يُقصَد بالنِّظامِ الغِذائيِّ المتوازِن الحصولُ على جَميع العَناصر الغذائيَّة الضَّرورية للجسم عن طريق تناول الطَّعام وبالكمِّيات المناسبة لكلِّ عنصر. ولكن، لا يُوجَد فى الطبيعة طعامٌ متكامل من حيث العناصرُ الغذائيَّة، فكلُّ طعام يحتوي على بعض العناصر، وتنقصُه عناصرُ أخرى. لذا فإنَّ تكاملَ الأطعمة فى الوجبة الغذائية أمرٌ بالغ الأهمِّية، ولا يمكن أن يتحقَّقَ ذلك إلاَّ عن طريق دمج مجموعة من الأطعمة مع بعضها البعض للحُصول على وجبة مُتَوازِنَة من النَّاحيةِ الغِذائية.
يُمارسُ النِّظامُ الغِذائيُّ المتوازِن دوراً هاماً فى الوقاية من الأمراض، لاسيَّما تلك المرتبطة بالتغذية. ويكونُ سوءُ التغذية ناجماً عن نقص عنصرٍ أو أكثر من العناصر الغذائيَّة الضَّرورية في الطعام الذي يَتَناوله الشخص؛ فمع الاستمرار في تناول الطَّعام نفسه، بالإضافة إلى عدم أو قلة التنوُّع في الأطعمة المتناوَلة في الوجبة، قد يَستفحل النقصُ في العناصر الغذائيَّة، ويُصاب الشخصُ بسوء التَّغذية.
التَّخطيطُ للوجبات الغِذائيَّة
هناك عدَّةُ طرق لتَخطيط الوجبات الغذائيَّة meal planning، أهمُّها نظام المجموعات الغذائيَّة والهرم الغذائي:
نِظامُ المَجموعات الغذائيَّة
يَعتمِدُ نِظامُ المجموعات الغذائيَّة food groups على تقسيم الأغذية إلى عدَّة مجموعات تتشابه إلى حدٍّ كبير في قيمتها الغذائية ومحتواها من العناصر الغذائيَّة. ولتخطيط الوجبة المتكامِلَة، تُوزَّعُ الأطعمةُ في الوجبة على هذه المَجموعات بحيث تشتملُ الوجبةُ على حصص محدَّدة من كلِّ مَجموعَة.
هناك عدَّةُ مجموعات من الأغذية؛ ففى بعض الدول تُقسَم الأغذيةُ إلى ثلاث مجموعات، وفى دول أخرى إلى أربع مجموعات، وكذلك إلى خمس أو ستِّ مجموعات، ولكن الأكثر شيوعاُ هو المجموعات الأربع.
نِظامُ مَجموعاتِ الطَّعام الأربع
[list="margin-right: 0px; margin-left: 0px; padding-right: 0px; padding-left: 0px; border: 0px; line-height: 18px;"]
[*]
مَجموعَة الألبان ومنتجاتها milk and dairy products: تزوِّد هذه المجموعةُ الجسمَ بمعظم ما يحتاج إليه من الكالسيوم، بالإضافة إلى الفيتامين B2 (الرِّيبوفلافين) والبروتين ذي النوعية الجيِّدة والفيتامينات والمعادن والدُّهون والنَّشويات. ويختلف مقدارُ ما يحتاج إليه الفردُ من هذه المجموعة باختلاف العمر والجنس والحالة الفيزيولوجيَّة.
