محاضرات في القانون الدولي العام
د/سلوان رشيد السنجاري
2005 م1
نظريات في قانون الدولي العام
مقدمة
تعريف القانون الدولي
ان
القانون الدولي هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول (1)التي
تدعي لنفسها السيادة ولاتعترف بأي سلطة أعلى منها . ان هذا الادعاءيضفي على
القواعد الحقوقية التي تهيمن على هذه العلاقات ، صفة مبتكرةتميزها عن
القواعد المتعلقة بالقانون الداخلي . فالاشخاص التابعون لهذاالقانون يخضعون
الى سلطة تضع القانون وتفرض احترامه ، في حين أن الدول وهياشخاص القانون
الدولي ، تصدر معا" بعد الاتفاق فيما بينها ، الانظمة التيتعبر عن مصلحتها
المشتركة ، وتبقى كل واحدة منها حرة في تقدير مدىالالتزام الذي يترتب عليها
وشروط تنفيذه . فالقانون الداخلي قانون طاعةوامتثال ، يهيمن على الاشخاص
الذي يمكن ارغامهم على احترام القانون ،بطريقالقوة اذا اقتضى الامر ،
وبواسطة الاجهزة الادارية المختصة . اما القانونالدولي ، فأنه ، على النقيض
من ذلك يعد قانون تنسيق يكتفي بتجنيد التعاونبين الدول . ولما كانت هذه
الدول لاتخضع الى أي سلطة تعلو عليها ، فأناتصالها فيما بينها يتم وفقا"
لادارتها ، وتبقى كل واحدة منه صاحبةالسيادة في تقدير مدى حقوقها .ومؤدى
ذلك ان جميع الدول لاتتصور معنىالقاعدة الحقوقية بشكل واحد ، وبما انها
تتجه نحو تجزئة مصالحها الرئيسيةالى قيم مقدسة ، فأن السلم يصبح امرا" غير
مضمون .ولذلك فان جميع انصارالسلم قد هاجموا عن طريق القانون فكرة السيادة
وهي العقبة الرئيسية لتفوقالقانون الدولي على الاشخاص التابعيين له ، وهم
الدول .ان هذا الاستدلاليستند الى منطق لايقبل الجدل ، ولكن السيادة مع
الاسففكرة تاريخية ، ومنالعسير تغيير التاريخ بمجموعة من الحجج المنطقية .
ويجب ان تندمج هذهالحجج بالاحداث بقوة تجعل من الامر الذي كان طبيعيا" في
الامس ، يبدو فياليوم التالي امرا" تافها" . وقد بدأ هذا التطور اثر
الحربين العالميتيناللتين أثبتتا مدى الدمار الذي تؤدي اليه السيادات
المنطلقة من عقالها .وعقب النزاع الاول ظهرت بعض المنظمات الدولية ، وفي
مقدمتها عصبة الاممومازال عددها يزداد منذ انتهاء الحرب العالمية
الثانية.ورغم انه لم يتسنمن الناحية العملية ، ادراك مدى اهمية هذا الحادث
فورا" فقد كان مرماهعظيما" من حيث المبادىء.فاذا انتقلنا من المرحلة
الدولية الصرفة المبنيةعلى تنسيق ارادي للسياسات الحكومية ، الى مجتمع منظم
فاننا نتوصل الى نظاممستمد من مفهوم مختلف ، يستطيع ايجاد خصائص القانون
الداخلي واعطاء صورةلمجموعة مؤلفة من اجهزة تملك حق التشريع والمحاكمة
والتنفيذ .ويجب اننستبدل ممارسة المهام الاجتماعية بشكل مبعثر بنوع من
تركيز السلطات تختلفحدته تبعا" لدرجة التضامن الذي تشعر به الدول
المتحالفة.
وبذلك لايتم التوحيد الذي عبثا" حاول الغزاة فرضة فحسب وانما
تتم ايضا"الوحدة المبنية على موافقة الدول المشتركة لانشاء سلطة تعلو على
سلطتها.
