الإعداد المهني للاختصاصي الاجتماعي في المجال الطبي :-
يقصد به تزويد الاختصاصي الاجتماعي بالمعارف والمهارات والخبرات التي تمكنه من أداء عمله بكفاءة وفاعلية ، داخل المؤسسات الصحية ، حتى تصبح لديه قدرة على تطبيق ما تعلمه نظرياً بصورة عملية ، فإذا كان ثمة صعوبة في التعامل مع الأشخاص الأصحاء ، فكيف يكون الحال إذا كان هؤلاء الأشخاص يعانون المرض ، فقد يصعب التعامل معهم نظراً للضغوط الاجتماعية والنفسية والمرضية الناجمة عن المرض ، ذلك لأن التعامل معهم يحتاج إلى مهارة وخبرة في الممارسة ، وتأسيساً على ذلك قامت معاهد وكليات الخدمة الاجتماعية بإعداد الاختصاصين الاجتماعيين إعداداً مهنياً سليماً ، لكي يتكامل دورهم مع بقية أدوار الفريق الطبي ، من أجل تحسين حالة المرضى ويصبحوا أفراداً أصحاء يساهموا في تنمية مجتمعهم(1).
ومن القواعد المعترف بها في الإعداد المهني أن التحصيل واكتساب الخبرات والمهارات يحقق الفائدة منه ، إذا ما اشتمل على عناصر الصقل المناسبة للمهنة التي يود الممارس استخدامها في المحك العملي ، ويعد الكشف عن الاستعداد للقيام بعمل ما أو احتراف مهنة معينة من الأمور الأساسية التي توليها معظم المعاهد والكليات ومراكز التدريب والإعداد اهتماماً كبيراً ، وتُعنى مدارس وكليات الخدمة الاجتماعية بالاختيار الدقيق للراغبين في احتراف وممارسة مهنة الخدمة الاجتماعية عن طريق اختبارات ومقاييس معينة ، تؤكد وجود الاستعداد للمهنة ، ومن بين الصفات التي يتطلب توافرها في الترشيح اتزان الشخصية سواء على المستوى البيولوجي أو العاطفي أو الثقافي أو النفسي أو الاجتماعي ، وكذلك توافر القدر الكافي وسرعة البديهة والقدرة على التعبير واكتساب ثقة الغير (2)، ومن الصفات التي ينبغي توافرها
ـــــــــــــــــــــ
1- عبد المحيي محمود صالح ، ورمضان السيد رمضان ، أسس الخدمة الاجتماعية الطبية والتأهيل ، المرجع السابق ، ص 223 .
2- محمد عبدالمنعم نور، الخدمة الاجتماعية الطبية والتأهيل ، المرجع السابق ، 71 .
في الاختصاصي الاجتماعي الطبي أن يكون محبّاً للمرضى راغباً في مساعدتهم ، وأن يتصف بالتضحية والعطاء ، وأن يكون خالياً من الاضطرابات والعقد النفسية ، وعادلاً وموضوعياً غير متحيز ، متصفاً بالصبر والتسامح والنزاهة ، ومتفهماً لعادات وتقاليد وأهداف مجتمعه(1) .
ويشتمل الإعداد المهني للاختصاصي الاجتماعي في المجال الطبي جانبين مهمين هما :- الإعداد النظري ، والإعداد العملي .
أولاً / الإعداد النظري :-
وهو الإطار النظري الذي يعتمد عليه الاختصاصي الاجتماعي حتى يكوّن قاعدة ينطلق منها لممارسة ما تعلمه عملياً في المحك العملي ، وهي القاعدة التي ترتكز عليها كليات ومعاهد الخدمة الاجتماعية لإعداد الاختصاصي الاجتماعي ، وتعدّ القاعدة المعرفية هي الأساس التي تستند عليها المهنة في اكتسابها صفة العلمية وإضفاء صفة التميز على أنشطتها ، وينبغي أن تتضمن دراسة طالب الخدمة الاجتماعية في المجال الطبي المعارف والمعلومات ذات الصلة بالخدمة الاجتماعية الطبية والعلوم المتصلة بها من علم الإنسان وعلم النفس وعلم الاجتماع ، إضافة إلى طرق الخدمة الاجتماعية ومجالاتها(2) .
ومن المعارف التي ينبغي أن يلم بها الممارس على سبيل المثال :-
1- معلومات طبية بسيطة عن بعض الأمراض وأسبابها ، وخاصة التي تنتشر بكثرة بين أفراد المجتمع ، وليس بالضرورة التعمق في دراستها(3) .
2- معرفة بمبادئ مرتبطة بالطب النفسي ، وهذه المعرفة مهمة للاختصاصي
ــــــــــــــــــــــ
1- محمد سلامة غباري ، أدوار الأخصائي الاجتماعي في المجال الطبي ، المرجع السابق ، ص 63 .
