أ – قطب محكمة سيدي امحمد: ويمتد الإختصاص المحلي لهذه المحكمة ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية التالية: الجزائر، الشلف، الأغواط، البليدة، البويرة، تيزي وزو، الجلفة، المدية، المسيلة، بومرداس، تيبازة، عين الدفلى.
ب- قطب محكمة قسنطينة: ويمتد الإختصاص المحلي لهذه المحكمة ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية التالية: قسنطينة، أم البواقي، باتنة، بجاية، بسكرة، تبسة، جيجل، سطيف، سكيكدة، عنابة، قالمة، برج بوعريرج، الطارف، الوادي، خنشلة، سوق أهراس، ميلة.
جـ قطب محكمة ورقلة: ويمتد الإختصاص المحلي لهذه المحكمة ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية التالية: ورقلة، أدرار، تمنراست، إليزي، تندوف، غرداية.
دـ قطب محكمة وهران: ويمتد الإختصاص المحلي لهذه المحكمة ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية التالية: وهران، بشار، تلمسان، تيارت، سعيدة، سيدي بلعباس، مستغانم، معسكر، البيض، تيسمسيلت، النعامة، عين تموشنت وغليزان.
وحدد هذا الإختصاص الإقليمي بموجب المواد4 ، 3 ،2 و5 من المرسوم التنفيذي رقم 06 -348 المؤرخ في 5 أكتوبر 2006 يتضمن تمديد الإختصاص المحلي لبعض المحاكم ووكلاء الجمهورية وقضات التحقيق.
كما أنّ هذا المرسوم نص على تمديد الإختصاص المحلي لهؤلاء في جرائم المخدرات، الجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية، الجرائم الماسة بأنظمة معالجة الآلية للمعطيات، جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف، غير أنه وبإستقراء المادة 24 مكرر 1من الأمر رقم 10 -05 المنصوص عليه أعلاه والتي نصت على خضوع جرائم الفساد لإختصاص الجهات القضائية ذات الإختصاص الموسع وذلك وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية.
كما ينعقد الإختصاص لمحكمة القطب الجزائي المتخصص عند مطالبة النائب العام لهذه الجهة بالإجراءات بعد إخطاره من طرف وكيل الجمهورية لدى المحكمة الكائن بها مكان وقوع الجريمة، وتمكينه بنسخة من الإجراءات، ويمكن للنائب العام أن يطلب بالإجراءات في أي مرحلة من مراحل الدعوى إذ اعتبر أنّ الجريمة تدخل ضمن اختصاص القطب الجزائي المتخصص ويترتب على المطالبة بالإجراءات ما يلي :
- تخلي وكيل الجمهورية الواقع بدائرة اختصاصه الوقائع عن الملف والتحقيقات وٕإسناد ذلك إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة القطب الجزائي المتخصص.
- تخلي قاضي التحقيق بالمحكمة الواقع بدائرة إختصاصها الوقائع لفائدة قاضي التحقيق بمحكمة القطب الجزائي المتخصص، وهنا يتعيّن على ضباط الشرطة القضائية تنفيذ تعليمات قضاة التحقيق بالجهة القضائية المختصة.
إلا أنه ما يعاب على المشرع الجزائري وبالرغم من تبنيه لنظام جزائي متخصص للنظر في قضايا الفساد، وبقية الجرائم الخاصة الآخرى، أقر جملة من الإجراءات الخاصة بهذه الجرائم، لكن الملاحظ على مستوى الأقطاب غياب تام للتحقيق المشترك بين قضاة التحقيق وقضاة الحكم، على الرغم من أن من قانون الإجراءات الجزائية يجيز ذلك وهي من الأهداف المرجوة من مثل هذه الجهات.
كذلك عدم استخدام أساليب التحري الخاصة أثناء مرحلة التحقيق، وأيضا البطء في تنفيذ الإنابات القضائية وهو ما يشكل عائق لعمل هذا القضاء المتخصص، على إعتبرا أن جرائم الفساد جنح ومدة الحبس المؤقت فيها قليلة بالنظر لسير عمليات التحقيق وهذا ما يؤثر سلبا في تحقيق العدالة المرجوة.
رابعا: مبادئ وإجراءات سير الجلسة:
تخضع جرائم الفساد للإجراءات المقررة وفقا للقواعد العامة المنصوص عليها في ق.ع، ومن قانون الإجراءات الجزائية من حيث تشكيل المحكمة ومن حيث المبادئ التي تحكم المحاكمة.
1. المبادئ العامة للمحاكمة: نظرا لأهمية المحاكمة فقد وضع القانون قواعد عامة تلتزم بها الجهات القضائية، أيا كان نوعها أو درجتها من شأنها حماية الحقوق والحريات الفردية سواء كان المتهم بجريمة من جرائم الفساد، أو أية جريمة أخرى من جرائم القانون العام.
و تتميز محاكمة متهمي جرائم الفساد بجملة من القواعد تجعلها مختلفة تماما عن القواعد التي تحكم مرحلتي جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي، وهي قواعد تشترك فيها جميع الجرائم التي تصل لمرحلة المحاكمة، وهذه المبادئ تتمثل في:
_ علانية الجلسات: الأصل أن جلسات المحاكمة بالنسبة لجرائم الفساد، تكون علانية أي يسمح للجمهور حضورها، وهذا المبدأ مقرر لغالبية الجرائم، حتى يكون الأفراد قريبين من المحاكم الجزائية وبذلك تعزيز ثقتهم في جهاز القضاء، وهو مبدأ مكرس بنص الدستور ومن قانون الإجراءات الجزائية.
