عدد الرسائل : 14822 نقاط التميز : تاريخ التسجيل : 02/04/2008
موضوع: الشغل و التنظيم الاقتصادي الأحد 3 يناير 2010 - 9:45
الطريقة: الجدلية الدرس : الشغل و التنظيم الاقتصادي الإشكال:هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم النظام الاشتراكي ؟ تختلف النظم الاقتصادية ماضيا باختلاف موقعها من الملكية وما يصل بها من حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فردية وهي التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك معنويا أي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد اختلف جمهور الفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيل بذلك ؟ . يرى أنصار النظام الليبرالي ـ الرأسمالي ـ أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة و يستندون في ذلك إلى حجج و براهين بحيث يعتمد على مبادئ تعد الركيزة الأساسية التي يستند إليها في تعامله ومن أهمها الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و كذا المنافسة الحرة التي تضمن النوعية و الكمية و الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و كذلك نجد قانون العرض و الطلب وهو قانون طبيعي يحدد الأسعار و الأجور فإذا زاد الطلب قل العرض و العكس ، ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم على مسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل الدولة في تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا تحرر من كل القيود و القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد منظري الليبراليةدعه يعمل أتركه يمر)، و إذا كان تدخل الدولة يعمل على تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافس الحر بين المنتجين يعتبر الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط على حركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و في هذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث إن كل بضاعة معروضة في السوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ) ، وما يميز هذا النظام أنه لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ، و الملكية الخاصة و حب الناس للثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السير الحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازته على شيء شقا وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده ؟ . أن قيمة النظام الرأسمالي إذا نظرنا إليها من زاوية النجاح الاقتصادي لا يمكن أن توضع موضع الشك و التقدم الصناعي و التكنولوجي و العلمي الذي حققته الدول الرأسمالية دليل على ذلك ، ولكن هذا الرأي لم يصمد للنقد وذلك من خلال الانتقادات التي وجهها الاشتراكيون بقيادة كارل ماكس التي يمكن تلخيصها فيما يلي : أولاها أن النظام الرأسمالي لا إنساني لأنه يعتبر الإنسان مجرد سلعة كباقي السلع وثانيها أن النظام الرأسمالي يكثر من التوترات والحروب من أجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على هذا دول العالم الثالث وفي هذا يقول جوريسكا إن الرأسمالي تحمل الحروب كما يحمل السحاب المطر) ، كذلك يقول تشومبيتر الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ، وثالثها أن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهور الطبقية ـ برجوازية وكادحة ـ كما أه نظام لا يعرف فيه الإنسان الاستقرار النفسي بسبب طغيان الجانب المادي على الجانب الروحي كما أن هذا النظام أدى إلى ظهور الإمبريالية العالمية بالإضافة إلى أنه يوجد ظاهرة البطالة وكذا التمييز العنصري في شكل لا يعرف حداً وهذا النظام بدوره يقضي على الرأسماليين الصغار ، وأخيرا فإنه لا يوجد تناسب فيما يخص الأجور وساعات العمل يقول ماركس إن الرأسمالية تحمل في طياتها بذور فنائها) . وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكس وزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ ويرى ماركس أن المادية الجدلية هي المحرك الأساسي للتاريخ فالنظام الاشتراكي يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحياة اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها : الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ـ الأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ وكذلك التخطيط المركزي بالإضافة إلى اعتماد نظام التعاونيات في الإطار الفلاحي وفتح المجال أمام النشاط النقابي لحماية حقوق العمال وحل مشكلة فائض الإنتاج والصراع الطبقي وكذا اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص ، فالنظام الاشتراكي يعتمد كلية على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وبث الروح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل وتعتبر الدولة هي الرأس المدبر و المخطط الأول و الأخير وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي إلى الصراع وتحكم الفئة الثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح كما فتحت الدولة المجال أمام نظام النقابات وذلك لحماية حقوق العمال وللاشتراكية صور متعددة ما هو شبيه بالرأسمالية ومنها من يقترب من النظام الشيوعي ومنها ما هو وسط بين الطرفين . لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد من بعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملة وتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم من الغايات الإنسانية التي يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبيات أهمها أنه فشل في إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكال كذلك أنه أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري بالإضافة إلى ظهور المحسوبية و الرشوة وضعف الإنتاج في ظل غياب المنافسة وكثرة البطالة هذا بالإضافة إلى الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية ، كما أن توجه الدول الاشتراكية في انتهاج سياسة اقتصاد السوق و الانفتاح على العالم وهذا ما يؤكده الواقع المعاش ـ الجزائر ـ . إن النظامين الاقتصاديين السابقين وإن اختلفا في المبادئ و الغايات الاقتصادية إلاّ أنهما مع ذلك لهما أساس علمي واحد يجمع بينهما فكلاهما ينظر للحياة الاقتصادية نظرة مادية ويقيمها على شروط موضوعية وهذا لا يعني أنهما تجردا من القيم الإنسانية ، غير أن فلسفة الاقتصاد في الإسلام تنظر إلى الحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولاً و تعتني بالنواحي الإنسانية عناية خاصة فقد تضمنت فلسفة الاقتصاد في الإسلام مبادئ وقواعد عامة لتنظيم الحياة الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة بين الفرد و المجتمع وعلى هذا الأساس منحت الإنسان الحرية من الملكية لقولهمن عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها )، وقوله أيضاً من أحي أرضا ميتة فهي له)، ولكن قيدها بالمصلحة العامة حتى لا تكون أداة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وجعلها ملكية نسبية(حيث كل شيء لله)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإسلام حرم كل أنواع الربا و الغش و الاحتكار وكل ضروب الاستغلال . وفي الأخير وكحوصلة لما سبق فإن الاقتصاد الحر لا يحقق لا الحياة المزدهرة ولا العدالة الاجتماعية لأنها منبع المصائب والأزمات أما الاشتراكية فإنها رغم فضحها لعيوب الرأسمالية لم يتسن لها تحقيق روح العدل ومن هنا فالنظام الذي يحقق الحياة المزدهرة إنما هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و الأخلاق في آن واحد ألا وهو النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يجعل من المال كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) الطريقة: الجدلية الدرس : الشغل و التنظيم الاقتصادي الإشكال: هل يعمل الإنسان لإشباع حاجاته البيولوجية فقط؟ يعد الشغل بالنسبة للإنسان نشاط فعال يسمح له بتغيير الطبيعة وإعطائها صورة مرغوب فيها فهو خاصية وامتداد للفكر وفاعلية إنسانية موجهة لإنتاج أثر نافع وباعتبار أن الإنسان يشترك مع غيره من أنواع الحيوان في جوانب عديدة ولأن هذا الكائنات نشأت كلها في الطبيعة ومن ثمَّ فهي ثمرة من ثمراتها وإذا كان هناك فرق بين الإنسان والحيوان فهل يكون هذا الفرق في الدرجة أم في النوع؟