[/list]
مجموعة اللُّحوم والبُقول meat and legumes: تزوِّد هذه المجموعةُ الجسمَ بكمِّية كافية من البروتين ذي النوعية الجيِّدة، بالإضافة إلى الحديد والفيتامينات B المركَّبة وبعض الأملاح المعدنيَّة كالفُسفور والزنك. وتتميَّز هذه المجموعةُ باحتوائها على مواد شبيهة باللُّحوم من حيث العناصرُ الغذائية، ولكنَّها نباتية المصدر مثل الفول والفاصوليا والبازلاَّء الجافَّة وزبدة الفستق (الفول السوداني). وتشمل هذه المجموعةُ لحومَ الغنم والأبقار والأسماك والدَّواجن والطيور والبيض، بالإضافة إلى البقوليَّات الجافَّة مثل العدس والفاصوليا والبازلاَّء والفول والحمُّص. مَجموعة الخضروات والفواكه vegetables and fruits: تُعَدُّ هذه المجموعةُ مصدراً هاماً لتزويد الجسم بالألياف الغذائيَّة والفيتامينات والعناصر المعدنيَّة، وخاصَّة الفيتامينين A و C. وتشمل هذه المجموعةُ الخضروات والفواكه بأشكالها المتعدِّدة الطازجة والمجمَّدة والمعصورة والمجفَّفة. مَجموعة الخبز والحبوب cereals and bread: وهي تزوِّد الجسمَ بالنَّشويات والبروتين والألياف والفيتامين B1والنِّياسين والحديد والزَّنك وبتكلفة بسيطة نسبياً. ويوجد الحديدُ والزنك في الحبوب الكاملة عادة. وتشتمل هذه المجموعةُ على الخبز والحبوب والرز والمعكرونة.
الهرمُ الغِذائي
لقد استُحدِث الهرمُ الغِذائي food guide pyramid للمُساعدة على التَّخطيط الغذائي المتوازن لتفادي النَّقد الذي وُجِّه لمجموعات الطَّعام الأربع. وتعتمد فكرةُ الهرم الغذائي على زيادة عدد الحصص المتناوَلة من مجموعة الخبز والحبوب من أربع حصص إلى 6-11 حصَّة يومياً، بالإضافة إلى فصل مجموعة الخضروات والفواكه إلى مجموعتين منفصلتين، بحيث يصل عددُ الحصص التي يُنصَح بتناولها من مجموعة الخضروات إلى 3-5 حصص، بينما يصلُ في الفاكهة إلى 2–4 حصص يومياً، وذلك لتزويد الجسم بالطَّاقة اللازمة له عن طريق النَّشويات المتوفِّرة في المجموعات الثلاث الآنفة الذِّكر، والتقليل من تناول الدُّهون والملح والكولستيرول، والتَّركيز على الألياف.
يمكن تَلخيصُ فكرة الهرم الغِذائي بما يلى:
[list="margin-right: 0px; margin-left: 0px; padding-right: 0px; padding-left: 0px; border: 0px; line-height: 18px;"]
[*]
تحتلُّ مجموعةُ الخبز والحبوب قاعدةَ الهرم العريضة، إذ يُوصَى بتناول 6-11حصَّة يومياً من هذه المجموعة.[*]
يليها بعد ذلك مجموعةُ الخضروات في الجزء الأيسر من الهرم فوق مجموعة الخبز والحبوب، إذ يُوصَى بتناول ما مقداره 3-5 حصص يومياً.[*]
وفي الجزء الأيمن، بجانب مجموعة الخضروات، تقع مجموعةُ الفواكه والتي يوصى بتناول 2-4 حصص منها يومياً.[*]
وتأتي مجموعةُ اللُّحوم والدَّواجن والأسماك والبقوليَّات والبيض والمكسَّرات في الجانب الأيمن للهرم فوق مَجموعة الفواكه، ويُوصَى بتناول 2-3 حصص من هذه المجموعة يومياً.[*]
وتقعُ مَجموعةُ الحليب والأجبان والألبان بجانب مجموعة اللُّحوم، ويُوصَى بتناول 2-3 حصص من هذه المجموعة يومياً.[*]
وتأتي مجموعةُ الدُّهون والزيوت والحلويات في قمَّة الهرم، ويُوصَى بالتَّقليل من هذه المجموعة واقتصار تناولها على تزويد الجسم بالطَّاقة، مع عدم التقليل من الحصص الموصى بها من المجموعات الخمس الآنفة الذكر.[/list]
ومِمَّا سبق ذكره عن الهرم الغذائي، يستطيع هذه النظامُ توفير التغذية المتوازنة لأفراد المجتمع الأصحَّاء، بالإضافة إلى دوره الوقائي من العديد من الأمراض التى تنشأ عن عدم توفُّر التغذية المتوازنة.