_ شفوية المرافعات: يقصد بها أن يتم مناقشة الدفوع والأدلة المقدمة من أطراف الدعوى في معرض الجلسة، وطلبات النيابة شفاهة، واستنادا إلى أوارق الدعوى والمحاضر المقدمة من قبل جهة التحقيق أو من قبل النيابة العامة، حيث نصت المادة 353 من قانون الإجراءات الجزائية على شفاهية المرافعات أمام محكمة الجنح والمخالفات، وهذا ما يميز القضاء الجنائي عن القضاء المدني، أين يتم سير الجلسة فيه كتابيا عن طريق العرائض والطلبات الكتابية ورد الخصوم بالتناوب وما على القاضي سوى قراءتها وتمكين الخصم الآخر من الرد وفقا لمقتضيات القانون المدني، إلى حين إنتهاء ذلك واكتفاء أحد الخصوم بما سبق تقديمه.
_ وجاهية المرافعة: ويقصد بالوجاهية أن تقع إجراءات المحاكمة في مواجهة الخصوم، أي في حضورهم لذلك أوجب المشرع إعلان الخصوم بتاريخ الجلسة حتى يتمكنوا من الحضور وٕاجراء التحقيق النهائي في مواجهتهم وٕإلا أخل بحقوقهم.
أما النيابة العامة فحضورها إجباري بإعتبارها تدخل في تشكيلة جهة الحكم، وتبدي طلبات وتعد خصم في الدعوى العمومية، أما المسؤول المدني والمدعي المدني يمكن أن يمثلهما محامي في الجلسة.
لكن المتهم يجب عليه أن يحضر الجلسة ولا يكفي حضور الوكيل عنه إلا إذا كان القانون يجيز ذلك صراحة، كما لو كانت حالته الصحية لا تسمح له بالحضور ووقع استجوابه من طرف قاضي منتدب بصحبة كاتب ضبط، وكمبدأ عام لا يمكن قيام إجراءات التحقيق النهائي في غيبة المتهم إلا إذا تم إبعاده عن الجلسة لإخلاله بنظامها، وهنا يتعين على المحكمة إطلاعه بما تم من إجراءات في غيابه، وفي حالة كونه فارا من العدالة هنا يحاكم رغم غيبته، ويصدر في حقه حكم غيابي مع أمر بالقبض الفوري وفقا لما حدده القانون من إجراءات.
_ تدوين إجراءات المحاكمة: إن إجراءات التحقيق النهائي أمام محكمة الجنح يتم تدوينها في ورقة الجلسة طبقا للمادة 236 من قانون الإجراءات الجزائية ،ويقوم الكاتب تحت إشراف الرئيس بإثبات سير المرافعات ولاسيما أقوال الشهود وأجوبة المتهم ويوقعها هو والرئيس ويؤشر عليها الرئيس خلال الثالثة (03) أيام الموالية لكل جلسة.
2. إجراءات المحاكمة: تتشكل محكمة الجنح من قاض فرد ويساعده كاتب الضبط وبحضور وكيل الجمهورية أو أحد مساعديه، طبقا لأحكام المادة 340 من قانون الإجراءات الجزائية ،وتصدر أحكام محكمة الجنح من القاضي الذي يترأس جميع الجلسات وٕإلا كانت باطلة، وٕإذا طرأ مانع من حضوره أثناء نظر القضية يتعين نظرها كاملة من جديد المادة 341 من قانون الإجراءات الجزائية.
تبدأ المحكمة جلستها بالإعلان عن إفتتاحها ثم المناداة على أطراف الدعوى من متهمين وضحايا وشهود ومسؤولين مدنيين إن وجدوا، والتأكد من حضورهم أو غيابهم، ثم يتم التحقق من هوية المتهم أو المتهمين ،وتبليغه بالتهمة الموجهة إليه (جريمة من جرائم الفساد)، والمواد القانونية المعاقب عليها (من 25 إلى 48 من القانون رقم 06/01)، وبأمر الإحالة، وطريق اتصال المحكمة بالدعوى.
وٕإذا كان المتهم محبوسا مؤقتا سيق بواسطة القوة العمومية لحضور الجلسة في اليوم المحدد لها طبقا لأحكام المادة 344 من قانون الإجراءات الجزائية ،وٕإذا حصلت إحالة المتهم المحبوس مؤقتا طبقا لإجراءات التلبس بالجنحة، أخطره رئيس المحكمة بأن له الحق في اختيار محام يساعده، وفي طلب مهلة لتحضير دفاعه، فإن أبدى المتهم رغبته في ذلك تعين على القاضي أن يمنحه مهلة معقولة لا تقل عن ثلاثة (03) أيام لكي يتمكن من تحضير دفاعه، طبقا لأحكام المادة 338 من قانون الإجراءات الجزائية.
وٕإذا كان المتهم مصاب بعاهة طبيعية تعوق دفاعه، وجب تعين محام للدفاع عنه، وفقا لأحكام المادة 351/01 .02 من قانون الإجراءات الجزائية ،وٕإذا طلب المتهم الحاضر مدافع عنه فالرئيس ندب مدافع عنه تلقائيا، وباعتبار أن جرائم الفساد كلها جرائم مالية تقنية، ليس فيها ما يستدعي بالقاضي في الجلسة أن يقرر المحكمة سرية فيها، بل تكون في محاكمة علانية، طبقا لأحكام المادتين 285 و 342 من قانون الإجراءات الجزائية.