والمنظمات الدولية لاتعكس هذا المخطط النظري الا من بعيد لانها
تستمدوجودها من الدول نفسها . وهذه الدول حريصة على الاحتفاظ باكبر قسط
ممكن منالسيادة ولاتتنازل الا عن اجزاء يسيرة منها الى المنظمة التي احدثت
بدافعمن الظروف .
ومهما بدت مساهمة المنظمات الدولية متواضعة من حيث تحقيق وحدة العالم فانها بلغت في الاحداث اهمية بالغة.
ومنذ
اولى المدنيات التي ظهرت في حوض البحر الابيض المتوسط ، فاننا نشاهدذلك
النداء المتناقض بين السادة والتحالف . ان تاريخ العلاقات الدولية هوتاريخ
ذلك التناوب بين المجتمعات المتجهة نحو التنظيم ، وبين الدول التيتتجابه في
حروب مستمرة ، دون ان تعرف أي نظام سوى الذي تفرضه الدولةالغازية.
2-تاريخ العلاقات الدولية
لقد
ظلت اليونان ، حقبة طويلة من الزمن ، تمزقها الصراعات التي كانت
تبدوبمثابة حروب اهلية تتخللها مع ذلك محاولات تهدف الى الاتحاد خاصة
بينالمجالس التمثيلية . وفيما بعد فرض عليها فيليب الاتحاد بالقوة، وتبعه
فيذلك اسكندر ، وذلك قبل ان تندمج شبه الجزيرة اليونانية في دولة اوسع
بكثيروهي الامبراطورية الرومانية . وتعد هذه الامبراطورية اكمل نجاح
لمحاولةاستيعاب شعوب مختلفة في كيان عالمي .
وفي عام 212 ، صدر قانون (
كارا كالا) الذي اعتبر جميع سكان الامبراطوريةالرومانية ، مواطنيين
رومانيين . وقد ساعد انسجام الامبراطورية على انتشارالدين المسيحي الذي الف
في القرون الوسطى نظاما" مختلفا" جدا" . فالدولةالمسيحية كانت تتبع فلسفة
مبتكرة ، اذ لم تكن المساواة بين الناس نتيجةاستيعاب حقوقي طويل المدى وغير
كامل ، كما كان في مفهوم الامبراطوريةالرومانية بل كانت الحادث الاول
بمعنى انهم متساوون جميعا" لانهم مخلوقونعلى صورة المسيح . فقد كان القديس
بولس يقول (( لايونانيين ولابرابرة ،ولايهود ، ولاوثنيون )) .ومنذ ان اتخذ
المجتمع المسيحي الانسان مرجعا" له،فقد شرع يتجه نحو الانتشار العالمي .
ولم يكن بوسع مدينة الامير ان تبقىمغلقة على نفسها ، لانها كانت جزءا"من
المدينة المسيحية ، التي كانت بدايةالمدينة الاهلية ، وهذا يفسر كيف عرفت
القرون الوسطى في مجال الانظمة ،وحدة الحكومة الالهية وفي مجال العقيدة ،
عالمية القانون الكنسي .
آ- ) كانت المدينة المسيحية تبدو كأنها هرم
السلطات المتسلسلة : فالاسياد، والبارونات ، والدروقات ، والملوك كانوا
تابعين مبدئيا" للامبراطور الذييخضع بدوره لسلطة البابا . وكان المجتمع
مكونا" من امارات ليست متقابلة ،وانما متراصة بعضها فوق البعض الاخر . ولم
يكن هذا النظام يحول ، فيالواقع ، دون حدوث المنازعات . فكان الامبراطور ،
في القمة ، يطالببالسلطة الزمنية التي كان يدعى استلامها مباشرة من الله
تعالى ، في حين انالبابا كان يدعي انه تسلم السلطتين الزمنية والروحية
،وعهد بالاولى الىالامبراطور الذي يظل مرتبطا" به بنشأنها .ونشب صراع طويل
تميز بخضوع الملكهنري الرابع في كانوسا .وقد نشبت حروب كثيرة بين الامراء ،
لكن السلطةالبابوية كانت كافية لفرض الحد الادنى من النظام في العلاقات
الدوليةلاسيما عن طريق وضع حد اللجوء الى القوة ، اذ كانت الحرب محرمة في
بعضالاماكن وفي بعض الازمنة . وفيما يتعلق بالاستعمار فان البابا كان
يزودالامراء بالسلطة اللازمة للسيادة على الاراضي المغزوة في سبيل نشر
الايمان. فالمنشور البابوي ( الكسندرين ) عام 1493 رسم الحد الفاصل بين
الاراضيالتي سيستعمرها الاسبانيون والبرتغاليون .