تركِّز فكرةُ الهرم على زيادة استهلاك الحبوب والخبز والخضروات والفواكه، والتي تؤدِّي بدورها إلى زيادة استهلاك الألياف والتَّقليل من استهلاك الدُّهون والسكَّر والكولستيرول.
الوجباتُ الغذائيَّة اليوميَّة
من المعروف أنَّ هناك ثلاثَ وجباتٍ رئيسيَّة يَجري تناولُها في اليوم. ولكنَّ أهمِّيةَ الوجبة تختلف من مجتمعٍ إلى آخر؛ فمثلاً، تُعَدُّ وجبةُ العشاء في الدُّول الغربية هي الوجبة الرَّئيسية؛ أمَّا بالنسبة للمجتمعات العربيَّة، فإنَّ الوجبة الرئيسية هي وجبة الغداء.
وجبةُ الإفطار. يُعَدُّ الإفطارُ breakfast من الوجبات المهمَّة من الناحية الغذائية، وهو يأتى بعد مدة طويلة نسبياً من عدم تناول أيِّ طعام عادة؛ فتناولُ إفطار جيِّد يساعد الشخص على زيادة نشاطه وتحمُّله للعمل، كما يساعد أجهزةَ الجسم على العمل بطريقة سليمة. ولذلك، يجب أن يساهمَ الإفطارُ في تزويد الجسم برُبع الحاجات الغذائية اليومية للشخص على الأقل.
والإفطارُ الشَّائع في معظم الدُّول العربية هو الشاي مع الخبز والجبن أو البيض، ويُضاف إليه المربَّى أو العسل أحياناً. وتعتمد القيمةُ الغذائيَّة لهذا الإفطار على الكمِّيات المتناوَلة من هذه الأغذية. وهذا الإفطارُ، بشكلٍ عام، غنيٌّ بالبروتين والمواد الكربوهيدراتيَّة (السكَّرية) والدُّهون والعديد من الأملاح المعدنية والفيتامينات. ولكن، لا تتناول جميعُ الأسر مثلَ هذا الإفطار؛ فالأسرُ الفقيرة في بعض الدول العربيَّة تتناول الشاي مع الخبز في إفطارها، وهو إفطارٌ فقير بالقيمة الغذائية، وقد يسبِّب استمرارُ تناوله مشاكلَ غذائيَّة لصعوبة الحُصول على المخصَّصات أو الحصص الغذائيَّة في الوجبات الأخرى.
ومن وجباتِ الإفطار الشَّائعة في بعض المجتمعات العربية الفولُ واللبنة والحمُّص مع الخبز والشاي، والجبنة البيضاء أحياناً. وهذا إفطارٌ جيِّد ومرتفع القيمة الغذائيَّة، لاسيَّما إذا جرى تناولُ أكثر من نوعٍ من الطعام في الوجبة نفسِها، مثل تناول الفول ولبن الزَّبادي والخبز، أو تناول الحمُّص والفول والخبز.
وجبةُ الغداء. تُعَدُّ وجبة الغداء lunch أهمَّ وأكبر وجبة في المجتمعات العربيَّة، لذا فهي تحظى بالاهتمام الأكبر من ربَّة الأسرة. وتساهم وجبةُ الغداء في تزويد الجسم بما لا يقلُّ عن نصف المخصَّصات اليومية للفرد. ولذلك، يؤدِّي تناولُ غداء فقير بقيمته الغذائية إلى صعوبة حصول الفرد على حاجاتِه الغذائية في ذلك اليوم.