بعدها تبدأ إجراءات التحقيق في الجلسة بإستجواب المتهم حول الوقائع المنسوبة إليه، واستفساره حول كل واقعة من الوقائع ومواجهته بالأدلة، ثم يتم سماع الشهود وتصريحات الضحايا، ويكون للنيابة العامة
الحق في توجيه الأسئلة مباشرة إلى المتهم والشهود والضحايا، فيما يكون للدفاع المتهم والضحايا الحق في توجيه الأسئلة عن طريق الرئيس، وفقا لما يراه مناسبا في إظهار الحقيقة ومفيدا حسب المادة 224 من قانون الإجراءات الجزائية.
وعند إنتهاء التحقيق في الجلسة تسمع أقوال المدعي المدني، والذي يكون في جرائم الفساد ممثل القطاع العام أو الخاص، وٕإذا كان المتهم في جرائم الفساد موظف وبذلك تكون طلباته متمثلة في التعويض عن الضرر الذي لحق بالقطاع العام أو الخاص، وذلك طبقا للمادة 353 من قانون الإجراءات الجزائية ،ثم تقدم النيابة العامة طلباتها الكتابية أو الشفوية التي تراها مناسبة لصالح العدالة طبقا لأحكام المادة 238 من قانون الإجراءات الجزائية.
وفي الأخير يقدم دفاع المتهم مرافعته وللمدعي المدني والنيابة العامة حق الرّد على دفاع باقي الخصوم والمتهم ومحاميه، ودائما الكلمة الأخيرة للمتهم طبقا لأحكام المادة 353 من قانون الإجراءات الجزائية ،ثم يعلن الرئيس عن إنتهاء المرافعات، ويحدد تاريخ النطق بالحكم فيها، كما أن له أن يصدر الحكم في الحال طبقا للمادة 355 من قانون الإجراءات الجزائية.
3_ سلطات القاضي الجزائي الاستثنائية في مواجهة جرائم الفساد
إذا كانت جرائم الفساد تخضع للقواعد العامة التي تسري على جميع الجرائم بخصوص سير إجراءات الدعوى العمومية وسير إجراءات المحاكمة، فإن قانون الفساد أعطى للقاضي صلاحيات وامتيازات خاصة أو منفردة بجرائم الفساد ولا تشمل بقية الجنح الأخرى، وذلك على إعتبار أن مكافحة جرائم الفساد لا يمكن أن تتم إلا بتزويد القضاء بسلطات خاصة، وهذا ما جاء به المشرع الجزائري من خلال القانون رقم 06/01، وتتمثل هذه السلطات فيما يلي:
أ- إبطال الصفقات والعقود وكل امتياز آخر متحصل من إرتكاب جرائم الفساد: أعطى قانون الفساد للقاضي الجزائي صلاحية القضاء ببطلان وإنعدام آثار كل عقد أو صفقة أو براءة أو امتياز أو ترخيص متحصل عليه من إرتكاب إحدى جرائم الفساد، وفقا لنص المادة 55 منه.
ومن خلال استقراء نص المادة نجد أن المشرع لم يحدد الجهة القضائية التي تقرر البطلان إلا أن المنطق القانوني يؤيد في كونها قسم الجنح.
كما أن هذه السلطة أو الامتياز الممنوح للقاضي الجزائي، تقتضي منه أن يكون ملما وله تكوين خاص ومعرفة كافية بالنظام القانوني للعقود المدنية والامتيازات، ونظام الصفقات العمومية، إضافة إلى حسن تقدير الظروف والأحوال التي يقضي فيها ببطلان الصفقة، خاصة أنه يجب عليه مراعاة حقوق الغير حسن النية.
ب - تجميد أو حجز عائدات جرائم الفساد ومصادرتها: لم يكتفي قانون الفساد بإعطاء صلاحية للقاضي الجزائي بإبطال كل عقد أو امتياز...، بل أعطى له بموجب المادة 51 منه، صلاحية تجميد أو حجز عائدات جرائم الفساد بقرار قضائي أو أمر من السلطات المختصة، وٕإذا تمت الإدانة بإحدى جرائم الفساد كان على الجهة القضائية أن تأمر بمصادرة العائدات الغير مشروعة مع مراعاة حقوق الغير حسن النية.
ج- اختصاص القاضي الجزائي بنظر الدعوى المرفوعة من طرف الدول الأجنبية: من بين الاختصاصات أو السلطات الاستثنائية التي جاء بها قانون الفساد، إمكانية قبول القاضي أمام قسم الجنح الدعاوى المدنية التبعية أو قبول تأسس دولة أجنبية تكون طرف في الإتفاقية الأممية، كطرف مدني أمام قسم الجنح.
وهذا ما جاء به نص المادة 62 من ق.الفساد، ومن خلاله نجد أنه بإمكان أي دولة طرف في الإتفاقية الأممية لمكافحة الفساد رفع دعوى أمام القضاء الجزائري من أجل استصدار حكم يعترف بملكيتها للأموال المتحصلة من إحدى جرائم الفساد.
كما يمكن للقسم المدني إلزام الأشخاص المحكوم عليهم بسبب أفعال الفساد بدفع تعويض مدني للدولة الطالبة عن ما لحقها من أضرار.
ومختلف هذه الإجراءات التي قد تطالب بها دولة أجنبية أمام القضاء الجزائري بخصوص جرائم الفساد ،هي إجراءات جديدة يختص بها القاضي الجزائي، غير مألوفة بالنسبة للجرائم الأخرى التي تعرض أمام القضاء الجزائري.