فقد كان بوسع الحبر
الاعظم ان يفرض على الامراء عقوبات على جانب الاهمية ،اذ كان يتمكن بواسطة
الحرمان ، ان يحرر رعايا الامير من واجب الطاعة .وهكذا نلاحظ توافر سلطة
عليا ذات طابع كنسي ، تستطيع ، رغم ضعفها ، من فرصمذهب ذي اتجاه عالمي .
ب)
لقد اشار علماء اللاهوت الى صفة الكنيسة العالمية ، يدفعهم الى ذلكبحكم
الطبيعة دراسة قضايا العلاقات بين الامراء من ناحية ارتكاب الخطيئة .فقد
كانوا ينشرون ان السلطة السياسية تخضع لمبدأ سام الا وهو الحق
الطبيعيالمستمد من الله تعالى .لذلك لم يكن الامراء اصحاب السيادة المطلقة ،
وكانالجهد مبذولا" لتصوير سلطتهم كمهمة عهد بها اليهم الاله في سبيل
تأمينالخير العام .
وخلال القرن الاسباني الذهبي اضفى علماء اللاهوت قوة فائقة على هذا المذهب الذي يتوخى تنظيم السلطة بقواعد سامية .
وقد
بحث ( فرانسيس دو فيتوريا ) ( 1480-1546) بشكل خاص عن مبرراتللاستعمار
الذي ابرزت اهمية الاكتشافات الكبرى .وقد نبذ الاسباب المستمدةمن همجية
الشعوب المحتلة ، او من حق الاحتلال الاول ، واسنده الى حقالاتصال بين
الامم ، مؤكدا" بذلك مفهومه العالمي للمجتمع الدولي اذ انالقانون الدولي
نفسه مبني على الادراك العام . وكان يساور ( فرانسيسكوسواريز ) (
1548-1617) نفس الرغبة في الوحدة ، اذ كان يرى ان الجنس البشرييفوق مختلف
الامم . فالتوفيق بين استقلال كل منها ، وتشابك مصالحهاالالزامي ينشأ عن
وجود نوعين من القواعد : قواعد الحق الاداري وقواعد الحقالطبيعي . فالحق
الاداري يستند الى اتفاقات يجب ان تأخذ بعين الاعتبارالقواعد العليا التي
فرضها الله تعالى على مجموع البشر.فكان يترتب على كلامير ان يعمل لصالح
بلاده وان يفرض على غيره من الامراء احترام الحقالطبيعي . وبذلك تتضاعف
مهتمه وتحمله ، في العلاقات الدولية ، على متابعةالخير المشترك العالمي .
ولكن
صدف ، عندما كتب ( سواريز ) ماتقدم ، ان فقد العالم المسيحي
وحدتهالمتداعية ، وتعرض العاهلان لزوال سلطتهما ،اذ رفضت ( حركة
الاصلاحالديني) سلطة البابا ، كما ان تأليف دول دول قوية ، بفضل دعم
الذهبالامريكي ، قد قضى على سلطان الامبراطور . وبذلك انهار كيان القرون
الوسطى، وانتشرت الدول المستقلة ، بعد ان تحررت من أي سلطة عليا.
