قصة نهاية محتال
إتّفق ثعلب وذئب على الصداقة والعيش معاً، وتعاهدا على المحبة والتعاون في حالتي الخير والشر . والثعلب حيوان اشتهر بالاحتيال وقلة الصدق ، وهو دائما يظهر للناس غير ما يضمره في نفسه، ويحب لنفسه الراحة على حساب الآخرين، ويحاول أن يستثمر تعب الآخرين، ويشاركهم غنائمهم، وكأنه صاحب الحق الأول. إنه ليست في الواقع صديقة، بل محتال و شرير. أما الذئب فهو حيوان قوي يسعي في سبيل رزقه، ولا يحب العيش على حساب الآخرين أو الاستفادة من أتعابهم. وهو عادة سليم القلب، يحب أصدقاءه ولا يغدر بهم.
سار الذئب والثعلب داخل الغابة بعد أن تعاهدا على الصداقة والتعاون، ليبحث كل منهما عن بيت يسكنه، واتجه كل منهما إلى ناحية من الغابة .. وبعد قليل صادف الذئب غرفة مبنية من حجر متين، و سقف من صفائح الحديد، وباب خشبي جديد. كان أصحاب هذه الغرفة جماعة من الصيادين، تركوها ورحلوا إلى منطقة أخرى يكثر فيها الصيد.
أعجب الذئب بهذه الغرفة، وفرح لعثوره عليها فرحاً كبيراً. ومن طيبة قلبه، فکر بصديقه الثعلب وقال : “ما أجمل هذا المنزل وما أوسعه..!! إنه يصلح لي ولصديقي الثعلب”، أما الثعلب المحتال، فكان قد وجد غرفة قديمة خربة. وعندما التقى صديقه الأب، قال له : “لقد وجدت غرفة أريد أن أسكتها ، تعال نشاهدها معاً”.. عندما رأى الذئب غرفة الثعلب ، وجدها غرفة خربة، مؤلّفة من أربعة جدران متهدمة لا سقف لها ولا نوافذ. فقال للثعلب : “ما هذه الغرفة الخربة يا صديقي ؟ إنها لا تصلح للسكن ، تعال وانظر الغرفة التي وجدتها أنا”.
ذهب الثعلب مع الذئب ليشاهد غرفته. وعندما وصلا إليها، وجد الثعلب أنها غرقة حسنةً حقاً: سقف حديدي متين، جدران سليمة، وباب خشبي جديد، وهي خير ضمان لحماية ساكنها من الرياح الباردة والأمطار في الشتاء، ومن حرارة الشمس في الصيف. فتمنى الثعلب في نفسه أن تكون هذه الغرفة له، وقرر أن يحتال على صديقه الطيب ليأخذها منه. فقال له: “إنك سيئ الحظ جداً یا صديقي الذئب، لأن غرفتك هذه لا نفع منها في حالات الخطر”.. قال الذئب: “وكيف ذلك …؟ ” أجاب الثعلب: “إذا جاء إنسان و أراد أن يقثلك، وأنت نائم داخل الغرفة، فكيف تستطيع الخروج والهرب؟ فهذه غرفة مقفلة من جميع جهاتها”. قال الذئب: “وماذا يجب أن أصنع يا صديقي ؟”
أجابه الثعلب: “خذ أنت غرفتي فهي بدون سقف ولا باب، ويوجد في حيطانها فتحات كثيرة، تستطيع أن تجد طريقك إلى الهرب منها إذا هجم عليك أحد يريد بك شراً… وأنا مستعد أن آخذ غرفتك.. قال الذئب وقد صدق صاحبه: “أشكر لك نصيحتك يا صديقي… ولكن أنت ماذا ستصنع ؟”. أجاب الثعلب المحتال : “لا تخف على أيها الصديق، فأنا أستطيع تدبير نفسي، إنما المهم أن أطمئن عليك”.
فرح الذئب كثيراً لتمكنه من السكن في حجرة الثعلب، وفي الليلة الأولى هبت رياح شديدة، وامتلأت السّماء بالغيوم، ثم هطل المطر بغزارة، حتى ملأ حجرة الذئب، قابتلّ جسمه وصار يرتجف من شدة البرد، وقضى ليلة مُتعبة، حرمته النوم المريح. بينما نام الثعلب المحتال في الغرفة الجديدة، مقفلاً على نفسه بابها الحديدي، وهكذا بقي دافئ ومرتاحاً اللّيل كله.
في صباح اليوم التالي هدأت الرياح وتوقف نزول المطر ، وذهب الثعلب المحتال ليرى ما حل بالذئب، فوجده تعِباً من قلة النوم، مُتبلّ الجسم مرتجفاً، وقد ملأت مياه المطر أرض غرفته غير المسقوفة حتى أصبحت كالبِركة . فأسرع الثعلب المكار وأوقد ناراً ليدفأ الذئب البردان، وقال له: “ِلمَ لَمْ تحضر إلى غرفتي ؟ لقد انتظرتك طول الليل”. شكر الذئب الثعلب، وهو لا يزال يصدقه و تنطلي عليه حيله. وعندما ارتاح الذئب وحمي جسمه، خرج مع الثعلب إلى البرية ليصطادا معاً ما يأكلانه.
وفي الطريق صادَفا قطيعاً من الغنم، فهجم الذئب وخطف خروفاً كبيراً و سمیناً. بينما لم يستطع الثعلب سوى اختطاف حمل صغير. وبعد أن عادا إلى الغابة، لاحظ الثعلب المحتال الخروف السمين بين يدي الذئب فأعجبه أكثر من الحمل الصغير. فأراد أن يحتال من جديد على صديقه الطيب القلب ، فقال له: “ما هذا الخروف الذي معك أيها الصديق ؟ إنه ليس بلذيذ، ولكن صوفه طويل وغزير، فجعل جسمه يبدو سمیناً. كما أن لحمه ليس بلذيذ. أما حملي الصغير فهو طري اللحم، لذيذ الطعم خفيف على المعدة، وهو أنسب لك لأنك مريض من تعب وبرد ليلة البارحة. وإنني مستعد، إكراما لك، أن أبادلك : فخذ هذا الحمل الطري واعطني خروفك”. قبل الذئب المسكين نصيحة الثعلب ، وأخذ منه الحمل الصغير وأعطاه الخروف الكبير . وعندما أراد أكل الحمل، لم يجد فيه سوى الجلد والعظم وقليل من اللحم. بينما أكل الثعلب الخروف الكبير ، وملأ بطنه لحماً لذيذاً دسماً .
لم يشبع الذئب من أكل لحم الحمل الصغير . وعندما شكا جوعه للثعلب، قال له الثعلب: “هيا بنا نبحث عن صيد جديد نأكله”. فخرجا إلى القرية، وصادَفا زريبة فيها غنم وبقر كثير. وكان بابها مقفلاً. فقال الثعلب المكار للذئب: “أدخل أنت وحدك، وأنا أحرسك في الخارج، لأننا إذا دخلنا معاً، وأحسّت بنا كلاب الحراسة، سدّت علينا الباب، فلا نستطيع عندئذٍ أن نخرج أبداً”.
صدق الذئب كلام الثعلب، وقبل أن يدخل وحده إلى الزّريبة، وعندما أصبح داخل الزّريبة، رآه الكلب الحارس، فعَوی عواءً عالياً، وحضر عند ذلك أصحاب زريبة الغنم حاملين عُصيّهُمُ الغليظة. فهرب الثعلب الذي كان منتظراً في الخارج ، بينما لم يستطع الذئب الخروج من الزّريبة إلا بعد أن ناله ضرب شديد، و كسرت رجله. ولم يتمكن من الإفلات و الهرب، إلا بصعوبة كبيرة، وأصحاب الزّريبة يركضون وراءه يريدون قتله.
وأخيراً تمكن الذئب من الإفلات من أصحاب زريبة الغنم، والابتعاد عنهم والهرب إلى غرفته داخل الغابة، وهو يعوي ويَصرُحُ من شدة الألم. أمّا الثعلب المكّار، فقد فر بسهولة لأنه كان خارج الزّريبة، ولم يحاول أن يعاون الذئب أو يلتفت إليه، بل نجا بجلده ووصل إلى بيته مرتاحاً قرير العين . بعد هذه الحوادث المتكررة، والتي عادت بالضرر على الذّئب وحده، تنبه الذّئب الطيب القلب إلى حيل و خيانات صديقه الثعلب، الذي كان يستخدمه دائماً ويستولي على ما يصيده، ويأخذ الصيد الطيب لنفسه، كما أخذ مئه بيته الجيد وأعطاه البيت الخرب، وها هو الآن يتركه عند الخطر يجاهد وحده، ويتحمل البرد والجوع وألم الضرب.
قال الذئب بعد هذا التفكير : “يجب أن أتنبّه بعد الآن من نصائح هذا المحتال، الذي يتظاهر بصداقتي ويعني بالتعاون والمساعدة، ثم يستفيد من تعبي وما أصيدُه من صيد ثمين ، ويتركني عند الخطر وحدي”.
في صباح اليوم التالي، حضر الثّعلب المحتال إلى غرفة الذّئب كعادته، وقال له: “صباح الخير يا صديقي الحبيب ، كيف حالك اليوم ؟”. أجاب الذئب: “أنا بأسوأ حال، ألا ترى كيف ضربني أصحاب زريبة الغنم، و کسروا رجلي ؟ فأنا لا أستطيع المشي إلا بصعوبة، وأحس بألم شديد”. قال الثعلب: “هذا لأنك جاهل يا صاحبي. كان يجب عليك أن تهرب فتجري بسرعة، كما فعلت أنا. ولكن لا بأس عليك، وأنا أحمد الله أنك قد نجوت من القتل. أمكث في غرفتك اليوم وسأذهب وحدي إلى القرية لأصطاد لنا شيئاً نأكله”.
ذهب الثّعلب وحده إلى القرية وغاب وقتاً طويلاً. ولما اشتد الجوع بالذئب، خرج يبحث عن الثّعلب. وبعد بحث طويل و جده أخيراً، وقد وقع في شركٍ من الحبال الغليظة، التي التفّت حول جسمه ومنعته من الحركة. فقال الذئب للثعلب: “ما هذا الذي أراه حول جسمك؟ أجاب الثعلب المحتال: “هذه عقود من الجبال، للزينة”.
قال الذئب بعد أن فهم الحيلة الجديدة: “أنت دائماً حسن الحظ، أين أجد مثل هذه العقود الجميلة ؟” أجاب الثعلب: “تعال يا عزيزي ، حل هذه العقود من حول جسمي و البسها. وأنا مستعد، إكراماً لك، أن أعطيك إياها، وأنا أبحث عن غيرها”. عندها ضحك الذئب وأجاب: “ها… ها ها… لقد عرفت حيلتك، واكتشفت خبثك أيها المكار . ليست هذه عقود، ما هي إلا شرك ينصبه الرُّعاة للمحتالين أمثالك، ليقبضوا عليهم، ويقتلوهم. فابق أسير هذه العقود الجميلة. بورك لك فيها فأنا لا أريد مثلها”.
حضر الرّعاة في الصباح ، فرأوا من بعيد الثعلب أسيراً داخل شركهم . ففرحوا بالقبض على عدو الرعاة وغنمهم. وصاحوا قائلين: “الحمد لله، لقد وقع الثعلب اللعين في الشرك… وقع الثعلب في الشرك”، أسرع جميع الرعاة، فأمسكوا بالثعلب وأخرجوه من الشرك، ثم انهالوا عليه ضرباً بعصيهم حتى قتلوه، وارتاحوا من شره.. حدث هذا، والذئب ينظر إليهم من بعيد ويقول في نفسه: “لست حزيناً لما أصاب الثعلب. لقد خدعني واحتال علي، وحاول الإيقاع بي، وهذه نهاية كل محتال، وجزاء كل ماكرِ وخبيث”.
ساهم في ترقية التعليم في الجزائر، و أرسل لنا ملفاتك ليتم نشرها باسمك و يستفيد منها أبناؤنا
و تبقى لك صدقة جارية الى يوم القيامة
صفحتنا على فايسبوك
أن مرت الأيام ولم تروني
فهذه مواضيعي فتذكروني
وأن غبت يوما ولم تجدوني
ففي قلبي حبكم فلاتنسوني
وأن طال غيابي عنكـــــــم
دون عودة فأكون وقتهـــا
بحاجة للدعاء فأدعو لي