2- أحمد مصطفى خاطر ، الخدمة الاجتماعية " نظرة تاريخية ، مناهج الممارسة ، المجالات " . الإسكندرية : المكتب الجامعي الحديث 1992ف ، ص 3 .
3- إقبال إبراهيم مخلوف ، العمل الاجتماعي في مجال الرعاية الطبية " اتجاهات تطبيقية " . الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية 1991 ف ، ص 154 .
الاجتماعي ، حتى يستطيع فهم وإدراك بعض التصرفات والسلوكيات التي يقوم بها المرضى ، والتي قد تكون في شكل أعراض نفسية أو سيكوسوماتية ، وبالتالي يستطيع أن يتعامل معها بالطريقة التي تقلل من حدتها ، وتأثيرها على تخفيف حدة المرض .
3- الإلمام بالمشكلات الناتجة عن الإصابة بالمرض والاحتياجات البشرية اللازمة للعلاج(1) .
4- معرفة واسعة بالمسائل التأهيلية والقانونية ، كالقوانين الخاصة بالتأهيل المهني والتأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي ، حتى يستطيع أن يتعامل من خلالها الاختصاصي الاجتماعي في تقديم خدماته ، والعمل على تحسينها للفئات المحتاجة .
5- المعرفة الواعية بالمؤسسات التي يمكن الاستعانة بها، لتكملة خدمات المستشفى كدور النقاهة ومؤسسات التأهيل المهني ، والمؤسسات الاجتماعية لمساعدة المرضى، وذلك حتى يستفيدوا من إمكانيات المجتمع سواء كان ذلك أثناء المرض أو بعده(2).
ثانياً / الإعداد العملي " التطبيقي " :-
يعد الإعداد العملي للاختصاصي الاجتماعي في المجال الطبي جانباً مهماً في
الإعداد المهني ، حيث يسهم في صقل الإعداد النظري ، فهو مكمل له ، وذلك من خلال تطبيق وممارسة كل ما تم دراسته نظرياً في الواقع الميداني ، ونجد أن معاهد وكليات الخدمة الاجتماعية تتيح لطلابها الفرصة للتدريب الميداني في المؤسسات الصحية والمؤسسات المناظرة لها ، لكي يتدربوا على كيفية تطبيق ما درسوه نظرياً بطريقة عملية ، وينبغي أن يكون التدريب بإشراف مشرفين أكاديميين من معاهد
ــــــــــــــــــ
1- إقبال بشير ، وإقبال مخلوف ، الرعاية الطبية الصحية والمعوقين من منظور الخدمة الاجتماعية ، المرجع السابق ، ص 210 .
2- سلوى عثمان الصديقي ، الرعاية الطبية والنفسية من المنظور الاجتماعي . الإسكندرية : دار الهدى ، 1990ف ، ص 234 .
وكليات الخدمة الاجتماعية ، وأيضاً مشرفين داخل المؤسسات الصحية وهم الاختصاصيون الاجتماعيون الذين يعملون بداخلها ، وهكذا يتم التكامل بين الإعداد النظري والإعداد العملي من أجل تخريج كوادر مهنية من الاختصاصيين الاجتماعيين قادرين على العطاء والمساهمة في بناء مجتمعهم ، من خلال المساهمة في عودة المرضى إلى ممارسة أعمالهم السابقة ، وبصورة طبيعية ، وقد تكون الإصابة حادة تعيقهم عن ممارسة أعمالهم السابقة ، وبالتالي ينبغي مساعدتهم وتوجيههم إلى أعمال أخرى تتمشى وقدراتهم(1).
إن الإعداد النظري والإعداد العملي مكملان لبعضهم البعض ، حيث إن الاختصاصي الاجتماعي لكي ينجح في عمله ، داخل المؤسسات الصحية ، ينبغي أن تكون لديه خلفية نظرية ، بمعنى لابد أن تكون لديه معلومات عن المؤسسة الصحية ، و المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه المرضى ، وأيضاً ينبغي أن يكون للاختصاصي الاجتماعي استعداد ورغبة تامة للعمل في المجال الطبي،حتى يستطيع برغبته أن يؤدي دوره بكفاءة ، ومن ثم يسهم في تحسين الخدمات الصحية التي ينبغي إسداؤها للمرضى وصولاً إلى شفائهم وعودتهم إلى ممارسة مهامهم السابقة وبشكل طبيعي .
ـــــــــــــــــــــ
1- إقبال بشير ، وإقبال مخلوف ، الرعاية الطبية الصحية والمعوقين من منظور الخدمة الاجتماعية ، المرجع السابق ، ص 211 .