المطلب الثاني: الإطار المؤسساتي والهيئات المختصة في جرائم الفساد ومكافحتها في الجزائر
تجسيدا لالتزاماتها الدولية تجاه الأمم المتحدة وتقوية للمؤسسات الوطنية لترسيخ ثقافة مكافحة الفساد ،أنشأت الجزائر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وكذا الديوان المركزي لقمع الفساد بموجب القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته الذي صدر في الجزائر سنة 2006، وذلك بعد مصادقتها بالمرسوم الرئاسي رقم 04 -128 المؤرخ في 19/04/2004 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بتاريخ 31/10/2003، والتي تضمنت توصيات للدول المصادقة عليها ولا سيما المادة السادسة منها بإنشاء هيئة أو هيئات داخلية لمكافحة الفساد يتم إعطائها الاستقلالية اللازمة لأداء مهامها على أن تقوم كل دولة طرف بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة باسم وعنوان السلطة أو الهيئة الوطنية المنشأة في هذا المجال لغرض مساعدة الدول الأطراف الأخرى في مكافحة الفساد.
وهذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري، من خلال نص المادة 17 و24 مكرر من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته الذي أوصى بإنشاء هيئة وطنية مكلفة بالوقاية من الفساد ومكافحته، وديوانا مركزيا لقمع الفساد كهيئة بحث وتحري.
للإشارة وفي إطار استقلالية ومصداقية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قام المشرع بدسترتها في التعديل الأخير بسنة 2016 من خلال المادتين 202 و203، وبالتالي تم تدعيم هذه الهيئة بالبعد الدستوري إضافة للقانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد وكذا المرسوم الرئاسي رقم 06 -413 المؤرخ في 22 نوفمبر 2006 المعدل بالمرسوم الرئاسي رقم 12-64 المؤرخ في 7 فبراير سنة 2012.
بادرت الجزائر إلى إنشاء مجموعة من الأجهزة والمؤسسات التي تتضافر فها التقرير إلى ضمن جهودها في سبيل الوقاية من الفساد ومكافحته من خلال أجهزة الكشف وأجهزة للتحقيقات وهي حسب ما ورد في التقرير القطري كما يلي:
الفرع الأول: أجهزة الكشف عن الفساد في الجزائر
تم إنشاء مجموعة من الأجهزة والمؤسسات للكشف عن ممارسات الفساد في المؤسسات الجزائرية، وعليها سنفصلها على النحو التالي:
أولا: الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته
جاء تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قصد تنفيذ الإستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة الفساد ،وتجسيدا لتوصيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد لسنة 2003، لذلك يستوجب علينا الوقوف عند نظامها القانوني، مهامها وكذا علاقتها بالأجهزة القضائية فيما يلي:
1. النظام القانوني للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: نصت المادتين 17و 18 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على إنشاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته واستقلاليتها وتمتعها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وترك مجال تشكيلتها وتنظيمها وكيفية سيرها إلى التنظيم، وقد تجسد ذلك بموجب مرسوم رئاسي سنة 2006.
نصت المادة الخامسة منه أن الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته تتشكل من رئيس وستة أعضاء يعينون بموجب مرسوم رئاسي لمدة 05 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وتتكون الهيئة طبقا لمضمون المادة 06 من نفس المرسوم من:
1. مجلس اليقظة والتقييم: تشكيلته هي نفس تشكيلة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
2. مديرية الوقاية والتحسيس: لم يتطرق المرسوم الرئاسي لتشكيلة هذه المديرية، واكتفى بالنص على المهام المخولة لها وهي الوقاية والتحسيس من خطورة الفساد.
4. مديرية التحاليل والتحقيقات: لم يحدد المرسوم الرئاسي كذلك تشكيلتها وتتمثل مهامها في تلقي التصريحات بالممتلكات الخاصة بأعوان الدولة بصفة دورية، كما تقوم بجمع الأدلة والتحري في الوقائع التي تتعلق بالفساد بالاستعانة بالهيئات الخاصة.
أما فيما يخص كيفية سير الهيئة فلقد حدد المرسوم الرئاسي السالف الذكر على أن تعقد الهيئة اجتماعا عاديا كل ثلاثة أشهر، كما تعقد اجتماعات غير عادية بناء على استدعاء من رئيس مجلس اليقظة.
وتجدر الإشارة في هذا المقام أنه طبقا لنص المادة 23 من نفس القانون فإن جميع أعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وموظفيها وحتى الأشخاص الذين انتهت علاقتهم المهنية بالهيئة ملزمون بالسر المهني، وكل خرق لهذا الالتزام المذكور يشكل جريمة إفشاء السر المهني المقررة في قانون العقوبات.
ويعد سرا كل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة وظيفته أو مهنته ويتم الإفشاء باطلاع الغير علي السر بأي طريقة كانت سواء بالكتابة أو شفاهة أو بالإشارة.
وقد عدل وتمم المرسوم السالف الذكر بمرسوم رئاسي أخر تحت رقم 12-64 ، وتم تعيين أعضائها وتنصيبهم في مهامهم، وقد صدر في سنة 2013 قرار وزاريا مشتركا بينها ووازرة المالية والوظيفة العمومية محددا النظام الداخلي لهذه الهيئة وشرعت في مهامها مع إعداد تقرير لرئيس الجمهورية.
ولضمان استقلالية هذه الهيئة نص المشرع الجزائري في المادة 19 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على مجموعة من التدابير وهي كالآتي:
- قيام الأعضاء والموظفين التابعين للهيئة، المؤهلين للاطلاع على معلومات شخصية وعموما على أية معلومات ذات طابع سري بتأدية اليمين الخاصة بهم قبل استلام مهامهم.
