الادراك : هل الادراك محصلة لنشاط الذات او تصور لنظام الاشياء ؟ جدلية
i - طرح المشكلة :يعتبر الادراك من العمليات العقلية التي يقوم بها
الانسان لفهم وتفسير وتأويل الاحساسات بإعطائها معنى مستمد من تجاربنا
وخبراتنا السابقة . وقد وقع اختلاف حول طبيعة الادراك ؛ بين النزعة
العقلية الكلاسيكية التي تزعم ان عملية الادراك مجرد نشاط ذاتي ، والنظرية
الجشطالتية التي تؤكد على صورة او بنية الموضوع المدرك في هذه العملية ،
الامر الذي يدفعنا الى طرح التساؤل التالي : هل يعود الادراك الى فاعلية
الذات المٌدرِكة أم الى طبيعة الموضوع المدرَك ؟
ii– محاولة حل المشكلة :
ويؤكد ( باركلي ) ، أن الاكمه ( الاعمى ) اذا استعاد بصره بعد عملية
جراحية فستبدو له الاشياء لاصقة بعينيه ويخطئ في تقدير المسافات والابعاد
، لأنه ليس لديه فكرة ذهنية او خبرة مسبقة بالمسافات والابعاد . وبعد
عشرين (20) سنة أكدت اعمال الجرّاح الانجليزي ( شزلندن ) ذلك .
وحالة الاكمه تماثل حالة الصبي في مرحلة اللاتمايز ، فلا يميز بين يديه
والعالم الخارجي ، ويمد يديه لتناول الاشياء البعيدة ، لأنه يخطئ – ايضا –
في تقدير المسافات لانعدام الخبرة السابقة لديه .
اما ( كانط ) فيؤكد ان العين لا تنقل نتيجة الاحساس الا بعدين من الابعاد
هما الطول والعرض عند رؤية صورة او منظر مثلا ، ورغم ذلك ندرك بعدا ثالثا
وهو العمق ادراكا عقليا ، فالعمق كبعد ليس معطى حسي بل حكم عقلي .
هذا ، وتؤكد الملاحظة البسيطة والتجربة الخاصة ، اننا نحكم على الاشياء
على حقيقتها وليس حسب ما تنقله لنا الحواس ، فندرك مثلا العصا في بركة ماء
مستقيمة رغم ان الاحساس البصري ينقلها لنا منكسرة ، و يٌبدي لنا الاحساس
الشمس وكانها كرة صغيرة و نحكم عليها – برغم ذلك – انها اكبر من الارض .
كما تتدخل في عملية الادراك جملة من العوامل المتعلقة بالذات المٌدرِكة ؛
منها عمل التوقع ، حيث ندرك الموضوعات كما نتوقع ان تكون وحينما يغيب هذا
العامل يصعب علينا ادراك الموضوع ، فقد يحدث مثلا ان نرى انسانا نعرفه
لكننا لا ندركه بسهولة ، لأننا لم نتوقع الالتقاء به . وللاهتمام والرغبة
والميل دروا هاما في الادراك ، فالموضوعات التي نهتم بها ونرغب فيها و
نميل اليها يسهل علينا ادراكها اكثر من تلك البعيدة عن اهتماماتنا
ورغباتنا وميولاتنا . كما ان للتعود دورا لا يقل عن دور العوامل السابقة ،
فالعربي مثلا في الغالب يدرك الاشياء من اليمين الى اليسار لتعوده على
الكتابة بهذا الشكل ولتعوده على البدء دائما من اليمين ، بعكس الاوربي
الذي يدرك من اليسار الى اليمين . ثم انه لا يمكن تجاهل عاملي السن
والمستوى الثقافي والتعليمي ، فإدراك الراشد للاشياء يختلف عن ادراك الصبي
لها ، وادراك المتعلم او المثقف يختلف بطبيعة الحال عن ادراك الجاهل . وفي
الاخير يتأثر الادراك بالحالة النفسية الدائمة او المؤقتة ، فإدراك الشخص
المتفاءل لموضوع ما يختلف عن ادراك المتشاءم له .
وفي هذه العملية ، ندرك الشكل بأكمله ولا ندرك عناصره الجزئية ، فاذا
شاهدنا مثلا الامطار تسقط ، فنحن في هذه المشاهدة لا نجمع بذهننا الحركات
الجزئية للقطرات الصغيرة التي تتألف منها الحركة الكلية ، بل ان الحركة
الكلية هي التي تفرض نفسها علينا .
كما ان كل صيغة مدركة تمثل شكلا على ارضية ، فالنجوم مثلا تدرك على ارضية
هي السماء ، و يتميز الشكل في الغالب بانه اكثر بروزا ويجذب اليه الانتباه
، أما الارضية فهي اقل ظهورا منه ، واحيانا تتساوى قوة الشكل مع قوة
الارضية دون تدخل الذات التي تبقى تتأرجح بين الصورتين .
ثم إن الادراك تتحكم فيه جملة من العوامل الموضوعية التي لا علاقة للذات
بها ، حيث اننا ندرك الموضوعات المتشابهة في اللون او الشكل او الحجم ،
لانها تشكل في مجموعها " كلا " موحدا ، من ذلك مثلا انه يسهل علينا ادراك
مجموعة من الجنود او رجال الشرطة لتشابه الـزي ، اكثر من مجموعة من الرجال
في السوق او الملعب .
وايضا يسهل علينا ادراك الموضوعات المتقارية في الزمان والمكان اكثر من
الموضوعات المتباعدة ، حيث ان الموضوعات المتقاربة تميل الى تجمع بأذهاننا
، فالتلميذ مثلا يسهل عليه فهم وادراك درس ما اذا كانت عناصره متقاربة في
الزمان ، ويحدث العكس اذا ما تباعدت .
و اخيرا ، ندرك الموضوعات وفق صيغتها الفضلى ، فندرك الموضوعات الناقصة
كاملة مع نها ناقصة ، فندرك مثلا الخط المنحني غير المغلق دائرة ، وندرك
الشكل الذي لا يتقاطع فيه ضلعان مثلثا بالرغم انهما ناقصان . ويتساوى في
ذلك الجميع ، مما يعني ان الموضوعات المدرَكة هي التي تفرض نفسها على
الذات المٌدرِكة
Iii – حل المشكلة :وهكذا يتضح ان الادراك لا يعود الى فاعلية الذات فقط او
الى بنية الموضوع فحسب ، من حيث انه لا وجود لادراك بدون موضوع ندركه ،
على يكون هذا الموضوع منظم وفق عوامل معينة تسهل من عملية ادراكه وفهمه .
لذلك يمكننا القول ان الادراك يعود الى تظافر جملة من العوامل سواء صدرت
هذه العوامل عن الذات او عن الموضوع .