الممارسة المهنية للاختصاصي الاجتماعي في المجال الطبي :-
الممارسة " تعني القدرة على إظهار المهنة والوفاء بمتطلباتها أمام طالب المساعدة والمجتمع والمهنة "(1) .
والمقصود بالممارسة المهنية هنا قيام الاختصاصي الاجتماعي بتطبيق ما درسه نظرياً في مجال الخدمة الاجتماعية الطبية داخل المؤسسات الصحية .
والوسيلة الأساسية التي تستخدم في تحقيق أهداف الخدمة الاجتماعية الطبية هي تطبيق الاختصاصي الاجتماعي لطرق الخدمة الاجتماعية وهي : طريقة العمل مع الأفراد ، وطريقة العمل مع الجماعات ، وطريقة تنظيم المجتمع ، إذ إنه ينظر للمؤسسة الصحية على أنها المجتمع الذي يتم بداخله العلاج ، في حين يتم التعامل مع المريض على أنه فرد له خصوصياته الفردية ومشاكله الشخصية ، وفي ذات الوقت ينبغي النظر إليه على أنه كائن اجتماعي ينتمي لجماعات مختلفة ، وفي حاجة إلى المساعدة(2) .
والاختصاصي الاجتماعي الطبي هو الدعامة الرئيسة للخدمة الاجتماعية الطبية داخل المؤسسات العلاجية ، نظراً لما يقوم به من أدوار وقائية و إنمائية و علاجية يستفيد منها المرضى وأسرهم ومجتمعهم(3) .
ومن هذا المنطلق سيتم عرض ممارسة الاختصاصي الاجتماعي لطرق الخدمة الاجتماعية الثلاث داخل المؤسسة الصحية :-
ـــــــــــــــــــــ
1- عبدالمجيد بن طاش محمد نيازي ، مصطلحات ومفاهيم إنجليزية في الخدمة الاجتماعية . الرياض : مكتبة العبيكان ، 2000 ص 86 .
2- إقبال بشير ، وإقبال إبراهيم مخلوف ، الرعاية الطبية والصحية والمعوقين من منظور الخدمة الاجتماعية ، المرجع السابق ،
ص 212.
3- محمد سلامة غباري ، أدوار الأخصائي الاجتماعي في المجال الطبي . الإسكندرية : المكتب الجامعي الحديث ، 2003ف ،
ص 55.
أولاً / ممارسة طريقة العمل مع الأفراد في المجال الطبي :-
ويقصد بطريقة العمل مع الأفراد في المجال الطبي هي عملية مهنية توظف
لصالح المريض ، وتعمل على توفير سبل العلاج الصحي المناسب ، وتسعى لمواجهة ما يعوق المريض عن أدائه لوظائفه ، ومساعدته على إزالة الأسباب التي قد تقلل
من فرص شفائه ، وزيادة أدائه لمهامه(1) .
فقيام الاختصاصي الاجتماعي بالاهتمام بالمريض بشكل فردي يشعره بأهميته وأهمية وجوده داخل المجتمع ، وبالتالي نجده يتجاوب مع فرص العلاج المقدمة له ، وهنا يقوم الممارس المهني بتقديم النصائح والإرشادات المناسبة حتى لا ينتكس المريض مرة أخرى .
ويمكن تقسيم العمل مع الحالات الفردية داخل المؤسسة الصحية إلى ثلاث مراحل وهي :-
1- مرحلة العيادة الخارجية :-
وهي الفترة التي يصل فيها المريض للعيادة الخارجية ، ويقوم ببعض الفحوصات الأولية لتحديد نوعية مرضه ، حتى يمكن نقله إلى القسم الذي يناسبه داخل المستشفى، ويمكن للاختصاصي الاجتماعي في هذه الفترة أن يقوم بمقابلة سريعة مع المريض ، لمساعدته وتقديم الخدمات اللازمة له (2)، متوخياً النجاح في إنجاز الخطوات التالية:-
أ- توضيح المراحل اللازمة لكي يحصل المريض على خدمات معينة ، مثل : صرف الدواء ، وموعد الفحص ، والكشف والتحليل .
ب- إذا كان المرض بسبب عادة صحية ضارة كالتدخين مثلاً ، فهنا يأتي دور
ــــــــــــــــــــ
1- فاطمة مصطفى الحاروني ، خدمة الفرد في محيط الخدمات الاجتماعية ، المرجع السابق، ص 606 .
2- حواء الشيباني الذئب ، واقع ممارسة الأخصائي الاجتماعي لدوره المهني في المجال الطبي ، رسالة ماجستير ، غير منشورة جامعة الفاتح ، كلية العلوم الاجتماعية التطبيقية ، 1999ف ، ص 62 .