- تزويد الهيئة بالوسائل البشرية والمادية اللازمة لتأدية مهامها.
- التكوين المناسب والعالي المستوى لمستخدميه.
- ضمان أمن وحماية أعضاء وموظفي الهيئة من كل أشكال الضغط أو الترهيب أو التهديد أو الإهانة والشتم أو الاعتداء مهما يكن نوعه التي قد يتعرضون لها أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم.
2 - مهام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته: جاء في المادة 20 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ذكر للمهام الرئيسية للهيئة حيث نصت على: "تكلف الهيئة لا سيما بالمهام الآتية:
اقترلح سياسة شاملة للوقاية من الفساد تجسد مبادئ دولة القانون وتعكس النزاهة والشفافية والمسؤولية في تسيير الشؤون والأموال العمومية.
تقديم توجيهات تخص الوقاية من الفساد لكل شخص أو هيئة عمومية أو خاصة، واقتراح تدابير خاصة منها ذات الطابع التشريعي والتنظيمي للوقاية من الفساد وكذا التعاون مع القطاعات المعنية العمومية والخاصة في إعداد قواعد أخلاقيات المهنة.
إعداد برامج تسمح بتوعية وتحسيس المواطنين بالآثار الضارة الناجمة عن الفساد.
جمع ومركزة واستغلال كل المعلومات التي يمكن أن تساهم في الكشف عن أعمال الفساد والوقاية منها لاسيما البحث في التشريع والتنظيم والإجراءات والممارسات الإدارية، عن عوامل الفساد لأجل تقديم توصيات لإزالتها.
التقييم الدوري للأدوات القانونية والإجراءات الإدارية الرامية إلى الوقاية من الفساد ومكافحته، والنظر في مدى فعاليتها.
تلقي التصريحات بالممتلكات الخاصة بالموظفين العموميين بصفة دورية ودراسة واستغلال المعلومات الواردة فيها والسهر على حفظها.
الاستعانة بالنيابة العامة لجمع الأدلة والتحري في وقائع ذات علاقة بالفساد.
ضمان تنسيق ومتابعة النشاطات والأعمال المباشرة ميدانيا، على أساس التقارير الدورية والمنتظمة المدعمة بإحصائيات وتحاليل متصلة بمجال الوقاية من الفساد ومكافحته، التي ترد إليها من القطاعات والمتدخلين المعنيين.
السهر على تعزيز التنسيق ما بين القطاعات وعلى التعاون مع هيئات مكافحة الفساد على الصعيدين الوطني والدولي.
الحث على كل نشاط يتعلق بالبحث عن الأعمال المباشرة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته وتقييمها والمستمدة من التوجيهات الواردة بالمادة 05 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهذا ما يؤكد ما قامت به الدولة الجزائرية في إطار تجسيد التزاماتها الدولية لمكافحة الفساد.
ونصت كذلك المادة 21 من نفس القانون على أنه يمكن للهيئة في سبيل أداء مهامها أن تطلب من الإدارات والمؤسسات والهيئات التابعة للقطاع العام أو الخاص أو من كل شخص طبيعي أو معنوي آخر أية وثائق أو معلومات تراها مفيدة في الكشف عن أفعال الفساد وأن كل رفض متعمد وغير مبرر لتزويد الهيئة بالمعلومات أو الوثائق يشكل جريمة إعاقة السير الحسن لقطاع العدالة.
وجاء في المادة 24 كذلك على أنه: على الهيئة أن ترفع إلى رئيس الجمهورية تقريرا سنويا يتضمن تقييما للنشاطات ذات الصلة بالوقاية من الفساد ومكافحته وكذا النقائص المعاينة والتوصيات المقترحة عند الاقتضاء.
3 - علاقة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته بالسلطة القضائية: لقد نصت المادة 20 من قانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته في البند السابع أن للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته صلاحية الاستعانة بالنيابة العامة لجمع الأدلة والتحري في وقائع ذات علاقة بالفساد. إلا أن صلاحية البحث والتحري تتعارض والطابع الإداري للهيئة طبقا للمادة 18 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته خاصة وأنه لم يتم تزويدها بصلاحيات الضبط القضائي.
وهذا ما دفع حسب تقديرنا بالمشرع إلى إنشاء هيئة ثانية مكلفة بالبحث والتحري إلا وهي الديوان الوطني لمكافحة الفساد والذي سنتطرق له بنوع من التفصيل فيما بعد، وذلك تفاديا للخطأ الذي وقع فيه المشرع الفرنسي الذي تبنى في سنة 1993 قانون يتعلق بالوقاية من الفساد وشفافية الحياة الاقتصادية والإجرءات العمومية والذي أعيد عرضه من جديد في سنة 2016 و اخطر المجلس الدستوري مؤخرا حول هذا النص الجديد ولم يفصل فيه إلى حد ألان.
وقد سبق وأن صدر عن المجلس الدستوري الفرنسي قرارا بتاريخ 20/01/1993 نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 22/01/1993 ص:1118 يقضي بسحب من مشروع قانون سنة 1993 سلطات التحري والتحقيق التي كان يزود بها "الجهاز المركزي للوقاية من الفساد"، لذلك جاء في القانون بعد تعديله أن هذا الجهاز مدعو إلى ضمان إجراء المعاينات والمتابعات والتحقيقات المتعلقة بجرائم الفساد في أحسن الظروف، ويفهم من ذلك أنه يساعد النيابة العامة على حسن سير التحريات التي تجريها ولا يباشرها هو بنفسه.
