HOUWIROU Admin
عدد الرسائل : 14835 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
| موضوع: النظام العام والغش نحو القانون كموانع لتطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي الجزائري الخميس 16 مايو 2013 - 17:30 | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] النظام العام والغش نحو القانون كموانع لتطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي الجزائري الأستاذة:أمينة رايس خطة البحث مقدمة المبحث الأول:النظام العام باعتباره مانعا لتطبيق القانون الأجنبي المطلب الأول:تطور فكرة النظام العام المطلب الثاني:صعوبة ضبط فكرة النظام العام المطلب الثالث:أثر النظام العام المطلب الرابع:الأثر المخفف للنظام العام المبحث الثاني :الغش نحو القانون باعتباره مانعا لتطبيق القانون الأجنبي المطلب الأول: نشأة نظرية الغش نحو القانون المطلب الثاني: شروط الدفع بالغش نحو القانون المطلب الثالث: نطاق الدفع بالغش نحو القانون المطلب الرابع: أثر الدفع بالغش نحو القانون خاتمة مقـــدمـة: إذا ما أشارت قاعدة الإسناد في قانون القاضي إلى القانون الواجب التطبيق يتوجب عندئذ العمل بمقتضى القانون الذي قالت به قاعدة الإسناد لتطبق قواعده الموضوعية غير أن تطبيق القانون الأجنبي وفق قاعدة الإسناد الوطنية ليس معناه التوقيع على بياض إنما تطبيقه يتم وفق ضوابط ذلك أن الأصل دائما هو تطبيق القانون الوطني والاستثناء هو تطبيق القانون الأجنبي،وبالتالي إن زال الاستثناء لابد من الرجوع للأصل والجزائر على غرار دول أخرى ينعقد فيها الاختصاص للقانون الأجنبي لحكم النزاع أمام القاضي الجزائري بموجب قاعدة الإسناد الوطنية التي تشير إلى تطبيقه بوصفه القانون الأنسب لحكم العلاقة القانونية محل النزاع غير أن مضمون هذا القانون الأجنبي قد يتعارض مع المفاهيم الأساسية والمبادئ القانونية المستقر عليها في دولة القاضي ،وهنا يمكن للقاضي الوطني استبعاده بسبب مخالفته للنظام العام والآداب العامة. كما أن القانون الأجنبي قد يثبت له الاختصاص عن طريق التغيير الإرادي الاحتيالي لضابط الإسناد للهروب من أحكام قانون معين هو المختص أصلا بحكم النزاع ،وهنا يمكن للقاضي الامتناع عن تطبيقه بسبب الغش نحو القانون. لذلك فإن القاضي الجزائري حينما ينظر نزاعا ذا عنصر أجنبي،ويكون ملزما بتطبيق قانون غير القانون الجزائري بموجب قاعدة الإسناد الوطنية التي تشير إلى تطبيقه ، لا يكتفي بإثبات القانون الأجنبي وتفسيره بل لابد أن يتأكد من أنه لا يخالف النظام العام والآداب العامة في الجزائر ولم يثبت له الاختصاص بواسطة الغش نحو القانون ،وبعبارة أخرى لابد أن يتأكد من أن القانون الأجنبي الواجب التطبيق لا يدخل في إحدى حالات الاستبعاد بموجب المادة24 من القانون المدني الجزائري. ومما سبق إذا كان السماح بتطبيق قانون أجنبي أمام المحاكم الوطنية ومن طرف قضاة وطنيين هو استثناء،فإن هذا الاستثناء يقتضي الرجوع إلى الأصل والمتمثل في استبعاد هذا القانون الأجنبي إذا كان داخلا ضمن موانع التطبيق للأسباب المتقدمة . وعلى اعتبار أن النظام العام في حد ذاته من المفاهيم الغامضة والفضفاضة في مجال القانون ،وبدورها عملية كشف الغش الذي قد يمارسه الشخص حتى يطبق عليه قانون بعينه ليست من المواضيع الواضحة سنركز في مداخلتنا هذه على: محاولة الكشف عن ما المقصود بالنظام العام- في ظل صعوبة ضبط الفكرة - ؟ وإن كان القاضي يتشدد في إعمال قاعدة مخالفة القانون الأجنبي للنظام العام والآداب العامة كسبب لاستبعاد القانون الأجنبي من التطبيق في حالة نشوء بعض الحقوق في دولة القاضي فهل يستوي الأمر في الحالة التي تنشأ فيها الحقوق في ظل دولة أجنبية وتنتج آثارها في دولة القاضي ؟ وهل يستبعد القاضي الجزائري القانون الأجنبي من التطبيق إذا كان القانون المتهرب منه هو قانون القاضي؟ أو أي قانون آخر ثبت له الاختصاص بموجب قاعدة الإسناد ؟ وما هو القانون الواجب التطبيق عند استبعاد القانون الأجنبي بسبب الغش نحو القانون ؟ كل هذه النقاط وغيرها والإجابة عليها هي الموضوع الذي نريد الخوض فيه حتى نحيط بمسألة هامة وهي الموانع التي تمنع القاضي من تطبيق قانون أجنبي ثبت له الاختصاص بموجب قاعدة الإسناد الوطنية معتمدين في ذلك على المنهج المركب من المنهجين التحليلي والمقارن وفق الخطة التالية: المبحث الأول: النظام العام باعتباره مانعا لتطبيق القانون الأجنبي يتناول هذا المبحث محاولة الإحاطة بفكرة النظام العام من خلال تحديد ما المقصود به بداية ثم عرض المراحل التي مر بها تطور الفكرة في ظل صعوبة ضبطها ثم الآثار المترتبة عن استبعاد تطبيق القانون الأجنبي بسبب مساسه بالنظام العام. المطلب الأول:تطور فكرة النظام العام الفرع الأول :مفهوم النظام العام عندما تعين قاعدة الإسناد الوطنية قانونا أجنبيا لحكم العلاقة القانونية المطروحة أمام القاضي ،فإن هذا التعيين يكون محددا بشرط هام وهو عدم التعارض الجوهري بين مضمون هذا القانون والركائز التي يقوم عليها النظام القانوني في دولة القاضي،وهذا ما يعرف باسم النظام العام . وإن أردنا أن نعرف ما المقصود بالنظام العام فإنه يتعين علينا الرجوع إلى الفقه والقضاء ، لكن أهم ما يميز النظام العام أنه مفهوم نسبي متطور متغير من زمن إلى آخر ومن مكان إلى آخر حتى أن البعض وصفه بأنه "الابن المخيف للقانون الدولي الخاص" إلا أنه عموما متعلق بصميم المصالح العليا للبلاد،الأسس الجوهرية لنظام الحكم ،الضمانات الدستورية المقررة للمواطنين ،مستوى الوجدان والضمير الحي المشاعر الروحية والدينية والإيمانية ،الحلال والحرام ،الخطأ والصواب . وعرفه بعض الكتاب الإنجليز بأنه :"المبدأ الذي يوجب استبعاد تطبيق القانون الأجنبي في الأحوال التي يخالف فيها تطبيقه سياسة القانون الإنجليزي أو قواعد الآداب العامة المرعية في انجلترا أو مع ضرورة المحافظة على النظم السياسية فيها . غير أنه هناك من القوانين الغربية منها والعربية من تعرضت للنظام العام منها القانون المدني العراقي في مادته 132 والقانون المدني الأردني في مادته 163، والقانون المدني المصري في مادته 28 واشتركت جميعا في اعتبار النظام العام يتعلق أساسا بالأحوال الشخصية كالأهلية والميراث والأحكام المتعلقة بالانتقال والإجراءات اللازمة للتصرف في الوقف والعقار ،غير أن ما ورد فيها لم يكن على سبيل الحصر بل على سبيل المثال، كما تعرض لمفهومه القانون المدني الألماني في مادته 30 وعرفه بأنه القواعد التي تتصل بأصل أسس النظام الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي للبلد وبمفهومها في وقت معين ،ويكون من طبيعة انتهاكها تهديد النظام العام وتصديعه. وبالرجوع إلى المادة 36 من القانون المدني اليمني نجدها تنص على مايلي:" لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي تعين تطبيقه طبقا للنصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام تخالف الشريعة الإسلامية " أما عن المشرع الجزائري فقد سكت تماما عن تحديد مفهوم النظام العام واكتفى بالنص عليه ضمن المادة24 منه المعدلة بالقانون رقم 05-10 المؤرخ في 20يونيو2005 بقوله" لا يجوز تطبيق القانون الأجنبي بموجب لنصوص السابقة إذا كان مخالفا للنظام العام والآداب العامة في الجزائر....." ومما سبق يتبين لنا بأنه وبالرغم من المحاولات لإعطاء مفهوم للنظام العام لم يتم التوصل إلى ضبطه ضبطا دقيقا ،وبالتالي يبقى الأمر متروكا للقاضي وهو يتمتع فيه بسلطة تقديرية واسعة ،ففي كل واقعة تعرض عليه لابد أن يقدر ما إذا كان حكم القانون الأجنبي يتعارض مع النظام العام في دولته وهذا ما ينطبق على القاضي الجزائري تماما. غير أن النظام العام في غالبية الدول الإسلامية يقوم على فكرة عدم مخالفة قواعد الشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية ومن بينها الجزائر التي يتم العمل فيها بقواعد الشريعة الإسلامية في إطار قانون الأسرة. كما أن هناك من يثير فكرة النظام العام الدولي ،لكن الرأي الراجح يقول بأن التفرقة بين النظام العام الداخلي و النظام العام الدولي تفرقة خادعة وخاطئة ،كون النظام العام في القانون الدولي الخاص يتميز بالوطنية ،لأن ما يسمى بالنظام العام الدولي هو في الحقيقة النظام العام الداخلي ،وهذا النظام العام تختلف درجة تمدده أو انكماشه حسب مقتضيات الحال أي ما إذا كنا بصدد علاقات خاصة وطنية أم علاقات تتجاوز الحدود . ويمكن أن تكون فكرة النظام العام الدولي موجودة بالمعنى الصحيح في مجال التحكيم في التجارة الدولية وذلك راجع إلى أنه ليس للمحكمين قانون وطني يرجعون إليه ،وهم يحتاجون إلى نظام قانوني له صفة العالمية ،يرجعون إليه لاستبعاد القانون الواجب التطبيق على النزاعات التي يفصلون فيها ،متى كان ذلك ضروريا . الفرع الثاني:مراحل تطور فكرة النظام العام أولا:النظام العام كأداة لتطبيق القانون الإقليمي بداية يسجل الفقه أن فكرة القانون العام فكرة حديثة في نطاق القانون الدولي الخاص ،إذ أن دوره في القديم قد طرح بوصفه أداة لتثبيت الاختصاص للقانون الإقليمي ،وصاحب لفضل في صياغة فكرة النظام العام بمفهومها الحديث هو الفقيه