، إلا أنها بالفعل شاملة في تعريف الجريمة وتحديد عناصرها والإفصاح عن طابعها الجرمي سواء ارتكبت في أوقات السلم أو الحرب، وبالتالي لم يعد ممكن تركها ضمن المجال المحفوظ للدول لأنها تنطوي على مس خطير بالسلم والأمن الدوليين، وعادة ما تمارس من قبل السلطات العامة أو بمعرفتها بحيث يغدو الاعتماد على المحاكم الداخلية عديم الجدوى.
وإزاء هذا التحديد الدقيق والمفصل للأفعال التي تكون جريمة إبادة للجنس في هذه الاتفاقية، والذي يعبر عن الرغبة الحقيقة في حماية المصالح الجوهرية للمجتمع الدولي، كان طبيعياً أن يرد تعريف النظام الأساسي للمحكمة لهذه الجريمة بنفس الطريقة التي عرفتها بها الاتفاقيــــة المذكـــــورة (1) .
وعليه كان من الطبيعي أن تجمع مختلف الرؤى عند اعتماد الصيغة النهائية للنظام الأساسي للمحكمة إلى أن هذه الجريمة تفي بمعايير الإدماج المبينة في ديباجة هذا النظام والمؤكد عليها في مادته الأولى " كونها من أشد الجرائم خطورة محل الاهتمام الدولي" وتشكل بالتالي أساساً لولاية المحكمة الجنائية وأنها كذلك معرفة تعريفاً يفي بمتطلبات مبدأ الشرعية " إذ أن التعريف الموثوق لهذه الجريمة موجود في اتفاقية 9 ديسمبر 1948 التي لاقت قبولاً واسع النطاق من جانب الدول بحيث اعتبرت مجسدة للقانون الدولي العرفي الذي تطبقه محكمة العدل الدولية(1) " وتم إدراجه كذلك في النظام الأساسي للمحكمة.
ومع أن المادة السادسة من النظام الأساسي والتي تصدت لتعريف هذه الجريمة لم تشر إلى الجماعات الثقافية والسياسية (2) في صدد تعدادها للأفعال التي تشكل جريمة الإبادة، إلا أن هذه المسألة تمت معالجتها في سياق الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
ثانياً : الجرائم ضد الإنسانية:
عرفت المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الجرائم ضد الإنسانية عبر تعداد الأفعال التي تشكل في حالة ارتكابها في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين عن علم بهذا الهجوم باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وهذه الأفعال التي تشكل جرائم هي :
1- القتل العمد .
2- الإبادة التي تعني هنا تعمد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان.
3- الاسترقاق وتعني ممارسة أي من السلطات حق الملكية على شخص ما بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص لا سيما النساء والأطفال.
4- إبعاد السكان أو النقل القسري لهم أي نقلهم قسراً من المنطقة التي يتواجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري أخر من دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.
5- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.
6- التعذيب أي تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة سواء بدنياً أو عقلياً بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته، على أن لا يشمل هذا المعنى أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية أو تكون جزء منها أو نتيجة لها.
7- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري بقصد التأثير على التكوين العرقي لأي مجموعة من السكان أو أي شكل أخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة.
8- اضطهاد أي جماعة محددة من السكان أو مجموع السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية، وذلك فيما يتعلق بأي فعل مشار إليه هنا، أو بأي جريمة تدخل ضمن اختصاصات المحكمة. ويعني الاضطهاد حرمان أي جماعة من السكان حرماناً متعمداً وشديداً من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي وذلك بسبب هوية هذه الجماعة أو مجموع السكان .
9- الاختفاء القسري للأشخاص ويعني إلقاء القبض على أي أشخاص واحتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن ودعم منها لهذا الفعل أو سكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة طويلة .
10- الفصل العنصري: أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال السابقة وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية إزاء جماعة أو جماعات أخرى وترتكب بغية الإبقاء على ذلك النظام.
11- أي أفعال غير إنسانية أخرى ذات طابع مماثل تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
بالنسبة لهذا النوع من الجرائم الدولية فقد انصرفت أراء كثيرة من أعضاء الفريق العامل المعني بوضع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى ضرورة إدماجها ضمن الولاية القضائية الجنائية الدولية للمحكمة، مع مراعاة أن يكون اختصاص المحكمة فيما يتعلق بهذه الجريمة مرهوناً بمزيد من الوصف للتأكد من إفساح المجال لتحقيق معيار الجسامة...، وبما أنه لا توجد اتفاقية تشمل تعريفاً قضائياً لهذا النوع من الجرائم معترف به بصفة عامة ودقيق بما فيه الكفاية، فقد اعتبر أن التعريفات الواردة في لائحة نورمبرج المادة السادسة والمادة الخامسة من النظام الأساًسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة والمادة الثالثة من محكمة رواندا توفر توجيها مناسباً عند وضع مثل هذا التعريف الدقيق، وبالاستفادة كذلك من ردود وتعليقات الدول الواردة حول هذه النقطة (1) .