ويُعَدُّ الرزُّ أهمَّ طعام في وجبة الغداء في العديد من الدول العربية، لاسيَّما في دول الخليج العربية، حيث نجد أنَّ الرزَّ مع اللحم أو السَّمك أو الدَّجاج هو الغداء المفضَّل للأسر. والرزُّ المستخدَم هو الرزُّ المصقول أو المكرَّر والمزالة قشرتُه التي تحتوي على مَقادير كبيرة من الفيتامينات B وبعض الأملاح المعدنية الهامَّة، مع أنَّ الرزَّ الكامل أفضل لصحَّة الجسم من الرزِّ المزال القشرة. كما أنَّ عادةَ تكرار غسل الرز تُؤدِّي إلى ذوبان مقادير كبيرة من بعض الفيتامينات B في الماء. ولكنَّ تناولَ اللحم أو السمك أو الدَّجاج يساهم في تعويض بعض هذه الفيتامينات. لقد وُجِد أنَّ تناولَ الرز مع اللحم أو السمك أو الدَّجاج وبمقادير مناسبة، بالإضافة إلى تناول السَّلطات معهما، يوفِّر مقادير مناسبة من العناصر الغذائية التى يحتاج إليها الجسم.
يحتلُّ الخبزُ مكانةً هامة في وجبة الغداء عندَ عدد كبير من سكَّان الدول العربية، حيث يجري تناولُه مع اللحم أو الدَّجاج، أو يُستخدَم في تحضير الطبق المتناوَل أحياناً، مثل الفتَّة التي يجري تناولُها في دول المشرق العربِي. كما يجري تناولُ الخبز مع الحمُّص أو الفول أو اللبنة أو الجبنة في وجبة الغداء أحياناً. ومع التنوُّع في تناول الخضروات الطازجة، فإنَّ الأطعمَةَ المتناولة في وجبة الغداء توفِّر نسبةً جيِّدة من العناصر الغذائية إذا جرى تناولها بكمِّيات كافية.
وجبةُ العشاء. لا يحظى العشاءُ بأهمِّيةٍ كبيرة كوجبةٍ رئيسيَّة إذا ما قورن بالغداء؛ ففي المجتمعات العربيَّة، نجد أنَّ معظم الأسر تتناول غداءَها في المنـزل، أمَّا العشاء فنجد تزايداً في ظاهرة تناوله خارج المنـزل أو شرائه من المطاعم، وهذا ينطبق بصفةٍ خاصَّة على المدن الرئيسيَّة، أمَّا في الأرياف فما زال العشاءُ يجري تناولُه في المنـزل.
ومن اللافِت للنظر أنَّ وجبة العشاء تكون أكثرَ تنوُّعاً من وجبتي الإفطار والغداء في بعض المجتمعات العربيَّة، وهذا عائدٌ إلى تعدُّد المصادر التي يجري شراء العشاء منها. وهو يُعَدُّ فرصةَ للتغيير والتعرُّف إلى الأغذية غير المعتاد تناولها في المنـزل.
تُعَدُ الوجباتُ السَّريعة fast foods من المكوِّنات الأساسيَّة في وجبة العشاء، خاصَّة عند المراهقين وأطفال المدارس في المدن الرئيسيَّة. وقد ساد الاعتقادُ بأنَّ هذه الأغذية غير مغذِّية أو أنَّها ضارَّة صحياً، ولكنَّ هذا الاعتقادَ لا ينطبق على نسبةٍ كبيرة من الأغذية (الوجبات) السَّريعة. كما أنَّ مفهوم الأغذية السريعة لا يقتصر على الهمبرغر والدَّجاج المقلي والبيتزا والنَّقانق والبطاطس المقلية، بل يشمل الشاورما وسندويشات الفول والحمُّص واللبنة والسَّمبوسة والفطائر المحشية وغيرها.
تَحتَوي الوجباتُ السَّريعة على نسبةٍ عالية من البروتين وبعض الفيتامينات والأملاح المعدنية، ولكنَّها تحتوي على نسبة عالية من الدُّهون (لاسيَّما الدُّهون المشبعة) والصوديوم أيضاً، ومن المعروف أنَّ هذه العَناصِرَ الغذائية (الدُّهون والصُّوديوم) لها ارتباطٌ بأمراض القلب، لذا يُفضَّل الاعتدالُ في تناول الوجبات السَّريعة، والإكثار من الخضروات معها.