سافيني أما عن نواة اصطلاح النظام العام فكانت من فقه نظرية الأحوال الإيطالي في القرن الثالث عشر ميلادي إذ ميز الفقيه بارتول Bartole بين الأحوال المفيدة أو الملائمة والأحوال البغيضة أو المستهجنة ورأى أن الأحوال الأولى هي التي يمكن أن يمتد تطبيقها خارج الإقليم الذي صدرت فيه فتتبع الشخص أينمل ذهب وتسري عليه أينما كان ،أما عن الأحوال البغيضة فلا يتصور تطبيقها خارج الإقليم الذي صدرت فيه وتبقى حبيسة حدود هذا الإقليم أما الفقيه مانشيني فقد وضع نظريته الشهيرة التي أكد فيها مبدأ شخصية القوانين باعتبار أن القانون قد وضع ليحكم سلوك الأشخاص قبل أن يوضع ليطبق في حدود الإقليم،لكنه أورد على هذه النظرية عدة استثناءات تمثلت في تطبيق قانون الإرادة على العقود ،وتطبيق القانون المحلي على شكل التصرفات،وكذلك قواعد القانون العام والقوانين الخاصة بالأمن المدني وبالملكية العقارية وقد قرر مانشيني أن هذه القوانين تطبق إقليميا لتعلقها بالنظام العام . ثانيا: الدور الإستبعادي للنظام العام النظام العام إن كان مانشيني قد استعمل فكرة النظام العام كأداة لتثبيت الاختصاص للقانون الإقليمي ،فقد كان له الفضل في إبراز دور لنظام الاستبعادي للنظام العام في القرن التاسع عشر حيث أوضح أن قواعد الإسناد تعمل في النطاق الذي يسمح به "الاشتراك القانوني بين الدول" ومضمون فكرته أن هناك اشتراكا قانونيا بين الدول المسيحية التي استمدت قوانينها من القانون الروماني ،هذا الاشتراك القانوني يسمح بعمل قواعد التنازع بين الدول المسيحية بما يتيح تطبيق كل دولة لقانون غيرها من الدول التي تتفق معها في وحدة المصدر القانوني وعلى النقيض من ذلك فإنه يتعين استبعاد القانون الأجنبي في الحالات التي تنقطع فيها عوامل الاشتراك. أما الفقه الحديث فقد استفاد من فكرة سافيني إلا أنه لم يأخذ بمعيار وحدة المصدر ،بل أصبح يقصد بفكرة الاشتراك القانوني في الوقت الراهن مجرد التقارب بين الأصول العامة في التشريع بما لا يجعل تطبيق القانون الأجنبي متنافرا تنافرا تاما مع الأحكام الموضوعية في قانون القاضي وعلى هذا النحو انتهى تطور فكرة النظام العام إلى اعتبار الدفع بالنظام العام دفعا استثنائيا عاما يقيد من حكم قواعد الإسناد حيث يقصد به استبعاد القانون الأجنبي المختص اختصاصا عاديا طبقا لقاعدة الإسناد في كل حالة يتخلف فيها الاشتراك القانوني بين ذلك القانون وقانون القاضي . المطلب الثاني :صعوبة ضبط فكرة النظام العام رغم أن الفقه الحديث مجمع على أهمية فكرة النظام العام ودورها كأداة لاستبعاد القانون الأجنبي إلا أنه يبقى مختلفا مع ذلك حول تحديد مضمونها ،ومع ذلك فإن هناك اتفاق حول تحديد هدفها ،وهي أنها تمكن القاضي من استبعاد القانون الأجنبي المختص إذا تعارض تطبيقه مع الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في الدولة وهي على هذا الأساس فكرة مرنة ومتطورة تختلف باختلاف الزمان والمكان،فما يعتبر اليوم من النظام العام قد لا يعتبر كذلك في المستقبل ،وما يعتبر نمن النظام العام في دولة قد لا يعتبر كذلك في دولة أخرى. وقد أدت الاعتبارات السالفة الذكر إلى إعطاء القاضي سلطة واسعة في التقدير حسب المفاهيم السائدة في دولته على أن القاضي لا يقتصر في تقديره لمدى تعارض القانون الأجنبي مع النظام العام في دولته على مضمون هذا القانون ،وإنما إضافة إلى ذلك الأثر الذي يرتبه تطبيق هذا القانون على النزاع ،إذ قد يكون القانون الأجنبي لا يتعارض مع النظام العام في ظاهره ،غير أن الأثر الذي يترتب عن تطبيقه هو الذي يتعارض مع النظام العام. ويضيف الفقه الألماني معيارا آخر وهو ضرورة وجود صلة بين النزاع ودولة القاضي ،وفي هذه الحالة يجب التفريق بين ما إذا كان تطبيق القاعدة القانون الأجنبي المتعارض مع النظام العام ينتج آثاره في دولة القاضي أم خارجها ،وهذا الرأي تبنته مؤخرا محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ 10 فيفري 1993 في قضية تتعلق بإثبات النسب الطبيعي " La Filiation naturelle " ،إذ نص القرار على :" إذا كان القانون الأجنبي الذي يمنع إثبات النسب الطبيعي لا يتعارض مبدئيا مع المفهوم الفرنسي للنظام العام،إلا أنه يتعارض مع هذا النظام إذا كان يحرم طفلا فرنسيا،أو مقيما بصفة دائمة في فرنسا من حقه في إثبات نسبه،مما يتعين معه استبعاد هذا القانون الأجنبي" وفي هذا المجال يثور إشكال آخر حول اللحظة التي يحدد فيها القاضي مفهوم النظام العام ،هل يرجع إلى وقت نشوء العلاقة؟ ،أم إلى وقت رفع النزاع ؟أم إلى وقت صدور الحكم؟ ويتجه الفقه والقضاء إلى وجوب تقيد القاضي بمفهوم النظام العام السائد في دولته في الوقت الذي يصدر فيه حكمه لأنه هو الوقت الذي تم فيه تطبيق القانون الأجنبي ، ومتى كان ذلك القانون وقت تطبيقه يصطدم مع المفاهيم القانونية السائدة في بلد القاضي كان عليه أن يمتنع عن العمل به. المطلب الثالث:أثر النظام العام يرى غالبية الفقه أن الدفع بالنظام العام لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي الوطني هو دفع موضوعي وليس إجرائي،ذلك أن هذا الدفع يوجه إلى مضمون القانون الأجنبي الذي يخالف بصورة صارخة أسس القانون الوطني فإثارة الدفع هنا ترتبط بإخلال القانون الأجنبي بمقتضيات النظام العام في دولة القاضي ، ولا مجال للاستبعاد إن لم يكن هناك مساس بالنظام العام لأن التباين والاختلاف في الحالة السابقة مقبول وهو الذي يطرح في الأساس مشكلة تنازع القوانين. وإذا تعارض القانون الأجنبي مع النظام العام في دولة القاضي ترتب أثرن:أثر سلبي وهو الإستبعاد الجزئي أو الكلي للقانون الأجنبي أثر ايجابي وهو ثبوت الاختصاص للقانون الوطني. الفرع الأول:الأثر السلبي للنظام العام يتمثل الأثر السلبي للنظام العام في استبعاد تطبيق القانون الأجنبي وهذا مانص عليه المشرع الجزائري في المادة24 الفقرة 01من القانون المدني :" لايجوز تطبيق القانون الأجنبي بموجب النصوص السابقة إذا كان مخالفا للنظام العام أو الآداب العامة في الجزائر..." ، لكن السؤال الذي يطرح هنا هو هل يتم استبعاد القانون الأجنبي كليا أم يستبعد الجزء المتعارض منه مع النظام العام فقط؟ إن الإجابة عن هذا السؤال من طرف الاجتهاد الفقهي الغالب هو أن الأثر السلبي للنظام العام ليس من شأنها استبعاد القانون الأجنبي كليا ،وإنما ينحصر هذا الأثر في الجزء الذي يتعارض مع النظام العام،ويطبق القانون الأجنبي على باقي عناصر النزاع،وهذا الرأي له تطبيقات عديدة في القضاء الفرنسي،ففي قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسيةبتاريخ17/11/1964 حيث جاء فيه:"إن ما تنص عليه أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث لا يمس النظام العام في فرنسا،إلا في منعها التوارث بين المسلم وغير المسلم ومن ثم يتعين استبعاد أحكام الشريعة الإسلامية في هذه النقطة وحسب ،من دون أن يحل القانون الفرنسي محل القانون الأجنبي الإسلامي في بيان مراتب الورثة وأنصبتهم" وهذا هو الرأي الذي سار عليه كذلك القضاء المصري. ويستند هذا الاتجاه إلى عدة حجج منها :أنه ينبغي استخدام الدفع بالنظام العام بحذر شديد ووفقا للغاية التي يسعى إلى تحقيقها،أي بالقدر الذي يمنع المساس بالمبادئ الأساسية السائدة في دولة القاضي كما أن الدفع بالنظام العام لا يهدف إلى إصدار حكم على القانون الأجنبي برمته،وإنما يهدف فحسب إلى استبعاد النتيجة المخالفة للنظام العام ومتى أمكن ذلك عن طريق الاستبعاد الجزئي كان ذلك الأمر مقبولا. غير أن هذا الحل يرد عليه استثناء وحيد،وهو في حالة ما إذا كان ثمة ارتباط بين أجزاء القانون الأجنبي بحيث يكون من المستحيل استبعاده جزئيا ففي هذه الحالة يستبعد القانون الأجنبي كليا ونظن أن هذا ماقصده المشرع الجزائري مع عمومية النص . الفرع الثاني:الأثر الإيجابي للنظام العام الأثر الايجابي للنظام العام هو تطبيق القانون الوطني للقاضي محل القانون الأجنبي المستبعد،وهو ما تبناه المشرع الجزائري بنص المادة24 الفقرة02 من القانون المدني:"...يطبق القانون الجزائري محل القانون الأجنبي المخالف للنظام العام والآداب العامة" ،فالدفع بالنظام العام هو مسألة موضوعية على خلاف ما ينظر إليه في البلاد الأنجلوسكسونية على أنه مسألة إجراءات ،حيث تكتفي المحكمة باستبعاد تطبيق القانون الأجنبي وتحيل الأطراف إلى محكمة أخرى. ورغم أن الاتجاه الفقهي الغالب ومعظم التشريعات تؤكد أن الأثر الايجابي للنظام العام هو تطبيق قانون القاضي،والاعتراض الوحيد الذي يمكن أن يوجه إلى هذا الحل هو أن تطبيق قانون القاضي قد يؤدي إلى إهدار متطلبات الحياة الدولية لأن تطبيقه لا يكون ملائما لطبيعة العلاقة محل النزاع إلا أن جانبا من الفقه الألماني يرى أن الأثر الايجابي للنظام العام هو تطبيق نص قانوني آخر من القانون الأجنبي لا يتعارض مع النظام العام ،ويستند هذا الاتجاه إلى قرار صادر عن محكمة النقض الألمانية حيث استبعدت نص القانون السويسري الذي يمنع تقادم الدين محل النزاع بسبب تعارضه مع النظام العام،وأخضعت الدين إلى أطول مدة تقادم نص عليها القانون السويسري نفسه. إلا أن هذا لرأي محل نقد لكون القانون الأجنبي المطبق في