والواقع أن مثل هذه الأفعال التي تنطوي على عدوان صارخ على إنسان أو مجموعات إنسانية، قد اعتبرت في ظل الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي العام جرائم دولية بالنظر إلى المكانة التي أصبح الفرد يحتلها في النظام القانوني الدولي الحديث، وللخطورة التي تشكلها هذه الجريمة على بنيان وقيم النظام القانوني الدولي.
وعلى الرغم من حداثة مفهوم الجرائم ضد الإنسانية(2) في القانون الدولي العام" فإن تأتيم الأفعال المكونة لهذه الجرائم وسيلة فعالة لتوفير الحماية الجنائية لحقوق الإنسان وقت السلم والحرب، بل ويمثل أحد الضمانات الأساسية للحد من طغيان الحكام الذين يتنكرون للقيم الإنسانية العليا ويهددون حقوق بعض الفئات أو الجماعات الإنسانية لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية. (1) "
وفوق ذلك فقد تضمنتها العديد من الاتفاقيات الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى خصوصاً المتعلقة بحماية الأقليات، وكذلك المعاهدات الدولية التي شكلت بداية للمسألة الجنائية وتقرير المسؤولية الجنائية الشخصية ...، كما تضمنها المبدأ السادس من مبادئ محاكمات نور مبرج والمتعلق بتعيين وتحديد الجرائم الدولية عندما صنف أن الجرائم ضد الإنسانية جرائم دولية خطيرة.
لكن ومع ذلك فإن مختلف التأكيدات والاتفاقيات الدولية تلك، وما نتج عنها كانت تنظر إلى هذه الجرائم بارتباطها بجرائم الحرب، ومن هنا لم تستطع محكمة نورمبرج مثلاً أن تدين الألمان عن ارتكاب مثل تلك الجرائم التي ارتكبت منذ سنة 1939، لأنه كما ذهبت المحكمة إلى ذلك " يتعذر عليها أن تعلن أن تلك الأفعال كانت تمثل جرائم ضد الإنسانية بالمعنى الذي حدده ميثاق نورمبرج، أما بالنسبة للأفعال المرتكبة بعد هذا التاريخ فقد أكدت المحكمة وجود علاقة بينها كجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة ومن ثم أصدرت حكمها بالإدانة على هذا الأساس".
فهذه الجرائم اللاإنسانية التي وجهها الإدعاء- كما جاء في حكم المحكمة-، تم ارتكابها بعد نشوب الحرب لكنها ليست جرائم حرب بالمعنى المعروف، إلا أنها ارتكبت بسبب ارتباطها ولعلاقتها بها يمكن اعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
التساؤل المتعلق بارتباط ارتكاب هذه الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية بمناسبة ارتكاب جريمة أخرى وهي جريمة الحرب نوقش كذلك داخل اللجنة المكلفة بإعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة، فذهبت كثير من الآراء إلى أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية برواندا والقرار الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدوليـــة بيوغسلافيا من قضيــــة (دتاديتسTadec ) وكذلك التطورات التي حدثت منذ سابقة نورمبرج ترجح استبعاد أي شرط يتعلق بالنزاع المسلح،(1) على أنه تم الإعراب كذلك على أن الجرائم المذكورة كانت ترتكب عادة أثناء نزاعات مسلحة ولم ترتكب وقت السلم إلا بصفة استثنائية(2). ومع ذلك فهذه الجريمة تعد جريمة دولية مستقلة عن جرائم الحرب وذلك لإمكان وقوعها في غير زمان ومكان القتال وإن تيسر ارتكابها في أثنائه، نظرا لما تنطوي عليه من إنكار لحقوق الإنسان الأساسية(1) ، وإضراراً خطيراً بمصلحة جوهرية للنظام الدولي.
وعليه فقد حرص واضعوا النظام الأساسي عند إعداد صيغته النهاية " كما ذهبت كذلك أيضا مختلف تعليقات وردود الدول حول المشروع المقدم (2) ". إلى ضرورة تعيين وتحديد الأفعال المكونة لهذه الجريمة بوضع تعريفات دقيقة ومركزة لها بحيث يمكن تجنب الخلط مثل