المقالة الرابعة حول البيولوجيا :هل يمكن اخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟ جدلية
i- طرح المشكلة :تختلف المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ،
الامر الذي جعل البعض يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج التجربيي عليها بنفس
الكيفية المطبقة في المادة الجامدة متعذرا ، و يعتقد آخرون ان المادة
الحية كالجامدة من حيث مكوناتها مما يسمح بامكانية اخضاعها للدراسة
التجريبية ، فهل يمكن فعلا تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية على
غرار المادة الجامدة ؟
ii– محاولة حل المشكلة :
بالاضافة الى الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع ، هناك صعوبات تتعلق
بالمنهج المطبق و هو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ، و أول عائق
يصادفنا على مستوى المنهج هو عائق الملاحظة ؛ فمن شروط الملاحظة العلمية
الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع شروطها و ظروفها و مراحلها ،
لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ، فلأنها حية فإنه لا يمكن
ملاحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و تكامل و ترابط الاجزاء
العضوية الحية فيما بينها ، مما يحول دون ملاحظتها ملاحظة علمية ، خاصة
عند حركتها أو اثناء قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن ملاحظة العضو معزولا ،
فالملاحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ، ثم ان عزل العضو
قد يؤدي الى موته ، يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين : « إن سائر اجزاء
الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تتحرك الا بمقدار ما تتحرك كلها
معا ، و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من نظام الاحياء الى نظام
الاموات ».
و دائما على مستوى المنهج ، هناك عائق التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛
فمن المشكلات التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين
الطبيعي و الاصطناعي ؛ فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته
الطبيعية ، إذ أن تغير المحيط من وسط طبيعي الى شروط اصطناعية يشوه الكائن
الحي و يخلق اضطرابا في العضوية و يفقد التوازن .
ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر
للتأكد من صحة الملاحظات و الفرضيات ، و اذا كان الباحث في ميدان المادة
الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء ، ففي المادة الحية
يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما الى نفس النتيجة ، مثال
ذلك ان حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة الاولى ، و في
الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة تؤدي الى موته ، مما يعني أن نفس
الاسباب لا تؤدي الى نفس النتائج في البيولوجيا ، و هو ما يلزم عنه عدم
امكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما ان التجريب
و تكراره يستند الى هذا المبدأ .
و بشكل عام ، فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ، ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة .
و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة
سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو فلكي أو فيزيائي أو
جيولوجي وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف في المادة الحية
يشكل عقبة نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره ، ومن ثـمّ
فإن كل تصنيف يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على
نتائج البحث .
وهذا بدوره يحول دون تعميم النتائج على جميع افراد الجنس الواحد ، بحيث ان
الكائن الحي لا يكون هو هو مع الانواع الاخرى من الكائنات ، ويعود ذلك الى
الفردية التي يتمتع بها الكائن الحي .
هذا على مستوى طبيعة الموضوع ، اما على مستوى المنهج فقد صار من الممكن
القيام بالملاحظة الدقيقة على العضوية دون الحاجة الى فصل الاعضاء عن
بعضها ، أي ملاحظة العضوية وهي تقوم بوظيفتها ، و ذلك بفضل ابتكار وسائل
الملاحظة كالمجهر الالكتروني و الاشعة و المنظار ...
كما اصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون الحاجة الى ابطال وظيفة
العضو أو فصله ، و حتى و إن تــمّ فصل العضو الحي فيمكن بقائه حيا مدة من
الزمن بعد وضعه في محاليل كميائية خاصة .
Iii- حل المشكلة :وهكذا يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على
مستوى المنهج خاصة ، يعود اساسا الى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة
الحية ، والى كون البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه
تجاوز تلك العقبات التي تعترضه تدريجيا 1- أ – عرض الاطروحة :يرى انصار النزعة العقلية أمثال الفرنسيان ديكارت و
آلان و الفيلسوف الارلندي باركلي والالماني كانط ، ان الادراك عملية عقلية
ذاتية لا دخل للموضوع المدرك فيها ، حيث ان ادراك الشيئ ذي ابعاد يتم
بواسطة احكام عقلية نصدرها عند تفسير المعطيات الحسية ، لذلك فالادراك
نشاط عقلي تساهم فيه عمليات ووظائق عقلية عليا من تذكر وتخيل وذكاء وذاكرة
وكذا دور الخبرة السابقة ... ومعنى هذا ان انصار النظرية العقلية يميزون
تمييزا قاطعا بين الاحساس و الادراك .
1- ب – الحجة :ويؤكد ذلك ، ما ذهب اليه ( آلان ) في ادراك المكعب ، فنحن
عندما نرى الشكل نحكم عليه مباشرة بأنه مكعب ، بالرغم اننا لا نرى الا
ثلاثة أوجه وتسعة اضلاع ، في حين ان للمكعب ستة وجوه و اثنى عشرة ضلعا ،
لأننا نعلم عن طريق الخبرة السابقة أننا اذا أدرنــا المكعب فسنرى الاوجه
والاضلاع التي لا نراه الآن ، ونحكم الآن بوجودها ، لذلك فإدراك المكعب لا
يخضع لمعطيات الحواس ، بل لنشاط الذهن واحكامه ، ولولا هذا الحكم العقلي
لا يمكننا الوصول الى معرفة المكعب من مجرد الاحساس .
1- جـ - النقد : ولكن انصار هذه النظرية يميزون ويفصلون بين الادراك
والاحساس ، والحقيقة ان الادراك كنشاط عقلي يتعذر دون الاحساس بالموضوع
اولا . كما انهم يؤكدون على دور الذات في عملية الادراك ويتجاهلون تجاهلا
كليا اهمية العوامل الموضوعية ، وكأن العالم الخارجي فوضى والذات هي التي
تقوم بتنظيمه .
2- أ – عرض نقيض الاطروحة :وخلافا لما سبق ، يرى انصار علم النفس
الجشطالتي من بينهم الالمانيان كوفكا وكوهلر والفرنسي بول غيوم ، أن ان
ادراك الاشياء عملية موضوعية وليس وليد احكام عقلية تصدرها الذات ، كما
انه ليس مجوعة من الاحساسات ، فالعالم الخارجي منظم وفق عوامل موضوعية
وقوانين معينة هي " قوانين الانتظام " . ومعنى ذلك ان الجشطالت يعطون
الاولوية للعوامل الموضوعية في الادراك ولا فرق عندهم بين الاحساس
والادراك .
2- ب – الحجة :وما يثبت ذلك ، ان الادراك عند الجميع يمر بمراحل ثلاث :
ادراك اجمالي ، ادراك تحليلي للعناصر الجزئية وادراك تركيبي حيث يتم تجميع
الاجزاء في وحدة منتظمة .
2- جـ - النقد : ولكن الالحاح على اهمية العوامل الموضوعية في الادراك
واهمال العوامل الذاتية لاسيما دور العقل ، يجعل من الشخص المدرك آلة
تصوير او مجرد جهاز استقبال فقط مادامت الموضوعات هي التي تفرض نفسها عليه
سواء اراد ذلك او لم يرد ، مما يجعل منه في النهاية مجرد متلقي سلبي منفعل
لا فاعل .