وسواء أكان الاختلاف في هذا أو ذاك فلماذا يكد الإنسان ويشقى ولا يعرف الراحة والسكون ؟ هل لحاجة بيولوجية أم هناك مبررات أخرى لذلك؟ . يرى أصحاب الاتجاه الطبيعي أن جذور الإنسان متأصلة في الطبيعة وأن ظروف الحياة هي التي ألجأت الإنسان إلى الكد والعمل لسد الحاجات الحيوية من أكل وشرب وملبس ومسكن فالإنسان في نظرهم كالحيوان يخضع لمنطق الحياة العضوية ،وضرورات الغرائز الحيوانية فهو لا يخرج عن كونه >مخلوقا طبيعيا< أو موجودا بيولوجيا صرفا يعمل على تسخير الطبيعة والسيطرة عليها وكل هذا من أجل تحقيق الوجود والعمل من أجل الاستمرار على وجه هذه المعمورة وهم يدعمون رأيهم بأدلة فهم يرون بأنه لو كانت المنتجات الطبيعية كافية لما اشتغل كما هو الحال بالنسبة للإنسان الأول وتاريخ الحضارات القديمة يثبت أن الشغل في بعض المجتمعات كانت تنهض به فئة أخرى فالعمل الجسمي بصفة عامة في الفلسفة اليونانية يحط من قيمة الفرد وقد جاءت العقيدة المسيحية تؤكد على هذه النظرة إلى حد ما على أساس أن العمل نوع من العقاب الذي يعانيه المذنب. إن هذا الموقف ينطوي على مغالاة فلو كان صحيحا لأقتصر الشغل على تلبية الحاجات البيولوجية وما تجاوز العمل الإنسان إلى المستوى الحضاري والاجتماعي هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان ذلك صحيحا لسمينا نشاط الحيوان شغلا رغم أنه لا ينطوي على عقل . وعلى عكس الرأي الأول السابق يرى الاجتماعيون أن الشغل ضرورة اجتماعية ونجد أول من نظر في العمل نظرة فلسفية هيغل في أوائل القرن التاسع عشر 19م بإقامته جدليته الشهيرة بين السيد والعبد وهو يرى أن العمل منبثق للحرية أما عند برغسون فهو منبثق للعقل لأن الإنسان الحكيم هو قبل كل شيء إنسان صانع إذ ليس العقل-كما يرى برغسون- إلا (القدرة على صنع أشياء صناعية ولاسيما الأدوات التي تستخدم في صنع أدوات وفي تنويع الصنع تنويعا غير محدود) كذلك نجد ماركس يرى أن العامل عندما يؤثر في الطبيعة الخارجية ويغيرها فإنه يغير بذلك أيضا طبيعته هو نفسه وينمي ملكاته الذهنية الكامنة فيه بالإضافة إلى كل هذا فقد حاول بعض المفكرين أن يعطوا لعمل معنى ميتافيزيقيا وبالتالي معنى أخلاقيا إذ العمل في نظرهم هو تجسيم للقيم في الواقع وقد قال ماركس (بالعمل يحقق الإنسان إنسانيته) كذلك أن العمل ينتزع من نفسه ويحرره من الدائرة الذاتية التي كثيرا ما تأخذ شكل الاجترار الذاتي وقد دلت التجارب على أن كثيرا من المصابين بالأمراض العقلية تخف اضطراباتهم عندما يكلفون ببعض الأعمال الخفيفة مما يثبت أن العمل يعد إحدى دعائم الصحة العقلية فالذي لا يعمل لا يعرف للوجود نظاما ولا للوقت انتظاما واتصالا ولا للحياة اتزانا هذا من الناحية السيكولوجية أما من الناحية الاجتماعية فإن الكسل والبطالة غالبا ما تكونان مطيتين للانحراف والإجرام وقد حثت الديانات السماوية على العمل ومن بينها الإسلام وقد جاء في الأثر (ما أكل أحد طعام قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ) وقوله تعالى (فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض واذكروا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) على الرغم من كل هذه الحجج إلا أن هذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أن من الناس ممن يزالون يعملون لسد حاجاتهم الضرورية فقط كالأكل والمسكن والملبس كذلك أن البعد الاجتماعي للشغل غير كاف لأنه لم يكن دائما ضرورة اجتماعية وواجبا على جميع الأفراد بل اقتصر في حقبة من التاريخ على العبيد. إن الشغل بالنسبة للإنسان كالقلب للجسم أو بمثابة الجسد للروح فلا يمكن أن يستغني عنه فمن الناحية البيولوجية فهو يسد حاجياته الحيوية ومن الناحية الاجتماعية فالإنسان كائن اجتماعي حضاري يعمل ليحقق وجوده في وسط المجتمع بكل قيمته وكرامته . وأخيرا وكحوصلة فأن الشغل وسيلة لا غنى عنها لسد ضرورات العيش لكن الإنسان ليس كائنا بيولوجيا فقط بل له أيضا كرامة وقيمة وروح التسامي تقتضي منه أن يشتغـــل . مقتبس