إن الحمد لله نحمده ،ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله . أما بعد : فان اصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة في النار .
هذه كنوز نبوية ، اهديها إلى كل محب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وسنته ، ليقتدي إذ لا يكون الحب إلا بالإتباع له صلى الله عليه وسلم .
الترغيــــــــــــــب في السحــــــــور
عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : () تسحروا فان في السحور بركة )) . قال ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ تسحروا فان في السحور بركة ) هو بفتح السين وبضمها ؛ لان المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم ؛لأنه مصدر بمعنى التسحر ، أو البركة لكونه يقوِّى على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح ؛ لأنه ما يتسحر به ، وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر ، والأولى إن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة ، وهى إتباع السنة ، ومخالفة أهل الكتاب ، والتقوّىِ به على العبادة ، والزيادة في النشاط ،ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع ، والتسبب بالصدقة على من يسال إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل ، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة ، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام ، قال ابن دقيق العيد : هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فان إقامة السنة يوجب الأجر وزيادته . ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية ؛ كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إضرار بالصائم . قال : ومما يُعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم ، وهذا احد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية .
1/ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ؛ (( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )). 2/ وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((البركة في ثلاثة : في الجماعة ، والثريد ، والسحور )) . 3/ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين )). 4/ وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان فقال : (( هَلُمَّ إلى الغداء المبارك )) . 5/ وعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( هو الغداء المبارك . يعنى السحور )) . 6/ وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنها بركة أعطاكم الله إياها ، فلا تدعوه )) . 7/ وعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( السحور كله بركة ، فلا تدعوه ، ولو أن يجرَّع أحدكم جرعة من ماء ، فان الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين )). 8/ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تسحروا ولو بجرعة من ماء )). 9/ وعن أبى هريرة رضي الله عنه ؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ))نِعْمَ سحور المؤمن التمر )) . من صحيح الترغيب والترهيب للإمام الالبانى رحمه الله تعالى . "الجزء الأول "
تأخيـــــــــر السحــــــــــور
1/ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا ، وتأخير سحورنا ، وان نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة )). 2/ عن انس ، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه ، قال (( تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة . قلت : كم كان بين الآذان والسحور ؟ قال قدر خمسين أية )). متفق عليه
قال الحافظ : ... اى انتهاء السحور وابتداء الصلاة ؛ لان المراد تقدير الزمان الذي ترك فيه الأكل ، والمراد بفعل الصلاة أول الشروع فيها قاله الزين بن المنير . وقال أيضا : قدر خمسين أية اى متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة .
هديــــة للمتسحــــــــــرين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )) إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ، فلا يضعه حتى يقضى حاجته منه )) . أخرجه احمد وأبو داود والحاكم وصححه هو والذهبي ، وأخرجه ابن حزم ، وزاد : (( قال عمار ( يعنى: ابن أبى عمار راوية عن أبى هريرة ) : وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر )). قال حماد ( يعنى : ابن سلمة ) عن هشام بن عروة : كان أبى يفتى بهذا . وإسناده صحيح على شرط مسلم . وله شواهد ذكرتها في " التعليقات الجياد " ، ثم في " الصحيحة " ( 1394) . وفيه دليل على إن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده ، انه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه ، فهذه الصورة مستثناة من الآية : {{ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }} ، فلا تعارض بينهما وما في معناها من الأحاديث ؛ وبين هذا الحديث ، ولا إجماع يعارضه ، بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث ، وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر ، وينتشر البياض في الطرق ، راجع الفتح ( 4/109ـ110) . وان من فوائد هذا الحديث إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة ؛ لأنهم إنما يفعلون ذلك خشية أن يدركهم آذان الفجر وهم يتسحرون ، ولو علموا هذه الرخصة لما وقعوا في تلك البدعة . فتأمل تمام المنة ( 417ـ418)
حُكْمُــــــــــــــــــــهُ
قال النووي رحمه الله تعالى : اجمع العلماء على استحبابه وانه ليس بواجب . قال الصنعانى ـ رحمه الله تعالى ـ : في شرحه لحديث انس (( تسحروا فان في السحور بركة )) وظاهر الأمر وجوب التسحُّر ، ولكنه صرفه عنه إلى الندب ما ثبت من مواصلته صلى الله عليه وسلم ، ومواصلة أصحابه . ونقل عن ابن المنذر الإجماع على إن التسحُّر مندوب . وتمت
ولله الحمد في الأولى والآخرة . المصـــــــــــادر
1/ فتح الباري ـ ابن حجر ـ دار طيبة. 2/ سبل السلام ـ الصنعانى ـ ابن الجو زى . 3/ صحيح الترغيب والترهيب ـ الالبانى ـ المعارف . 4/ شرح النووي ـ النووي ـ الرشد . 5/ تمام المنة ـ الالبانى ـ دار الراية .