3 – التركيب : ان الادراك من الوظائف الشديدة التعقيد ، وهو العملية التي
تساهم فيها جملة من العوامل بعضها يعود الى نشاط الذات وبعضها الآخر الى
بنية الموضوع ، على اعتبار ان هناك تفاعل حيوي بين الذات والموضوع ، فكل
ادراك هو ادراك لموضوع ، على ان يكون لهذا الموضوع خصائص تساعد على ادراكه
.
1- أ- الاطروحة :يرى البعض ، أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجرببي على
الظواهر الحية بنفس الكيفية التي يتم فيها تطبيقه على المادة الجامدة ، إذ
تعترض ذلك جملة من الصعوبات و العوائق ، بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع
المدروس ذاته و هو المادة الحية ، و بعضها الاخر الى يتعلق بتطبيق خطوات
المنج التجريبي عليها .
1-ب- الحجة : و يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة –
شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق
التناسل للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على
توازن الجسم الحي يكون عن طريقالتغذية التي تتكون من جميع العناصر
الضرورية التي يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل
التي هي مراحل النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب
للمرحلة اللاحقة . هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة
الحياة من خلال الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف
تقوم بها جملة من الاعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا
اختل العضو تعطلت الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز
الكائنات الحية – ايضا – بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و
لا يمكن أن يقوم بوظيفته الا في اطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود الى أن
جميع الكائنات الحية – باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا .
1-جـ- النقد : لكن هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها
و محاولتها الظهور كعلم يضاهي العلوم المادية الاخرى بعد انفصالها عن
الفلسفة ، كما ان هذه العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى
التي لها علاقة بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها
.
2-أ- نقيض الاطروحة : وخلافا لما سبق ، يعتقد البعض أنه يمكن اخضاع المادة
الحية الى المنهج التجريبي ، فالمادة الحية كالجامدة من حيث المكونات ،
وعليه يمكن تفسيرها بالقوانين الفيزيائية- الكميائية أي يمكن دراستها بنفس
الكيفية التي ندرس بها المادة الجامدة . ويعود الفضل في ادخال المنهج
التجريبي في البيولوجيا الى العالم الفيزيولوجي ( كلود بيرنار ) متجاوزا
بذلك العوائق المنهجية التي صادفت المادة الحية في تطبيقها للمنهج العلمي .
2-ب- الادلة : و ما يثبت ذلك ، أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس
عناصر المادة الجامدة كالاوكسجين و الهيدروجين و الكربون و الازوت و
الكالسيوم و الفسفور ... فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة
الجامدة .
2-جـ- النقد : ولكن لو كانت المادة الحية كالجامدة لأمكن دراستها دراسة
علمية على غرار المادة الجامدة ، غير ان ذلك تصادفه جملة من العوائق و
الصعوبات تكشف عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية . كما انه اذا كانت
الظواهر الجامدة تفسر تفسيرا حتميا و آليا ، فإن للغائية إعتبار و أهمية
في فهم وتفسير المادة الحية ، مع ما تحمله الغائية من اعتبارات
ميتافيزيقية قد لا تكون للمعرفة العلمية علاقة بها .
3- التركيب : و بذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة
العلمية ، لكن مع مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف عن طبيعة المادة
الجامدة ، بحيث بحيث يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم
المادية الاخرى مع الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة ، يقول كلود بيرنار : « لابد
لعلم البيولوجيا أن يأخذ من الفيزياء و الكمياء المنهج التجريبي ، مع
الاحتفاظ بحوادثه الخاصة و قوانينه الخاصة »..
الشعور : هل الشعور كافٍ لمعرفة كل حياتنا النفسية ؟ الجدلية .
I – طرح المشكلة : ان التعقيد الذي تتميز به الحياة النفسية ، جعلها تحظى
باهتمام علماء النفس القدامى والمعاصرون ، فحاولوا دراستها وتفسير الكثير
من مظاهرها . فاعتقد البعض منهم ان الشعور هو الاداة الوحيدة التي تمكننا
من معرفة الحياة النفسية ، فهل يمكن التسليم بهذا الرأي ؟ او بمعنى آخر :
هل معرفتنا لحياتنا النفسية متوقفة على الشعور بها ؟
II – محاولة حل المشكلة :
اذن لا وجود لحياة نفسية لا نشعر بها ، فلا نستطيع ان نقول عن الانسان
السّوي انه يشعر ببعض الاحوال ولا يشعر بأخرى مادامت الديمومة والاستمرار
من خصائص الشعور .
ثـم إن القول بوجود نشاط نفسي لا نشعر به معناه وجود اللاشعور ، وهذا
يتناقض مع حقيقة النفس القائمة على الشعور بها ، فلا يمكن الجمع بين
النقيضين الشعور واللاشعـور في نفسٍ واحدة ، بحيث لا يمكن تصور عقل لا
يعقل ونفس لا تشعر .
وأخيرا ، لو كان اللاشعور موجودا لكان قابلا للملاحظة ، لكننا لا نستطيع
ملاحظته داخليا عن طريق الشعور ، لأننا لا نشعر به ، ولا ملاحظته خارجيا
لأنه نفسي ، وماهو نفسي باطني وذاتي . وهذا يعني ان اللاشعور غير موجود ،
وماهو موجود نقيضه وهو الشعور .
ثم ان التسليم بأن الشعورهو اساس الحياة النفسية وهو الاداة الوحيدة
لمعرفتها ، معناه جعل جزء من السلوك الانساني مبهما ومجهول الاسباب ، وفي
ذلك تعطيل لمبدأ السببية ، الذي هو اساس العلوم .
III– حل المشكلة :وهكذا يتضح ، أن الانسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين :
جانب شعوري يُمكِننا ادراكه والاطلاع عليه من خلال الشعور ، وجانب لاشعوري
لا يمكن الكشف عنه الا من خلال التحليل النفسي ، مما يجعلنا نقول أن
الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حيتنا النفسية .
المقالة السادسة حول اللغة : دافع عن الاطروحة القائلة : " أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه " الاستقصاء بالوضع
I- طرح المشكلة : تعد اللغة بمثابة الوعاء الذي يصب فيه الفرد أفكاره ،
ليبرزها من حيز الكتمان الى حيز التصريح . لكن البعض أعتقد ان اللغة تشكل
عائقا للفكر ، على اعتبار أنها عاجزة عن إحتوائه والتعبير عنه ، مما يفترض
تبني الاطروحة القائلة ان اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه ، ولكن كيف يمكن
الدفاع عن هذه الاطروحة ؟
II- محاولة حل المشكلة :
- اللغة وُضعت اصلا للتعبير عما تواضع او اصطلح عليه المجتمع بهدف تحقيق
التواصل وتبادل المنافع ، وبالتالي فهي لا تعبر الا على ما تعارف عليه
الناس ( أي الناحية الاجتماعية للفكر ) ، ويبقى داخل كل فرد جوانب عميقة
خاصة وذاتية من عواطف ومشاعر لا يستطيع التعبير عنها ، لذلك كانت اللغة
عاجزة عن نقل ما نشعر به للآخرين ، يقول فاليري : أجمل الافكار ، تلك التي
لا نستطيع التعبير عنها .