هذه الحالة لا علاقة له بالنزاع كما أنه لا يمكن تطبيقه في اغلب الحالات التي يصعب فيها العثور على نص قانوني بديل. ويرى جانب آخر من الفقه أنه في حالة ما إذا تعارضت نصوص قانون القاضي مع طبيعة العلاقة محل النزاع أو سكتت نصوصه تماما عن إعطاء حل ،عندئذ يستوجب على القاضي حل النزاع وفقا لمبادئ القانون الطبيعي، وقد تعرض القضاء المغربي لمثل هذه المسألة وكانت تتعلق بحالة الأجانب،ونظرا لصعوبة تطبيق النصوص الوطنية على الأجانب المقيمين بالمغرب استقر القضاء على الحكم في الدعوى طبقا لمبادئ القانون الطبيعي،والرأي السابق منتقد بدوره كون فكرة القانون الطبيعي بدورها لا تقل عن غيرها غموضا وإشكالا المطلب الرابع:الأثر المخفف للنظام العام يميز الفقه و القضاء عادة في مجال أثر النظام العام بين الحالة التي تنشأ فيها الحقوق في دولة القاضي، حيث يكون للنظام العام أثره كاملا "Plein effet " و بين الحالة التي تنشا فيها الحقوق في ظل قانون دولة أجنبية و تنتج آثارها في دولة القاضي حيث يكون للنظام العام أثرا مخففا "Effet atténué". و تستند هذه الفكرة إلى أنه ثمة حالات يتعارض فيها القانون الأجنبي مع النظام العام، سواء نشأ الحق موضوع النزاع في الخارج أو في دولة القاضي، و هناك حالات أخرى يتعارض فيها فقط إذا نشأ في دولة القاضي ، و لهذا الموقف عدة تطبيقات في القضاء الفرنسي، منها أن محكمة النقض الفرنسية قضت بعدم الاعتراف بحق الملكية الذي اكتسب في الخارج عن طريق نزع الملكية دون تعويض، و بالمقابل فإنها تعترف بآثار الطلاق بالإرادة المنفردة، و كذلك تعدد الزوجات الذي نشأ في الخارج رغم أن القانون الفرنسي لا يقرها لكن إذا أريد الاعتراف ببعض آثاره كحق الزوجة في طلب النفقة أو الإرث فإن هذا الأثر ليس فيه ما يمس النظام العام في فرنس. غير أن هناك حالات أخرى لا يتعرف فيها القضاء الفرنسي بآثار هذا الزواج، و ذلك متى كان النزاع علاقة بالقانون أو الإقليم الفرنسي، و من ذلك على سيبل المثال ما جاء به قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 01 مارس 1973 الذي اعتبر فيه: " أن الزوجة الثانية لزوج جزائري لا يمكنها المطالبة بمنحة الضمان الاجتماعي، ما دام أن الزوجة الأولى قد استفادت منه لتعارض ذلك مع النظام العام في فرنسا" وفي قرار صادر عن المحكمة العلياجاء فيه: " من المقرر قضاءا في مسألة الحضانة وفي حالة وجود أحد الأبوين في دولة أجنبية غير مسلمة وتخاصما على الأولاد بالجزائر،فإن من يوجد بها يكون أحق بهم ولو كانت الأم غير مسلمة . ومن المقرر قانونا أن الأحكام والقرارات الصادرة من الجهات القضائية الأجنبية التي تصطدم وتخالف النظام العام الجزائري لا يجوز تنفيذها ،ومن ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بمخالفة القانون غير مبرر يستوجب رفضه ولما كان من الثابت في قضية الحال أن الطاعنة طالبت إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم والقرار الأجنبيين اللذان أسندا حضانة البنتين إلى أمهما،فان قضاة الاستئناف بتأييدهم الحكم المستأنف لديهم القاضي برفض طلب الطاعنة الرامي إلى وضع الصيغة التنفيذية للحكم والقرار الأجنبيين لكون بقاء البنتين بفرنسا يغير من اعتقادهما ويبعدهما عن دينهما وعادات قومهما،فضلا عن أن الأب له الحق للرقابة وبعدهما عنه يحرمه من هذا الحق،فإنهم بقضائهم كما فعلوا طبقوا صحيح القانون،ومتى كان ذلك استوجب رفض الطعن". ومن خلال القرار السابق يتبين لنا أن قضاة المحكمة العليا في الجزائر لم يأخذوا بهذا الأثر المخفف فرفضوا مهر الحكم القضائي الأجنبي بالصيغة التنفيذية لتعارض مضمونه مع النظام العام في الجزائر بالرغم من أنه نشأ خارجها . المبحث الثاني: الغـش نحـو القـانـون رأينا فيما سبق أن كل قاعدة إسناد تعتمد على ضابط معين لتحديد القانون الواجب التطبيق، و كثير من هذه الضوابط يكون للأفراد دخل في تغييرها كالجنسية أو الموطن أو موقع المنقول أو الديانة أحيانا و الأصل أن قيام الأفراد بتغيير هذه الضوابط يترتب عليه كامل آثاره، غير أنه إذا دخلت نية الغش على هذا التغيير الإداري أي أن التغيير في ضابط الإسناد تم بهدف التهرب من أحكام قانون معين و سعيا لتطبيق قانون أخر، فإن القانون هنا يتدخل إعمالا للقاعدة القانونية القديمة " الغش يفسد كل أمر" و يحرم بالتالي الغاش من الاستفادة من غشه بإستبعاد القانون الأجنبي الذي ثبت له الاختصاص بواسطة الغش نحو القانون " La fraude à la loi". و يعود أصل نظرية الغش نحو القانون إلى القضاء الفرنسي الذي طبقها في قضية شهيرة هي قضية الأميرة "دوبوفرمون" « De Bouffrement » الذي اشترط لإعمالها توفر شرطين هما التغيير الإداري لضابط الإسناد و نية الغش، و هذا سواء كان القانون المتهرب من أحكامه قانون القاضي أو قانونا أجنبيا أخر، و رتب على الدفع بالغش استبعاد القانون الأجنبي الذي ثبت له الاختصاص عن طريق الغش و تطبيق القانون المختص أصلا مكانه. المطلب الأول: نشأة نظرية الغش نحو القانون طرحت نظرية الغش نحو القانون كأداة لاستبعاد القانون الأجنبي لأول مرة أمام القضاء الفرنسي في قضية الأميرة "دوبوفرمون" التي تتلخص وقائعها في أن أميرة بلجيكية الأصل تزوجت بالأمير الفرنسي "دوبوفرمون" و استقرت معه في فرنسا و اكتسبت الجنسية الفرنسية، و على إثر خلاف بينهما حاولت الحصول على الطلاق غير أنها لن تستطيع لكون القانون الفرنسي آنذاك كان يمنع الطلاق فلجأت إلى التجنس بجنسية إحدى الدويلات الألمانية التي يجيز قانونها الطلاق، و تمكنت بعد ذلك من الطلاق من زوجها الأول و تزوجت بأمير روماني و استقرت معه في فرنسا، و حصل بعد ذلك أن رفع زوجها الأول دعوى طالب فيها ببطلان الزواج الثاني لكون الطلاق لا يعتبر صحيحا، لأنه تم بعد تغيير الجنسية، و قد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 18/03/1878 بإبطال الزواج الثاني على أساس أن الطلاق لم يتم إلا بعد تغيير الزوجة لجنسيتها، و هو ما يشكل غشا نحو القانون. و منذ ذلك التاريخ استقر القضاء الفرنسي على الأخذ بالغش نحو القانون كسبب لاستبعاد القانون الأجنبي، و قد أفسح لهذه النظرية مجالا للتطبيق لم تحظ به في كثير من الدول،على أن القضاء الفرنسي قد كشف حديثا عن أن الغش نحو القانون قد يتم ليس من خلال التغيير في ضابط الإسناد كما هو الشأن في المعطيات التقليدية للمشكلة وإنما من خلال التغيير في تكييف الرابطة القانونية التي هي عنصر من عناصر قاعدة الإسناد ،فالتغيير لا يقع في ظرف الإسناد بل في طائفة الإسناد ففي قضية تتلخص وقائعها أن مورثا كان يملك عقارا في فرنسا وقد استشعر قرب نهاية أجله ،أراد أن يهرب من أحكام القانون الفرنسي الواجب التطبيق على الميراث في العقارات" الهرب من فكرة النصيب الحصة المحجوزة التي يعرفها القانون الفرنسي لمصلحة أطفاله"،فقدم عقاره بوصفه حصة عينية في شركة لقاء حصوله على أسهم فيها قاصدا إخضاع هذا الميراث لقانون موطنه (القانون الأمريكي الذي يجهل فكرة النصيب )، أثيرت على إثر وفاة المورث مسألة الغش نحو القانون الفرنسي المختص أصلا بحكم الإرث على العقار فاستجابت لطلب الأبناء ، واستبعدت تطبيق القانون الأمريكي بوصفه قانون أخر للمتوفى أريد تطبيقه للهرب من أحكام الإرث التي يفرضها القانون الفرنسي المختص أصلا. وإذا كان القضاء في دول مثل بلجيكا و إيطاليا أخذ بهذه النظرية مع تضييق في نطاق تطبيقها فإن تطبيقها في دول أخرى كألمانيا كان نادرا جدا، أما في البلاد الانكلوسكسونية فإن الفقه لم يهتم بها إطلاقاو من النادر أن نجد تطبيقها لها في القضاء، كما أن بعض الدول مثل سويسرا عالجت هذه المشكلة بنصوص تشريعية في حالات محددة دون أن تضع لها قاعدة عامة. أما في الجزائر فقد تبنى المشرع الجزائري هذه النظرية بموجب نص المادة 24/1 من القانون المدني:" لا يجوز تطبيق القانون الأجنبي.....أو ثبت له الاختصاص بواسطة الغش نحو القانون..." وفي هذا المجال كذلك تثور مسألة تغيير الديانة في ظل دولة واحدة وأثر هذا التغيير ،ففي مصر ولبنان وسوريا وكثير من الدول العربية تلعب الديانة دورا كبيرا في تحديد الشريعة الطائفية الواجبة التطبيق وبصفة خاصة في مسائل الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق ،فالدين أو الطائفة في مسائل التنازع الشخصي الداخلي يلعب الدور ذاته الذي تلعبه الجنسية في نطاق التنازع الدولي بين القوانين . في لبنان فإن المسألة السابقة لا تثور ،لأن الاختصاص يبقى معقودا للقانون الذي نشأ في ظله الزواج ،إلا إذا تم تغيير الديانة أو الطائفة من قبل الزوجين معا . أما عن الوضع في مصر ،فإن المشرع المصري يعتنق الجنسية كضابط للإسناد في مسائل الأحوال الشخصية ،إلا أن القضاء جعل الديانة تقوم مقام الجنسية ،فلو اعتنق الأجنبي الإسلام بغض النظر عن جنسيته يمكنه أن يتمتع في مصر بكافة المزايا التي تخولها الشريعة الإسلامية للطرف المسلم وبغض النظر عن دوافعه لاعتناق الإسلام ،فلا مجال لإعمال الدفع بالغش نحو القانون ولو كانت مجريات الحال كاشفة بجلاء عن أن المعتنق للإسلام قصد الإضرار بزوجته فيطلقها بعدما كان ذلك محظورا عليه وفق قانون الجنسية المشتركة ،ويأخذ القضاء