الدول
ذات السيادة:- كان المجتمع الدولي يتألف ، منذ القرن السادس عشر ،من بعض
الدول كفرنسا ، وانكلترا ، واسبانيا والبرتغال . وظلت المانياوايطاليا
منقسمين الى جمهوريات او امارات ، وانما اخذت بعض المناطق فيهاتحاول
السيطرة على غيرها .وكانت جميع هذه الدول تعد نفسها ذات سيادة . وفيهذه
الحقبة وضع المشرعون المبدأ القائل (( ان الملك الامبراطور في مملكته)).
وكان يرافق هذه الادعاءات القانونية والسياسية اعتقاد اقتصادي ، مؤداهان
خروج النقد من البلاد يسبب فقرها، ومنه نشأت فكرة الاكتفاء الذاتي .وكانت
مجموعة ردود الفعل هذه تسجل تراجعا" للمفهوم الدولي ، كما ان التطورالمذهبي
يفسر هذا الانتقال من نظام منسجم الى حالة من الفوضى الدولية .
آ) يعد (
هوغو دو كروت ) الملقب ( بغروشيوس ) ( 1583-1646 ) مؤسس القانونالدولي
الحديث . فقد كان يتبع خطة العالم الذي يدرس الحقيقة الواقعية ،كما ان
نظرته للقانون الدولي من زاوية علمانية قد اقصته عن اسلافه منعلماء اللاهوت
. غير انه ظل متمسكا" بالاعتبارات الاخلاقية ، ولاسيما فكرةمساواة البشر
في الارض ، كما ان مباشرته البحث الدولي بالدفاع عن مبدأحرية البحار ،
لايخلو من مغزى ، اذ ان هذه القاعدة المبنية على حريةالمواصلات والتجارة ،
تتعارض مع ادعاءات الدول بشمول سيادتها المياهالبحرية ، وجعل منها طريقا"
مفتوحا" امام العلاقات القائمة بين الشعوبوالتي لاتتمكن من ان تكفي نفسها
بنفسها . ففي كتابة ( قانون الحرب والسلم) يميز ( غروشيوس ) بين الحق
الطبيعي والحق الارادي : فالاول يضع قواعدسامية يترتب على الدول احترامها ،
بحيث ان رعاياها يستطيعون ان يستمدوا منالنظام غير العادل ،حق مقاومة
الاضطهاد .والحق الارادي يؤلف القانون الوضعي
المنبثق عن الاعراف
والمعاهدات . ويرى ( غروشيوس ) ان الدولة مستقلةفعلا"، ولكنها لاتستطيع ان
تبقى منعزلة ، اذ تحول دون ذلك طبيعة الانسانالاجتماعية التي تحاول تأكيد
وحدة عالم يسوده وينسق شؤونه الحق الطبيعي .غير ان كتاب ( فاتل )
(
Fattel ) (1714-1767) في القانون الدولي خال من هذا الحرص ، ويؤيدالسيادة
للكاملة للدولة كما انه يشير دون ابداء أي اسف الى الفوضى التيتسود الحياة
الدولية.
ب) ومرد هذه الفوضى السائدة بين الدول الى ادعاء كل منه التمتع
بالسيادةالمطلقة . فالدولة مصدر القانون الدولي ، بقدر ماهي خاضعة له ،
ولكنهاقلما تعترف بالقواعد التي لاتنفق مع مصالحها ، وهذا يثبت ان
خضوعهاللقاعدة الحقوقية ليس امرا" حتميا" ، فضلا" عن ان الحكومات تفسر
القاعدةالمذكورة بشكل مختلفة ، ولاتلجأ بالتالي الى التسوية السلمية
والتحكيم الالحل النزاعات الضيئلة الشأن . ولذلك فان الحرب هي الحل الطبيعي
للمنازعات، وبدلا" عن وصمها بالاجرام ، فقد نظمت احكامها واساليبها وظلت
مرعيةالجانب حتى اواخر القرن التاسع عشر . ولدى تحول دولة الامراء الى
دولةكيانها الامة ، نتيجة لتوسع الانظمة السياسية الموروثة عن الثورة
الفرنسية، استبدلت النزاعات بين الاسر المالكة ، بحروب دولية نظامية يتجابه
فيهاجميع افراد الشعوب المستنفرون لاداء الخدمة العسكرية نتيجة لمبدأ
مساواةالمواطنيين والمساواة الديمقراطية .