- إبتكار الانسان لوسائل التعبير بديلة عن اللغة كالرسم و الموسيقى ما يثبت عجز اللغة عن استيعاب الفكر و التعبير عنه .
III- حل المشكلة : وهكذا يتضح ان هناك شبه انفصال بين اللغة والفكر ،
باعتبار ان الفكر اسبق واوسع من اللغة ، وان اللغة تقوم بدور سلبي بالنسبة
له ، فهي تعيقه وتفقده حيويته ، مما يعني ان الاطروحة القائلة : " أن
اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه " اطروحة صحيحة .
المقالة السابعة حول اللغة أيضا : السؤال : يقول هيبوليت : « إذا فكرنا
بدون لغة ، فنحن لا نفكر » دافع عن الأطروحة التي يتضمنها القول .
الاستفصاء بالوضع
i - طرح المشكل : اذا كانت اللغة اداة للفكر ، بحيث يستحيل ان يتم التفكير بدون لغة ؛ فكيف يمكن اثبات صحة هذه الفكرة ؟
ii - محاولة حل المشكل :
ومن جهة ثانية ، فإن الافكار تبقى عديمة المعنى اذا بقيت في ذهن صاحبها
ولم تتجسد في الواقع ، ولا سبيل الى ذلك الا بألفاظ اللغة التي تدرك
ادراكاً حسياً ، أي ان اللغة هي التي تخرج الفكر الى الوجود الفعلي ،
ولولاها لبقي كامناً عدماً ، ولذلك قيل : « الكلمة لباس المعنى ، ولولاها
لبقي مجهولاً » .
وعلى هذا الاساس ، فإن العلاقة بين الفكر واللغة بمثابة العلاقة بين الروح
والجسد ، الامر الذي جعل الفيلسوف الانجليزي ( هاملتون ) يقول : « الالفاظ
حصون المعاني » .
- اللغة وسيلة لإبراز الفكر من حيز الكتمان الى حيز التصريح .
- اللغة عماد التفكير وكشف الحقائق .
- اللغة تقدم للفكر تعاريف جاهزة ، وتزود المفكر بصيغ وتعابير معروفة
- اللغة اداة لوصف الاشياء حتى لا تتادخل مع غيرها .
ويؤكد ذلك ، ان الانسان كثيرا ما يدرك في ذهنه كما زاخرا من المعاني
تتزاحم في ذهنه ، وفي المقابل لا يجد الا الفاظا محدودة لا تكفي لبيان هذه
المعاني . كما قد يفهم امرا من الامور ويكون عنه فكرة واضحة بذهنه وهو لم
يتكلم بعد ، فإذا شرع في التعبير عما حصل في ذهنه من افكار عجز عن ذلك .
كما ان الفكر فيض متصل من المعاني في تدفق مستمر لا تسعه الالفاظ ، وهو
نابض بالحياة والروح ، وهو " ديمومة " [2] لا تعرف الانقسام أو التجزئة ،
أما الفاظ اللغة فهي سلسلة من الاصوات منفصلة ، مجزأة ومتقطعة ، ولا يمكن
للمنفصل ان يعبر عن المتصل ، والنتيجة أن اللغة تجمد الفكر في قوالب جامدة
فاقدة للحيوية ، لذلك قيل : « الالفاظ قبور المعاني » .
نقد منطقهم : ان اسبقية الفكر على اللغة مجرد اسبقية منطقية لا زمنية ؛
فالانسان يشعر أنه يفكر ويتكلم في آنٍ واحد . والواقع يبين ان التفكير
يستحيل ان يتم بدون لغة ؛ فكيف يمكن ان تمثل في الذهن تصورات لا اسم لها ؟
وكيف تتمايز الافكار فيما بينها لولا اندراجها في قوالب لغوية ؟
iii - حل المشكل :وهذا يعني انه لا يمكن للفكر ان يتواجد دون لغة ، وان
الرغبة في التفكير بدون لغة – كما يقول هيجل – هي محاولة عديمة المعنى ،
فاللغة هي التي تعطي للفكر وجوده الاسمى والاصح ، مما يؤدي بنا الى القول
ان الاطروحة السابقة اطروحة صحيحة .
المقالة الثامثة حول الذاكرة : هل الذاكرة ظاهرة اجتماعية أم بيولوجيةالطريقة : جدلية
I - طرح المشكل : اختلفت الطروحات والتفسيرات فيما يتعلق بطبيعة الذاكرة
وحفظ الذكريات . فاعتقد البعض ان الذاكرة ذات طبيعة اجتماعية ، وان
الذكريات مجرد خبرات مشتركة بين افراد الجماعة الواحدة . واعتقد آخرون ان
الذاكرة مجرد وظيفة مادية من وظائف الدماغ ؛ الامر الذي يدعونا الى طرح
المشكلة التالية : هل الذاكرة ذات طابع اجتماعي أم مادي بيولوجي ؟
II- محاولةحل المشكل
- ان الفرد لا يعود الى الذاكرة ليسترجع ما فيها من صور ، الا اذا دفعه
الغير الى ذلك أو وجه اليه سؤالا ، فأنت مثلا لا تتذكر مرحلة الابتدائي او
المتوسط الا اذا رأيت زميلا لك شاركك تلك المرحلة ، او اذا وجه اليك سؤالا
حولها ، لذلك فإن معظم خبراتنا من طبيعة اجتماعية ، وهي تتعلق بالغير ،
ونسبة ماهو فردي فيها ضئيل ، يقول هالفاكس : " إنني في أغلب الاحيان حينما
أتذكر فإن الغير هو الذي يدفعني الى التذكر ... لأن ذاكرتي تساعد ذاكرته ،
كما أن ذاكرته تساعد ذاكرتي " .
ويقول : " ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات وأين تحفظ إذ أنني
أتذكرها من الخارج ... فالزمرة الاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم
إلي جميع الوسائل لإعادة بنائها "
- والانسان لكي يتعرف على ذكرياته ويحدد اطارها الزماني والمكاني ، فإنه
في الغالب يلجأ الى احداث اجتماعية ، فيقول مثلا ( حدث ذلك اثناء .... او
قبل .... و في المكان ..... وعليه فالذكريات بدون أطر اجتماعية تبقى صور
غير محددة وكأنها تخيلات ، يقول : ب . جاني : " لو كان الانسان وحيدا لما
كانت له ذاكرة ولما كان بحاجة إليها " .
- بعض امراض الذاكرة لها علاقة بالاضطرابات التي تصيب الجملة العصبية
عموما والدماغ على وجه الخصوص ، فالحبسة او الافازيا ( التي هي من مظاهر
فقدان الذاكرة ) سببها اصابة منطقة بروكا في قاعدة التلفيف الثالث من
الجهة الشمالية للدماغ ، أو بسبب نزيف دموي في الفص الجداري الايمن من
الجهة اليسرى للدماغ ، مثال ذلك الفتاة التي أصيبت برصاصة ادت الى نزيف في
الفص الجداري الايمن من الجهة اليسرى للدماغ ، فكانت لا تتعرف على الاشياء
الموضوعة في يدها اليسرى بعد تعصيب عينيها ، فهي تحوم حولها وتصفها دون ان
تذكرها بالاسم ، وتتعرف عليها مباشرة بعد وضعها في يدها اليمنى
يقول تين Taine: " إن الدماغ وعاء يستقبل ويختزن مختلف الذكريات " ، ويقول ريبو : " الذاكرة وظيفة بيولوجية بالماهية "
الامثلة : إن قدرة الشاعر على حفظ الشعر اكبر من قدرة الرياضي . ومقدرة
الرياضي في حفظ الأرقام والمسائل الرياضية اكبر من مقدرة الفيلسوف ...
وهكذا , والفرد في حالة القلق والتعب يكون اقل قدرة على الحفظ , وهذا
بالإضافة إلى السمات الشخصية التي تؤثر إيجابا أو سلبا على القدرة على
التعلم والتذكر كعامل السن ومستوى الذكاء والخبرات السابقة ..
III- حل المشكل: وهكذا يتضح ان الذاكرة ذات طبيعة معقدة ، يتداخل ويتشابك
فيها ماهو مادي مع ماهو اجتماعي مع ماهو نفسي ، بحث لا يمكن ان نهمل او
نغلّب فيها عنصرا من هذه العناصر الثلاث .
1-أ- عرض الاطروحة : يذهب انصارعلم النفس التقليدي من فلاسفة وعلماء ، الى
الاعتقاد بأن الشعور هو أساس كل معرفة نفسية ، فيكفي ان يحلل المرء شعوره
ليتعرف بشكلٍ واضح على كل ما يحدث في ذاته من احوال نفسية او ما يقوم به
من افعال ، فالشعور والنفس مترادفان ، ومن ثـمّ فكل نشاط نفسي شعوري ، وما
لا نشعر به فهو ليس من انفسنا ، ولعل من ابرز المدافعين عن هذا الموقف
الفيلسوفان الفرنسيان " ديكارت " الذي يرى أنه : « لا توجد حياة أخرى خارج
النفس الا الحياة الفيزيولوجية » ، وكذلك " مين دو بيران " الذي يؤكد على
أنه : « لا توجد واقعة يمكن القول عنها انها معلومة دون الشعور بها » .
وهـذا كله يعني ان الشعور هو اساس الحياة النفسية ، وهو الاداة الوحيدة
لمعرفتها ، ولا وجود لما يسمى بـ " اللاشعور " .
1-ب- الحجة : ويعتمد انصار هذا الموقف على حجة مستمدة من " كوجيتو ديكارت
" القائل : « أنا أفكر ، إذن أنا موجود » ، وهذا يعني ان الفكر دليل
الوجود ، وان النفس البشرية لا تنقطع عن التفكير الا اذا انعم وجودها ،
وان كل ما يحدث في الذات قابل للمعرفة ، والشعور قابل للمعرفة فهو موجود ،
اما اللاشعور فهو غير قابل للمعرفة ومن ثـمّ فهو غير موجود .
1-جـ- النقد : ولكن الملاحظة ليست دليلا على وجود الاشياء ، حيث يمكن ان
نستدل على وجود الشئ من خلال آثاره ، فلا أحد يستطيع ملاحظة الجاذبية او
التيار الكهربائي ، ورغم ذلك فاثارهما تجعلنا لا ننكر وجودهما .
2-أ- عرض نقيض الاطروحة : بخلاف ما سبق ، يذهب الكثير من انصار علم النفس
المعاصر ، ان الشعور وحده ليس كافٍ لمعرفة كل خبايا النفس ومكنوناتها ،
كون الحياة النفسية ليست شعورية فقط ، لذلك فالانسان لا يستطيع – في جميع
الاحوال – ان يعي ويدرك اسباب سلوكه . ولقد دافع عن ذلك طبيب الاعصاب
النمساوي ومؤسس مدرسة التحليل النفسي " سيغموند فرويد " الذي يرى أن : «
اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجود الادلة التي تثبت وجود اللاشعور
» . فالشعور ليس هـو النفس كلها ، بل هناك جزء هام لا نتفطن – عادة – الى
وجوده رغم تأثيره المباشر على سلوكاتنا وأفكارنا وانفعالاتنا ..
2-ب- الحجة : وما يؤكد ذلك ، أن معطيات الشعور ناقصة ولا يمكنه أن يعطي
لنا معرفة كافية لكل ما يجري في حياتنا النفسية ، بحيث لا نستطيع من خلاله
ان نعرف الكثير من أسباب المظاهرالسلوكية كالاحلام والنسيان وهفوات اللسان
وزلات الاقلام .. فتلك المظاهر اللاشعورية لا يمكن معرفتها بمنهج
الاستبطان ( التأمل الباطني ) القائم على الشعور ، بل نستدل على وجودها من
خلال اثارها على السلوك . كما أثبت الطب النفسي أن الكثير من الامراض
والعقد والاضطرابات النفسية يمكن علاجها بالرجوع الى الخبرات والاحداث (
كالصدمات والرغبات والغرائز .. ) المكبوتة في اللاشعور.
2جـ - النقد : لا شك ان مدرسة التحليل النفسي قد أبانت فعالية اللاشعور في
الحياة النفسية ، لكن اللاشعور يبقى مجرد فرضية قد تصلح لتفسير بعض
السلوكات ، غير أن المدرسة النفسية جعلتها حقيقة مؤكدة ، مما جعلها تحول
مركز الثقل في الحياة النفسية من الشعور الى اللاشعور ، الامر الذي يجعل
الانسان اشبه بالحيوان مسيّر بجملة من الغرائز والميول المكبوتة في
اللاشعور.
3- التركيب : وهكذا يتجلى بوضوح ، أن الحياة النفسية كيان معقد يتداخل فيه
ماهو شعوري بما هو لاشعوري ، أي انها بنية مركبة من الشعور واللاشعور ،
فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية ، واللاشعور
يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها .
1- أ - عرض الاطروحة كفكرة : يرى أنصار الاتجاه الثنائي ، أن هناك انفصال
بين الفكر واللغة ، و أنه لا يوجد تناسب بين عالم الافكار وعالم الالفاظ ،
حيث ان ما يملكه الفرد من أفكار و معان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظ
وكلمات ، مما يعني ان اللغة لا تستطيع ان تستوعب الفكر او تحتويه ، ومن
ثــــمّ فهي عاجزة عن التبليغ او التعبير عن هذا الفكر .
1- ب - مسلمات الاطروحة : الفكر أسبق من اللغة و أوسع منها ، بحيث ان الانسان يفكر بعقله قبل ان يعبر بلسانه .
1- ج – الحجة : كثيرا ما يشعر الانسان بسيل من الخواطر والافكار تتزاحم في
ذهنه ، لكنه يعجز عن التعبير عنها ، لانه لا يجد الا الفاظا محدودة لا
تكفي لبيانها ، وعلى هذا الاساس كانت اللغة عاجزة عن إبراز المعاني
المتولدة عن الفكر ابرزا تاما وكاملا ، يقول أبو حيان التوحيدي : " ليس في
قوة اللغة ان تملك المعاني " ويقول برغسون : " اننا نملك افكارا اكثر مما
نملك اصواتا "
2- تدعيم الاطروحة بحجج شخصية ( شكلا ومضمونا ) : تثبت التجربة الذاتية
التي يعيشها كل انسان ، أننا كثيرا ما نعجز عن التعبير عن كل مشاعرنا
وخواطرنا وافكارنا ، فنتوقف اثناء الحديث او الكتابة بحثا عن كلمة مناسبة
لفكرة معينة ، أو نكرر القول : " يعجز اللسان عن التعبير " ، او نلجأ الى
الدموع للتعبير عن انفعالاتنا ( كحالات الفرح الشديد ) ، ولو ذهبنا الى
بلد اجنبي لا نتقن لغته ، فإن ذلك يعيق تبليغ افكارنا ، مما يثبت عدم وجود
تناسب بين الفهم والتبليغ .
3- أ – عرض منطق خصوم الاطروحة : يرى انصار الاتجاه الاحادي ، أن هناك
اتصال ووحدة بين الفكر واللغة ، وهما بمثابة وجهي العملة النقدية غير
القابلة للتجزئة ، فاللغة والفكر شيئا واحدا ، بحيث لا توجد افكار بدون
الفاظ تعبر عنها ، كما انه لا وجود لالفاظ لا تحمل أي فكرة او معنى .
وعليه كانت اللغة فكر ناطق والفكر لغة صامتة ، على الاعتبار ان الانسان
بشكل عام يفكر بلغته ويتكلم بفكره . كما أثبت علم النفس ان الطفل يولد
صفحة بيضاء خالية من أي افكار و يبدأ في اكتسابها بموازاة مع تعلمه اللغة
. وأخيرا ، فإن العجز التي توصف به اللغة قد لا يعود الى اللغة في حد
ذاتها ، بل الى مستعملها الذي قد يكون فاقدا لثروة لغوية تمكنه من التعبير
عن افكاره .
3- ب – نقد منطقهم : لكن ورغم ذلك ، فإن الانسان يشعر بعدم مسايرة اللغة
للفكر ، فالادباء مثلا رغم امتلاكهم لثروة لغوية يعانون من مشكلة في
التبليغ ، وعلى مستوى الواقع يشعر أغلب الناس بعدم التناسب بين الفكر
واللغة .
1-أ- عرض الموقف كفكرة : ان الفكر لا يمكن ان يكون له وجود دون لغة تعبر
عنه ، إذ لا وجودلأفكار لا يمكن للغة ان تعبر عنا ، حيث أن هناك – حسب
انصار الاتجاه الاحادي - تناسب بين الفكر واللغة ، ومعنى ذلك أن عالم
الافكار يتناسب مع عالم الالفاظ ، أي ان معاني الافكارتتطابق مع دلالة
الالفاظ ، فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة غير قابلة للتجزئة فـ« الفكر
لغة صامتة ، واللغة فكر ناطق » .
1- ب- المسلمات : البرهنة: ما يثبت ذلك ، ما اكده علم نفس الطفل من ان
الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من اية افكار ، ويبدأ في اكتسابها
بالموازاة مع تعلمه اللغة ، وعندما يصل الى مرحلة النضج العقلي فإنه يفكر
باللغة التي يتقنها ، فالافكار لا ترد الى الذهن مجردة ، بل مغلفة باللغة
التي نعرفها فـ« مهما كانت الافكار التي تجيئ الى فكر الانسان ، فإنها لا
تستطيع ان تنشأ وتوجد الا على مادة اللغة ».
2- تدعيم الاطروحة بحجج : أن اللغة تقدم للفكر القوالب التي تصاغ فيها المعاني .
3-أ- عرض منطق الخصوم : يزعم معظم الفلاسفة الحدسانيون والرمزيون من
الادباء والفنانين وكذا الصوفية ، انه لا يوجد تناسب بين عالم الافكار
وعالم الالفاظ ، فالفكر اوسع من اللغة واسبق منها ، ويلزم عن ذلك ان ما
يملكه الفرد من افكار ومعان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظٍ وكلمات ٍ ، مما
يعني انه يمكن ان توجد افكار خارج اطار اللغة .
1-أ- عرض الاطروحة : أنصار النظرية الاجتماعية : اساس الذاكرة هو المجتمع ؛ أي انها ظاهرة اجتماعية بالدرجة الاولى .
1-ب- الحجة : لأن – أصل كل ذكرى الادراك الحسي ، والانسان حتى ولو كان
منعزلا فانه عندما يدرك أمرا ويثبته في ذهنه فإنه يعطيه إسما ليميزه عن
المدركات السابقة ، وهو في ذلك يعتمد على اللغة ، واللغة ذات طابع اجتماعي
، لذلك فالذكريات تحفظ بواسطة اشارات ورموز اللغة ، التي تُكتسب من المجتمع
1-ج- النقد : لو كانت الذاكرة ظاهرة اجتماعية بالاساس ، فيلزم عن ذلك أن
تكون ذكريات جميع الافراد المتواجدين داخل المجتمع الواحد متماثلة ، وهذا
غير واقع . ثم ان الفرد حينما يتذكر ، لا يتذكر دائما ماضيه المشترك مع
الغير ، فقد يتذكر حوادث شخصية لا علاقة للغير بها ولم يطلب منه احد
تذكرها ( كما هو الحال في حالات العزلة عندما نتذكر بدافع مؤثر شخصي ) ،
مما يعني وجود ذكريات فردية خالصة .
2-أ- عرض نقيض الاطروحة : النظرية المادية : الذاكرة وظيفة مادية بالدرجة الاولى ، وترتبط بالنشاط العصبي ( الدماغ ) .
2-ب- الحجة : لأن : - الذاكرة ترتبط بالدماغ ، واصابته في منطقة ما تؤدي
الى تلف الذكريات ( من ذلك الفقدان الكلي او الجزئي للذكريات في بعض
الحوادث ) .
2-ج- النقد : ان ما يفند مزاعم انصار النظرية المادية هو ان فقدان الذاكرة
لا يعود دائما الى اسباب عضوية (اصابات في الدماغ) فقد يكون لأسباب نفسية
( صدمات نفسية ) ... ثم ان الذاكرة قائمة على عنصر الانتقاء سواء في مرحلة
التحصيل والتثبيت او في مرحلة الاسترجاع ، وهذا الانتقاء لا يمكن تفسيره
الا بالميل والاهتمام والرغبة والوعي والشعور بالموقف الذي يتطلب التذكر
.. وهذه كلها امور نفسية لا مادية .
3- التركيب ( تجاوز الموقفين ) : ومنه يتبين ان الذاكرة رغم انها تشترط
اطر اجتماعية نسترجع فيها صور الذكريات ونحدد من خلالها اطارها الزماني
والمكاني ، بالاضافة الى سلامة الجملة العصبية والدماغ على وجه التحديد ،
الا انها تبقى احوال نفسية خالصة ، إنها ديمومة نفسية أي روح ، وتتحكم
فيها مجموعة من العوامل النفسية كالرغبات والميول والدوافع والشعور ..
ملاحظة : يمكن في التركيب الجمع بين الموقفين ، و ليس من الضروري تجاوزهما
السياسة و الاخلاق : هل يمكن إبعاد القيم الاخلاقية من الممارسة السياسية ؟ جدلية .
I- طرح المشكلة :إن الدولة وجدت لإجل غايات ذات طابع أخلاقي ، مما يفرض أن
تكون الممارسة السياسية أيضا أخلاقية ، إلا أن الواقع يكشف خلاف ذلك
تماماً ، سواء تعلق الامر بالممارسة السياسية على مستوى الدولة الواحدة أو
على مستوى العلاقات بين الدول ، حيث يسود منطق القوة والخداع وهضم الحقوق
.. وكأن العمل السياسي لا ينجح إلا إذا أُبعدت القيم الاخلاقية ؛ فهل فعلا
يمكن إبعاد الاعتبارات الاخلاقية من العمل السياسي ؟
- محاولة حل المشكلة :
1-أ- عرض الاطروحة:يرى بعض المفكرين ، أن لاعلاقة بين الاخلاق والسياسة ،
لذلك يجب إبعاد الاعتبارات الاخلاقية تماماً من العمل السياسي ، وهو ما
يذهب إليه صراحة المفكر الايطالي " ميكيافيلي 1469 –1527 " في كتابه "
الامير " ، حيث يرى أن مبدأ العمل السياسي هو : « الغاية تبرر الوسيلة » ،
فنجاح العمل السياسي هو ما يحققه من نتائج ناجحة كإستقرار الدولة وحفظ
النظام وضمان المصالح الحيوية .. بغض النظر عن الوسائل المتبعة في ذلك حتى
وإن كانت لاأخلاقية ، بل ويذهب الى أبعد من ذلك ، فيزعم أن الاخلاق تضر
بالسياسة وتعرقل نجاحها ، وان الدول التي تبني سياستها على الاخلاق تنهار
بسرعة.
ويوافقه في ذلك أيضاً فيلسوف القوة " نيتشه 1844 –1900 " ، الذي يرى أن
السياسة لا تتفق مع الاخلاق في شيئ ، والحاكم المقيد بالاخلاق ليس بسياسي
بارع ، وهو لذلك غير راسخ على عرشه ، فيجب على طالب الحكم من الالتجاء الى
المكر والخداع والرياء ، فالفضائل الانسانية العظيمة من الاخلاص والامانة
والرحمة والمحبة تصير رذائل في السياسة . وعلى الحاكم أن يكون قوياً ، لأن
الاخلاق هي سلاح الضعفاء ومن صنعهم .
1 الحجة وما يبرر ذلك أن المحكوم إنسان ، والانسان شرير بطبعه ، يميل الى
السيطرة والاستغلال والتمرد وعدم الخضوع الى السلطة المنظمة ، ولو ترك على
حاله لعاد المجتمع الى حالته الطبيعية ، فتسود الفوضى والظلم واستغلال
القوي للضعيف ، ويلزم عن ذلك استعمال القوة وجميع الوسائل لردع ذلك الشر
حفاظا على استقرار الدولة ويقائها .
ومن جهة ثانية ، فالعلاقات السياسية بين الدول تحكمها المصالح الحيوية
الاستراتيجية ، فتجد الدولة نفسها بين خيارين : إما تعمل على تحقيق
مصالحها بغض النظر عن الاعتبارات الاخلاقية ، وإما تراعي الاخلاق التي قد
لا تتفق مع مصالحها ، فتفقدها ويكون مصيرها الضعف والانهيار .
1جـ - النقد :ولكن القول أن الانسان شرير بطبعه مجرد زعم وإفتراض وهمي ليس
له أي أساس من الصحة ؛ فالانسان مثلما يحمل الاستعداد للشر يحمل أيضا
الاستعداد للخير ، ووظيفة الدولة تنمية جوانب الخير فيه ، أما لجوئها الى
القوة فدليل على عجزها عن القيام بوظيفتها ، والا فلا فرق بين الدولة
كمجتمع سياسي منظم والمجتمع الطبيعي حيث يسود منطق الظلم والقوة .
هذا ، واستقراء ميكيافيلي للتاريخ إستقراء ناقص ، مما لا يسمح بتعميم
أحكامه ، فهو يؤكد – من التاريخ – زوال الدول التي بنيت على اسس أخلاقية ،
غير أن التاريخ نفسه يكشف ان الممارسة السياسية في عهد الخلفاء الراشدين
كانت قائمة على اساس من الاخلاق ، والعلاقة بين الخليفة والرعية كانت
تسودها المحبة والاخوة والنصيحة ، مما أدى الى ازدهار الدولة لا إنهيارها .
وأخيراً ، فالقوة أمر نسبي ، فالقوي اليوم ضعيف غداً ، والواقع أثبت أن
الدول والسياسات التي قامت على القوة كان مصيرها الزوال ، كما هو الحال
بالنسبة للانظمة الاستبدادية الديكتاتورية . عرض نقيض الاطروحة :
2-أ-عرض نقيض الاطروحة : وخلافا لما سلف ، يعتقد البعض الاخر أنه من
الضروري مراعاة القيم الاخلاقية في الممارسة السياسية ، سواء تعلق الامر
بالعلاقة التي تربط الحاكم والمحكومين على مستوى الدولة الواحدة ، أو على
مستوى العلاقات بين الدول . ومعنى ذلك ، أن على السياسي أن يستبعد كل
الوسائل اللااخلاقية من العمل السياسي ، وأن يسعى الى تحقيق العدالة
والامن وضمان حقوق الانسان الطبيعية والاجتماعية . وهذا ما دعا إليه أغلب
الفلاسفة منذ القديم ، فهذا " أرسطو " يعتبر السياسة فرعاً من الاخلاق ،
ويرى أن وظيفة الدولة الاساسية هي نشر الفضيلة وتعليم المواطن الاخلاق .
ثم حديثا الفيلسوف الالماني " كانط 1724 –1804 " ، الذي يدعو الى معاملة
الانسان كغاية في ذاته وليس كمجرد وسيلة ، كما دعا في كتابه " مشروع
السلام الدائم " الى إنشاء هيئة دولية تعمل على نشر السلام وفك النزاعات
بطرق سلمية وتغليب الاخلاق في السياسة ، وهو ما تجسد – لاحقا – في عصبة
الامم ثم هيئة الامم المتحدة ، كما دعا الى ضرورة قيام نظام دولي يقوم على
الديمقراطية والتسامح والعدل والمساواة بين الشعوب والامم . ومن بعده
ألـحّ فلاسفة معاصرون على أخلاقية الممارسة السياسية ، أبرزهم الفرنسي "
هنري برغسون 1856 – 1941 " و الانجليزي " برتراند رسل 1871 –1969 " .
2-ب-الحجةإن الدولة خصوصاً والسياسة عموما ً إنما وجدتا لأجل تحقيق غايات
أخلاقية منعدمة في المجتمع الطبيعي ، وعليه فأخلاقية الغاية تفرض أخلاقية
الوسيلة . كما أن ارتباط السياسة بالاخلاق يسمح بالتطور والازدهار نتيجة
بروز الثقة بين الحكام والمحكومين ، فينمو الشعور بالمسؤولية ويتفانى
الافراد في العمل .
ثم ان غياب الاخلاق وابتعادها من المجال السياسي يوّلد انعدام الثقة
والثورات على المستوى الداخلي ، أما على المستوى الخارجي فيؤدي الى الحروب
، مع ما فيها من ضرر على الامن والاستقرار وإهدار لحقوق الانسان الطبيعية
، وهذا كله يجعل الدولة تتحول الى أداة قمع وسيطرة واستغلال .
2-جـ النقد : لا يمكن إنكار أهمية دعوة الفلاسفة الى أخلاقية الممارسة
السياسية ، إلا ان ذلك يبقـى مجرد دعوة نظرية فقط ، فالقيم الاخلاقية
وحدها – كقيم معنوية – لا تكفي لتجعل التظيم السياسي قوياً قادراً على فرض
وجوده وفرض احترام القانون ، ولا هي تستطيع ايضاً ضمان بقاء الدولة
واستمرارها ، وهو الامر الذي يؤكد صعوبة تجسيد القيم الاخلاقية في
الممارسة السياسية .
3-التركيب : وفي الواقع أنه لا يمكن الفصل بين الاخلاق والسياسة ، لذلك
فغاية الممارسة السياسية يجب أن تهدف الى تجسيد القيم الاخلاقية وترقية
المواطن والحفاظ على حقوقه الاساسية ، دون إهمال تحقيق المصالح المشروعة
التي هي اساس بقاء الدولة وازدهارها .
Iii– حل المشكلة :وهكذا يتضح ، أنه لا يمكن إطلاقا إبعاد القيم الاخلاقية
من الممارسة السياسية رغم صعوبة تجسيدها في الواقع . ومن جهة أخرى ،
فالاخلاق بدون قوة ضعف ، والقوة بدون أخلاق ذريعة للتعسف ومبررللظلم .
وعليه فالسياسي الناجح هو الذي يتخذ من القوة وسيلة لتجسيد القيم
الاخلاقية وأخلاقية الممارسة السياسية .
المقالة العاشرة حول العدالة : هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟ جدلية
طرح المشكلة :كل مجتمع من المجتمعات يسعى الى تحقيق العدل بين أفراده ،
وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه ، ومن هنا ينشأ التناقض بين العدالة التي تقتضي
المساواة ، وبين الفروق الفردية التي تقتضي مراعاتها ، إذ ان تأسيس
العدالة على المساواة يوقع الظلم بحكم وجود تفاوت طبيعي بين الافراد ،
وتأسيسها على التفاوت فيه تكريس للطبقية والعنصرية ؛ مما يجعالنا نطرح
المشكلة التالية : ماهو المبدأ الامثل الذي يحقق عدالة موضوعية : هل هو
مبدأ المساواة أم مبدأ التفاوت ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض الاطروحة:يرى البعض ان العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار ان
العدالة الحقيقية تعني المساواة بين الجميع الافراد في الحقوق والواجبات
وامام القانون ، وأي تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة
القانون الطبيعي وفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا انصار المذهب الاشتراكي .
الحجة :- ويؤكد ذلك ، ان الافراد – حسب فلاسفة القانون الطبيعي - الذين
كانوا يعيشون في حالة الفطرة كانوا يتمتعون بمساوة تامة وكاملة فيما بينهم
، ومارسوا حقوقهم الطبيعية على قدم المساواة ، لذلك فالافراد سواسية ، فـ«
ليس هناك شيئ اشبه بشيئ من الانسان بالانسان » ، وعليه فالعدالة تقتضي
المساواة بين جميع الافراد في الحقوق والواجبات بحكم بطبيعتهم المشتركة ،
ومادام الناس متساوون في كل شيئ فما على العدالة الا ان تحترم هذه
المساواة .
- اما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون ان انتقال الانسان من المجتمع
الطبيعي الى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على تعاقد ، وبما ان الافراد في
المجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة ، لم يكونوا ليقبلوا
التعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم ، فالمساواة شرط قيام
العقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة اساسها المساواة بين الجميع في
الحقوق والواجبات .
- في حين ان الاشتراكيين يرون ان لا عدالة حقيقية دون مساواة فعلية بين
الافراد في الحقوق والواجبات ، ولا تتحقق المساواة دون الاقرار بمبدأ
الملكية الجماعية لوسائل الانتاج ، التي تتيح للجميع التمتع بهذا الحق ،
لأن الملكية الخاصة تكرّس الطبقية والاستغلال وهي بذلك تقضي على روح
المساواة التي هي اساس العدالة .
النقد : إن انصار المساواة مثاليون في دعواهم الى اقامة مساواة مطلقة ،
ويناقضون الواقع ، لأن التفاوت الطبيعي امر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا
متطابقة ولا متجانسين في كل شيئ ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ
ففي المساواة ظلم لعدم احترام الفروق الفردية الطبيعية .
عرض نقيض الاطروحة :وبخلاف ما سبق ، يرى البعض الاخر ان العدالة لا تعني
بالضرورة المساواة ، بل ان في المساواة ظلم لعدم احترام الاختلافات بين
الناس ، ومن هذا المنطلق فإن العدالة الحقيقة تعني تكريس مبدأ التفاوت ،
إذ ليس من العدل ان نساوي بين اناس متفاوتين طبيعي