الممارس المهني لكي يقدم النصح والإرشاد لتعديل هذه العادة السيئة ، وإبراز آثارها الجانبية ، والحد منها تمهيداً للإقلاع عنها .
ج- تحويل المرضى بأمراض مستعصية ومزمنة ، مثل الدرن إلى المصحات
الخاصة بهم ، وذلك لضمان سلامة باقي المرضى(1) .
د- الاتصال بأسرة المريض أو بجماعته في العمل أو المدرسة لإسداء النصيحة المناسبة التي تضمن تحقيق الشفاء للمريض في أسرع وقت.
هـ- إذا رأى الطبيب حاجة المريض للبقاء في المؤسسة الصحية لتلقي العلاج ، فربما يحتاج إلى مساعدة الاختصاصي الاجتماعي في إقناعه وتبصيره بجدوى بقائه في المؤسسة لإتمام العلاج(2) .
2- مرحلة وجود المريض بالمستشفى :-
وهي الفترة التي يكون فيها المريض داخل المستشفى لتلقى العلاج المناسب .
ويمكن للاختصاصي الاجتماعي أن يساعد المريض في الأمور التالية :-
أ- استقبال المريض ومساعدته على الاعتياد الحياة في المستشفى ، وإزالة المخاوف أو أي قلق يراوده ، فالمريض الخائف قد يقاوم العلاج ولا يتجاوب معه .
ب- مساعدة المريض على الاستقرار في المستشفى ، وذلك بحل مشاكله التي تشغل تفكيره ، فقد يحتاج المريض للقيام ببعض الأعمال التي قد يستفيد منها كما في بعض المؤسسات الاجتماعية ، مثل دار حماية المرأة ، ودار رعاية البنات.
ج- تقديم تقرير عن النواحي الاجتماعية والبيئية والأسرية والثقافية التي قد تفيد الطبيب في تشخيص المرض ووضع العلاج المناسب(3) .
د- قد يأخذ الطبيب بعض القرارات التي تثير غضب المريض ، والتي منها
ــــــــــــــــــــــ
1- إقبال ابراهيم مخلوف ، العمل الاجتماعي في مجال الرعاية الصحية " اتجاهات تطبيقية " ، المرجع السابق ، ص 161 .
2- أميرة منصور يوسف ، المدخل الاجتماعي للمجالات الصحية الطبية والنفسية ، المرجع السابق ، ص 112 .
3- إقبال ابراهيم مخلوف ، العمل الاجتماعي في مجال الرعاية الصحية " اتجاهات تطبيقية " ، المرجع السابق ، ص 163 .
منع الزيارة ، بالتالي قد يرفض المريض هذا القرار ، ويرفض العلاج ، ويطلب الخروج
من المستشفى ، وهنا يتدخل الاختصاصي الاجتماعي لتوضيح هذا القرار والذي تستدعيه مهمة الطبيب ولمصلحته (1) .
3- مرحلة الخروج من المستشفى والمتابعة :-
وهي الفترة التي يسمح فيها للمريض بمغادرة المستشفى والعودة لأسرته ، وهنا يأتي دور الاختصاصي الاجتماعي في تهيئة البيئة الخارجية له حتى لا ينتكس مرة أخرى ويمكن بلورة دوره في النقاط التالية (2):-
أ- تتبع الحالات بعد الخروج من المستشفى ، لضمان سير العلاج كما خطط له ، حيث إن الممارس المهني يعمل على تهيئة البيئة الخارجية لاستقبال المريض بعد خروجه من المستشفى ، ويتم ذلك بالتعاون مع الأسرة ، وجماعة العمل ، والأصدقاء،ويعرفهم على كيفية التعامل معه حسب تعليمات الطبيب المعالج .
ب- قد يترك المرض عاهة مستديمة في المريض ، وعلى الاختصاصي الاجتماعي أن ينصب اهتمامه على ناحيتين الأولى: مساعدة المريض على تقبل عاهته،والأخرى: أن يوجه ما تبقى له من قدرات إلى عمل يتناسب معه ، وفق توجيهات الفريق المعالج.
ج- ومن عواقب المرض أيضاً قد يفقد المريض ثقته في قدرته على العمل ، وفي هذه الحالة ينبغي أن يقوم الاختصاصي الاجتماعي بتشجيع المريض على العودة إلى العمل السابق ، وذلك بالتعاون مع الطبيب ، إذا تبين أن العمل لا يتعارض مع حالته الصحية .
ــــــــــــــــــــ
1- إقبال بشير ، إقبال إبراهيم مخلوف ، الرعاية الطبية والصحية والمعوقين من منظور الخدمة الاجتماعية ، المرجع السابق ،
ص 212 .
2- فاطمة مصطفى الحاروني ، خدمة الفرد في محيط الخدمات الاجتماعية ، المرجع السابق ، ص 631 .