المصري بهذا المسلك على أساس أن البحث عن الهدف من المتحول سيكون عندئذ تدخلا في عقائد الناس وبحثا وراء أمر يستحيل التثبت منه المطلب الثاني: شروط الدفع بالغش نحو القانون يشترط لإمكان الدفع بالغش نحو القانون توافر شرطان: الشرط الأول مادي و هو إجراء تغيير إرادي في ضابط الإسناد، و الشرط الثاني معنوي و هو توفر نية الغش الفرع الأول:التغيير الإرادي في ضابط الإسناد: يشترط للتمسك بالدفع بالغش نحو القانون أن يقوم الغاش - أو صاحب المصلحة- بإجراء تغيير إداري في ضابط الإسناد الذي يتحدد بموجبه القانون الواجب التطبيق، و هذا لا يتحقق إلا في الحالات التي يكون فيها ضابط الإسناد من الضوابط التي يمكن أن يتدخل الأفراد في تغييرها . و الضوابط التي يمكن للأفراد تغييرها نذكر منها خصوصا الجنسية، و هو أيضا ضابط إسناد في مسائل الحالة الشخصية في كثير من الدول كالجزائر، و الموطن الذي و هو أيضا إسناد بالنسبة لمسائل الحالة الشخصية في البلاد الانكلوسكسونية و تغيره أسهل من تغيير الجنسية و كذلك موقع المنقول الذي يحدد القانون المطبق عليه. و يشترط أن يكون التغيير في ضابط الإسناد الفعلي و ليس صوريا، فالتمسك بالصورية في هذه الحالة يبطل كل أثر لهذا التغيير، كالحالة التي يغير فيها الشخص موطنه صوريا من دون أن يكون مستقرا فيه و يباشر شؤونه منه، فالعبرة بالموطن الفعلي، كما يشترط أن يكون التغيير مشروعا فإذا كان بوسيلة غير مشروعة فإنه لا يتعد به، و يبطل دون حاجة لأعمال نظرية الغش نحو القانون. و الخلاصة أن الدفع بالغش نحو القانون لا يتأتى إلا في الأحوال التي ينعدم فيها وجود جزاء آخر يمكن عن طريقه تلافي النتيجة غير المشروعة التي سعى الشخص إلى تحقيقها. الفرع الثاني: نيـة الغـش لا يكفي أن يقوم الشخص بالتغيير الإداري في ضابط الإسناد لقيام الغش نحو القانون، بل يجب بالإضافة إلى ذلك أن يهدف الشخص من وراء هذا التغيير إلى التحايل بقصد الإفلات من أحكام القانون المختص أصلا، فنحن هنا نتكلم عن النية، التي يتعين على القاضي في تقصيها و إثباتها من ظروف الدعوى و ملابساتها. غير أن مهمة القاضي في تقصي نية الغش ليست سهلة في جميع الأحوال و هذا ما دفع البعض إلى محاولة إنكار نظرية الغش في مجال التنازع، على أساس أن القاضي لا يمكنه العلم بنوايا الأفراد، غير أن هذا الرأي مردود عليه في أن نصوص القانون زاخرة بالأمثلة التي يتعين فيها على القاضي تقصي النية كالتعسف في إستعمال الحق من القانون المدني، و التعسف في إستعمال السلطة في القانون الإداري و العمد و غير العمد في القانون الجنائي، و القاضي يمكنه استخلاص نية الغش من عدة ملابسات تحيط بالدعوى منها: - التلازم الزمني بين الإجراء المادي أي التغيير ضابط الإسناد و بين القيام بالتصرف المراد إخضاعه للقانون الجديد. - و من هذه الملابسات أيضا أن يكون القانون الذي سعى الأفراد إلى تطبيق إحكامه من القانون التي تعطي تسهيلات إستثنائية بقصد جذبهم لأغراض إقتصادية. المطلب الثالث: نطاق الدفع بالغش نحو القانون استقر الفقه والقضاء لمدة طويلة على حصر نطاق تطبيق الدفع بالغش نحو القانون على الحالة التي يتهرب فيها الأفراد من قانون القاضي ،وقد استند الفقه في ذلك إلى أن وظيفة القاضي هي كفالة تطبيق قانونه الوطني ومنع الأفراد من مخالفته بالتهرب من أحكامه أما الدفاع عن القانون الأجنبي فلا يدخل في نطاق وظيفته . غير أن الفقه الحديث يميل إلى تطبيق نظرية الغش نحو القانون،سواء كان القانون المتهرب من لأحكامه هو قانون القاضي الوطني أم قانونا أجنبيا آخر،مستندا في ذلك إلى أن نظرية الغش نحو القانون تستجيب إلى مبدأ عام وهو مطاردة الغش بكل صوره سواء قصد به التهرب من أحكام القانون الوطني أو قانون أجنبي آخر ،وهذا هو الاتجاه الذي تبناه القضاء الفرنسي مؤخرا . ويبدو أن هذا الرأي هو الذي تبناه المشرع الجزائري ،عندما نص في المادة 24 من القانون المدني على استبعاد تطبيق القانون الأجنبي إذا كان مخالفا للنظام العام أو ثبت له الاختصاص بواسطة الغش نحو القانون ،ثم نص في الفقرة الثانية أن القانون الجزائري هو الذي يطبق محل القانون الأجنبي المخالف للنظام العام،وسكت بالمقابل على القانون الذي يطبق في حالة ثبوت الغش،مما يعني أنه قد يكون القانون الجزائري إذا كان هو القانون الذي تهرب الأفراد من تطبيق أحكامه،وقد يكون قانونا أجنبيا إذا كان هو ضحية الغش. المطلب الرابع:أثر الدفع بالغش نحو القانون يثور التساؤل في هذا المجال حول ما إذا كان أثر الدفع بالغش نحو القانون يمس النتيجة فقط التي سعى الشخص لتحقيقها ،أم يمتد ليشمل النتيجة والوسيلة معا؟ وقبل الإجابة عن هذا التساؤل لابد أن نفرق بين وضعين: الأول: يتحقق الغش عن طريق التغيير في مجرد واقعة ،كأن يتم بتغيير موقع المال المنقول من دولة لأخرى بقصد التهرب من أحكام قانون دولة الموقع الأول ،وفي هذا المجال فإعمال نظرية الغش ينحصر في منع النتيجة التي أراد الأطراف بلوغها وتطبيق أحكام القانون المختص أصلا بحكم النزاع وماعدا ذلك فالمنقول نقل إلى مكانه الجديد،ولا بد أن تبقى الوسيلة سليمة مرتبة لكافة آثارها القانونية. الثاني:هنا يتخذ التغيير بقصد الغش شكل عمل قانوني كالتجنس بجنسية دولة معينة فإذا ما غير الشخص جنسيته لإثبات الاختصاص لقانون عين فهل ينحصر أثر الغش حول استبعاد تطبيق هذا القانون وتطبيق القانون المختص أصلا مكانه؟أم يمتد ليشمل إلغاء الجنسية الجديدة التي اكتسبها الشخص؟ للإجابة على هذا التساؤل يرى جانب من الفقه أن أثر الدفع بالغش يمتد ليشمل النتيجة و الوسيلة معا،فهو في المثال السابق يستبعد القانون الذي ثبت له الاختصاص بواسطة الغش نحو القانون ،ويطبق القانون المختص مكانه ويلغي الجنسية الجديدة التي اكتسبها الشخص. غير أن هذا الرأي محل انتقادات عديدة أهمها أن الوسيلة التي تم بها تغيير القانون المختص واثبات الاختصاص لقانون آخر تم اكتسابها بطريقة صحيحة ومشروعة ،وأن الشخص يفترض أن كافة الشروط قد توافرت فيه ،وأن الجزاء المعقول في هذه الحالة هو عدم الاعتداد بالتجنس في القضية التي طرح فيها النزاع فقط. ولهذا فإن الفقه الغالب يميل إلى القول أن أثر الغش ينصب فقط على استبعاد القانون الأجنبي الذي ثبت له الاختصاص وفقا للضابط المفتعل وإعادة الاختصاص إلى القانون الذي تهرب الشخص من أحكامه فأثر الغش هو أثر حلولي أو استبدالي ،أي إحلال القانون المختص مكان القانون الذي انعقد له الاختصاص بالتغيير في ضابط الإسناد. وما يمكننا الإقرار به أن اللجوء إلى الدفع بالغش نحو القانون محدود للغاية من الناحية العملية ويرى الأستاذ عكاشة محمد عبد العال ونؤيده في ذلك :" في مسائل الجنسية يبدو لنا أن تغيير هذا الضابط بقصد التحايل على أحكام القانون المختص أصلا أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا،فالتشريعات تتطلب في الوقت الحاضر حتى يمكن الشخص أن يكتسب جنسيتها إقامة طويلة تتراوح في بعض الدول مابين عشرة إلى ثلاثين سنة إقامة متواصلة تساندها شروط أخرى . أما في حالة تغيير ضابط الإسناد الذي تم تغييره هو الموطن أو الإقامة فلا حاجة للدفع بالغش نحو القانون ،ونظرا لأن الموطن يستند إلى وجود رابطة جدية بين الشخص والمكان فإن الانتقال إلى موطن آخر يمكن دحضه عن طريق إثبات صورية الموطن الذي تم التغيير إليه. خـــــــاتمـة من خلال تعرضنا إلى موانع تطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي الوطني سواء كان المانع هو استبعاد القانون الأجنبي لمساسه بالنظام العام في دولة القاضي ،أو استبعاده لأنه قد ثبت له الاختصاص عن طريق الغش نحو القانون تبين أن المشرع الجزائري قد تبنى صراحة هذه الموانع إلا أنه كان يتميز بطابع العمومية حين نصه عليها . سواء في مجال النظام العام حينما لم يبين للقاضي ماهي الأسس والمبادئ العامة لما يسمى بالنظام العام،وكذلك حين استبعد القانون الأجنبي برمته وليس فقط الجزء الذي يتضمن ما يعتبر مساسا بالنظام العام. أو في مجال الاستبعاد بسبب الغش نحو القانون حينما سكت عن القانون الواجب التطبيق حين استبعاد القانون الأجنبي الذي ثبت له الاختصاص عن طريق الغش خاصة لو كان القانون المتهرب منه قانونا أجنبيا آخر. و ما يمكن ملاحظته في الجزائر هو أن هناك ندرة في تطبيق القانون الأجنبي مقارنة بما هو منصوص عليه في دول أخرى ،وإن ألقيتا نظرة على قرارات المحكمة العليا في هذه المادة نجدها قليلة خاصة في مجال استبعاد تطبيق القانون لمخالفته النظام العام في الجزائر أو بسبب الغش نحو القانون وهذا ما يعني أن القانون الأجنبي لا يثار تطبيقه أمام قاضي الموضوع إلا نادرا . غير أن انفتاح الجزائر على التجارة الدولية واتساع حركة المعاملات مع الخارج وزيادة حركة انتقال الأفراد منت وإلى الجزائر سينعكس على ازدياد العلاقات القانونية المشتملة على عنصر أجنبي وهذا ما يفرض على القاضي الجزائري التصدي لحل هذه المنازعات الناجمة عن هذه العلاقات . وفي سبيل ذلك نرى أنه بات ضروريا توجيه القاضي في مسألة استبعاد تطبيق القانون الأجنبي خاصة ،من خلال رسم الحدود والضوابط سدا لكل فراغ قانوني وحدا لكل التباس قد يواجه به القاضي في هذا المجال. | |
|