ويقتصر دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في علاقتها مع السلطة القضائية فقط عند اكتشاف أي جريمة تقوم بتحويل الملف إلى السيد وزير العدل الذي بدوره يخطر النائب العام المختص.
ثانيا: الديوان المركزي للوقاية من الفساد ومكافحته
تأسس الديوان المركزي لقمع الفساد عمليا في مارس 2013 في إطار توفير أدوات مكافحة الفساد. وتقرر إنشاءه في إطار تطبيق التعليمة الرئاسية رقم 03 الصادرة في 13ديسمبر2009 المتعلقة بتفعيل وجوب تعزيز آليات مكافحة الفساد ودعمها على الصعيدين العملياتي والمؤسساتي.
ويتشكل من ضباط للشرطة القضائية وقضاة وكتاب ضبط وممثلين عن عدة إدارات. ويتولى مهمة جمع واستغلال كل معلومة تابعة لمجال اختصاصه وٕاجراء تحقيقات والبحث عن أدلة حول الوقائع لاسيما القضايا الكبرى المتعلقة بالفساد وتقديم مرتكبيها أمام النيابة العامة.
ويسعى الديوان بالتعاون مع الأجهزة المماثلة إلى ضمان نشاط منسق وتكميلي، في مجال الأمن المالي ،من خلال تعزيز التنسيق مع باقي أجهزة الرقابة على غرار خلية معالجة المعلومة المالية والمفتشية العامة للمالية واللجان الوطنية للصفقات العمومية، وهي كلها مؤسسات تابعة لوصاية وازرة المالية.
ويمكن للديوان اللجوء إلى الإخطار الذاتي من خلال استغلال المعلومات التي تتداولها الصحافة أو مصادر أخرى. كما يمكن أن تخطره المفتشية العامة للمالية وخلية معالجة المعلومة المالية ومصالح الشرطة أو مجرد مواطنين. وعليه سوف نتطرق إلى كل من نظامه القانوني، هياكله وعلاقته بالسلطة القضائية فيما يلي:
1- النظام القانوني للديوان المركزي لقمع الفساد: أنشئ الديوان المركزي لقمع الفساد وفقا لنص المادة 24 مكرر المستحدثة في قانون الوقاية من الفساد اثر تعديله بموجب الأمر رقم 10-05، ونصت المادة 24 مكرر1 على أن جرائم الفساد تخضع لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد طبقا لقانون الإجراءات الجزائية، وبذلك يكون المشرع قد وضع حدا لوضعية شاذة كما يقول الدكتور بوسقيعة كانت تتميز باستبعاد جرائم الفساد من قائمة الجرائم الخاصة التي تخضع لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد.
وبالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية المحال إليه نجد أن المواد من 40 مكرر إلى 40 مكرر 4 منه رسمت مسار الجرائم التي تخضع لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد كالآتي:
- يخبر ضباط الشرطة القضائية فوار وكيل الجمهورية الذي وقعت الجريمة في دائرة اختصاصه ويبلغونه بأصل محضر التحقيق ونسختين منه، وفور تلقيه المحضر يرسل وكيل الجمهورية نسخة منه إلى النائب العام لدى المجلس القضائي التابعة له المحكمة ذات الاختصاص المحلي الممدد.
- يطالب النائب العام فورا إذا رأى أن الجريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة ذات الاختصاص المحلي الممدد التابعة له المحاكم ،و يجوز للنائب العام أن يطالب بالإجراءات في جميع مراحل الدعوى.
- في حالة فتح تحقيق قضائي، يصدر قاضي التحقيق أمرا بالتخلي عن الإجراءات لفائدة قاضي التحقيق لدى المحكمة ذات الاختصاص المحلي الممدد المختصة.
2 - هياكل الديوان المركزي لقمع الفساد: تأكد تأسيس هذه الهيئة المركزية بتعديل قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بموجب الأمر رقم 10- 05، حيث نصت المادة 24 مكرر من الباب الثالث مكرر المستحدثة في قانون الوقاية من الفساد اثر تعديله على إنشاء الديوان المركزي لقمع الفساد وجاء كذلك في المادة 24 مكرر1 على تمديد الاختصاص المحلي لضباط الشرطة القضائية التابعين له، طبقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية.
وحددت تشكيلة هذا الديوان وفقا للمرسوم الرئاسي رقم 11 -426 مؤرخ في 8 ديسمبر 2011 المعدل بالمرسوم الرئاسي رقم 14 -209 بتاريخ 23/07/2014، على أن الديوان مصلحة مركزية عملياتية للشرطة القضائية، تكلف بالبحث عن الجرائم ومعاينتها في إطار مكافحة الفساد.
3 - علاقة الديوان المركزي لقمع الفساد مع الأجهزة القضائية: يعتبر الديوان المركزي لقمع الفساد مصلحة مركزية عملياتية للشرطة القضائية تكلف بالبحث عن الجرائم ومعاينتها في إطار مكافحة الفساد وٕإحالة مرتكبيها للمثول أمام الجهة القضائية المختصة طبقا لأحكام القانون 01 -06 المؤرخ في 20 فيفري 2006، كما يقوم الديوان بمعالجة الملفات التي تحال عليه من طرف الهيئات الرسمية علاوة على دراسة رسائل المواطنين. وبالرجوع إلى الباب الثالث مكرر من الأمر رقم 10-05 ولا سيما المادة 24 مكرر وفي فقرتيها الأولى والثانية، نجدهما تشير بان ضباط الشرطة القضائية التابعون للديوان يمارسون مهامهم وفقا لقانون الإجراءات الجزائية وأحكام قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.