واذا نظرنا الى الفترة
الطويلة الممتدة بين القرن التاسع عشر حتى عام 1914، نلاحظ ان العلاقات
الدولية تستمد وجودها من قانون ناشىء عن الاواصرالقائمة بين الاطراف
المعنية ، الى ان نمت فكرة عقد المعاهدات الايلة الىاقصاء المنازعات
المسلحةاو وضع حد لها ، عن طريق دعم التمثيل الدبلوماسي .ولكن هذه الوسائل
لم تكن كافية لاستتباب السلم ، اذ ان الحاجة الى النظامالذي يعد من مقتضيات
كل مجتمع ، استدعى اللجوء الى اساليب مختلفة منهامايحمل الطابع السياسي ،
ومنها ماهو مستمد من المحالفات التي تتصرفكالحكومات وتمارس طيلة استمرارها
نوعا" من الضغط على باقي الدول بغيةالمحافظة على الوضع الراهن الدولي .
1)
وقد ظهر من ثم مبد آن مستمدان من التجارب لا من المذاهب يتوخيان تأميننوع
من الاستقرار في اوربا ، وهما مبدأ التوازن الذي يهدف الى تجنبالنتائج
الخطيرة لتعديل ميزان القوى الذي قد ينشأ عن توسع دولة على حسلبالدول
الاخرى ، اذ تسعى هذه الفئة الى الحصول على مايعوض هذا الخلل فيالتوازن .
ويؤيد ذلك ان معاهدات ( وستفاليا ) كانت عام 1648 تحابي فرنساعلى حساب
النمسا ، في حين ان معاهدة ( اوترخت ) المعقودة عام 1713 قد نهجتسياسة
معاكسة ولاتستطيع أي دولة بموجب المبدأ الثاني ، أي مبدأ عدم التدخل، ان
تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى .
وهذه القاعدة مستمدة من مبدأ
سيادة الدولة ، ولكنها تتعرض لتفسيرات شتىتعطيها الحكومات المعنية . وعندما
اعلنت بلجيكا ، عام 1830 ، استقلالهاوانفصالها عن هولندا فقد اعترضت فرنسا
على تدخل بروسيا .وفي العام نفسهقضت الحكومة الروسية على الثورة البولونية
، ورفضت الحكومة الفرنسية تلبيةنداء الثوار والتدخل في قضية اعتبرتها
داخلية صرفة . وفي الحقيقة اذا وجدتاحدى الدول العظمى ان وضعا" ما يتنافى
مع مصلحتها ، فانها تتدخل باسم مبدأتوازن القوى . اما اذا بدا لها ان هذا
الوضع يحقق مصالحها ، فانها تعترضعلى مبادرات الحكومات الاخرى عملا" بمبدأ
عدم التدخل .
وبذلك فان كلا" من هذين المبدأين يتيح للدول العظمى
امكانات سياسية متعددةمع محاولة التظاهر بالتمسك بالاخلاق الدولية في كل ما
تقدم عليه من تصرفات. وللنجاح في هذه المحاولات فقد لجأت الدول الى
التحالف وحاولت ان تفرضعلى اوروبا نوعا" من النظام ، بفضل اهميتها وقوتها.
2)
لقد بذلت في القرن التاسع عشر جهود كثيرة لتنظيم اوروبا تنظيما"امبرياليا"
. وعقب الانقلابات التي انبثقت عن الثورة وحروب نابليون ،تألفت احلاف
لاتهدف الى اثارة الحروب وانما الى تجنبها واتاحة الفرصةلانماء التجارة بين
الامم . وهكذا نشأ الحلف المقدس ثم الاتحاد الاوروبي .
وق ضم الاول
رؤساء دول روسيا وبروسيا والنمسا ثم فرنسا وانكلترا .ورغمانشغاله بقضايا
اقليمية ، كضمان مخطط الحدود المرسوم في مؤتمر فيينا عام1815 فقد كان له
هدف عقائدي مؤداه الحفاظ في العالم على النظام الملكيوشرعيته ضد أي فكرة
هجومية منبثقة من عقلية عام 1789 . ولذلك فقد كثرتتدخلاتها في مختلف البلاد
الاوربية . غير ان الولايات المتحدة حالت دونرغبته في المساهمة في ردع
مستعمرات امريكا الجنوبية التي كانت تناضل فيسبيل استقلالها بعد ان اقامت
تلك الدولة نفسها بطلة عزلة القارة الامريكيةازاء المشروعات الاوربية ،
عملا" بمبدأ ( مونرو) الذي تبنته حكومة واشنطن. غير ان الحلف المقدس اخذ
بالتدهور لانه كان ينادي بعقيدة متداعية واصبحيمثل الاقلية . وقد تحقق
اخفاقة بعد انسحاب بريطانيا العظمى التي لم يكننظامها التمثيلي ليمتزج مع
الحلف ولاسيما بعد الثورة التي نشبت في فرنساعام 1830 . وقد شجع حلول
الطبقة البرجوازية اثر النهضة الصناعية انتشارالافكار المتحررة التي لم
تكتف بأن يتولى المواطنون انتخاب الحكاموتسميتهم ، بل كانت تتوخى تحرير
الشعوب الاوربية الواقعة تحت سيطرة دولةاجنبية . وهكذا انتشرت حركة
القوميات التي اخذت تطالب بانشاء دولة حيثمايتواجد سكان تتوافر لديهم خصائص
الامة . وقد تساءل ( رونان ) في دراستهالشهيرة ( ماهي الامة ) انها تستند
الى رغبة في العيش معا" تؤازرها ، وحدةفي الدين والعرق ،والتاريخ والمصالح
الاقتصادية. انها مجموعة اسس روحيةومادية بدأ الشعور بها في اوروبا خلال
النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،واثارت في ايطاليا واتحاد النمسا والمجر
، قضايا عويصة اقضت مضجع الدولالكبرى ، وحملتها على تأليف الاتحاد
الاوروبي . وقد كان هدف هذا الاتحادمزدوجا: المحافظة على متابعة الاتصالات
بين الدول الاعضاء ودعم السلم الذيتقتضيه المبادلات التجارية التي اخذت
تنمو بسرعة في تلك الجمهوريةالتجارية الواسعة التي كانت تكون اوروبا
الرأسمالية.
وتبعا" لذلك ، فقد انشأ الاتحاد الاوروباولى الاتحادات
الادارية ، وهيمنظمات دولية متخصصة في تسوية القضايا التي يتطلب حلها تجاوز
المجالالقومي ، وحدد نظام نه ( الدانوب ) الدولي كما حدد نظام المناطق
الواقعةفيما وراء البحار ( مؤتمر برلين المعقودان عامي 1896و1889) .
وقد
تم التوسع الاستعماري في الوقت الذي اخذت تنتشر في اوروبا الحركةالقائلة
بحق الشعوب في تقرير مصيرها مما اثار من جديد موضوع التوازنالراهن . ومن
جهة اخرى فقد كان الهدف الثاني للاتحاد المحافظة على النظاموفرضه عند
الاقتضاء على الدول الصغيرة والمتوسطة رغم ان بعض اعضائه كانوايشجعون هنا
وهناك حركة القوميات لدى الشعوب الموالية لهم.
