HOUWIROU Admin
عدد الرسائل : 14822 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
| موضوع: أدبيات صالح المطيري الأربعاء 15 ديسمبر 2010 - 17:16 | |
| أدبيات صالحالمطيريالشعربقلم: يحيتوفيقليس أحد أجدر ولا أقدر ولا أبصر في الحديث عن الشعروأساليبه وخفاياه ومضايقه ونقده من الشعراء أنفسهم اذا كانوا دارسين متبحرينمتمكنين من أدواته ذلك ان فحول النقاد من أسلافنا كابن رشيق وأبي هلال العسكريوالقاضي الجرجاني كانوا أصلا شعراء,, أما لماذا هم أولى من غيرهم,, فلأن الشعر ليسلغة ووزنا وقافية ومعنى فحسب بل هو اعمق من ذلك بكثير إنه ملكةوموهبة روحيةوأريحية نفسية وفطرة خلقية لها تأثيرها وهيمنتها على ما يصوغه الشاعر من شعر ولهاأثرها في تساقط المفردات التلقائي الحميم على وجدان الشاعر وشحن تلك المفرداتوالمعاني بمسحة من روح الشاعر ونفسه وشفافيته مما يلبسها ثوبا رائعا من الحسوالانفعال يتساوى وقوة تلك الملكة وضعفها المتوثبة حينا والمتقوقعة حينا آخر فيطبع الشاعر وفطرته. واذا لم يستطع الشاعر أي شاعر ان يبلغ بشعره من ذات المتلقى وحسه ما يحرك أريحيتهويستنفر في دواخله كل العواطف الكامنة الراكدة ويحولها الى انفعال بما يقول منمعانٍ وعاطفة في شعره أيا كانت تلك المعاني أو العواطف اذا اخفق في ذلك فانه لاشكناظم لا علاقة له بالشعر ولم يدخل الى ملكوته المشحون بالأجواء الروحانيةوالبراكين الانفعالية التي لا يمكن بعثها وتحريكها وتأجيجها إلا بنفس شاعر يملكالشفافية والحس والموهبة التي تلهمه القدرة على التصوير والتعبير بشكل تلقائي هوأقرب الى الالهامي والايحائي منه الى اجهاد الفكر,, ولست أقصد أو أعني أنه لا فكرفيما يقوله من شعر بل بالعكس به كل الفكر وكل العقل ولكنه يرد على وجدان الشاعرتلقائيا بما فيه من فكر وما فيه من ابداع كمخاض لمعاناته ورد فعل لتأثره بالحدثفكريا وعاطفيا ومعايشته له والتفاعل معه أيا كان الحدث فبهمس وأحاسيس وتراتيلالروح تتخاطب الأرواح وتتلاقح وتتجاذب وتتلاقى وتنفعل. كل هذا الذي قلته يحتاج الى تفسير وتبسيط لتقريبه من استيعاب القارىء وفكره,,واعترف انه لن يكون من السهل على ذلك، ولكني سأحاول ولقد سبقني الامام عبدالقاهرالجرجاني في حديثه عن الشعر في دلائل الاعجاز فقال معبرا عن مدى صعوبة الحديث عنالشعر وخفاياه: واذا كانت العلوم التي لها أصول معروفة وقوانين مضبوطة قد اشتركالناس في العلم بها واتفقوا على البناء عليها، اذا أخطأ المخطىء ثم أعجب برأيه لميستطع رده عن هواه وصرفه عن الرأي الذي ارتآه إلا بعد الجهد، فكيف بأن ترد الناسعن رأيهم في هذا الشأن وأصلك الذي تردهم اليه تعول في محاجتهم عليه، استشهادالقرائح وسبر النفوس وفليها وما يعرض فيها من الأريحية عندما تسمع وكان ذلك الذييفتح لك سمعهم ويكشف الغطاء عن أعينهم وهم لا يضعون أنفسهم موضع من يرى الرأيويفتي ويقضي إلا وعندهم أنهم ممن صفت قريحته وصح ذوقه ونمت أداته فاذا قلت لهمانكم قد أوتيتم من أنفسكم ردوا عليك بمثله وقالوا: لا,, بل قرائحنا اصح ونظرناأصدق وحسنا أذكى فتبقى في أيديهم حسيرا لا تملك الا التعجب فليس الكلام اذن بمغنعنك ولا القول بنافع ولا الحجة مسموعة ولم يكن الأمر على هذه الجملة إلا لأنه ليسفي أصناف العلوم الخفية والأمور الغامضة الدقيقة أعجب طريقا في الخفاء من هذا يقصدالشعر. فاذا كان الناس في زمن الامام عبدالقاهر الجرجاني وهم متسلحون بمتانة اللغة وعلىدرجة عالية من الحس والتذوق للشعر اذا كان من الصعب على الامام الجرجاني رغم كلذلك افهام الناس بخفايا الشعر وروحانيته ودروبه، فكيف بي والناس في هذا الزمناصبحوا من الضحالة تائهين بين هذه الفضائيات وبين الشعر العامي، فكيف لي ان اشرحلهذا الجيل التعس هذه الأمور الروحية وكيف يمكن ان أدخل الى عقولهم لماذا يهتزالسامع للشعر الحقيقي وينفعل لحد الطرب في حالات التطريب ويأسى ويضطرب في حالاتالأسى والشجن أذلك شيء في ذات الشاعر,, هو الذي يبعث تلك الانفعالات والأحاسيس أمهو شيء في ذات المتلقي أيا كان مستواه الثقافي. أم هو شيء يشترك فيه الاثنان معا المبدع والمتلقي اذا اتحدا واجتمعا وانفعلا سويابحدث ما عبر عنه الشاعر بملكته وانفعل بتعبير الشاعر المتلقي لمشاركته له فيالانفعال بذات الحدث أي ان الشاعر مثلا كان يمر بحالة حب وحزن فقال: يا حزني المخبوء في أعماقي يا دمعي المصلوب في أحداقي أنا كلما حاولت نبذك من دمي ركضت اليك يدي تشدُّوثاقي | فان المتلقي الذي يمر بذات الحالة سوف يكونانفعاله وتجاوبه مع الأبيات كبيرا وعميقا واحساسه بأنه هو وليس الشاعر الذي يقولتلك الأبيات لشدة انطباقها على حالته,, ذلك وسواه ما سوف أحاول ان أشرحه وأبسطهلكم مستعينا بالله باذلا جهدي ان شاء الله. خلق الله الانسان من دون سائر المخلوقات ناطقا عاقلا أي مفكرا وخلق جميع الحيواناتخرساء وفي ذات الوقت غير عاقلة أي لا سبيل لديها للتفكير فالنطق متصل اتصالا وثيقابالفكر أو النطق هو وليد الفكر لكن فقدان النطق لا يلغي دور الفكر بل ليس له تأثيرعلى الفكر فالأخرس من البشر يعي ويفكر وقد أكد واثبت هذه النظرية طبيا العالموالطبيب الفرنسي جاك لورداه الذي صادف ومر هو ذاته بالتجربة فقد اصيب بفقدان طارىءعلى النطق وفي فترة العلاج لاحظ ان فقدان النطق لم يؤد به الى فقدان شيء من قدراتهعلى التفكير والتركيز وقد ظل الانسان في الغرب في حيرة أمام التساؤل هل النطق ومنثم التعبير وتركيب الجمل السليمة أصلا ينشأ عن طريق التقليد أي هل الطفل عندمايبدأ تركيب جملة للتعبير عن ذاته انما هو يقلد الآخرين ممن حوله أو هو بإلهامهالداخلي يبتكر صياغة ذلك التعبير وتأليف جمله بقدرته الذاتية وكانت الفكرة السائدةانه يقلد من حوله,, وقد تبنى هذه النظرية نظرية التقليد السلوكيون وعلى رأسهم سكنروفي القرن الرابع عشر الميلادي قال ابن خلدون عن اللغة إنما هي ملكة في ألسنتهميأخذها الآخر عن الأول كما يأخذ صبياننا بهذا العهد لغاتنا أي ان السلوكيين وسكنرعلى رأسهم استعاروا نظريتهم من ابن خلدون الذي سبقهم اليها,, ومن قبل ابن خلدونكان ارسطو في كتابه الشعر ص36 قد نوه عن ذلك إذ قال (فان المحاكاة التقليد أمرفطري لدى الناس منذ الصغر والانسان يفترق عن سائر الأحياء بأنه أكثر محاكاة وأنهيتعلم أول ما يتعلم بطريق المحاكاة (التقليد). فالطفل في رأي السلوكيين يولد وذهنه خال تماما ثم يبدأ في تقليد الآخرين ويتعلممنهم الكلمة ومعناها ونطقها ثم هو ايضا بعد ذلك يكتسب منهم قدرته في تقليد كيفيةتركيب هذه المفردات في جمل مفيدة وبمعنى آخر ان الانسان لا يولد خلاقا مبتكرابفطرته بل مقلدا يسمع ويحفظ ويختزن ثم يقلد الآخرين فيما أخذه عنهم من تركيب جملوتعابير لغوية يعبر بها عما في نفسه. كل هؤلاء: السلوكيون وعلى رأسهم سكنر وابن خلدون ومن قبلهما ارسطو,, بنوا نظريتهمهذه متجاهلين حقيقة ثابتة غابت عنهم لا سبيل الى نكرانها أبدا وهي حقيقة تجربة أبوالبشر سيدنا آدم عليه السلام,, فممن اقتبس أو قلد أو استلهم تعبيراته عندما كانيتخاطب مع أم البشر حواء,, وحواء ذاتها كيف فهمته أو فهمت عنه اشاراته الصوتية عنالأشياء ومدلولاتها نحن المسلمون نؤمن بما قاله المولى في محكم تنزيله (وعلم آدمالأسماء كلها) أي ان الله جلت قدرته بذر في طينة وفطرة سيدنا آدم البذرة التيتعلمه التعبير عن أسماء الأشياء ومدلولات هذه الأسماء وإلا كيف نطق وعبر ان لم يكنفي فطرته موهبة التعبير هذه التي بذرها الله فيه,, والدليل الآخر على وجود هذهالموهبة أو الملكة في فطرة البشر نشوء هذه اللغات المختلفة بعدما تفرق البشر فيشتى انحاء المعمورة وهي دلالة ليس على وجود ملكة وموهبة التعبير هذه فحسب بل علىامتزاج وارتباط واتحاد هذه الموهبة بجهاز الفطنة والذكاء في تكوين البشر وفطرتهمالأمر الذي جعل اسلافنا الأوائل يبتكرون الأسماء للمسميات والحركات ويعبرون عنهاتعبيرا يفهمه الآخرون عنهم. وفي النصف الآخير من القرن الماضي وفي الخمسينات على وجه التحديد جاء العالماللغوي الأمريكي تشومسكي بنظريته التي نقضت كل ما سبقه من نظريات وتجاوزت حتىأفكار النظرية البنيوية,,ونظرية تشومسكي هذه ترتكز على وجود القدرات الفطريةالخلاقة في توليد اللغة للتعبير عن الذات في فطرة الانسان منذ ولادته فالانسان عندتشومسكي ليس مقلدا في عباراته وتراكيب جمله بل مبتكرا لها. وتستند النظرية على ان الانسان منذ تكوينه توجد في جزء من ذهنه خلية أسماهاتشومسكي LINGUISTIC AQUISITION DEVICE وهذه الخلية تولد مع الانسان وهي على حد مفهوم النظرية متساويةلدى كل البشر ولكنها قابلة للنمو حسب تجارب ومران صاحبها في الكتابة والتعبيرومنها تنبع قدرته على تأليف وتوليف المفردات وسبكها في عبارات وجمل مفيدة صحيحة لميسبقه اليها أحد وذلك طبعا في أطر مكتسباته من المفردات اللغوية التي خزنها ذهنهوذاكرته خلال تعايشه مع البيئة التي نشأ فيها أيا كانت لغة تلك البيئة. وكما قلت في استنتاجي من السابق ان الانسان ليس مقلدا وضربت مثلا بأبي البشر آدمكيف استنبط لغته ومن بعده كيف استنبطت كل هذه اللغات المختلفة فليس ثم مخلوق قبلآدم يمكن ان يقلده آدم أو يقتبس منه أما كون هذه الخلية متساوية عند كل البشر فذلكما أشك فيه واعتقد انها موجودة هناك ولكنها متباينة عند البشر تنقص وتزيد توهجاوتبلدا من فرد لآخر كل حسب فطرته والدليل على صحة ما أقول,, أن النطق هو وليدالفكر والفكر يعلو ويسفل حسب توقد الذكاء في المخلوق أو تبلده فبعض الأطفال يبدؤونتجربة النطق وهم في الشهر السابع والبعض لا ينطق إلا في أواخر السنة الثانيةوهكذا,, فان هذه الخلية أو الملكة ملكة النطق تتوقد وتتوهج لدى البعض وتتبلدوتضمحل لدى البعض الآخر تمشيا مع حالة الذكاء توقدا أو تبلدا في كل ذات بشرية فأنتترى الكاتب اللامع المتوهج الذي لا تمل من قراءته وترى الشاعر الذي يحركك ويدهشكويشدك بكل حواسك مع شعره,, وفي ذات الوقت ترى الكاتب الذي تريد ان تصفعه والشاعر الذي تأسى له لأنه لم يستطعان يحرك انتباهك بما أو لما يقول,, لكن هل الذكاء والفطنة هما وراء قوة ملكةالشاعر وطبعه واذا كان ذلك فان أي ذكي فطن يمكن ان يكون شاعرا اذا أخذنا بهذهالنظرية,, اذا ما هو ذلك الشيء في فطرة الانسان الذي يخلق منه شاعرا ملهما يحركالمشاعر والأحاسيس ويهتز له المتلقي حتى النخاع انه حتما شيء إلهامي مغاير يضافالى ملكة الفطنة والذكاء التي تسانده وتعينه,, شيء في تركيبة خلقه وفطرته شيء أشبهوأقرب ما يكون من تلك الخلية التي اكتشفها تشومسكي بعد قرون وقرون من الجهلوالتخبط,, لقد كانت العرب تسمي الشعر الفطنة,, وليت شعري تعني ليت فطتني كانوايتصورون ان حدة الذكاء في الفرد هي التي تخلق منه شاعرا مفلقا, وقد يكون هذاالتصور صحيحا الى حد ما لكن وأنا هنا اتحدث بحكم تجربتي التي خضتها كشاعر ولا يمكنان أخدعكم أو أخدع نفسي فيما أقول وانما أريد فقط تثبيت أمور استهلكت من تفكيريواجهدت عقلي كثيرا فاذا استطعت الآن أن ارتبها واضعها بين أيديكم وتحت أنظاركمفلأني أريد ان يستفيد منها الكل فيما يعود بالنفع على الجميع ان كان ثمة نفع وقديستطيع من يأتي من بعدي ان يبني على ماقلت ويكمل ما بدأت وما قد أكون لم استطع أناصل اليه رغم كل اجتهاداتي واستنتاجاتي وفكري وتجربتي. منذ قرون وقرون واسلافنا استلفت انتباههم تباين الشعراء وعرفوا ان هناك شعراء لوقالوا بيتا واحدا فانه يشدك ويسخنك وتتحمس لشعرهم وتنفعل به، ثم وجدوا شعراء ملؤواالدنيا ضجيجا لكن لم يلتفت اليهم أحد ولم يحركوا مشاعر أحد,, واتفقوا فيما بينهمفي شتى عصورهم على تسمية الأول بالشعراء الملهمين المطبوعين، وتسمية الآخرينبالمتكلفين المتشاعرين فلا ماء في شعرهم ولا روح ولا حياة، والى هنا وقفوا ولميحاولوا أن يذهبوا الى أبعد من ذلك أو الى ما وراء ذلك مثلا لماذا هذا الشاعرمهضوم مقبول وذلك الشاعر غير مهضوم ولا مقبول,, ما هو السبب ما هو السر الذي يكمنخلف هذه الأحجية الغريبة العجيبة البعض منهم تحدث عن سهولة اللغة والمحسناتاللفظية وقالوا كثيرا وداروا وحاروا وخلبت البابهم ابداعات الشعراء من قبل اكتشافالبديع ومن بعد ما جاء شعراء البديع الملهمون المطبوعون وايضا المتكلفون المتقعرونوهذه من بعض الأبيات التي كانت مدار وأمثلة اعجابهم وتعجبهم,.[center] ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح وشدت على حدب المهاري رحالنا ولا ينظر الغادي الذي هو رائح أخذنا باطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطيالأباطح | أخذتهم سهولة اللغة فيها وسلاسة المحسناتاللفظية التي تعج بها الأبيات وذلك بالرغم من علمهم ان المعنى فيها بسيط متواضع. عندما كتبت قصيدتي الأولى سمراء في مطلع عمري وقد كانت نتيجة عاطفة قلبت كياني لمأكن متأكدا أنها موزونة صحيحة وعشت الحيرة فترة من عمري وبعدها بعامين وكنت قددخلت مضمار الوظيفة لمرض ألم بأبي حتى أقعده,, تعرضت في مكان عملي لموقف قاهر وكانيمكن ان اتمرد وأترك العمل لولا أني كنت أمل كل أسرتي أبي وأمي واخواتي واخوانيوكان عليّ أن افكر فيهم قبل نفسي وعندما عدت مساء ذلك اليوم الى بيتنا قرأت أمي فيوجهي ما يعتمل في صدري فنظرت اليّ بعمق وقالت بحنان ما يكربك يا بني وضحكت لهاقليلا وضاحكتها كثيرا حتى لا أزيد همومها هما جديدا,, ثم صعدت الى غريفة صغيرة كنتأخلو بها الى نفسي وبها كتبي القليلة وهناك جلست متململا مكروبا لوهلة وأحسست أنيأريد أن اقول شيئا وسحبت الورق وكتبت وكأني كنت أوجه الكلام الى أمي رحمها الله. أتيتكِ والدجى يرخي ظلالا على الآفاق والكون الحزين وجئتك تعصر الآهات قلبي وأخشى أن تبوح بها عيوني فأرنو باسماً والقلب يبكي ودمعي قد تحجر في جفوني أداري والأسى يدمي فؤادي وأكتم علني اخفيشجوني | وكما تحيرت بعدما كتبت سمراء,, أهي شعر أم هيمجرد خواطر رومانسية تحيرت أيضا كثيرا بعد هذه الرباعية لكن الموسيقى المفعمة بهاكلتا المقطوعتين,, أكدت لي أنها شعر ولقد كانت الظروف الأسرية والتربية الحازمةالتي درجت وترعرعت في احضانها تعوق عملية عرضي لما قد كتبت على من يستطيع انيطمئنني وهكذا فلقد تركت القصيدة والرباعية لمدة قد تكون ثلاث سنوات شغلت عنهابهموم الحياة وأخذني بحثي عن ذاتي طويلا حتى استطعت بعد مدة ان ادرس العروض,,واطمأن على سلامة القطعتين عروضيا كانت سمراء من بحر الكامل والرباعية من بحرالوافر,, وتأكد لي أني شاعر,, وبدا لي أن عليّ ان أنمي هذه الموهبة أو الملكةوأصقلها وكأني أحسست أني بدأت أتلمس الطريق الى معرفة ذاتي وبدأت من جديد أعيد كتباللغة والقواعد الى مكتبتي وبدأت أكثف على قدر ما يسمح لي وقتي من حجم ونوعقراءاتي,, ثم بقوة ظهرت على السطح في الوسط الأدبي وقدمت نفسي أو قدمني التلفزيونالوحيد في المملكة بالظهران قدمني كشاعر وتداولت قصيدتي الصحف ولحنت القصيدة وذاعتوشاعت في مجتمعنا وبدأت أحاول أن أكتب شعرا لكي أظل في الصورة باستمرار فقداستهوتني تلك الأضواء,, ولم أكن أدري أني كنت أذبح نفسي فلقد كنت أنظم شيئا لا روحفيه,, لأن جل ذلك الذي كتبته في تلك الفترة لكي أظل تحت الأضواء مزقته بعد ان نضجتواكتشفت ضحالته وبعده عن روح الشعر ومناخه ومنذ ذلك الوقت انتابني هذا المرضالأسطوري والسؤال الأزلي الذي عايشني مدة طويلة من عمري ما هو الشعر وما هو النظمولماذا هناك قصائد حتى لدى كبار الشعراء كالمتنبي وأبي تمام تحملك الى القمة حيويةوشفافية وأخرى تأخذك الى الحضيض ضحالة وركاكة لا روح ولا ماء ولا حس فيها,, غرسترأسي داخل كتب التراث العمدة والصناعتين والشعر والشعراء الوساطة والممتع في الشعروغيرها كثير ووجدت اجدادي واسلافي هم أنفسهم لا يقلون حيرة عني,, صحيح أنهم اهتدواواصطلحوا على تسمية الشاعر الذي يبدع فيحرك المشاعر ويدغدغ الأحاسيس بأنه شاعرمطبوع كما أسلفت، أما لماذا يحدث هذا فذلك مالم أجد له تعليلا في كتب التراث,,ورأيت ان افضل شيء يجب على ان أفعله هو أن أراقب نفسي ثم اعود للقصائد الحيةوالمليئة بالحيوية لدى الشعراء الكبار وابحث عن أسباب هذا الكم الكبير من الروح والحسوالانفعال الذي يميزها، أخذت أشهر قصائد المتنبي ميميته: واحر قلباه ممن قلبه شبم وراجعت ظروف القصيدة متى قيلت وأسبابها وكل القصص التي كتبت عنها ودارت حولها ثمقصيدته. عيد بأية حال عدت يا عيد ثم رجعت لكل الذي كتبته أنا من قصائد والذي مزقته لعدم قناعتي به فاستخلصت الأتي: 1 ان الشاعر الحقيقي يخلق شاعرا بفطرته وهناك شيء ما في طينته وتركيبته وتكوينهيميزه عن الآخرين هل هي خلية كتلك الخلية التي اكتشفها تشومسكي أم هي ذات الخليةولكنها أكثر توهجا ونضوجا في الشعراء وأعمق حسا ورسوخا وسبب التساؤل ان الشاعرالحقيقي المطبوع ليس في حاجة الى علم العروض لكي يهتدي به في بناء قصيدته لأنملكته هي التي تهديه الى وزن الشعر وموسيقاه والدليل على ذلك هذا العدد الضخم منالرعيل الأول قبل الفراهيدي وعلم عروضه,, أولئك الشعراء الذين كانوا يقولون علىفطرتهم وبتوهج طبعهم وقرائحهم,, حتى ان الفراهيدي أخذ عنهم علم العروض قياسا علىما وجده أمامه من أشعارهم وبعد الفراهيدي جاء أبوالعتاهية وقال شعرا ليس له اساسمن علم العروض وقيل له في ذلك فقال ما مضمونه أنا أقول بطبعي وفطرتي وعلىالفراهيدي أن يأخذ عني . 2 أنه حتى الشاعر الحقيقي المفلق المطبوع اذا تكلف الشعر فإن شعره يأتي ممجوجا لاطعم له ولا يحرك ويهز حس وشعور المتلقي وأصدق مثل على ذلك الفحل العريق أبوتمام ,,وحتى أبوالشعر المتنبي فانك تجده مثلا في ميميته عندما انفعل وغضب نفَّس عنانفعاله وغضبته بقصيدته الميمية تلك التي عاشت حية في قلوب الناس على مر العصوروكذلك قصيدته عيد بأية حال عدت يا عيد وقس على ذلك الكثير من قصائده لكن هناك ايضابعضا من قصائده لم يكن منفعلا بموضوع القصيدة فخرجت قصيدته باردة لا روح ولاانفعال ولا حس فيها ويأتي ذلك كثيرا عندما يتكلف مدح من لا يؤمن بأهليته لمدحه مثلكافور الذي كان يحتقره في أعماقه ولكن كان يمدحه طمعا في أن يوليه ولاية من مدنمصر,. 3 إذن فالسر يكمن في الحدث الذي يولد الانفعال في ذات الشاعر ذلك الانفعال الذييظل يتفاعل في دواخل الشاعر حتى يتفجر شعرا على الورق,, لكن هل من الضروري ألاتقول شعرا إلا اذا كان هناك حدث هناك انماط مختلفة من الشعر كشعر الوصف مثلا أوالمدح أي شيء يمكن ان يحدث لكي يجعلك تقول شعرا وصفيا مطبوعا مليئا بالحيويةوالحس,, انه القناعة والحس والانفعال بما ترى وتصف والاحساس به احساسا صادقا ذلكهو السبيل الوحيد الذي يجعلك تصف شيئا ويكون شعرك قويا وجميلا يدخل الى أعماقالمتلقي ويحركه، مثلا أنت لا تستطيع ان تصف منظر الغروب لمجرد أن أستاذك فيالجامعة طلب منك وصفه شعرا,, انما اذا رأيت المنظر بعينيك وخلب لبك وحرك أحاسيسكوهز مشاعرك عندها فقط يمكنك ان تصور هذا المنظر شعرا وتبدع فيه,, فالسر هو فيالانفعال والتفاعل مع الحدث أو المنظر أو الانفعال والاعجاب الحقيقي بشخصيةالممدوح وذلك بالنسبة لشعر المديح والدليل يتضح ويبدو ظاهرا في شعر المتنبي الذيكان معجبا حقا بشجاعة وفتوة سيف الدولة لذلك كانت مدائحه فيه قوية رائعة مليئةبالحس والحيوية بينما لم تكن كذلك في مدح سواه إلا من انطبقت عليه ذات القاعدة منحيث الاعجاب الصادق بشخصية الممدوح,, وهذه القاعدة تنطبق على كل حالات المدح,, خذمثلا حسناء رائعة رأيتها فهزك جمالها حتى النخاع لا شك انك اذا أردت ان تكتب شعرافيها فانها سيجيء شعرا مطبوعا مليئا بالروح والحس والانفعال والعاطفة وهذه الأخيرةالعاطفة لها دور كبير بل هي تكاد تكون الأساس فشعر بلا عاطفة هو كألفية ابن مالك,,نظم بلا شعر,, وعندما قلت عن شعر أكبر شاعر في وطني انه ليس شعرا بل نظما تصدى ليمن الكتاب الكثيرون كبارا وصغارا كان منهم ناقد ظل يكتب نقدا على مدى اربعين عاماوكان تساؤله الذي صعقني هو,, هل هناك شعر وهناك نظم وما هو الفرق بين الشعروالنظم,, وبدأ كثير من الأدباء الذين كانوا في الساحة ما عدا الذين يحترمون أنفسهم بدؤواينتقدون ويتندرون كعادة أهل بلدي عندما لا يفهمون شيئا فانهم يجعلونه محل سخريتهموهزئهم بل ان بعضهم تجاوز ذلك ولكن عندما كتبت مجموعة مقالاتي ردا على الكبارالمرموقين فقط الذين هاجموني وخطأوني صمت الجميع,, صمت المتهافتون الصغار والمرموقون الكبار,, وادركوا اني اتحدث عن تجربة قد خضتهاوان الموضوع ليس زوبعة افتعلها لأكسب مساحة أكبر في الساحة,, وأنا الآن اضحك في سري كثيرا لأني ارى البعض منهم نفس الناس ونفس الأقلام أراهم فيالأيام الأخيرة بدؤوا يتحدثون عن النظم البارد الذي لا علاقة له بالشعر وبدؤوايسهبون في ذلك وينظرون نفس الفئة المتهافتة الذين كانوا يسخرون ويتعجبون مما أقولوكان الأولى ان يؤازروني أو يؤيدوني لو كانوا فعلا يعرفون أو يدركون ما كتبت أو ماقلت في ذلك الوقت وهذه هي الحياة بسلبياتها وايجابياتها ولابد ان نعيشها ونعايشهاونأخذها كما هي. وللبحث بقية .. (جريدة الجزيرة 14/11/1420هـ) [/center] | |
|