تبعا لما سبق يمكن أن نقول بان الديوان يعتبر امتدادا للجهاز القضائي أو هيئة من هيئاته موضوع مباشرة لدى وزير العدل حافظ الأختام.
ثالثا: خلية معالجة الاستعلام المالي (وحدة الاستخبارات المالية):
أنشأت عام 2002 بدأت العمل منذ عام 2004 وهي سلطة إدارية تابعة لوازرة المالية متخصصة في مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال وتشمل مهامها:
أ- تلقي تقارير عن الأنشطة المشبوهة المتعلقة بتمويل الإرهاب أو عمليات غسل الأموال.
ب- إحالة الملفات ذات الصلة إلى النيابة العامة التي لديها الولاية القضائية في البلد.
ت- تنفيذ التدابير اللازمة لكشف كل أشكال تمويل الإرهاب وغسل الأموال، وأن تطلب من الهيئات المعنيةً ويجوز لهذه الخلية (الوحدة) أيضا موافاتها بأي وثيقة أو معلومة يقتضيهاً والأشخاص المعنيين قانون إنجاز مهمته.
رابعا: المفتشية العامة للمالية:
هي هيئة للمراقبة الدائمة، تعمل تحت السلطة المباشرة لوازرة المالية ،ومسؤولة عن تدقيق بيانات الأموال العمومية في مرحلة لاحقة، بإجراء عمليات مراجعة للحسابات وتحقيقات قد تنتهي إلى إجراء ملاحقات قضائية.
خامسا: مجلس المحاسبة:
مؤسسة عليا تتولى المراقبة المالية اللاحقة لمالية الدولة ولمالية السلطات المحلية والمؤسسات العمومية، فإذا رصد مجلس المحاسبة في أثناء قيامه بمهامه الرقابية وقائع قد تدل على ارتكاب جرم جنائي، أحال الملف إلى النائب العام المختص، لإجراء الملاحقة القضائية، وأخطر وازرة العدل بذلك.
الفرع الثالث: أجهزة التحقيق في قضايا الفساد بالجزائر
حسب ما جاء في التقرير القطري لدولة الجزائر، فإن لديها مجموعة من الفئات بالتحقيق في جرائم الفساد منها: الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية:
1. المديرية العامة للأمن الوطني: إحدى المهام المنوطة بالمديرية العامة للأمن الوطني، تضطلع بها مديرية الشؤون الاقتصادية والمالية، التابعة لها، وهذا الجهاز المركزي المتخصص مكلف بتتبع توجيه وتنسيق أنشطة شرطة المباحث ما في قضايا فساد، وعلى مستوى جهاز أمن كل الجنائية العامة لا سيل الوحدة الاقتصادية والمالية بإجراء التحقيقات المتعلقة ،ولاية، تتكفل بقضايا الفساد.
2. الدرك الوطني: يوجد داخل المصلحة المركزية للتحقيقات الجنائية مكتب متخصص في مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية، وتتولى وحدات متخصصة تابعة لها، تنفيذ أنشطة هذه المصلحة على الصعيد الإقليمي.
3.المصلحة المركزية للشرطة القضائية للمصالح العسكرية للأمن: تضطلع بمهام رصد انتهاكات التابعة لوازرة الدفاع الوطني.
ولكن يمكن القول أن موضوع الفساد أخذ مُـنعطّـفا جديدا في المنطقة المغاربية منذ الكشْـف عن المجموعة التي قيل أنها كانت تـدير شبكة صفقات مشبوهة في شركة النفط الجزائرية "سوناتراك"، والتي يبدو أن محمد مزيان، رئيس مجلس الإدارة السابق، هو الذي كان يتزعّـمها. وفي الجزائر اتّـصلت جهات في وزارة المالية بالشركة السويسرية "أس جي أس" (sgs)، لتكليفها بمراقبة صادرات وواردات البلد، مُستـبـقة إقرار تدابير جديدة ضدّ الفساد.
ولوحظ أن الجزائر تعتزِم الإنتقال إلى مرحلة متقدمة في مكافحة الفساد، بعدما قرّر أخيرا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تشكيل لجنة وطنية سيُـكلـفها بالتحقيق في الجرائم الاقتصادية الكُـبرى ومتابعة عمل المؤسسات العمومية والوزارات. وسيحصل أعضاء الهيْـئة، الذين اختيروا من ضِـمن العناصر التي سبق لها التحرّي في ملفات ''الخليفة'' والطريق السيارة الرابطة بين غرب البلاد وشرقها. أكثر من ذلك، فقد قرر بوتفليقة إرسال الفريق لتلقـي تكوين متخصّـص في الولايات المتحدة لدى مكتب التحقيقات الفدرالي ومؤسسات رسمية أمريكية أخرى.
وعن سؤال لـ swissinfo.ch عمّـا إذا كان الجهاز القضائي نفسه خاضِـعا لنفوذ أجهزة الأمن والدّرك القوية فأجاب: "الأمن والدّرك الوطنـيان مهامّـهما معروفة. وما يُـعرف بالاستعلامات والأمن، له مهامّ معروفة أيضا، وهي تتعلّـق بأمن الدولة وتُـصنف ضِـمن أسْـرار الدفاع الوطني، وهذه المؤسسة لها قِـسم يسمّـى الضّـبط القضائي وله مهامّ معروفة كذلك، ولكلّ جهاز هيْـئة تراقبه، لكن هناك صِـراع بين كل هذه الأجهزة وكل واحد يُـريد أن تكون قضية معيّـنة ضِـمن صلاحياته، وهذا موجود في كل الأنظمة في العالم." واستدلّ قُـضاة آخرون، رفضوا الكشْـف عن هوياتهم، على القيود السياسية التي تـعرقل عمَـل القضاء بملفّ الفساد، الذي نظرت فيه أخيرا غُـرفة الإتهام بمجلس قـضاء العاصمة الجزائر، والذي اعتبرته وسائل الإعلام المحلية، أكبر ملفّ فساد في تاريخ الجمارك الجزائرية.