غير ان هذه الحكومة
الدولية في الواقع والتي تستمد سلطتها من تحالف القوىلم تكن لتخلو من
التصدع .وقد بدا تشابك متزايد بين البلاد الاوروبية رغمالتناقضات التي كانت
قائمة بينهم على مدى الازمان والعصور . فهذا التضامنالقائم موضوعيا" على
شبكة من المواصلات لم يكن مقرونا" بتضامن شخصي اذ ظلتالمعتقدات متعلقة
بفكرة القومية كما ان الحكومات كان يساورها الاغراءبالعودة الى نظام
الحماية وكان لابد من نشوب الحرب كي يلاحظوا بعد فترةطويلة ان الوحدة
الفعلية للعالم الغربي كانت تحول دون المنازعات بيندولتين او عدد ضئيل من
الدول وانما كانت تؤدي الى امتداد الحرب الى العالمباجمعه .
بسم الله الرحمن الرحيم
الح اضرة الثالثة
أساس القانون الدولي العام وعلاقته بالقانون الداخلي.
أولاً: أساس القانون الدولي العام.
يقصد
بأساس القانون الدولي العام: الأساس الذي تستمد منه قواعد هذاالقانون قوته
الإلزامية، وقد أختلف الفقهاء في تحديد الأساس الذي تستمدمنه هذه الصفة
قوتها، وانقسموا في ذلك إلى فريقين:
- فريق يرى في القانون بصورة عامة
تعبيراً عن أرادة الدولة، سوى كانتمنفردة أو مجتمعة هي التي تضفي على
القانون الدولي قوته الملزمة. وقد دعىهذا المذهب بالمذهب الإرادي.
- أما
الفريق الثاني فيرى أن أساس القوة الإلزامية للقانون الدولي تكمن فيعوامل
موضوعية مادية مستقلة عن الإرادة الإنسانية، وهذا هو المذهبالموضوعي.
المذهب الإرادي. Le Volontarisme
يجعل
أنصار هذا المذهب من إرادة الدول الصريحة أو الضمنية أساس الالتزامبقواعد
القانون الدولي العام. فالقانون الداخلي هو وليد الإرادة المنفردةللدولة،
والقانون الدولي العام هو وليد الإرادة الجماعية للدول.
ولقد تفرعت عن هذا المذهب نظريتان: الأولى: نظرية الإرادة النفردة، أو التحديد الذاتي. والثانية باسم نظرية الإرادة المشتركة.
نظرية التحديد الذاتي: Theorie de L auto - Limitation
قال
بهذه النظرية الفقيه الألماني (جورج يلينك)، ومؤداها إن الدولة ذاتالسيادة
لا يمكن أن تخضع لإرادة أعلى من إرادتها، لأنها تفقد بذلكاعتبارها
وكيانها، غير إنه بإمكانها تقييد أرادتها فيما تنشئه من علاقاتمع الدول
الأخرى، لأن الدولة التي تعيش في المجتمع الدولي تتقيد بالقانونالدولي
بإرادتها دون أن تخضع بهذا لأية سلطة أخرى سوى إرادتها، فالتزامالدول
بقواعد القانون الدولي مرجعه أذن تقيد هذه الدول بفعل أرادتها بهذهالقواعد.
ويؤخذ
على هذه النظرية أنها تهدي إلى عدم استقرار الأوضاع القانونية فيالمجتمع
الدولي، وذلك لأن بإمكان أية دولة أن لا تلتزم بقواعد القانونالدولي بمجرد
إعلانها عزمها على عدم التقيد بها، إذ أنها ما دام التزامهابقواعد هذا
القانون ناشئا عن أرادتها وحدها، فلها أن لا تلتزم بها في أيوقت تقتضي
أرادتها أن لا تلتزم بها، وفي هذا هدم للقانون من أساسه، كمايأخذ عليها
كذلك إنها تجعل القانون يستمد صفته الإلزامية من إرادة الأشخاصالذين يخضعون
له بينما مهمته الأساسية هي تقييد هذه الإرادة ذاتها.
للمزيد
محاضرات في القانون الدولي العام