وتتمثل وقائع الملفّ، الذي دُفِـن في الأدراج منذ سنة 2000 ولم يُفـرج عنه إلا أخيرا، في أن 12 من عناصر الجمارك و5 مصدّرين تواطئوا لتزوير وثائِـق تصدير نفايات حديدية وغير حديدية، وكلـفت العملية الخزنة خسارة قُـدرت بـ 3 آلاف مِـليار سنتيم جزائري.
وأفادت صحيفة "الشروق" الجزائرية، أن تفاصيل هذه القضية تعُـود إلى شهر نوفمبر من عام 2000، بعد توقيف بثّ حلقة من البرنامج التلفزيوني "المحقـق" (الذي لم يتمكّـن الجزائريون من مُـشاهدتها إلى اليوم).
وتطرّق البرنامج إلى أخطر ملفـات الفساد على مستوى الجمارك. وقيل آنذاك، إن الجهات الأمنية المختصّـة تلقّـت أمرا من الرئيس بوتفليقة بمُـتابعة التحقيقات بحزْم، فيما أشارت صحيفة "الشروق" إلى أن رئيس الدولة وجّـه رسالة إلى شخصية أحمد أويحيى، وزير العدل آنذاك لتكليف النيابة العامة بالتحقيق في أربعة ملفّـات ،من بينها صَـفقات تصدير النـفايات الحديدية وغير الحديدية، والتي تورط فيها مدير عام الإتصال والعلاقات العامة في الجمارك ومصدرون من القطاع الخاص.
وعلى سبيل المثال، أظهرت أوراق التحقيق، التي كشفت النـقاب عنها صحيفة "الشروق" أخيرا، أن قوات الجيش التي ضبطت الشّـحنات المُـعدّة للتصدير وارجعت وْزْنها إدارة الغشّ، اكتشفت أن الوزن الإجمالي للحاويات، حسب تصريح المصدر، لا يتعدى 110 طنّـا وأن الوزن المُـضاد، الذي توصّـلت له إدارة الجمارك، هو 142.540 كلغ، أما الوزن الذي توصّـلت له هيئة الضابطة القضائية، فهو 264.460 كلغ. وأظهرت بشكل خاص أن ضبّـاطا في الجمارك تعمّـدوا تزوير عمليات تدقيق الوزن لكي تكون مطابقة لِـمَا أثبتته الضابطة العدلية، بالإضافة للتـلاعب بالأسعار المرجعية للنفايات غير الحديدية، التي تحددها وازرة التجارة.
كما تمّ تحرير مَـحاضر بعدما سجّـل التليفزيون الجزائري في أواخر 2000 شريطا خُصـص للتحقيق في تصدير النـفايات الحديدية وغير الحديدية والتـلاعبات في ملفّ استيراد الأجهزة الإلكترونية والكهرومنزلية بواسِـطة نظام "أس كادي \ سي كادي"، لكن تلك المحاضر كانت مزّوّرة وأرسلت إلى الرئاسة التي أحالتها بدوْرها إلى وازرة العدل والنيابة العامة لمُـعاودة التحقيقات.
وطِـبقا لقرار الإحالة، أصدَر قاضي التحقيق يوم 23 نوفمبر 2006 أمرا بتعيين خبير أسْـنـدت له مهمّـة تحديد الأموال المستحقـة للخزينة العمومية، جُـزئيا، في هذا الملف الضّـخم. وصدر حُـكم ضد المصدرين للنفايات الحديدية وغير الحديدية، مع تحديد حجم المبالغ المالية المستحقـة لكل مصدر، لكنهم طعنوا في قرار المحكمة وقبلت هيئة الإستئناف طعْـنهم، وأحالت الملف برّمّـته إلى غرفة الإتهام، لدى مجلس قضاء العاصمة، مع تشكيله تشكيلا مغايِـرا، غير أن الملف ما زال يُـراوح مكانه في أرْوِقة الدوائر القضائية.
وتحدّثت صُـحف جزائرية أخيرا عن "المصير الغامِـض لثلاثة آلاف ملف فساد" في الفترة الفاصلة بين 1994 و2000 فقط... أكثر من ذلك، كشفت أخيرا صحيفة "الشروق" أنه "تمّ إتلاف بعض الملفات الضخمة في كل من ميناء الجزائر وميناء وهران وعددها 25 ملفا، تضمّـنت عشرات مليارات من السنتيمات"، وأشارت في هذا السياق، إلى عثورها على مراسلة مؤّرّخة في 3 أكتوبر 2004، صادرة عن مسؤولين بميناء الجزائر، أكّـدت ضَـياع محاضر معاينة قائلة أن عددها بلغ 19 ملفا وقدرت قيمتها الإجمالية، بحسب المراسلة، بأكثر من 30 مليار سنتيم. وأوضحت أن تلك الملفات "أصابها التـقادم الجُـمركي والجزائي بقوّة القانون، وهذا ما يؤدّي إلى تبديد المال العام، بفعل الإهْـمال وسوء التسيير."
المرجع: